الحدث – القاهرة
أعلنت مصادر تركية أن أجهزة الأمن والاستخبارات ألقت القبض على “جمعة عواد البدري” أو “جمعة البغدادي”، الشقيق الأكبر لخليفة داعش الأسبق أبو بكر البغدادي، والذي تعتقد أنه نفسه “أبو الحسن الهاشمي”، خليفة داعش الحالي، بحسب تعبيرها، مضيفةً أنه جرى إبلاغ الرئيس التركي بهذه العملية، وسيتم الإعلان عن تفاصيلها قريبًا.
ورغم عدم إفصاح تنظيم داعش، عن أي معلومات بخصوص “جمعة البغدادي”، إلا أن العديد من المصادر العسكرية والاستخبارية العراقية والأجنبية، تؤكد أنه أحد الجهاديين المخضرمين، وواحد من أبرز قادة داعش، الذين ظلوا مختفين لفترة طويلة، وتحاول القصة التالية كشف الغموض الذي يكتنف هوية جمعة البغدادي، بعد الأنباء عن إلقاء القبض عليه:
زعيم غامض لا يُعرف عنه الكثير من المعلومات، اشُتهر تارةً بأنه رئيس مجلس شورى تنظيم داعش، وعُرف تارة أخرى بأنه شقيق خليفة التنظيم (الأسبق) ومستشاره الشرعي الأقرب، لكن هويته الحقيقية وتفاصيل الأدوار الحركية التي لعبها لم تزل محاطة بهالة من السرية، تتناسب مع كل الروايات التي صِيغت عنه، وأدت لبروز اسمه بقوة ضمن قيادة داعش العليا، لتصير شخصيته واسمه “جمعة البغدادي”، ضمن أكثر الأسماء المثيرة للجدل في قيادة الحركة الجهادية المعولمة.
ظل “جمعة البغدادي” أو “جمعة عواد إبراهيم البدري السامرائي”، بعيدًا عن الأضواء لفترة طويلة، حتى رغم وصول شقيقه “أبو بكر البغدادي” (إبراهيم بن عواد البدري)، إلى إمارة تنظيم دولة العراق الإسلامية، (النسخة الأسبق لداعش)، عام 2010، وحينها لم يتم الإشارة إلى دوره الجهادي بأي صورة من الصور، وانصب التركيز على هوية أبو بكر البغدادي، الذي عُدّ “أميرًا مجهولًا” لدى الجهاديين وأمرائهم، وعلى رأسهم أسامة بن لادن وقادة تنظيم القاعدة، الذي كان على صلة وارتباط بـ”دولة العراق الإسلامية”، في ذلك التوقيت، بحسب ما كشفته وثائق آبوت آباد التي نشرتها الاستخبارات الأمريكية بعد مقتل زعيم القاعدة المؤسس.
وعندما ظهر “أبو بكر البغدادي”، علنًا للمرة الأولى في 2014، بدأت الصورة تتضح شيئًا فشيئًا، واتضح، وقتها، أن زعيم داعش الذي شغل العالم بأسره، لم يكن سوى أحد قدامى المقاتلين الذين التحقوا بالتنظيمات الجهادية برفقة شقيقه الأكبر “جمعة البغدادي/ جمعة عواد”، عقب الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.
بداية مختلفة ومسار واحد
وتُشير المعلومات المتاحة عن مسيرة جمعة البغدادي، وشقيقه أبو بكر البغدادي، (وهم شقيقين من أصل 3 أشقاء ذكور)، إلى أنهما انضما إلى تنظيمين إسلاميين مختلفين في أواخر الألفية الماضية، فاعتنق جمعة البغدادي، فكر السلفية الجهادية، بينما انضم شقيقه “إبراهيم” والمعروف، لاحقًا، بـ”أبو بكر البغدادي” إلى جماعة الإخوان المسلمين، قبل أن ينشق عنها ويعتنق فكر السلفية الجهادية، في توقيت متزامن مع غزو أمريكا للعراق.
ومع أن جمعة البغدادي سبق شقيقه الأصغر في الانضمام إلى السلفية الجهادية، إلا أن الأخير اكتسب شهرة وخبرة تنظيمية أكبر منه، سريعًا، حينما ساهم في تأسيس “جيش أهل السنة والجماعة”، وهو فصيل سلفي جهادي كان منخرطًا في قتال القوات الأمريكية المحتلة، قبل أن يندمج مع تنظيم القاعدة وفصائل أخرى لتأسيس مجلس شورى المجاهدين في العراق والذي انبثق عنه، بعد ذلك، تنظيم دولة العراق الإسلامية.
بيد أن مسيرة الشقيقين الجهاديين، ارتبطت بشكل وثيق، فحينما خطا أبو بكر البغدادي، خطواته الأولى في سلم القيادة الجهادية وصار مسؤولًا عن الهيئات الشرعية لتنظيم دولة العراق الإسلامية، كان “جمعة البغدادي” قريبًا منه، وعمل كمستشار شرعي وشخصي له، بحسب ما كشفته مصادر عراقية، بعد مقتل أبو بكر البغدادي في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
وزادت أهمية “جمعة البغدادي”، (الذي لم يظهر ولو لمرة واحدة علانية أو تُعرف له صورة)، حينما تمدد تنظيم داعش إلى سوريا وأسس خلافته المكانية، تحت إمرة “أبو بكر البغدادي”، فعمل كحارس شخصي ومراسل للخليفة، ضمن ما سُمي بـ”ديوان الخليفة”، وهو أعلى هيئة تنفيذية اندرجت ضمن البناء الهيراركي للتنظيم، بحسب ما كشفه إصدار “صرح الخلافة” الصادر عن ديوان الإعلام المركزي في يوليو/ تموز 2016.
قيادة الاضطرار
وفي هذه الأثناء، تعرضت قيادة داعش العليا لحملة استهداف مركزة من قبل قوة العمليات المشتركة/ العزم الصلب “التحالف الدولي لدحر داعش”، وأدت تلك الحملة لمقتل جل أمراء الصف الأول، واكتشف أبو بكر البغدادي وقتها أن هناك خيانة داخل الدائرة القيادية العليا للتنظيم، وفق ما يذكره عديله محمد علي ساجت.
واضطر أبو بكر البغدادي لأن يعتمد بشكل كبير على شقيقه “جمعة البغدادي”، في قيادة وتوجيه ما تبقى من التنظيم، خاصةً بعد أن اضطر للتواري عن الأنظار وقيادة داعش من الظل، بعد سقوط الخلافة المكانية في مارس/ آذار 2019.
ووفق المصادر العراقية فإن “جمعة البغدادي” تولى، في تلك الفترة، رئاسة مجلس شورى داعش، والذي يعد أعلى هيئة قيادية في التنظيم ويشرف على الهيئة التنفيذية، ونظيرتها الشورية العليا، وتكون هذا المجلس من 5 قيادات آخرين، لم يتم الكشف عن هويتهم، لكن تلك المعلومات لم يتم تأكيدها بشكل رسمي، حتى الآن.
وعلى ذات الصعيد، تُشير مصادر استخبارية عراقية إلى أن “جمعة البغدادي” تولى نقل توجيهات خليفة داعش أبو بكر البغدادي من مخبأه في شمال سوريا، إلى بقية شبكات وخلايا التنظيم في سوريا والعراق، وخارجهما، وتمكنت الأجهزة الاستخبارية العراقية والأمريكية من رصده في مناسبات عدة، مع أنه اعتمد أسلوبًا أمنيًا متشددًا ليضمن أن لا يتم ملاحقته أو القبض عليه، في الفترة التي أعقبت سقوط الخلافة المكانية وحتى مقتل شقيقه الأصغر أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
رحلات جمعة البغدادي بين إسطنبول وشمال سوريا
وذكرت المصادر الاستخبارية العراقية، في عام 2020، أن جمعة البغدادي سافر عدة مرات بين شمال سوريا ومدينة إسطنبول التركية، قائلةً إنه بدأ هذه الرحلات في نهاية عام 2018، وزار المدينة التركية أكثر من مرة، من بينها زيارة في أبريل/ نيسان 2019، وجرى تتبعه في تلك الأثناء من قبل الاستخبارات العراقية والأمريكية، لكن لم يتم القبض عليه لأن الأجهزة الاستخبارية أرادت التوصل لمخبأ شقيقه (خليفة داعش)، وبالتالي ظلت تتبعه إلى أن وصل إلى المنطقة الحدودية في شمال سوريا.
وعمل “جمعة البغدادي” في نقل الرسائل والتعليمات بين أبو بكر البغدادي وقيادات داعش البارزين (خاصةً مسؤولي العمليات الخارجية في جهاز داعش الاستخباري والأمني)، وكان يتلقى الرسائل عبر “ساعي” آخر، مكتوبة أو شفهية، كذلك الأموال وغيرها من اللوجستيات، ويحملها بنفسه حتى شمال سوريا لإيصالها لخليفة التنظيم (الأسبق).
وبحسب ما ذكرته صحيفة “ذا ناشيونال”، عام 2020، فإن الاستخبارات العراقية والأمريكية تابعت “جمعة البغدادي”، لمدة 5 أشهر، ولاحقته من إسطنبول إلى شمال سوريا، قبل أن يدخل إلى إدلب السورية، ويختفي عن الأنظار.
ومن الواضح أن “جمعة البغدادي” كانت لديه قدرة كبيرة على المراوغة ليتمكن من تضليل مراقبيه والإفلات من الملاحقة، بعد دخوله إلى شمال سوريا، التي تُسيطر عليها فصائل جهادية (هيئة تحرير الشام).
وبعد أشهر من ملاحقة “جمعة البغدادي”، نجحت القوات الأمريكية الخاصة في استهداف شقيقه “أبو بكر البغدادي”، داخل منزل أقام به في قرية باريشا (ريف إدلب- قرب الحدود مع تركيا)، بينما بقي الأول مختفيًا عن الساحة لوقت طويل حتى بعد مقتل شقيقه الذي شغل منصب “خليفة داعش”.
خليفة داعش أم متحدثه الإعلامي؟
غير أن هذا الاختفاء لم يدم إلى ما لا نهاية، فعقب مقتل الخليفة الثاني لداعش “أبو إبراهيم القرشي” والمعروف أيضًا بحجي عبد الله قرداش، عاد اسم “جمعة البغدادي” إلى الواجهة من جديد، إذ نقلت وكالة رويترز عن مصادر أمنية عراقية قولها إن أبو الحسن الهاشمي، الخليفة الجديد لداعش، والذي جرى الإعلان عنه في مارس/ آذار 2022، هو نفسه “جمعة البغدادي”، شقيق خليفة داعش الأسبق.
ولم تكشف “رويترز” أي معلومات أو تفاصيل إضافية عن هوية “جمعة البغدادي”، مكتفيةً بالقول- على لسان المصادر العراقية- إنه غادر سوريا وتوجه نحو العراق.
وفي نفس التوقيت، زعمت مصادر عراقية أخرى أن جمعة البغدادي ليس خليفة داعش، وإنما متحدثه الإعلامي الجديد المكنى بـ”أبو عمر المهاجر”، مردفةً أن اللهجة التي تحدث بها الأخير في الكلمات الصوتية التي بثتها مؤسسة الفرقان الداعشية، تشير إلى أنه عراقي الجنسية وأنه شقيق البغدادي، على حد قولهم.
غير أن مصادر استخبارية عراقية، وأخرى عسكرية من بينها اللواء يحيى رسول، الناطق الرسمي باسم الجيش العراقي، ذكرت لـ”أخبار الآن” أن “جمعة البغدادي” ليس هو “أبو الحسن الهاشمي”، مضيفةً أن الأخير هو اسم حركي لقيادي داعشي بارز يُعرف بـ”الأستاذ زيد العراقي”، وهو نفسه بشار غزال الصميدعي، أحد أعضاء مجلس شورى داعش وعضو لجنة الرقابة المنهجية وأمير ديوان التعليم بالتنظيم سابقًا.
ورغم تضاربها في ما يخص هوية “أبو الحسن الهاشمي” إلا أن جميع المصادر تؤكد أن “جمعة البغدادي”، يشغل حيثية مهمة داخل تنظيم داعش، وأنه لعب أدوار قيادية بارزة، منذ وصول شقيقه “أبو بكر” إلى إمارة داعش، قبل سنوات طويلة.
هل سقط “جمعة البغدادي” في الفخ التركي؟
وفي حين كان تنظيم “داعش”، يحاول الترويج بواسطة إعلامه الخاص إلى أنه لم يتأثر بمقتل قادته البارزين، ويسعى جاهدًا لنفي الشكوك القوية حول وجود اختراق لقيادته العليا، أعلن مسؤولون أتراك بارزون أن قوات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ألقت القبض على قيادي داعشي كبير، مرجحةً أنه “جمعة البغدادي”، وذلك بحسب ما ذكرته مصادر لأخبار الآن، وأكدته وكالة بلومبرغ.
ووفقًا للمعلومات المتاجة حتى الآن، فإن الشخص الذي جرى القبض عليه، خلال إغارة قامت بها القوات التركية على منزل في إسطنبول، ويُرجح أنه جمعة البغدادي قاد تنظيم داعش في الفترة التي تلت مقتل خليفته السابق “أبو إبراهيم الهاشمي”، مدعيةً أنه نفسه “أبو الحسن الهاشمي القرشي”، الذي أعلن داعش توليته منصب الخليفة في مارس/ آذار الماضي.
وسبق للقوات التركية أن ألقت القبض على شقيقة “أبو بكر البغدادي” و”جمعة البغدادي” الكبرى، والمعروفة بـ”رسمية عواد إبراهيم”، البالغة من العمر 65 عامًا، خلال عملية لها في منطقة إعزاز السورية، التي تُسيطر عليها فصائل سورية مسلحة (درع الفرات)، مرتبطة بتركيا، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وذلك بعد أيام معدودة من مقتل “أبو بكر البغدادي”.
ومع أنه لا يمكن الجزم، حتى الآن، بأن جمعة البغدادي هو نفسه “أبو الحسن الهاشمي”، إلا أن المؤكد هو أن قيادة داعش العليا جرى اختراقها، منذ زمن، وأن هذا الاختراق أدى لسقوط مجموعة من أبرز قيادات التنظيم من بينهم خليفتيه “أبو بكر البغدادي”، و”أبو إبراهيم القرشي”، ولن يكون آخرهم “جمعة البغدادي”، الذي شارك في قيادة الظل لتنظيم داعش، لفترة طويلة.