السبت 23 نوفمبر 2024
القاهرة °C

أحمد سلطان يكتب : حرب البحار والأنهار والبحيرات.. كيف يستخدم داعش المياه كسلاح استراتيجي؟

الحدث – القاهرة

أقدم تنظيم داعش علىإعدام 4 صيادين قرب جدول “حويجة القادرية”، شمالي مدينة سامراء العراقية، (جنوب شرق مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين)، بعد أيام من اختطافهم، وفي حين اعُتبرت تلك العملية واحدة من الهجمات الإرهابية الروتينية التي يشنها مقاتلو التنظيم، إلا أنها أشارت إلى إستراتيجية داعش واهتمامه بالتواجد قرب الأنهار والممرات المائية، وهي الإستراتيجية التي اتبعها منذ تمدده في سوريا والعراق عام 2014.

فمنذ انهيار الخلافة المكانية، في مارس/ آذار 2019، لجأ داعش إلى العمل بطريقة حروب العصابات الاستنزافية، سعيًا منه لإنهاك خصومه واستنزافهم، وتمهيد الطريق أمام عودته للسيطرة المكانية من جديد، وركز التنظيم في تلك الفترة على إعادة توزيع وانتشار مفارزه داخل العراق، التي تُعد ساحة العمليات المركزية للتنظيم وفق إحصائيات العمليات التي تنشرها أسبوعية النبأ، مركزًا على التواجد في المناطق الجبلية الوعرة، وفي مناطق الحدود العراقية السورية، وكذلك قرب الأنهار والمسطحات المائية الأخرى، التي يعتمد عليها داعش بشكل كبير لتوفير الإمداد اللوجيسيتي لعناصره.

 

ولجأ داعش إلى استهداف السكان المحليين خاصة قرب المناطق التي تحتوي على المياه، فاختطف العديد من الصيادين والعمال الزراعيين وأعدم بعضهم، بينما تمكنتالقوات العراقية من إنقاذ آخرين، وفق البيانات الصادرة عن الحكومة العراقية.

 

ومن اللافت أن مناطق الأنهار والجداول المائية في العراق (التي تسمى ببلاد الرافدين نسبة لنهري دجلة والفرات)، شهدت نشاطًا مكثفًا لتنظيم داعش، وهو ما استدعى إطلاق القوات العراقية لحملات عسكرية لتطهير تلك المناطق، كما فعلت قيادةقاطع عمليات ديالي وقوات الجيش، أواخر العام الماضي، حينما بدأت في تعقب خلايا داعش في حوض نهر الوند بمحافظة ديالي.

 

“عسكرة المياه”

 

وتعد إستراتيجية داعش الحالية، والتي توظف المياه كسلاح امتدادًا لإستراتيجية الجهاد العالمي التي تبناها تنظيم القاعدة، والذي نفذ مقاتلوه هجمات ضد المدمرة الأمريكية “يو إس إس كول” في خليج عدن، عام 2000، وانتهج التنظيم الأول نفس الإستراتيجية منذ تأسيس نواته السابقة “تنظيم دولة العراق الإسلامية”، بيد أن تلك الإستراتيجية ظلت قاصرة ومحدودة الفاعلية، حتى عام 2014، حينما تمكن التنظيم من السيطرة على مساحات شاسعة في سوريا والعراق وتأسيس خلافة مكانية.

واهتم التنظيم في تلك الفترة، بالسعي للسيطرة على الموارد الطبيعية المختلفة وخاصة المياه والنفط والغاز، واستخدم كل منها في تعزيز سيطرته على المناطق التي أنشأ فيها “الخلافة المكانية”، كما استخدمها، بصورة أو بأخرى في العمليات العسكرية، ومواجهة خصومه من القوات العراقية والسورية وغيرها.

 

ومن الملاحظ أن التنظيم تعمد مهاجمة المدن الرئيسية التي تتيح له السيطرة على الأنهار والسدود التي تتحكم في الموارد المائية، فهاجم في العراق مدن الفلوجة، والرمادي، وراوة، وعانة، والقائم وحديثة، والموصل، وكذلك الطبقة، والرقة، ودير الزور في سوريا.

وشن التنظيم، من 2013 وحتى الآن، عشرات الهجمات ضدالبنية التحتية المسؤولة عن التحكم في المياه في سوريا والعراق وليبيا وغرب إفريقيا، وشملت تكتيكاته التهديد بإغراق المدن والقرى وإغلاق بوابات السدود، وتسميم المياه في البلدات السورية والعراقية، وكذلك استهدف البنية التحتية المائية لتعطيل تحركات القوات المعادية للتنظيم، وكذلك استغلالها في التكتيك العسكري وتحرك مسلحي داعش عبرها لمفاجئة القوات العراقية والسورية.

وهو ما حصل عندما هاجم المسلحون، فجأة، القوات الكردية بلدة “غوير” (40 كم جنوب غربي مدينة أربيل عاصمة كردستان العراق)، مستخدمين زوارق نهرية، وتكرر فيبلدة الضلوعية التي هاجمها مقاتلو داعش، في 2014، مستخدمين الزوارق النهرية والسيارات المفخخة.

واستغل التنظيمنهري دجلة والفرات في العراق وسوريا في عملياته الدعم اللوجيستي والإمداد العملياتي لمقاتليه، فجرى نقل المقاتلين والأسلحة والمتفجرات عبر مجاري هذه الأنهار، وزادت أهميتها خلال المعارك الرئيسية التي خاضها التنظيم في سوريا والعراق، إذ قام داعشباستغلال نهر دجلة في الموصل لاستهداف قوات مكافحة الإرهاب، خلال معركة استرداد المدينة، وتكرر الأمر في مناسبات ومدن أخرى.

 

وعلاوة على ما سبق، سعى داعش استثمار المياه كمورد اقتصادي، بعد الضغط على مصادر تمويله التقليدية، فعملت شبكاته المالية على الإتجار في الأسماك المستخرجة من البحيرات في العراق، وهي نفس الطريقة التي لجأ إليها تنظيم دولة العراق الإسلامية في 2007، كما تقولالمصادر الأمنية العراقية.

نقل حروب المياه إلى إفريقيا وآسيا

واستنسخ التنظيم نفس الإستراتيجية والتكتيكات في المناطق التي تمدد فيها في شمال (ليبيا)، وغرب إفريقيا (دول حوض بحيرة تشاد)، وجنوب شرق آسيا (الفلبين بشكل خاص)، وتزامنت تحركات المجموعات الجهادية المحلية الموالية للتنظيم للسيطرة على الموارد المائية، مع تحركه للسيطرة على الموارد الطبيعية الأخرى، في إطار العمل لترسيخ الوجود الداعشي في تلك المناطق.

فبعد إطلاق داعش ليبيا حملة عسكرية للسيطرة علىمناطق الهلال النفطي الليبي، اتجه التنظيم للسيطرة علىسدود مائية قرب بلدة النوفيلية (127 كم شرق مدينة سرت الليبية التي أسس فيها داعش ولاية مكانية)، كما هاجم بوابة النهر الصناعي في وادي بي (200 كلم غرب منطقة الجفرة، ويوجد بالوادي مركز تحلية للمياه).

 

وفي غرب إفريقيا، ركز فرع داعش المحلي (يُعرف بولاية غرب إفريقيا) نشاطه وثقله الأكبر في حوض بحيرة تشاد التي تضم 4 دول هي: (تشاد، والكاميرون، والنيجر، ونيجيريا)، واستغل حالة الجفاف التي أصابت البحيرة في فرض سيطرته على المنطقة، كما تؤكد إفاداتالأمين العام للأمم المتحدة.

 

واستطاع التنظيم تجنيد عشرات المقاتلين في حوض بحيرة تشاد- كما توضح الصور والمقاطع المرئية الأخيرة التي نشرها المكتب الإعلامي للتنظيم في غرب إفريقيا، في مارس/ آذار الماضي، والتي أظهرت المقاتلين وهم يؤدون البيعة لزعيم داعش الحالي أبو الحسن الهاشمي- ووظف طبيعة المنطقة الجغرافية لشن هجمات إرهابية ضد الدول الأربعة (تشاد، والكاميرون، والنيجر، ونيجيريا)، وكذلك استخدمها في عمليات تنقل الأفراد المسؤولين عن ترويج أفكار التنظيم ونشر أيدولوجيته.

وعلى ذات الصعيد، عززت المجموعات الجهادية المحلية المحسوبة على داعش في جنوب شرق آسيا من مواقعها على السواحل الفليبنية القريبة من ماليزيا وإندونيسيا، واستغلتالممرات المائية، في إيجاد ملاذات آمنة لمقاتليها، وكذلك في توفير الدعم الاستخباري لعناصرها عن طريق تجنيد المخبرين على طول الشريط الساحلي، بالإضافة لتوفير الدعم اللوجيسيتي لعناصرها، وتمويل عملياتها عن طريق الانخراط في أنشطة التهريب غير المشروعة والقرصنة، والسطو المسلح، وهو ما مكن تلك المجموعات من التكيف والبقاء رغم طردهم من معقلهم الرئيس في مدينة ماراوي (جزيرة مينداناو الفلبينية)، عام 2017، وتعرضم لانتكاسات كبيرة أدت لخسارتهم مئات المقاتلين والقادة الجهاديين.

 

إستراتيجية داعش المائية والمجتمعات المحلية

 

وفي المقابل، كان للإستراتيجية التي اتبعها تنظيم داعش انعكاسات وارتدادات سلبية على المجتمعات المحلية، إذ زادت من معاناة السكان وتسببت في زيادة السخط تجاه التنظيم، رغم أن الأخير حاول التكتم على تشوه صورته وترويج صورة مغايرة عبر أذرعه الدعائية.

 

ففي العراق ، أدىإغلاق بوابات سد النعيمية على نهر الفرات، إلى تعرض بلدة أبو غريب وعشرات القرى الأخرى للغرق، وحُرم المزراعون العراقيون، في مناطق أخرى، من الماء اللازم لري الأراضي الزراعية، كما نزح آلاف السكان من المنطقة إلى مناطق أخرى، وتقول تقديرات إن عدد النازحين بلغ نحو 40 ألف شخص.

وليس ببعيد عن العراق، تسببت المعارك مع تنظيم داعش في 2017، إلى تضررسد الطبقة على الجانب السوري من نهر الفرات، وأوشك السد على الانهيار مهددًا بغرق الآلاف من السكان الذين يقطنون في المناطق المجاورة، وهو ما أثارمخاوف السكان الذين عاشوا أيامًا صعبة بفعل احتدام القتال في محيط السد.

الجفاف وداعش في بحيرة تشاد

 

إلى ذلك، يُهدد نشاط داعش في منطقة حوض بحيرة تشاد بغرب إفريقيا،حوالي 10.7 مليون شخص من سكان المنطقة، وفق تقديرات منظمة الأمم المتحدة، خصوصًا أن الجفاف الذي أصاب البحيرة، أدى إلى حالة من الفوضى والسيولة الأمنية، وساهم في زيادة نشاط المجموعات الجهادية سواء المحسوبة على داعش كـ”ولاية غرب إفريقيا”، أو المجموعات المستقلة كـ”بوكو حرام”، التي لا تزال تحظى بموطئ قدم في المنطقة.

واستغلت التنظيمات الجهادية، حالة الجفاف وضعف الضبط الأمني في تجنيد واستقطاب عناصر جديدة وإقناعهم بأيدولوجيتها، بحسب دراسة سابقة للباحث ، في “مركز دراسات السلام والأمن” بنيجيريا “ساهيد باباجيد” ، بعنوان: “منطقة حوض بحيرة تشاد: السلام يمر عبر الماء وليس الأسلحة.

ولا يكترث تنظيم داعش بالتحذيرات الدولية حولاحتمالية جفاف بحيرة تشاد، التي تقلصت مساحتها بنسبة 90% لتصل حاليًا إلى نحو 2000 كم متر مربع فقط، بل إن التنظيم يفاقم من خطر جفاف البحيرة عبر ممارساته غير المشروعة التي تشمل سرقة الماشية والصيد والري الجائر، والهجمات الإرهابية في المنظقة، واستهداف المنظمات العاملة في إنقاذ البحيرة، وبالتالي تقويض الجهود المبذولة لإنقاذ ما تبقى منها، وهو ما يرفع من التهديد الحالي، ويؤدي إلى استمرار عملية النزوح من المنطقة.

ونتيجة تلك الظروف، ارتفعت عمليات الاقتتال بين السكان والرعاة المحليين على الموارد الطبيعية، وخلف هذه العمليات آلاف القتلى، إذ تُقدرمنظمة العفو الدولية سقوط حوالي 4000 قتيل، خلال المواجهات في الفترة الممتدة من عام 2016: 2019، علاوة على ازدياد وتيرة عمليات التهريب وعبور الحدود بين دول بحيرة تشاد بصورة غير شرعية، وهو ما ينعكس على دول أخرى من الدول غير المشاطئة للبحيرة وفي مقدمتها إفريقيا الوسطى، والسودان، والجزائر، وليبيا.

وعلى ذات الصعيد، تؤثر عمليات التغيرات الديموغرافية التي تحصل في المنطقة السكان المحليين، وتؤثر أيضًا على تنظيم داعش، خاصةً أن التنظيم يتكون من مجموعات عديدة وغير متجانسة بشكل كامل، وبعضها يرجع جذوره إلى إثنيات ودول مختلفة، وتتسبب عملية التغير في تصارع قادة تلك المجموعات على الموارد والنفوذ، ومن شأن هذا التنافس أن يقسم داعش من الداخل ويزيد من فرص فنائه.

 

ومع أن نهج داعش الحالي يفاقم حالة الصراع القيادي الموجودة داخل المجموعات الجهادية في غرب إفريقيا، إلا أن قيادة التنظيم تواصل اتباع إستراتيجية السيطرة على المياه والموارد الطبيعية، متجاهلةً أن تلك الإستراتيجية تحمل في طياتها بذور فناء التنظيم، الذي يتصرف بصورة طفيلية ويلتهم الموارد ويعمق معاناة السكان المحليين الذين يواجهون الفقر والإرهاب والجفاف، في آن واحد.

to top