الحدث – القاهرة
في كل مرة يحاول البعض من القوى الدولية والإقليمية تناول ميزوبوتاميا العليا أو الجغرافية ذات الغالبية الكردية(كردستان) التي تم تقسيمها على الدول الأربعة(تركيا، إيران ،العراق وسوريا) وخاصة حالة حرب الإبادة الجماعية الفريدة التي تشنها الدولة التركية لسحق وتصفية المجتمع الكردي ومكتسباته وحقوقه العادلة وعيشه المشترك مع الشعوب والمجتمعات المجاورة وسعيه لبناء حياة ديمقراطية حرة كونه يؤمن بأن التحول الديمقراطي وتطبيق الديمقراطية هو الحل الأمثل لكل القضايا الوطنية ، أجل وفي مرة تقول القوى الدولية والإقليمية وخاصة القوى الدولتية والسلطوية المركزية و متحدثيهم من المتنفذين و الوزراء والناطقين الرسميين وغيرهم أن لتركيا مخاوف مشروعة نتفهمها وأنه يجب مراعات حساسياتها، وكأن ليس للشعب الكردي وللشعوب المنطقة مخاوف وحساسيات يجب مراعاتها أيضاً عند تناول شؤون المنطقة وتركيا وكأن مصطلحات ما يسمى “الأمن القومي” و”الحساسيات” و “المخاوف” هو حكر فقط على الدولة والسلطات التركية دون ومجتمعات وشعوب المنطقة ودولها .
ما المقصود بالحساسية التركية والمخاوف التركية ، هل هناك دولة في العالم وسلطات تجاوزت القانون الدولي أكثر من تركيا، إن التقارير الدولية الحقوقية والمؤشرات المختلفة تقول ذلك بشكل فاضح وصارخ، وأخرها تقرير البرلمان الأوربي وغيره الكثير. إن قبول الحساسية التركية أو الادعاء والتصريح بأن لتركيا مخاوف محقة وكأن لليس للأخرين أو الشعوب التي تعتدي عليها الدولة التركية حساسيات ومخاوف وأمن ومطلب استقرار هو ازدواجية وحالة نفاق سياسي كبير، و هو دعم للسلوك التركي الاحادي وممارسات تركيا الإجرامية وهو مراعاة للمصالح المتعددة الدولتية والسلطوية مع الدولة التركية وتشجيع لها على السلوك العدواني وتجاوزها القانون والعرف الأخلاقي والمبادئ الإسلامية التي تحاول استغلالها في كل لحظة ومناسبة.
هل قصف تركيا القرى والمدنيين والقوى الكردية وقتلها الأطفال الكرد والعرب حساسية يجب مراعاتها وقبولها ، كما تفعلها في جنوب شرق تركيا وسوريا والعراق وغيرها من دول المنطقة والعالم ؟
هل السياسات التركية التي تقول وتصف التعبير السلمي عن الهوية الكردية على أنه إرهاب حساسية يجب فهمها؟ وهل يجب القبول والإذعان من قبل بعض الدول لتجريم تركيا التعبير السياسي والثقافي الكردي الشرعي على أنها إرهاب بأنه تفهم أو اعتباره مخاوف محقة لتركيا؟.
هل التغيير الديموغرافي للمناطق ذات الغالبية الكردية حساسية يجب مراعاتها، وهل الاحتلال التركي لعفرين وطرد أهلها وقطع اشجارها وللعديد من المناطق في شمال سوريا مخاوف محقة؟
هل قتل وتقطيع والتمثيل بجسد السياسية الكردية هفرين خلف و المقاومة بارين كوباني، لأنهم كرد ويناضلون لحقوق شعبهم وشعوب سوريا مخاوف وحساسية صحيحة ومحقة؟
هل السكوت عن التجاوز التركي على السيادة السورية و العراقية و الليبية و و الصومالية احتلال أراضيهم بحج وهمية غير صحيحة مثل الأمن القومي التركي ومحاربة الإرهاب والأخوة التاريخية والإرث العثماني هي مخاوف محقة ؟
هل استغلال اللاجئين السوريين و عمل تركيا لتشكيل جيش من المرتزق وبقايا الإرهاب لتهديد استقرار المجتمعات والشعوب ودول المنطقة والعالم واستعمالها كأداة تدخل واحتلال واغتصاب مخاوف وحساسية يجب قبولها؟
لا تقبل تركيا بالحل السلمي الديمقراطي للقضية الكردية القائم على القبول بالإدارة الذاتية للشعب الكردي، وتصف كل كردي لا يتخلى عن كرامته وحريته وهويته ولغته وثقافته بالإرهابي والانفصالي و تقوم تركيا ومرتزقتها يومياً بقصف المناطق الأمنة بالطائرات المسيرة والمدافع والدبابات ومختلف أنواع الأسلحة ، تلك المناطق التي خارج السيطرة والاحتلال التركي في سوريا والعراق من عفرين والشهباء إلى منبج وكوباني وعين عيسى وتل تمر إلى شنكال\سنجار وقرى محافظات دهوك وهولير(أربيل) وقضاء زاخو ومخيم مخمور و كركوك و السليمانية. وتستعمل الأسلحة الكيميائية المحرمة دولياً كما هي الآن في مناطق زاب وآفاشين ومتينا، وتقوم بمنع من مضى محكوميته المؤبد من النشطاء والسياسين الكرد في تركيا من الخروج من السجن ولا تقبل بخروجه إلا جثة إلى القبر وتمنع الثقافة واللغة الكردية وتطمس الهوية الكردية والمعالم والملامح الكردية . أليس هذه مخاوف وحساسيات محقة وعادلة، ثم أن قطع تركيا لمياه نهري دجلة والفرات عن الشعبين السوري والعراقي أليست مخاوف وحساسية محقة. أليست فرض تركيا اللغة التركية والهويات التركية وفتح جامعات تركية بقرار الرئيس التركي في المناطق المحتلة وإدارة المناطق السورية المحتلة من قبلها مخاوف محقة للشعب السوري بكرده وعربه يجب أخذها بعين الاعتبار وتفهمها ومراعاتها والوقوف ضد تركيا في هذه الممارسات والأفعال. أليست تقسيم تركيا لسوريا والعراق و العمل لضم المناطق المحتلة مخاوف يجب الوقوف عندها وتفهمها.
وهل هناك دولة تجاوزت فيها مؤشرات الاعتداء على حقوق الإنسان والتضيق على الحريات وكذلك نسب الاعتقال والحبس ووضع الأوصياء محل رؤساء البلديات المنتخبين كما في باكور كردستان(جنوب شرق تركيا) في المناطق ذات الغالبية الكردية وهل هناك دولة يتم وضع نواب البرلمان في السجن ورفع الحصانة عنهم لأنهم من قومية وعرقية معينة كما يحصل في تركيا ولأنه يطالبون بحقوق الناس الذين أرسلوهم للبرلمان.
هل المخاوف التركية المحقة وحساسيتها التي يجب مراعاتها هي علاقتها مع داعش ودعمها لها و بالتالي على الجميع السكوت عليها والتستر عليها، أم علينا مراعاة احتلال تركيا للمناطق السورية و تحويل تركيا تلك المناطق لبؤر ومناطق أمنة للإرهاب ولخلفاء الدواعش وأنها حساسيات تركية محقة. هل يمكن لأحد قبول استعمال تركيا اللاجئين كأدوات للإرهاب وللتغير الديموغرافي وأوراق ضغط على العالم وابتزازهم للحصول على المال بأنها حساسية يجب مراعاتها.
المفارقة والإشكالية أن الكثير من دول المنطقة وحتى القوى السياسية، التي عليهم رفع صوتهم عالياً أمام العثمانية الجديدة وتدخلاتها وتوغلها وتمددها في المنطقة ، هم أيضاً أصبحوا إما من دعاة ومنافقي مراعاة الحساسية والمخاوف التركية أو أنهم يلتزمون الصمت والسكون بعد أن غازلهم أردوغان ولو مرحلياً حتى يعيد أردوغان وحزبه وجوده في السلطة عبر الانتخابات التي باتت ترى فيها السلطة التركية نهايتها المحتومة لتصرفاتها وسياساتها، في الوقت الذي عليهم الوقوق مع الشعب الكردي وشعوب المنطقة التي تقف سداً منيعاً أمام إرهاب وتمدد العثمانية الجديدة.
لشعوب المنطقة وخاصة للشعب الكردي حساسيات كثيرة منها حساسية عالية جداً على الجميع مراعاتها أصدقاءً كانوا أم أعداءً وهي المقاربة من القائد والمفكر عبدالله أوجلان و حريته الجسدية ووجوده في السجون التركية الذي أصبح يمضي الآن 24 سنة في سجن إمرالي ، الذي اعتقل بمؤامرة دولية وإقليمية من الذين يتكلمون الآن عن فهمهم الحساسية والمخاوف التركية ، وهنا يتبين كل المقاربات من الشعب الكردي صحيحة كانت أم كاذبة أو منافقة، حيث هنا المعيار والمبدء والحقيقة المطلقة لشعبنا فمن يراعي هذه الخصوصية نستطيع أن نقول عنه أنه يراعي الحساسية والمخاوف الكردية العادلة والمحقة، فالمقاربة من القائد أوجلان هي المقاربة الفعلية والحقيقة من الشعب الكردي والسياق الديمقراطي لحل القضية الكردية وللقضية الديمقراطية في دول المنطقة، لما للقائد من تجسيد للكيانية الكردية الحرة والسياق الديمقراطي المجتمعي الحر والتكاملي ولما له من كد وعمل وتأثير ووجود راسخ تبلور في مجتمع كردي ديمقراطي (وهونواة للديمقراطية في المنطقة) مقاوم ومصر على الحرية والحياة التشاركية والأخوة بين الشعوب والمجتمعات وحل القضايا العالقة بالحلول الديمقراطية المعتمدة على السياسة الديمقراطية والدفاع المشروع.
لمجتمعات وشعوب المنطقة حساسيات ومخاوف محقة يجب فهمها وليست تركيا ، إن استقرار وأمان وسلامة المنطقة وشعوبها وحريتهم حساسيات مشروعة يجب على كل القوى والأنظمة مراعاة ذلك، وكما أن الخصوصيات المختلفة وكذلك الهويات المتعددة للتكوينات المجتمعية وحقها في الحياة وإدارة نفسها في إطار من التعاون والاحترام والتكامل والوحدة الكلية الديمقراطية للمنطقة ودولها حساسية على الجميع أخذها بعين الاعتبار وتفهمها ووضع الدساتير االديمقراطية لضمان حقهم في الحياة وإدارتها. كما أن المناطق والأقاليم والدول بغالبتها العظمة هي مختلطة وذات تنوع وتعدد ولذلك ليس صحيحاً أن يتم وصفها واطلاق تسميات احادية اثنية أو دينية معينة عليها واقصاء الألوان الأخرى وفي هذه حساسية اساسية وبنيوية على الجميع مراعاتها.
إحياء الميثاق الملي وضم شمالي سوريا والعراق وقبرص وبعض جزر اليونان إلى تركيا وثم تطبيق العثمانية الجديدة في المنطقة وتقسيم دول المنطقة وشعوبها ودعم الإرهاب والأخوان وفروعهم ومشتقاتهم من داعش والقاعدة والنصرة وما يسمى الجيش الوطني السوري، ليست حساسية مقبولة أو مخاوف مشروعة ، بل هي جرائم يجب محاسبة أردوغان وتركيا عليها وعدم السماح لتركيا بتنفيذها وتكرارها، ولكن الدول مصالح ونفوذ وسلطوية وهيمنة وطالما تركيا في الخط المرسوم والمساحة المقبولة فلا كلام عن تجاوزاتها وتخريباتها .
ونستطيع القول أن حالة النفاق والتضليل الدبلوماسي والسياسي والإعلامي ومراعاة المصالح مع تركيا وكذلك احتواء تركيا في المشاريع الهيمنة الإقليمية والعالمية للهيمنة والنهب والاستغلال ، وكذلك لقيام تركيا بدور الأداة والمنفذ لكثير من المشاريع التي تخدم الهيمنة العالمية وليست شعوب ودول المنطقة جعلت القوى المحورية في النظام العالمي تقول عن ارتكاب تركيا للإبادات الجماعية واستعمالها الأسلحة الكيميائية واحتلالها لدور الجوار وقتلها المدنيين وقيامها بتغير التركيبة السكانية بأنها مخاوف محقة وحساسيات يجب مراعاتها . من يراعي ويقبل هذه المخاوف والحساسيات التركية هو شريك تركيا في جرائمها وممارساتها، ولو نظرنا لتاريخ الحديث للدولة القومية التركية سنجد بكل بد أن من كان له اليد الطولى والدور الأساسي في اصطناع هذه الدولة القومية الفاشية وإدارتها من خلف الكواليس منذ العشرينات و جلب السلطات السياسية إلى سدة الحكم والمحافظة عليها حتى تقوم بأدوار معينة وظيفية للنظام العالمي هو نفسه الذي يتكلم ويراعي المخاوف وحساسية الدولة التركية . إن من أعطى السلاح لتركيا لارتكاب مجازر الأرمن وسكت عليها ومن يعطي الأسلحة الحالية لتركيا لقتل الكرد وشعوب المنطقة من الاتحاد الأوربي وبريطانيا وأمريكا والناتو بشكل عام هو نفسه من يحاول توظيف تركيا وحزب العدالة والتنمية حالياً في الأزمة الأوكرانية وبذلك يعتبر أن تصرفات وسلوكيات تركيا حتى لو كانت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية كما تفعلها تركيا بحق الكرد وشعوب المنطقة هي مخاوف وحساسية محقة مثلما تفعلها روسيا وأمريكا والناتو وبعض دول المنطقة الآن.
وعليه من يوافق على ما يسمى حساسية تركيا ومخاوفها هو من يشجع تركيا على الاعتداء والغزو والاحتلال والجرائم. والأولى بهم رؤية مخاوف الشعب الكردي وشعوب المنطقة وكذلك المجازر والممارسات التركية بحقهم. ومن يدفن رأسه بالرمال ويصمت ولا يرفض العداء والإبادة التي تبديها الدولة التركية سيكون التالي والقادم، حيث أن الدكتاتورية والطغاة لا يتوقفون بالصمت على أفعالهم أو التنازل له ولا يفهمون أية لغة سوى لغة واحدة وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : “ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين.” وكذلك ضربة الكريلا والشعب الكردي ومعهم شعوب المنطقة خير من انتظار وتوسل ألف دولة ونظام وناتو ، وليس لشعوب المنطقة ومجتمعاتها إلا أخذ حساسيات بعضهم ومخاوف بعضهم بجدية واحترام خصوصيات بعضهم وتجاوز الأفكار القوموية الضيقة الفاشية والإسلاموية الإرهابية العثمانية والعمل لتحقيق التحول الديمقراطية في دول المنطقة وحل القضايا الوطنية بالمسار الديمقراطي القائم على التعايش المشتركة وحق الدفاع الذاتي والأخوة بين الشعوب وحرية المرأة والثورة البيئية كمرتكزات للاستقرار والأمن والسلام وكحالة اعتبار و أخذ مخاوف وحساسيات شعوب المنطقة وليس ادعاءات وكذب الحساسيات والمخاوفة الغير صحيحة للدولة التركية ولعثمانيتها الجديدة ولداعشيتها الإرهابية ، ومعيار الحساسية والمخاوف المحقة، يمكن أن يكون صالح المجتمعات والشعوب وحريتهم وكرامتهم واقتصادهم ومواردهم واستقرارهم وليس مصالح طبقة فوقية وسلطة مركزية شديدة ودكتاتور فاشي كأردوغان وغيره الكثير.