السبت 23 نوفمبر 2024
القاهرة °C

أحمد شيحو يكتب : تحديات أمن الطاقة في إعادة هيكلة العلاقات والمعادلات الإقليمية و الدولية والتحول الديمقراطي

الحدث – القاهرة

تدور أحداث فصول الحرب العالمية الثالثة في القارات الثلاث آسيا وأفريقيا و أوربا بوضوح وكثافة، مخلفة حالة من عدم الاستقرار والفوضى وانتشار القلق والتوتر بشكل كبير وتعميق للأزمات و وزيادة حادة في التحديات المختلفة من الاقتصادية والسياسية و الأمنية والبيئية و الثقافية و الصحية وغيرها، فمن جنوب وغرب آسيا، وحالة القضية التايوانية ووضع كوريا الشمالية إلى الخطورة الاستراتيجية الذي يشكله الصعود الصيني حسب وصف الناتو في اجتماعه الأخير في مدريد و تمكنه وتمدده الناعم والذكي في الدورة الاقتصادية العالمية، بالإضافة إلى تشكيل التحالف الرباعي “كواد”(Quad) الذي تم مؤخراً بين أمريكا، اليابان، أستراليا والصين أو ما يسميه البعض “ناتو آسيا”، تؤشر هذه المعطيات إلى مزيد من التفاعلات والاصطفافات الهامة والقلقة والمرجحة للتصعيد، وكذلك في منطقة الشرق الأوسط، فمنذ إسقاط نظام صدام حسين في العراق في عام 2003 وقبلها أحداث 11 سبتمبر\أيلول عام 2001 واسقاط حكم الطالبان والتدخل الأمريكي في افغانستان وصولاً لحالة الربيع أو الخريف العربي وتفاعلاته ونتائجه والتدخل الإقليمي والدولي فيه لتوظيفه والاستفادة منه، دخل الشرق الأوسط في مشهد جديد ومضطرب من الصراعات والفوضى والتقسيم وحالات الهجرة القسرية والإبادة الجماعية والتغيير الديموغرافي التي كانت موجودة أصلاً في الشرق الأوسط كالإبادة الجماعية الفريدة المطبقة بحق الشعب الكردي وغيره من الجرائم بحق الإنسانية، كنتيجة طبيعية للعقليات والذهنيات الدولتية القومية والسلوكيات الفاشية المرافقة والتي سادت المنطقة منذ الحرب العالمية وإلى اليوم الذي يظهر فيه محاولات إسرائيل مع اتفاقات إبراهيم في تشكيل ناتو شرق أوسطي أو عربي-إسرائيلي لخلق توازن جديد يحجم توسع وتمدد تركيا وإيران قدر الإمكان ويدمج إسرائيل في المنطقة أكثر، كشرط ضروري وفق النظام العالمي لإحداث معادلات إقليمية جديدة و ترويض وجلب إيران سلماً أو حرباً إلى السياق الدولتي للهيمنة العالمية ومصالح نواتها إسرائيل في المنطقة، أما في جنوب القوقاز وشماله فمن الحرب الأرمنية-الأزربيجانية إلى أحداث كازاخستان ، أما في أوربا فمن الأزمة الأوكرانية الحالية وتداعياتها وأنماط الصراعات ومستلزماتها والعقوبات الاقتصادية المتبادلة وتدهور أمن الطاقة والغذاء العالمي كتبعات ووسائل للأزمة المستمرة وبالإضافة إلى تأثر وقلق أوربا مباشرة على استمرار نمط وسلوكيات حياة مواطنيها المعهودة والقدرة والإمكانية لدول الاتحاد الأوربي على توفير أمنها العام وأمنها الغذائي وأمن الطاقة واستقرارها الاستراتيجي مع توسع الناتو شرقاً وضم السويد وفنلندا، علاوة على وجود احتمالية المناوشات والمناكفات والتوترات بين دول البلقان الفتية بشمالها وجنوبها، تظهر حجم التحديات والصعوبات المختلفة الموجودة والقادمة، ولعل الحالة الأفريقية أيضاً تلخص بعض من عناصر الحرب العالمية الثالثة فمع توسع انتشار الإرهاب والجماعات التكفيرية إلى الاقتصادات الضعيفة مع الإمكانات الكبيرة والموارد الأولوية و أنظمة الحكم والإدارات غير المستقرة ذات التبدلات والمنافسات القاسية و العديدة والدموية، يزداد حاجة المجتمعات والشعوب الأفريقية إلى الأمن والاستقرار والتنمية مع تزايد حجم المخاطر وانتشار الأمراض وضعف إمكانية ظهور وتبلور قوى قادرة جامعة و إرادة حرة للانتصار والتخلص من الاستعمار الغير مباشر الموجود وحل القضايا الاساسية وبناء اقتصادات واعدة وحياة سياسية مستقرة وديمقراطية.
وكما كان عبر التاريخ ومسار المدنيات والحضارات المركزية وصراعاتها منذ سومر وبابل وأشور حتى النظام الرأسمالي الغربي بقيادة بريطانيا ثم أمريكا الحالية، فإن الربح الأعظمي أو النهب والسرقة بالأصح مع هدف الهيمنة ، مازالوا المحرك والدافع الأساسي وراء أغلب الحروب التي تقوم بها القوى السلطوية والدولتية المركزية. ومن الصحيح القول أن أحد أهم النقاط الأساسية والمفصلية في الحرب العالمية الثالثة حالياً وفي خريطة التوترات والصراعات والمعادلات الإقليمية والعالمية الممكنة والقوى المتحاربة ضمن الجغرافيات المعينة و التي رصدناها أعلاه هي أزمة الطاقة وتحديات أمن الطاقة العالمي الذي يرتبط به أغلب مجالات الحياة الأخرى، و يمكن القول عن موضوع الطاقة أنها الأرضية و الهدف والقاسم المشترك بين هذه الحروب في القارات الثالثة، وحتى أن ملف الإرهاب وانتشاره وغض النظر الموجود عنه وعن سلوكيات بعض الدول وتدخلاتها في محيطها خارج القانون الدولي من المحتمل أن يكون له علاقة بموضوع الطاقة، فالطاقة وبتفرعاتها وانواعها المختلفة كالغاز والنفط وغيرهم، تشكل المحرك الاساسي والعامل الأهم للاقتصاد والاستقرار الداخلي وكافة مناحي الحياة و بل أن أمن الطاقة وتحديات أزمة الطاقة سيكون السبب الرئيسي القادم في وجود أو زوال بعض الحكومات و الدول ، و بالتالي تكون الطاقة من أهم عناصر الأمن القومي للمجتمعات للشعوب ودول المنطقة والعالم. بالإضافة أن الطاقة وتحولاتها المختلفة ومنها المواد والطاقة النووية أصبحت من أهم عناصر القوى وبل يشكل السلاح النووي من القنابل والرؤوس الصاروخية النووية السلاح والقوة المتفوقة وصاحب الكلمة الأولى والفصل في ميادين التنافس الدولي والإقليمي إلى جانب التكنولوجية و التقنيات الرقمية وقوة المعلومة واحتكارها والقادرة لرصد كل الاحتمالات والسلوكيات البشرية عبرها وبها لسنوات واجيال قادمة.
كان النفط أو البترول واكتشاف مصادره ومنابعه وكذلك طرق حمايته وإيصاله، من أهم الأسباب والعوامل التي لعبت دوراً اساسياً في الحرب العالمية الأولى والثانية، ورسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة والعالم، حيث أن الحربين كانا في الكثير منه لأجل التحكم والحصول على هذه القوة الاقتصادية والمادية أو الذهب الاسود حسب تسميات البعض والتي حددت مستويات الاقتصاد و القوى العالمية والإقليمية وكذلك خريطة تشكيلات الدول القومية التي تم إيجادها و نثرها في الشرق الأوسط لهذه المصلحة وهدف تأمين واستخراج وإيصال النفط إلى الأسواق العالمية والبلدان الصناعية من هذه الدول القومية الأداتية، وهكذا تم إيجاد الدويلات والأنظمة القومية في المنطقة، ليكون وكلاء وتوابع لنظام الهيمنة العالمية الاحتكارية وقواها المركزية ومصالحه في حراسة أبار النفط وطرق الإمداد والإيصال والبنية التحتية اللازمة والموجودة لذلك، ومن المعروف والبديهي أن النظام العالمي الرأسمالي ولتحقيق ودوام هيمنته ونهبه نفط وبترول وموارد الشرق الأوسط واستمرار ذلك قام و يقوم ببناء الجانب السياسي والاجتماعي والثقافي المساعد على ضمن مجتمعاتنا المحلية بمساعدة السلطات القوموية والدينوية المتواطئة وذلك بضخ كل انواع الفكر القومي المتشدد والعنصري والاحادي و الليبرالي الانتهازي والأناني و الإسلاموية السياسية والذكورية الفظة، وذلك لإضعاف التماسك المجتمعي وتخريب الذهنية والإرادة المشتركة والوحدة الديمقراطية والتكاملية والطوعية لمجتمعات وشعوب المنطقة ويمارس كل السلوكيات والإجراءات الناعمة والصلبة حسب الحاجة ووفق المؤسسات والقواعد الدولية التي رسمها بعيداً عن مصالح المجتمعات والشعوب والتي لا تقوم بمهامها حسب البرامج والموضوعات المصرحة للشعوب والمجتمعات بل حسب احتياجات نظام الهيمنة العالمي.
تحديات أمن الطاقة :
يرتبط أمن الطاقة بصفة عامة بالعديد من التحديات التي لها آثارها الواضحة على استراتيجية أمن الطاقة العالمية والإقليمية، وهو الأمر الذي يدفع بالدول المركزية في نظام الهيمنة العالمي إلى تبني سياسات العمل على امتلاك أدوات متنوعة تتفق مع الأوضاع التي تتواجد والتي يمكن أن تظهر .
يمكننا عرض بعض التحديات في موضوع أمن الطاقة وهي:
المصدر والوفرة: وهو الاكتشافات والتنقيب المستمر و توفر الخدمات ومفردات وأنواع الطاقة المطلوبة في المصدر المعين والمدروس وبشكل آمن ومستقر، و قدرة المستهلكين على تأمين الطاقة والكمية التي يحتاجون إليها، و تتطلب الوفرة وجود أسواق للطاقة أي أن يتفاعل تجارياً كل من المشتري و البائع بهذه السلع و الخدمات، بشرط اتفاق الطرفين على مراعاة المصالح الاقتصادية و التجارية و السياسية و الأمنية وغيرها. و مع ذلك فإن قوة كل لاعب في السوق و مهارته في سبيل تحقيق مصالحه الخاصة الذاتية والاستراتيجية والمصالح الدولية هو الذي يحدد شروط التجارة لصالح هذا الطرف و ذاك. والمؤسسات الموجودة كــــ “أوبك” وغيرها من الواضح أنها لا تمتلك رفاهية القرار المستقل أو الخاص بأعضائها فقط بسبب وجود الكثير من التأثيرات والتداعيات والضغوطات التي تكون على الدول الأعضاء ومن الجوانب السياسية والاجتماعية والأمنية قبل الاقتصادية. ولعل حالة رفع الانتاج مع الضغوطات التي حصلت من أمريكا و أوربا والناتو على دول الشرق الأوسط أحد نماذجها نتيجة الأزمة الأوكرانية واحتياج أوربا والغرب للكميات التي خفضتها روسيا.
كما أن محاولة تركيا وأردوغان في كل فترة الإعلان عن اكتشافات جديدة في البحر الأسود وإرسال سفن بأسماء السلاطين العثمانيين للبحر الأبيض المتوسط ، إنما ليبين الرغبة التركية الأردوغانية الجامحة في أن تكون تركيا من دول المصدر وليس العبور فقط، لما لهذا من تأثير في الحضور السياسي في المشهد الجيوسياسي والاستراتيجي الإقليمي مع تراجع أهمية تركيا وأدوارالسلطة الحاكمة السلبية والمرفوضة من قبل محيط تركيا وحتى الداخل التركي.

طرق الإمداد والموثوقية: تنطوي طرق الإمداد والإرسال و الموثوقية على مدّى الحماية التي تتمتع بها خدمات الطاقة من الانقطاع وأمن طرق الإمداد والإيصال وسلامتها من التخريب والاعتداء عليها، فالطاقة هي اللّبنة الأساسية في النشاط الاقتصادي و الحياة اليومية و يتهدد انقطاعها بانعدام القدرة على تشغيل المصانع و إنارة المستشفيات وعملها و تدفئة المنازل بشكل مستمر و يشمل تعزيز الموثوقية للطاقة بتنويع مصادر التزويد وتأمينهم و كذلك تأمين وأمان سلسلة التوريد المستخدمة في نقل الطاقة، و الحدّ من الطلب عليها، و خلق خزانات للطوارئ و تطوير المزيد من البنى التحتية. وتحاول القوى الدولية باستحداث قوى إقليمية لمهمة حفظ طرق الإمداد كما حصل في قمة جدة الأخيرة والقرار بتشكيل قوات في الخليج العربي وكذلك في البحر الأحمر لحماية المضائق والمصادر وطرق الإمداد والإيصال، لكن ربما تكون لهذه القوات المشكلة مهام أخرى ستظهر لاحقاً مع إرهاصات التشكل الإقليمي الجديد.

التكاليف والقدرة: يعاني في الواقع و بشكل مزمن الملايين حول العالم مما يشار إليه أحياناً بفقر الطاقة أو عدم تحقيق أمن الطاقة لديهم مع العلم أن أمن الطاقة ومفهومه والقدرة على تأمينه ربما يختلف بين دول العالم وشعوبها ،فهو بالنسبة لغالبهم الوصول إلى الطاقة وبالأسعار المناسبة لتزويدهم بالاحتياجات الأساسية وهنا أمن الطاقة يرتبط أكثر بموثوقية الإمدادات و الوصول إلى موارد الطاقة بكميات كافية ، و القدرة على تحمل التكاليف ، و الحماية من انقطاع إمدادات الطاقة. وحالة أوربا حالية وتخبطها في الإجراءات والعلاقات الدولية تعكس القدرة الضعيفة والتكاليف الكبيرة لأزمة الطاقة والغاز.

إجراءات النظم السياسي في البلدان: مثل حدوث تغيرات سياسية وأمنية جوهرية في الدول المنتجة للطاقة وكذلك التحديات المحتملة لشركات الطاقة العالمية، و التي من الممكن أن تحد من قدرة وفاعلية تلك الشركات، وبالتالي قدرتها على التصدير إلى السوق العالمية كالتهديدات الأمنية التي قد يتعرض لها موظفيها ومنشأته والتهديدات التي قد تنتج عن مصالح سياسية عن طريق تغير في قوانين عقود الاستثمار. إضافة إلى عمليات الحظر، وهي التي تنشأ من فرض دولة مستهلكة قيود على الاستيراد من دولة منتجة معينة كالعقوبات الأوربية والغربية ومن عدة دول حول العالم على روسيا وإيران، وكما من الممكن أن يكون هناك فرض قيود على الصادرات، و التي تنشأ عندما ترغب دولة منتجة أو مجموعة من الدول المنتج في فرض قيود على صادراتها لأسباب سياسية أو استراتيجية، كما هي الآن مع الاشتراطات الروسية ومنها التعامل بالروبل الروسي. وقد تحدث تحديات مختلفة أخرى كإعاقة لأسباب قهرية، وتنشأ عندما لا يستطيع المنتج أو المورد تصدير إنتاجه من الطاقة، وذلك نتيجة لظروف داخلية أو خارجية، مثل الحرب والأوبئة العالمية ، كحالة استهداف الحقول السعودية من قبل أذرع إيران أو نتيجة الحروب كسوريا والعراق في بعض أوقات وسيطرة داعش على بعض المناطق وحقول الغاز والنفط واستهداف البنية التحتية فيها.
إن أسعار الغاز الحالية و الارتفاع فيها في عدد كثير من البلدان حول العالم وخاصة الأوربية وأيضاً تركيا أو معظم البلدان بعد الأزمة الأوكرانية وقبلها جائحة كورنا، هي مثال على ضعف المنظومة الغازية العالمية أو ضعف الأمن الغازي العالمي مع التدهور والتداعيات الملاحظة وبكثافة على المصادر والوفرة وضعف القدرة وارتفاع التكاليف والخوف على طرق الإمداد والموثوقية، وبالتالي المؤشرات الأمن والاستقرار تضاءلت لتلامس مستويات متدنية خطيرة ربما تنعكس وبشكل كبير ومقلق عن الاستقرار العالمي و انعدام الأمن والسلم ، إذا لم يكون هناك حل لتحديات أزمة الطاقة العالمية وإيجاد البدائل اللازمة والضرورية ومصادر مختلفة من الطاقة في المنطقة وحول العالم وتحيد الطاقة عن الخلافات السياسية الذي يظهر مع استعمال الغاز من قبل الأطراف المتحاربة كسلاح فعال ومؤثر على الاستقرار الداخلي والرأي العام في الطرف المستهدف من هذا السلاح والحرب.

و من المفيد الإشارة إلى مصطلح أمن الطاقة بالنسبة للدول المستوردة أو المستهلكة و للدول المنتجة أو المصدرة :
بالنسبة للدول المستوردة والمستهلكة للطاقة: فهو يهدف بالدرجة الأولى إلى توفير إمدادات كافية و آمنة و رخيصة من موارد الطاقة، بما يضمن الاستقرار و استمرار النشاط و النمو الاقتصادي بشكل مستقر، و بما أن النفط والغاز هما عنصرين أساسيين ، يمكننا القول أن الحفاظ على استمرار الإمدادات النفطية والغازية هو العامل الأساسي لمفهوم الطاقة. كما أن أمن الطاقة لا يعني فقط توفر كميات كافية من تلك المصادر بأسعار مناسبة على المدى البعيد حوالي 50 سنة، بل كيفية ضمان  الحصول على هذه الكميات من الطاقة بشكل مستمر و أمن، مع إمكانية تعويض ما قد يترتب عن أي توقف لأسباب قد تكون طارئة داخلية أو خارجة عن السيطرة من خلال توفر سعة إنتاجية إضافية يمكن ضخها في السوق متى دعت الحاجة.
بالنسبة للدول المنتجة والمصدرة: فيتعلق أمن الطاقة بتوفر إمكانيات الكشف والتنقيب و الإنتاج و تأمين المصادر ورصد ومعالجة العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة على أمن الطاقة كالعوامل الإنتاجية المرتبطة بخطوط نقل الغاز و النفط ، و يمكننا القول هنا، إن أمن الطاقة يتحقق ، بضمان الانتاج و النقل و التوزيع الأمن لموارد الطاقة إضافة إلى الاستثمار و صيانة محطات التكرير و شبكات النقل و التوزيع و إمكانيات التخزين ، إضافة إلى الأنظمة القانونية و التطبيقية في جو آمن وسالم ومستقر وبأسعار مناسبة مع توفر الاسواق والمستهلك المطلوب.

وعليه، من الممكن صياغة تعريف لمفهوم أمن الطاقة وهو توافر الكميات المطلوبة في الأسواق العالمية بأسعار مناسبة ومستقرة ومستدامة، مع ضرورة العمل على تنمية مصادر الطاقة المتاحة، من خلال التكنولوجيا، مع البحث عن مصادر جديدة تلبي الحاجة المتزايدة للطاقة، إلى جانب ترشيد استخدام الطاقة، وتوافر الضمانات المناسبة للحفاظ على البيئة واحترامها.
تأثير أزمة الغاز في مشهد الاستقرار الداخلي والاستراتيجي :
ووفق هذه التعاريف والمضامين وتحديات أزمة الطاقة، لنحاول رصد و قراءة المشهد السياسي والأمني للمنطقة والعالم، فالظاهر والواضح أن الكثير من الحروب والمفاوضات والنتائج والنماذج والخرائط الفكرية والسياسية والاقتصادية القادمة والمعادلات الجديدة ستكون وفق موقع وأهمية الغاز والنفط والطاقة بشكل عام من المصدر ومنبع الانتاج وطريق الإمداد والمرور وأنابيب الإيصال إلى المستقبل والمستهلك وبسعر مقبول واستمرار ذلك تحت كل الظروف و هذا يستوجب وفق المؤشرات الظاهرة إلى إعادة هيكلة العلاقات الدولية والإقليمية وحتى منظومة الأمن العالمي والتحالفات العسكرية والأمنية والسياسية لتلائم ذلك تحقيق أمن الطاقة وبالتالي المصلحة الاستراتيجية للنظام العالمي المهيمن الاحتكاري في مجال الطاقة والاقتصاد والسياسية.
والآن تظهر أوربا وخاصة مع الأزمة الأوكرانية وحرب الاستنزاف الجارية وطبيعة طقس أوربا وأجوائها ونمط حياتها، أنها المستهلك الكبير والمستورد الأهم حول العالم والذي سيصب كل خطوط الإمداد عنده ولأجله بالإضافة إلى دول العالم المهمة الأخرى ، وخاصة بعد التخندق الروسي والأوربي مقابل وضد بعضهم البعض وحزم العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوربي على روسيا تحت الضغط الأمريكي والبريطاني ومحاولات تحديد سقف السعر للغاز الروسي لإضعاف واستنزاف الاقتصاد الروسي وخلق حالة عدم استقرار داخلي ورأي عام رافض للسلطة في روسيا اولاً وثم في العالم للضغط على القيادة الروسية للتراجع وللهزيمة و لإبقاء الجبهة الأوربية موحدة أمام الخطر الروسي المزعوم والحقيقي في جزء منه والذي تم اثارته للتحرك والفعل العسكري والتصعيد، ولكن مع تزايد التأثيرات والتداعيات و تصاعد الأصوات داخل أوربا ووجود القرار والتنفيذ الروسي البوتيني بقطع الإمداد التدريجي و الفعلي الحالي واستخدام الطاقة والغاز كسلاح فعال ومؤثر على المجتمعات ضمن دول الاتحاد الأوربي وخاصة مع فصل الشتاء القادم لتحريك الراي العام الأوربي و كذلك العمل لإفشال سلاح العقوبات الأوربية والأمريكية بمزيد من الإجراءات الاقتصادية ومنها فرض التعامل بالروبل الروسي لشراء الغاز وفتح علاقات أوسع في مجال الطاقة مع الصين والهند ودول شرق وجنوب وغرب آسيا ، يتبين أن الغاز سلاح مهم وفعال وقادر على إعادة هيكلة العلاقات الدولية وخريطة التحالفات والمقاربات من القضايا الوطنية والإقليمية والدولية.
ومع أزمة الغاز الأوربية والعمل الجاد والمستمر من قبل امريكا والناتو لهيكلة معادلات دولية وإقليمية والعمل لتأمين البديل عن الطاقة الروسية واستمرار الحرب والأزمة الأوكرانية لاستنزاف روسيا وجعلها تتراجع عن عملياتها وأهدافها وترضخ ولتكون هزيمة مدوية وتقسيم روسيا لأكثر من 20 دويلة وتصفية أو إرضاخ القيادة الروسية بشكل تام، ومن الجانب الأخر الروسي، فإن العمل الحثيث واستنفار كل الإمكانات العسكرية والسياسية والتهديد النووي وامتلاك الرؤية والهدف في عودة نظام الثنائي القطبية أو المتعدد القطبية، يبقى الوضع في هذه الحالة كما هو الآن وهو البحث عن مصادر وبدائل من الطاقة جديدة وتكفي للدول الاوربية أولاً لكونها قادمة على ظروف قاسية في الشتاء القادم رغم الكثير من الإجراءات التي تحاول أوربا القيام بها لتقليل استهلاك الطاقة منها الحد من التدفئة وتكييف الهواء فقد وضع الاتحاد الأوروبي خطة لتقليل استهلاك الغاز بنسبة 15 في المئة هذا الشتاء، ولضمان امتلاء مخازنه من الغاز الطبيعي بنسبة 80 في المئة بحلول الأول من نوفمبر/تشرين الثاني. وقد وضعت دول اوربية منها ألمانيا وفرنسا وإسبانيا قواعد تُلزم المباني العامة بأن تكون درجة التدفئة 19 درجة مئوية كحد أقصى في فصل الشتاء. وحددت فرنسا وإسبانيا أيضا درجة الحرارة الأدنى لمكيفات الهواء في المباني العامة عند 26 درجة مئوية و27 درجة مئوية على التوالي.
وليس خطأً التأكيد بأن الطاقة من أكثر القضايا العالمية التي يتم البحث فيها حالياً من قبل غالبية مراكز البحث والاستراتيجية الدولية و هي القضية التي تهيمن وستهيمن على مائدة الحوارات والنقاشات الدولية والسياسية الحالية و المستقبلية للدول والشعوب فيما بينهم وبين محيطهم والعالم و لعل قضية الطاقة هي إحدى أهم القضايا النقاشية والحوارية حتى مع روسيا نفسها وربما مع إيران والصين، بالإضافة إلى الدول الصديقة والمنضوية في المنظومة الغربية الرأسمالية.
وعليه، يحتفظ منطقة الشرق الأوسط مع مناطق عديدة حول العالم بأهمية خاصة في معادلات الطاقة وتأمين أمن الطاقة والغاز العالمي والمصالح الاستراتيجية لنظام الهيمنة العالمي. يتم النظر إلى الشرق الأوسط بأنه يمكن أن يكون البديل للغاز الروسي والخلاص للنظام العالمي من أزماته ومستنقعاته ومنها أزمة الطاقة و الغاز، ولذلك جرت وتجري العديد من الحروب والحوارات والقمم السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة وتكوين للتشكيلات والتكتلات والأحلاف والناتويات ومراجعة العلاقات الدولية وربما الخرائط السياسية من أجل هدف تأمين الغاز وزيادة إنتاجه وإيصاله للأسواق العالمية في العديد من المناطق والدول حول العالم.
وتحتفظ إيران بالإضافة إلى روسيا ودول أخرى بموقع هام في معدلات و خارطة إنتاج الغاز والبترول والطاقة بشكل عام، لكن نظامها وسلوكها السياسي المرفوض من قبل دول المنطقة وشعوبها ودول العالم ونشاط أذرعها، جعلتها تغيب عن لعب دور كبير في معادلة تأمين أمن الطاقة العالمية والإقليمية والاحتياجات المطلوبة، بل أنها المسببة وفق الرؤية العربية والغربية للكثير من التحديات الكبيرة لأزمة الطاقة في المنطقة والعالم، ورغم ذلك يمكن القول أن أحد أسباب اللجوء إلى التفاوض السريع والمستمر بخطوات حثيثة منذ الحرب والأزمة الأوكرانية مع إيران من قبل أمريكا والاتحاد الأوربي لاتفاق نووي إن حصل وهو المستبعد، فهو لأجل الاستفادة من الطاقة الإيرانية وخاصة مخزونها وانتاجها الغازي الكبيرونفطها لسد العجز والنقص الناتج عن التقليل والوقف الروسي لإمدادات الغاز والاشتراطات الكثيرة التي وضعتها روسيا على دول العالم لشراء الغاز الروسي، وفي هذا إن حصل أو لم يحصل دفع لإيران باتجاه عدم التوافق والوقوف التام مع روسيا في تحديها للغرب وأمريكا.
خارطة التفاعلات والعلاقات

الدولية نتيجة أزمة الطاقة والغاز:
ولو حاولنا أن ننظر بعين أو منظار الطاقة والبعد السياسي والعسكري لها إلى الشرق الأوسط ، نجد أنه من الممكن القول أن مسارات أنابيب الطاقة وعلى رأسها الغاز يمكن أن تشكل عدد من الاسباب المعقولة لعدة حروب جرت وستجري في المنطقة والإقليم وبل العالم لأجل الحصول على الطاقة والغاز، وبل إن الغاز بات يشكل ويعيد رسم خارطة التفاعلات والعلاقات الدولية ويرسم مساراتها الجديدة وكذلك مسار الحروب والصراعات و إعادة هيكلة التحالفات الدولية والإقليمية:
أمريكا ودول الخليج العربي: حيث أن ملوك وأمراء دول الخليج العربي وبعد الحرب أو الأزمة الأوكرانية كانوا من أوائل المدعوين لواشنطن والتباحث معهم وحتى محاولة تحقيق بعض مطالبهم حول التهديدات والمخاوف من السلوك الإيراني واذرعها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، ليرفعوا الإنتاج ويكونوا عند الظن والطلب وهو الذي كان وإن كان على مراحل بسبب ما قيل أنه سياسات وقوانين منظمة أوبك أو لعدم إزعاج روسيا وبوتين، رغم أن الكثير ساوره الشك في العلاقات والالتزامات الأمريكية تجاه الخليج والمنطقة بعد انسحاب أو هزيمة القوات الأمريكية في افغانستان بعد كل التكاليف الباهظة لوجودهم هناك، ولكن الطاقة وحاجة الغرب جعل أن يكون هناك عودة الدفء للعلاقات والتعهد بالالتزامات تجاه الخليج والمنطقة.
تركيا والدول العربية: تريد تركيا أن تنفذ إستدارة ولو تكتيكية رغم مع خلافاتها مع الدول العربية ودعمها للإخوان وتدخلها في الشأن العربي الداخلي، وذلك لكي لايحصل أي رفض من الدول العربية في إنضمام تركيا لمنتى غاز شرق المتوسط وكذلك لشراء وضمان صمتهم على سرقتها الطاقة في ليبيا وتدخلها واحتلالها في سوريا والعراق. وإن لا يكون هناك مد لأي خطوط عربية مباشرة لأوربا إلا عبر البحار التركية أو البر التركي وعلى الأقل أن تكون تركيا موجودة في أي معادلة غازية في المنطقة.
تركيا وإيران: كلاهما متنافسين في الاحتلال و بسط النفوذ وامتلاك أوراق الضغط وتشكيل الأذرع والحضور في الشرق الأوسط رغم توافقهم في استهداف الشعبين العربي والكردي، خاصة مع حالة العقوبات الدولية على إيران ومساعدة تركيا لإيران للالتفاف على العقوبات والتهرب منها وكذلك لفائدة تركيا من وضع إيران تحت العقوبات الدولية وشراء نفطها وغازها وثم بيعها ثانية وكذلك المساعدة في غسيل الأموال الإيرانية في البنوك الدولية كما حصل مع بنك خلق ودور السلطة التركية وأردوغان شخصياً فيها وكما أن إيران ترى تصدير الغاز والنفط من إقليم كردستان إلى تركيا وثم إلى أوربا غير مقبول ولذلك قامت وتقوم ببعض الاستهدافات للحقول وتخويف الشركات للخروج بالإضافة غلى الضغط لصدور قرار من المحكمة العليا العراقية لإبطال التصرف الأحادي لحكومة الإقليم وحزب الديمقراطي الكردستاني دون الحكومة العراقية بنفط وغاز إقليم كردستان العراق الذي يستفيد و يهيمن عليه تركيا عبر حزب الديمقراطي الكردستاني وعائلة البرزاني دون الشعب في الإقليم أو العراق.
تركيا وإسرائيل: على الرغم من بعض الفتور والإشكاليات الواهية والشكلية في علاقاتهم، هرع أردوغان مع تدهور اقتصاد تركيا وارتفاع اسعار الغاز رغم عملاته المزدوجة وعلاقته الضبابية مع بوتين لمحاولة منع تشكيل أي معادلات أو منظمات أو منتديات إقليمية للطاقة والغاز أو على الأقل المشاركة فيها إذا لم يستطيع منع تشكيلها ومحاولة منع خطوط الإمداد والإيصال إلا وأن تمر من الأراضي والبحار والمياه التركية حتى تكون لتركيا نفوذ و يد وقول في التبعات السياسية والأمنية والمعادلات الإقليمية التي سوف تظهر نتيجة ذلك.

سوريا والتواجد الإقليمي والدولي المختلف: هناك من يفسر الحرب السورية بأن سوريا أحد منابع الطاقة ببحرها وبرها وأنها أحد مراكز وساحات العبور ولذلك يحاول عدد من الأطراف الإقليمية والدولية السيطرة على هذه الطريق والمؤكد أن أنابيب الغاز ستكون مارة فيه، ولقد حاول اردوغان ورغم دعمه المستمر حتى اليوم لداعش بالقول أنه يستطيع أخذ الغاز والنفط السوري إلى المصالح الغربية مع أمريكا وأحياناً أخرى بالاستدارة إلى النظام ومحاولة إقناع روسيا بأنها تستطيع إخراج الطاقة من يد قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش وقوات سوريا الديمقراطية التي حررت المنطقة من داعش إن تم السماح لها بغزو مناطق شمال سوريا وشرق الفرات وخاصة منطقة الرميلان و محافظة دير الزور الواقعتين في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

تركيا واليونان وقبرص: يحاول أردوغان و تركيا في الضغط المستمر على الدولتين مع احتلالها لشمالي قبرص، بأن يكون لتركيا وجود وحضور في أي تعاملات وتفاعلات بشأن غاز شرق المتوسط وخطوط مد الأنابيب لأوربا، لأن تركيا تعلم أن اليونان وقبرص ومع الاكتشافات الغازية الجديدة والمستمرة ومشاركتهما في منتديات الغاز وبالتشارك مع إسرائيل ومصر ودول الشرق الاوسط سيصبحون أرقام صعبة ومهمة في المعادلة الإقليمية والعالمية و ربما سيتفقون على تركيا في قادم الأيام وعندها ستضطر تركيا إلى التراجع والقبول بالشروط اليونانية والقبرصية حول جزر بحر إيجه.
تركيا و باشور كردستان(إقليم كردستان العراق): وهنا بالإضافة إلى هدف دولة الاحتلال التركية وبالتشارك مع حزب الديمقراطي الكردستاني التابع لها في إبادة الشعب الكردي وتصفية حركة حرية كردستان وقوات الكريلا التي تقاومها فإنها أرادت وتريد احتلال منابع ومصادر الطاقة في كركوك والموصل وكل إقليم كردستان وتريد القيام باستثمار وإنتاج وتصدير نفط الإقليم بعد السيطرة عليها وأخذها كورقة ووسيلة لتحسين اقتصادها و لتعزيز حضورها ونفوذها في المشهد الإقليمي والعالمي بامتلاكها منابع ومصادر طاقة وغاز جديدة والعمل لكشف المزيد منها في إقليم كردستان.
أذربيجان وأرمينيا: الحرب بينهما، والدعم الكبير الذي تلقته أذربيجان من تركيا وإسرائيل، يعود في جزء منه إلى غازها الطبيعي وجيوسياسة الطاقة ومعادلة الطاقة الدولية. دعمت تركيا باكو بكل قوتها، و عندما تقطع إيران موقتاً تصدير الغاز إلى تركيا احياناً تقوم أذربيجان فوراً بمحاولة ملء ذلك الفراغ وإن لم يكن كاملاً وفي هذا رسالة سياسية تحاول تركيا إرسالها عبر مجلس الدول التركية التي تريد تركيا من الناتو وأمريكا الدعم لإضعاف روسيا وإيران معاً وفق المسؤولين الأتراك عندما يزورون أمريكا.
كازاخستان: التوترات الأخيرة التي شهدتها كازاخستان مؤخراً قبل شهور، من الوارد كانت لها علاقة بالطاقة وبالغاز الطبيعي. فأميركا والصين تتنافسان على تقريب هذه الدولة منهما. ومن جانب آخر، فإن أحد الدوافع التي دفعت روسيا للتدخل العاجل في كازاخستان كان الحيلولة دون وقوع ميناء الطاقة هذا في قبضة الغرب وأمريكا.
ليبيا: لاشك أن التدخل التركي والروسي والأوربي في ليبيا هو في جزء كبير وأساسي منه لأجل غاز ونفط ليبيا وكل عيون واهداف السابقين ترنوا للطاقة الليبية التي تمتاز بأهميتها وسهولة استخراجها وقربها لأوربا ولايهم كل هذه الدول ما يحصل في ليبيا مادام النفط والغاز يتدفق إلى أوربا والأخريين ومازال هناك محاولات لإعادة ترتيب المشهد الليبي لتناسب بعض القوى الدولية التي لم تسيطر بعد على حقول ليبيا الأساسية في وسط وشرق ليبيا.
المغرب والجزائر وتونس ومالي: جزء كبير من الخلافات والتناقضات والاحتكاكات مع أوربا وخاصة اسبانيا وفرنسا وإيطاليا يعود لكيفية التعامل في ملف الغاز والنفط ومد الأنابيب والتنافس في هذه المجالات.
السواحل الصومالية واليمنية: تستمر الأزمة الصومالية واليمنية ومع الاكتشافات الغازية على السواحل الصومالية واليمنية، زاد الاهتمام الدولي ورجعت أمريكا إلى الصومال قبل شهور وبعدد من القوات العسكرية، علاوة التواجد الكبير لتركيا فيها وعملها المستمر لاكتشاف الغاز في سواحلها. ومن الممكن القول أن منظمة مجلس الدول المتشاطئة لبحر العرب وخليج عدن التي تشكلت مؤخراً والتي تريد عقد قمتها في الخميس القادم في الجدة، إنما يشير بوضوح لأهمية تحديات أزمة الطاقة وأمن المصادر وطرق الإيصال والقوى المسيطرة والسائدة في الدول المنتجة والمصدرة.
منتدى غاز شرق المتوسط:
تشكل مصر أحد أهم مراكز الغاز في الشرق الأوسط لامتلاكها منابع غاز كبيرة في شرق المتوسط وفي مياهها الإقليمية الشمالية ولوجود محطات تسيل فريدة ومميزة للغاز وتصديره لديها، بالإضافة إلى دور مصر وأهميتها في “منتدى غاز شرق المتوسط” الذي يشكل احدى معادلات الإقليم الجديدة، ولقد كانت هناك اتفاقية تم توقيعها قبل أسابيع بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوربي لإيصال الغاز إلى الاتحاد الأوربي، ولعل هذا الوضع ما سيعطي لمصر القوة و الحضور الإقليمي بالإضافة إلى عدد سكانها وقوتها وقدرتها العسكرية المتصاعدة بشكل ملحوظ وعلاقاتها المتشابكة والمستقرة مع دول العالم والمنطقة في أن تلعب الدور الإقليمي الذي يحقق للمنطقة نوع من التوازن بعد عشرات السنوات من الاختلال نتيجة تزايد نفوذ الدول الإقليمية الأخرى كتركيا وإيران وغيرهم. و من الصحيح القول أن “منتدى غاز الشرق المتوسط” لمصر و إسرائيل واليونان وقبرص وإيطاليا وفرنسا والإمارات وفلسطين ومالطا وأمريكا والاتحاد الأوربي والذي يلهث أردوغان و تركيا في الانضمام إليه وتقديم طلب الانضمام إليه بشكل رسمي ومستعجل بعد القيام بعدد من الاستدارات التكتيكية المقصودة تجاه بعض الدول العربية، ومن الممكن القول أن هذه الكتلة الغازية الاستراتيجية يعبر عن تحالف وتشكيل إقليمي ومعادلة جديدة يتجاوز موضوع الغاز وأمنه إلى تشكيل تحالف وقوة مشتركة إقليمية هامة وكبيرة وإعادة هيكلة للإقليم والعلاقات الاستراتيجية فيه، ولذلك قال أردوغان قبل قمة جدة أنه لن يستطيع أحد إخراج تركيا من المعادلة الدولية والإقليمية.
الطاقة والتحول الديمقراطي:
ومن الهام الإشارة إلى البعد الاجتماعي و ترابط موضوع تحديات أمن الطاقة والغاز بقضايا الشعوب والمجتمعات، ففي النهاية هذه الثروة هي ملك لشعوب ومجتمعات هذه الجغرافيات والبلدان التي تحتوي هذه الطاقة والثروة وليس لأشخاص أو فئات أو طبقات سياسية حاكمة وأنظمة متواطئة، ومن حق الشعوب أن تكون لها الرأي والقرار في كيفية استثمار هذه الثروة في تحقيق مزيد من التنمية والتحول الديمقراطي الاقتصادي والسياسي، وتحسين ظروف الحياة القاسية المتواجدة، وإن كان اليوم تتحكم الدول والمنظومة الدولتية في الطاقة وتحتكرها فهي تعبير عن الأزمة البنيوية في الذهنية والمقاربة والعقلية الدولتية والقومية التي تتصرف بمنطق الربح الأعظمي والقوة الاقتصاديوية التي تحقق الهيمنة والسلطة والدولة القومية. لكن الحقيقة يجب أن تكون الطاقة من أهم العناصر في الاقتصاد المجتمعي، إذا تم تنظيمه بشكل “كومين الطاقة أو تشاركية الطاقة المجتمعية الديمقراطية” بالإضافة إلى تشاركية أو كومين التربة والماء وهم العناصر الثلاث أوالاتحادات الديمقراطية الثلاثة الأساسية الذين يشكلون أهم عناصر وفواعل الحياة الديمقراطية المباشرة للمجتمع وللشعوب، لأن الماء وندرته وكذلك تغيرات المناخ و التصحر والجفاف الحاصل والمهدد للحياة ليست بأقل من أزمة الطاقة فأزمة الطاقة والماء والتربة أو أمن الطاقة والماء والتربة متكامل و مترابط ولا يمكن تجاهل أي واحد منهم.
وعندما يتم تحقيق التحول الديمقراطي في الطاقة والماء والتربة وجعل أولوياتها استثمارها واستخدامها لأجل الحياة الديمقراطية ورفع سوية المجتمع وتأمين احتياجاته مع احترام البيئة والطبيعة عندها ستكون للطاقة بعد اجتماعي حر وديمقراطي بالإضافة إلى الأبعاد السياسية والأخلاقية للمجتمعات والشعوب. وهنا تظهر أهمية تفاعل القوى الديمقراطية المجتمعية ومنظمات المجتمع المدني وكل القوى القادرة صاحبة المصلحة في الاستخدام الصحيح للطاقة والموارد الجوفية والسطحية وعلى رأسها المرأة الحرة لتكون لها الدور الريادي في تحقيق التحول الديمقراطي الاقتصادي وجعل الطاقة تشاركية واتحادية اجتماعية لأجل جعل الحياة أكثر أمان واستقرار وحرية وديمقراطية وليس العمل وفق منطق الربح والهيمنة مع إهمال وتخريب البيئة والطبيعية. والأن مع الحرب العالمية الثالثة وتناقضات الدول المركزية والقوموية وأزمة الطاقة ومع إعادة هيكلة العلاقات الدولية والمعادلات الإقليمية، يظهر أمام المجتمعات والشعوب الكثير من الفرص التي يمكن العمل عليها وتحقيق نتائج جيدة مع حاجة النظام العالمي للطاقة وأمن الطاقة ولا نقصد هنا تشكيل دويلات قومية جديدة أو تقسيم للسلطات والأجهزة، بل تحقيق التحول الديمقراطي وبناء الديمقراطية في الدول الموجودة مستفيدة من الطاقة كقوة اقتصادية واجتماعية رافعة ودافعة ومسهلة للوصول للحرية والديمقراطية، رغم وجود الكثير من المخاطر والتحديات على المجتمعات وشعوب المنطقة وخاصة مع أزمة الطاقة والتحديات الموجودة والحروب المحتملة بغرض تحقيق أمن الغاز العالمي وفق منطق النظام العالمي الاحتكاري.
النتيجة:
وهكذا نستطيع القول أن الاستقرار والسلام والأمن الدولي و المجتمعي والشعبي مرتبط بقدر كبير بأزمة الطاقة والتحديات الموجودة لأمن الطاقة وبالحروب والصراعات وإعادة هيكلة العلاقات الدولية والتحالفات السياسية والعسكرية لأجل تحقيق ذلك الأمن. ويمكننا القول، إن رسم الخرائط الجديدة للمنطقة والعالم وظهور المعادلات الإقليمية والدولية الجديدة مرتبط بمنابع الغاز والطاقة بشكل عام وبطرق الإمداد والإيصال وخطوط مد الأنابيب واسعار الاستهلاك، وبالتالي يتصدر أمن الطاقة و الأمن الغازي العالمي وأمن الغذاء والأمن المائي ودورة الاقتصاد والحياة المرافقة والتداعيات الحاصلة واختلال توازن أمن الطاقة، نتيجة الأزمة الأوكرانية صادرة اهتمامات النظام العالمي وكذلك محط أنظار وترقب واحساس المجتمعات وشعوب المنطقة والعالم، ولأجل تجاوز أزمات المنطقة والعالم ومنها أزمة الطاقة على كافة المستويات، لابد من التخلص من الذهنية و العقلية الدولتية السلطوية ومقارباتها ومنطق الاقتصاد السياسي للرأسمالية الاحتكارية ولا بد من رؤية اقتصادية مجتمعية ديمقراطية وتشاركية محلية وإقليمية وعالمية تتجاوز منطق الربح الأعظمي والهيمنة والنهب للنظام العالمي الرأسمالي الذي تسبب بالأزمة الحالية وبكل الأزمات منذ يوم سيادته لنظم للحياة والإدارة والتي لا تزيد الواقع والحياة سوى بوساً وسوءً وتناحراً وصراعات من أجل الهيمنة والمركزية في النظام العالمي، في حين أن بالإمكان أن تكون الطاقة والتشارك والتكامل فيها أساساً لحل القضايا الوطنية ولبناء نظم ديمقراطية وأمم ديمقراطية وكونفدراليات ديمقراطية تتجاوز الأبعاد القوموية الفاشية والسلطوية الدولتية التحكمية في استغلال الطاقة وكل الثروات الطبيعية لأجل الحكم والسيطرة واستغلال الأخر واقصائه وتصفيته بدل التشارك والاحترام والعيش المشترك والحياة المستقرة الحرة والديمقراطية التي يجب أن تكون.

to top