أحمد شيخو: المشهد السوري بعد 8 ديسمبر
بعد دخول سوريا ومعها شعوب المنطقة ودولها في مرحلة جديدة مع سقوط النظام السوري، من المهم فهم معطيات المشهد السوري الداخلي والتفاعل الخارجي معها، لما لهذا المشهد من تأثيرات وتداعيات نعتقد أنها ستكون مؤثرة في رسم وجه المنطقة الجديد وحالة الاصطفافات المتوقعة.
في يوم 8 ديسمبر ومع دخول الفصائل المسلحة وبتسمياتهم المختلفة وعلى رأسهم هيئة تحرير الشام إلى العاصمة دمشق بدون أية عراقيل جدية تذكر، بعد جملة من التوافقات الإقليمية والدولية التي نعتقد بأنها حصلت ضمن سياق مشهد إقليمي جديد للشرق الأوسط، كان الترتيب الجديد المؤقت(حسب قول هيئة تحرير الشام) في السلطة وانتقالها من حكومة النظام السابق إلى حكومة الإنقاذ(حكومة إدلب) وبدون مشاركة أو حتى مشاورات مع الأطراف السورية المختلفة سريعاً وأعطى رسائل سياسية غامضة ومقلقة، إضافة إلى أن التعينات التي حصلت في بعض وظائف الدولة والمحافظين من لون واتجاه سياسي واحد وهو الإخوان والمتشديين، كان ملفتً وقد عبرت عدد من القوى السياسية السورية عن رفضها لهذه الترتيبات، والبعض الأخر يراقب وينتظر ومازال يتريث في التعبير والرفض.
وقد حصل عدد من حالات الاعتراض والتظاهر وحتى الصدام في بعض المدن والمناطق السورية ومنها العاصمة دمشق على التصريحات والممارسات التي صدرت من هيئة تحرير الشام أو السلطة السورية المؤقتة أو من بعض الجهات المحسوبة عليها، فيما يتعلق بالجوانب السياسية أو العسكرية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، ونعتقد أن الشعب السوري وبتعدد ألوانه وأطيافه ومكوناته وتطلعه إلى عهد جديد يمتاز بالحرية والعدالة والديمقراطية مختلف عن السابق لن يقبل بسهولة بما يتم تصديره للمشهد منذ 8 ديسمبر وحتى اليوم من قبل هيئة تحرير الشام أو السلطة الجديدة الانتقالية، إلا إذا حصل عملية الانتقال بشكل صحيح وعادل وتشاركي، وكان البوصلة صحيحة ووطنية ووفق إرادة الشعب السوري ومكوناته، وخاصة أنه في ظل سوريا المتعددة القوميات والديانات وسيولة الفصائل والهياكل العسكرية والسياسية المختلفة الموجودة والتي ستنشئ أيضاً، لن يكون سهلاً لجهة واحدة تحمل المسؤولية وتطورات المشهد التي ستسخن مع صحوة السوريين من سعادة وفرح 8 ديسمبر وبدء عملية البناء والإعمار وتزايد التدخلات والمحاور التي ربما تتبلور سريعاً.
أحد أهم معطيات المشهد السوري القديم والجديد، هو المكون الكردي السوري وحقوقه كجزء أساسي في الدولة والجمهورية السورية الجديدة، وذلك لسببين أنهم قادوا ومازالوا عملية مكافحة داعش وإنقاذ السوريين والعالم من خطر هذه التنظيم الإرهابي، ولهم تجربة الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، وثانياً أن الدولة التركية ومع مجموعات الجيش الوطني السوري الموالي لها، تريد احتلال مناطق تواجد الكرد وتهجيرهم وأن لا يكون للكرد السوريين أية حقوق في سوريا الجديدة رغم كل ما بذلوه ويبذلونه لأجل مكافحة داعش وتحقيق وحدة سوريا وسيادتها في مواجهة الاحتلال والأطماع التركية. ومنذ أول يوم من سقوط النظام السوري وإلى اليوم هناك حرب شديدة بين قوات سوريا الديمقراطية من جهة وبين تركيا والقوات الموالية لها من الجهة الأخرى في منبج وفي سد تشرين وجسر قرقوزاق، رغم تدخل التحالف الدولي لتحقيق هدنة واتفاق وقف إطلاق النار، لكن تركيا تصر على استمرار الحرب مع رغبتها في إعادة رفات سليمان إلى موقعه القديم قرب جسر قرقوزاق وتغير المشهد العسكري لصالحها تحت هذا الحجة، رغم أن الطرف الكردي أبدى موافقته لاحترام الاتفاقات الدولية بشأن نقل الرفاة. إضافة إلى أن تركيا تحال بكل الوسائل خلق فتنة عربية-كردية واقتتال داخلي تكون وسيلة لتسهيل عملياتها العسكرية وإضعاف جبهة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية التي تتشكل من العرب الكرد والسريان الأشوريين. وهنا نشير لأهمية وعي السوريين والتفافهم حول الأولويات السورية، وأن لا يكون أدوات لتركيا أو غيرها في محاربة أخوتهم السوريين، بل أن المصلحة الوطنية السورية تقتضي أن يكون مع بعضهم ضد أي تدخل أو احتلال خارجي. وعلينا هنا أن نؤكد أنه في الوقت الذي يتم فيه إدانة الاحتلال والتدخل الإسرائيلي وتدميرها للبنية العسكرية السورية من قبل الدول الإسلامية والعربية، من المفيد والصحيح أن يتم رؤية ما يتم في الشمال السوري وإدانة التدخلات واستمرار الحرب فيه خدمة لأطراف خارجية وليس لمصلحة ووحدة الشعب والدولة السورية.
ومن المهم لما بعد 8 ديسمبر أن نشير لمقاربة بعض الدول والجهات الدولية مع هيئة تحرير الشام أو السلطة أو الحكومة الجديدة في دمشق، فبعضهم يتهافت للقاء أحمد الشرع “الجولاني” رئيس إدارة العمليات العسكرية أو القائد وفق رأيهم، وكأنه رئيس سوريا المنتخب وعبر دستور وبرلمان سوري، وكأنه ليس هو وتنظيمه في قوائم الإرهاب لمجلس الأمن الدولي، وذلك تحت عناوين حاجة السوريين ومساعدتهم وإعادة اللاجئين وانتقال السلطة وتعزيز العلاقات وربما هو لتمكين الموجود وتعميق سيطرته وشرعنته، وبعض الدول والجهات الأخرى لديها قلق وتحفظات على الموجود ويتعاملون بحذر وترقب لما سيكون عليه الأمور وكيف ستتصرف هذه الجهة الجديدة في الملفات الداخلية والإقليمية وطريقة تعاملها مع المكونات والمرأة والمخالفين لرؤيتها، لأننا أمام تفسيرات وتحليلات تعتقد أن الهدوء الحالي والسياق الموجود ربما يكون مختلف مع قادم الأيام مع تبلور محاور إقليمية ودولية في المشهد السوري وظهور تحديات مرحلة الانتقال التدريجي وعملية البناء والإعمار وكشف مختلف الأطراف عن نواياهم وأهدافهم الحقيقية في سوريا.
صحيح أن إيران وروسيا لن يكونوا لهم نفس النفوذ السابق في سوريا، وربما يقول البعض أن نفوذهم انتهى مقابل تزايد النفوذ التركي والإسرائيلي، ولكننا نعتقد أنه مع أية عملية سياسية أو مخاضات جديدة أو ظهور تحديات حقيقية مع بلورة شكل الدولة الجديدة وهويتها ومؤسساتها السيادية وتشكيل الجيش والأمن، سيظهر أدوات أو جهات سياسية أو عسكرية سورية قريبة لروسيا وإيران، كما هي حال تركيا وأذرعها العسكرية والسياسية في سوريا حالياً عبر قسم من المعارضة السورية السياسية والمسلحة والتي أصبحت ضمن الحكومة الحالية أو المسيطرة فعلياً وبدعمها على حوالي 10% من مساحة سوريا.
وبالتالي فإن الصراع الإقليمي والدولي سيدخل مرحلة جديدة في ظل تطورات المشهد السوري. وكما أن القواعد الأمريكية والروسية ربما يحصل وقد حصل بالفعل تغيرات فيها من حيث تموضعها وأعداد القوى ووظائفها، حيث أن روسيا سحبت كل وجودها العسكري على الخارطة السورية إلى القاعدتين في حميميم وطرطوس وهي تفاوض هيئة تحرير الشام للبقاء في ظل ضغط أوربي لمحاولة إنهائهم، كما أن الأمريكيين أعلنوا عن زيادة قواتهم في سوريا لحوالي الضعف، وبالمجمل يمكن القول أن سوريا انتقلت وفق المقياس الاستراتيجي من الجهة الروسية أو الشرقية إلى الجهة الأمريكية أو إلى محور الاعتدال العربي المعروف بتصالحها مع إسرائيل، وهذه إحدى ترتيبات المشهد الإقليمي والتحول الكبير.
كما أننا نستطيع القول أن بلدان المنطقة ومنهم العراق ليست بعيدة عن حدوث زلزال عسكري وسياسي كبير فيه، نظراً لمجاورتها لسوريا ولتشابه البلدين من حيث المكونات العرقية والدينية وكذلك وجودهما في سياق إقليمي واحد يراد تعديله وتحوريه ليكون بداية قوية لتطورات وأحداث ربما ستحدث في إيران وتركيا، كونهما المقصودين من التطورات والمستجدات في سوريا، حيث أن الانتقال الاستراتيجي للدولة والجغرافية السورية لن يكون مفيداً للنظام العالمي الرأسمالي الذي يريد تغير خارطة وترتيب المنطقة إلا إذا انتقل الحاصل في سوريا لخارجها وحصل التغير المراد في تركيا وإيران، وربما تظن بعض الدول المجاورة لسوريا أنها سيطرت على سوريا بدعمها المشهد الحالي ولكننا نقول أنها دخلت في مستنقع لن تستطيع الخروج منها إلا بتكاليف باهظة على وحدتها ودورها الإقليمي.
من المخاطر الحقيقة التي يجب أخذها بجدية واهتمام هي:
1- داعش التي استفادت من سقوط النظام وانشغال قوات سوريا الديمقراطية بمواجهة التدخلات والهجمات التركية والجماعات الموالية لها، فقد سيطرت داعش على بعض الأسلحة ووسعت من مساحة سيطرتها ونشاطها في سوريا، وفي حال استمرار الهجمات وتوسعها على قوات سوريا الديمقراطية، لن تستطيع هذه القوات القيام بدورها في حراسة سجون داعش وكذلك في محاربة خلايا داعش ونشاطهم المتزايد. وعليه لضمان هزيمة داعش يجب وقف الحرب على قسد من قبل تركيا والموالون لها وضمان عمل قسد الأساسي في محاربة داعش واستمرار وجودها في الجيش السوري الجديد وحل القضايا بينها وبين دمشق وكذلك بينها وبين تركيا بالحوار والاتفاق.
2- وجود التكفيريين والجهاديين المتشددين من خارج سوريا مع جبهة تحرير الشام والذين ظهور بكل أريحية وهم يهددون دول المنطقة والعالم. فكيف سيتم التعامل معهم وكيف سيكون مستقبلهم وأين سيعيشون وهل سيقومون بتصدير الحالة الجهادية لهيئة تحرير الشام لخارج سوريا. ربما سمعنا رسائل من أحمد الشرع ومحاولة لبث تطمينات حول هذا الموضوع ومواضيع عديدة مثيرة، ولكن ليس كل ما يقال يمكن تنفيذه أو سيتم تنفيذه، وبالأصل هل يريد فعلاً وهل يستطيع ذلك، وهو حال الكلام والرسائل العديدة التي تحتاج منه ومن جبهته أوسلطته إلى ترجمة وفعل ينتظره الشعب السوري وكذلك شعوب ودول المنطقة والعالم، وهذه الأفعال التي ستحدد مستقبله وطريقة التعامل معه من قبل السوريين والقوى الخارجية.
إن عدالة الثورة السورية واستبداد عائلة الأسد الحاكمة لنصف قرن وفرحة السوريين بالتخلص من العهد القديم، ليست مبررات كافية و لا شيك على بياض للسلطة الحالية وليس لأية جهة داخلية أو خارجية لتتحكم بالدولة والجمهورية السورية وهويتها وبمستقبل الشعب السوري وتفرض أجندتها أو رؤيتها الأحادية.
لقد دخلت سوريا مرحلة جديدة بعد 8 ديسمبر وفيه خرج السوريين من معاناة كبيرة وهو يحمل الكثير من الطموحات والأهداف النبيلة في بناء جمهورية سورية ديمقراطية تلبي طموحات وأهداف الثورة والتحركات الشعبية السورية في الحرية والديمقراطية والعدالة، وكذلك أن يتحقق في هذه البلد المشاركة الفعالة لكل مكونات وأبناء سوريا لبناء جمهورية تحقق الكرامة لكل السوريين بعربهم وكردهم وتكون قادرة على الحفاظ على السيادة ووحدة الأراضي السورية من التدخلات وبدون أية وصاية من جهة أو دولة ، وهنا يظهر أهمية دور الأشقاء العرب ووقوفهم على مسافة واحدة من كل الأطراف السوريين والذي ينتظر السوريين منهم كأخوة وأشقاء كل المساعدة والدعم بعد حالة الدمار والخراب الذي حصل في سوريا نتيجة الحرب وخاصة في هذه المرحة الانتقالية الصعبة المليئة بالتحديات وخاصة مع ضرورة تحقيق المصالحة الشاملة وعودة السورين لبيوتهم وتحقيق التنمية وإعادة الإعمار وبناء المؤسسات السيادية خاصة مع وجود أطراف إقليمية تبدى رغبتها الجامحة وتحاول فرض أجندتها التي ربما لن تكون في صالح الأمة والدول العربية في الحاضر والمستقبل.
المصدر مجلة المصور المصرية