منذ 27 الشهر الحالي وإلى اللحظة، ما زال الجميع يحاول فهم ما حدث ويحدث في سوريا، وكيف، وما هي التداعيات المترتبة على أحداث حلب وحماة الجارية.
على الأغلب، ما حصل يأتي ضمن سياق إقليمي وعالمي، ومشهد يريد أن يتبلور عبر دخولنا في فصل جديد من فصول الحرب العالمية الثالثة يتم التمهيد له من قبل القوى المركزية في النظام الدولي والإقليمي.
تعمل أمريكا وإسرائيل، وإلى حد كبير بالتوازي مع المنظومة الرسمية العربية (دول الاعتدال)، وبتوافق ضمني مع إيران غير ظاهر، على تهيئة الأرضية والظروف لنظام إقليمي وبلورته. بدأ هذا النظام مراحله شبه الأخيرة من حرب غزة إلى حرب لبنان وصولاً إلى الحرب الحالية في سوريا وربما إلى العراق وغيرها.
علماً أن أمريكا وبريطانيا ومنذ إسقاطها لنظام صدام حسين أعلنت بشكل ضمني أن أداة الرأسمالية في المنطقة، “الدولة القومية”، انتهت عهداً وباتت غير صالحة للنظام الرأسمالي العالمي. وهي تبحث عن بديل لها أو ترميمها وفق المعطيات والأدواة الجديدة الحديثة.
هل لدى النظام الرأسمالي العالمي وأزلامه وأدواته في الشرق الأوسط حلول لأزمة “الدولة القومية” أو القدرة على تجاوزها؟
ربما يكون الجواب لا حتى الآن، خاصة أن المطروح هو الفوضى والحروب وزيادة نفوذ قوى إقليمية على حساب قوى أخرى، أو فتح المجال لقوى جديدة صاعدة لتكون دماء جديدة في النظام الرأسمالي.
ما حصل في حلب وحماة ليس حدثاً عرضياً أو مجرد تفاعل سوري داخلي، بل هو إرهاصات مخطط دولي وإقليمي. نعتقد أن أمريكا وإسرائيل وبريطانيا هم الثلاثي الرئيسي في هذا المخطط، مع وجود أدوات عدة، منها وجود تركيا كأداة تحاول أن تدخل نفسها وتكون موجودة بكافة الوسائل والطرق، لأنها تشعر بقلق شديد من أية ترتيبات لا تكون لصالحها. ومن يراقب نوعية التسلح، ومنظومة التشويش، والطائرات المسيرة، وتصرف المجاميع يدرك أن سوريا تشهد تحولاً جديداً. له مؤشرات دولية وإقليمية.
جبهة النصرة (القاعدة) التي تظهر في الواجهة مع فصائل أصغر عديدة، إضافة إلى مرتزقة أنقرة (الجيش الوطني السوري)، لا يختلفون عن داعش في عقليتهم وممارساتهم. أما النظام السوري المتهالك، الذي كان يعتمد سابقاً على قوى غير سورية ودول مثل روسيا وإيران، أصبح يترك الشعب السوري والمحافظات السورية بدون أن يقوم بواجبه. بل يترك الأسلحة والعتاد الثقيل والمطارات لهذه المجاميع، ما يشكل خطورة كبيرة، إذ ستُستخدم هذه الأسلحة في مجالات وحروب مختلفة داخل سوريا وخارجها.
الملاحظ أن مواقف روسيا وإيران في الأسابيع الأخيرة تُظهر أنهما تركتا الحكومة السورية لمصيرها، خاصة إذا رصدنا التحركات الروسية في الساحل ومغادرة بعض قواتها من السواحل السورية، بالإضافة إلى الرسائل الإيرانية عبر وزير الخارجية إلى أمريكا والإدارة الأمريكية القادمة.
تركيا، التي تهدف إلى إبادة الكرد والقضاء على الإدارة الذاتية وتقسيم سوريا وضم أراضي الميثاق الملي، وتحاول توظيف الحرب الحالية في سوريا لتحقيق هذا الهدف، كما أنها تسعى لأن يكون الإخوان في السلطة في دمشق، مما يعني بداية لتوغل تركيا في العالم العربي بمشروعها العثماني الجديد. لكن هل هذا ممكن؟ وخاصة أن زمن الإسلام السياسي تراجع بعد سقوط الإخوان في مصر.
إحدى أهم تداعيات الحرب الحالية وتوسع نفوذ المجاميع التكفيرية والمرتزقة هي الحالة المعنوية لتنظيم الإخوان والقاعدة. وهم يعتبرون ما حصل في سوريا انتصاراً لهم جميعاً، وهذا سيكون له تداعيات كبيرة على الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
من المحتمل أن يكون لبنان والعراق من الأهداف القريبة لهذه المنظمات والمخططات، وبعدها دول أخرى، وخاصة شمال لبنان وغرب العراق. ومن المعتقد أن الهلال الشيعي الذي حاولت إيران بناءه سيكون في خبر كان، وقد تكون إيران وافقت عليه من مبدأ “تجرع السم” للحفاظ على نظامها في إيران وأن تكون عنصر موجود في الترتيبات الجديدة.
لن تنتهي الأزمة السورية قريباً، بل من المؤكد أننا سندخل في حروب قادمة لا محالة، خاصة أن تغير المعادلات في سوريا سيكون له تداعيات وتأثيرات كبيرة في الإقليم والشرق الأوسط والعالم، بما فيها تركيا وإيران والدول العربية لغير صالح النظم والسلطات الحاكمة.
في ظل هذه الحرب المتجددة، وممارسات هذه المجاميع وأهداف تركيا الاستعمارية، والمخططات الدولية والإقليمية، من الضروري أن يكون هناك موقف سوري وطني ملتف حول قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية وهي تجربة السوريين الناجحة في مواجهة الإرهاب ومقاومة الاحتلال التركي.
كما يجب على كل القوى التي لها مصلحة في استقرار وأمن سوريا أن تتخذ مواقف سريعة وجادة، وخاصة الدول العربية المحورية وأقطاب المنظومة الدولية التي لديها مصلحة في عدم انتشار الفوضى والإسلاموية والعثمانية في الشرق الأوسط والعالم. ومن المؤكد أن سوريا تحتاج إلى حل جذري يتجاوز العقلية البعثية وكذلك القاعدية الداعشية والعثمانية إلى جمهورية ديمقراطية وعقلية وطنية تشاركية تستوعب كل مكونات الشعب السوري وتكون الدولة السورية والجمهورية السورية الديمقراطية جزءً اساسياً من المنظومة العربية الشعبية والرسمية.
شهر واحد مضت