الخميس 7 نوفمبر 2024
القاهرة °C

أحمد شيخو: تصاعد التوتر في المنطقة وإشكاليات الحل

 

تشهد منطقة الشرق الأوسط تصاعدًا في التوترات السياسية والأمنية والعسكرية، وسط صراعات مراكز القوة والتحولات الكبرى والأزمات المتشابكة العالمية التي لا تبدو نهايتها قريبة، وهي تحمل الخطر والفرص معاً في تحولاتها وتداعياتها على الاستقرار والأمن. تشمل هذه التوترات نزاعات قديمة وعميقة، تتراوح بين الصراعات الوجودية والحدودية والخلافات السياسية والدينية والقومية، إضافة إلى التحديات الفكرية والثقافية والاجتماعية، مع إشكاليات المنظومة القيمية للدول القومية والنظم الأحادية ومستجدات عصر العولمة والرقمنة في كافة مجالات الحياة، لنا كأفراد ومجتمعات وشعوب ودول المنطقة، إلى جانب تنافس القوى الإقليمية والدولية على النفوذ والمصالح. كما تضاف إلى ذلك تحديات الإرهاب، والأزمات الاقتصادية التي تتفاقم يومياً، والتدخلات الخارجية، مما يجعل مسار الحل معقدًا وشائكًا.

في هذه المقالة، نستعرض أسباب تصاعد التوتر في المنطقة، والعوائق التي تحول دون الوصول إلى حل، والإشكاليات التي تواجهها الجهود المبذولة لإحلال الاستقرار، ونوعية الحلول المقترحة، بما فيها مقترح “الأمة الديمقراطية”.

أسباب تصاعد التوتر في المنطقة

يمكن إرجاع أسباب التوتر إلى عدة عوامل، منها:

  • التقسيمات القائمة والدول الوظيفية: وهي حالة اصطناعية فُرضت من قبل القوى الكبرى العالمية بعد الحروب العالمية، دون اعتبار إرادة شعوب المنطقة ومصالحها واحتياجاتها، وذلك تحقيقًا لأجندات تلك القوى ومصالحها.
  • النزاعات التاريخية والسياسية: تعود بعض التوترات إلى نزاعات مستمرة منذ عقود، كالصراع العربي الإسرائيلي، والقضية الكردية في الدول الأربع (تركيا، إيران، العراق، وسوريا)، والخلافات الإقليمية بين دول مثل إيران والسعودية وتركيا ومحيطها وتدخلاتها. غالبًا ما تغذى هذه النزاعات بالمصالح المتضاربة والأيديولوجيات المتنافسة، مما يصعّب احتواءها.
  • التدخلات الأجنبية: تلعب القوى الكبرى دورًا مؤثرًا في المنطقة، حيث تمثل ملتقى للمصالح الغربية والشرقية. تساهم هذه التدخلات في تعقيد النزاعات وإطالة أمدها، إذ تسعى الدول الكبرى إلى حماية مصالحها الاستراتيجية أو الاقتصادية من خلال الدعم العسكري أو السياسي لأطراف معينة في النزاع، دون الاهتمام بالحقوق أو القانون أو الأخلاق.
  • التطرف والإرهاب: يُعتبر الإرهاب عاملًا يزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي في المنطقة، حيث تعمل التنظيمات المتطرفة الجهادية الإسلاموية على استغلال الفراغات الأمنية والسياسية لفرض نفوذها. وقد أدى ظهور تنظيمات كداعش والقاعدة والنصرة إلى زعزعة استقرار دول عديدة وإشعال نزاعات جديدة، فضلاً عن محاولات بعض الدول الاستفادة من هذه الجماعات واستغلالها.
  • الأزمات الاقتصادية: ساهمت الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها بعض شعوب ودول المنطقة، نتيجة سوء الإدارة والفساد أو الحروب المكلفة، في زيادة حدة التوترات، إذ تلجأ بعض الحكومات إلى تبني سياسات متشددة أو إلقاء اللوم على أطراف خارجية لتبرير فشلها الاقتصادي، ما يخلق بيئة غير مستقرة ويزيد من التوترات الداخلية والخارجية.
  • المركزية الشديدة: نظراً للتعدد والتنوع الموجود في دول الشرق الأوسط، فإن حالة الإدارة والحكم لم تكن مركزية، عبر مختلف العصور، بل كانت المرونة واللامركزية هي السائدة، وهي التي أعطت للمنطقة قوتها وتكاملها وتغلبها على التحديات الخارحية والداخلية، ولكن مع التدخل الغربي فيي شؤون المنطقة تم تقسيم المنطقة لدويلات وظيفية وفرض النظم المركزية الشديدة فيها مما زادة من النزاعات نتيجة الاستفراد والاحتكار وتدهور الاقتصاد وحال المجتمعات والمحافظات والأقاليم البعيدة، ولذلك لا بد من تطبيق اللامركزية وتوسيع سلطة وصلاحية الإدارات، وهذا مهم من النواحي الاقتصادية والسياسة وتفعيل كافة الإمكانات والتخلص من البيروقراطية والمركزية التي أصبحت من أسباب التوتر والنزاعات بسبب احتكارات المركز.
  • إبعاد وإقصاء المرأة والشباب: وهم الفئات الأكثر رغبة ومصلحة في التغيير وتحقيق العدالة الاجتماعية وإنجاز الحرية والديمقراطية، نظرًا للمعاناة والإقصاء الذين يتعرضون لهما في ظل النظام الذكوري والسيطرة الجنتوقراطية.

إشكاليات الحل

بغض النظر عن محاولات التوصل إلى حلول سياسية ودبلوماسية، هناك عدة إشكاليات تعيق التقدم في هذا المجال:

  • تضارب المصالح الإقليمية والدولية: تجد الدول الإقليمية نفسها في موقف تنافسي على النفوذ والهيمنة، مما يجعل الحلول التوافقية صعبة التحقيق. كما يزيد تدخل الدول الكبرى من تعقيد إيجاد حل وسطي يلبي مصالح جميع الأطراف.
  • ضعف الهياكل السياسية الداخلية: تعاني معظم دول الشرق الأوسط الشعوب والدول من ضعف في هياكلها السياسية الداخلية، سواء بسبب نقص الرؤية أو الصراعات الداخلية أو التدخلات الخارجية، مما يجعلها غير قادرة على الالتزام بحلول دائمة أو تطبيق اتفاقيات السلام بشكل فعال.
  • انعدام الثقة بين الأطراف: يُعد انعدام الثقة بين الدول والجماعات المتنازعة حاجزًا رئيسيًا أمام الوصول إلى حلول. فقد ساهمت التجارب السابقة من اتفاقيات ومفاوضات فاشلة في ترسيخ الشكوك حول نوايا الأطراف الأخرى، مما يصعّب التفاوض ويطيل أمد الصراعات.
  • تأثير الأيديولوجيا والدين: يشكل العامل الأيديولوجي القالبي والديني جانبًا حساسًا في الصراعات الإقليمية، حيث يُوظف الدين أحيانًا لتعزيز مواقف سياسية، مما يخلق حواجز نفسية وثقافية تعوق محاولات السلام والتفاهم.

الذهنية الأحادية والاحتكارية:

سواءً كانت أحادية قومية أو دينية أو سياسية، حيث أن عمليات الإقصاء والإبعاد والذوبان والإبادة تمت بحق شعوب وثقافات أصيلة وما زالت مستمرة. مما خلق معها نزعات فاشية تعيق الحلول وعمليات التعايش والتكامل، وبالتالي تزيد التوترات والصراعات.

تشكل الذهنية الأحادية والاحتكارية أحد أكبر التحديات أمام الحلول المستدامة في المنطقة، حيث تعتمد بعض القوى السياسية على نهج أحادي يحاول فرض رؤية معينة دون قبول الاختلاف أو التنوع في المجتمع. تعزز هذه الذهنية الاحتكار السياسي والاقتصادي، إذ تسعى بعض النخب إلى السيطرة على موارد الشعوب والدولة وتوجيهها لخدمة مصالحها الضيقة، مما يزيد من استياء الشعوب ويغذي النزاعات الداخلية.

تؤدي الذهنية الأحادية إلى تهميش فئات واسعة من المجتمع، سواء بسبب الانتماء العرقي أو الديني أو السياسي، مما يدفع هذه الفئات إلى العزلة، وفي بعض الحالات إلى الاحتجاج أو النزاع المسلح. وفي ظل غياب الشراكة الحقيقية بين القوى المختلفة، يصعب تحقيق التوافق اللازم لبناء مستقبل مشترك، وتتعطل آليات الحوار والإصلاح.

للتغلب على هذه الإشكالية، لا بد من تبني سياسات قائمة على الشراكة واحترام التنوع، حيث يتم إشراك مختلف الأطياف في عملية صنع القرار، بدلاً من احتكارها. إن تجاوز الذهنية الاحتكارية يعد شرطًا أساسيًا لبناء مجتمعات مستقرة وقادرة على حل نزاعاتها بطرق سلمية، وفتح المجال أمام أفكار ومبادرات جديدة تعزز من فرص التنمية المستدامة والعيش المشترك.

وعليه، يمكن القول إن الذهنية الأحادية والاحتكارية تُعتبر في ذات الوقت أسبابًا وإشكاليات تساهم في تعقيد الأوضاع في المنطقة.

باعتبارها إشكاليات: تعيق التوافق: تؤدي الذهنية الأحادية إلى تجاهل التنوع والاختلافات الثقافية والعرقية، مما يخلق بيئة غير مشجعة للحوار والتفاهم.

تؤدي إلى تهميش فئات: عندما تسيطر رؤية واحدة على المشهد السياسي، يتم تهميش فئات واسعة من المجتمع، مما يزيد من الاستياء ويغذي النزاعات.

تضعف الشراكة: تعوق الذهنية الاحتكارية فرص الشراكة بين القوى المختلفة، مما يُصعّب من إمكانية تحقيق توافق أو حلول مستدامة.

باعتبارها أسباب:

يسهم في تصاعد التوترات: الذهنية الأحادية والاحتكارية تعزز الانقسامات داخل المجتمعات، مما يمكن أن يؤدي إلى تصاعد التوترات والصراعات.

تعزز الفوضى: تكرار عمليات الإقصاء والإبعاد يمكن أن يخلق أجواء من الفوضى والاحتجاج، مما يسهم في تفاقم الأزمات.

 السلطوية :

وهي طاقة القمع والاستغلال، التي تطورت مع مراحل التاريخ المختلفة، حتى أصبحت مؤسسات وهياكل دولتية، ابتلعت جهود وثورات الشعوب ونتائجها لتصبح أكثر تغلغلاً في المجتمع، وأكثر نفوذًا كقوة عنفية احتكارية، تتمثل في الدولة القومية والمنظومة الرأسمالية الاحتكارية. تعد السلطوية إحدى العقبات الرئيسية التي تعرقل مسار الحلول السلمية في المنطقة، إذ تميل الأنظمة السلطوية إلى تعزيز قبضتها على السلطة باستخدام سياسات قمعية تقيّد الحريات وتقمع المعارضة. في مثل هذه البيئات، يصعب إيجاد مساحة للحوار السياسي أو محاولات المصالحة الوطنية، حيث يُنظر إلى مطالب التكوينات الاجتماعية في الإصلاح السياسي أو الحقوق المدنية أو التحولات الديمقراطية كتهديدات لشرعية النظام الحاكم أو بقاء الدولة نفسها.

تساهم السلطوية أيضًا في تعميق الانقسامات داخل المجتمعات، إذ تلجأ بعض الأنظمة إلى استغلال الانتماءات الطائفية أو القبلية أو الإثنية كوسيلة لتفريق المجتمع وإضعاف القوى المعارضة وحركات الحرية والديمقراطية. كما أن اعتماد السلطة على الأجهزة الأمنية لتثبيت الوضع الداخلي يولد جوًا من عدم الثقة بين المواطنين والنظام، ويزيد من تعقيد الحلول التي تتطلب استقرارًا سياسيًا وقبولًا شعبيًا.

في إطار هذه الأنظمة، تصبح آفاق التغيير محدودة، حيث يصعب تحقيق التحول الديمقراطي أو الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الضروري لاستدامة أي حل سياسي. لذلك، فإن حل إشكاليات المنطقة لا يعتمد فقط على معالجة النزاعات القائمة، بل يتطلب أيضًا تخليص المؤسسات السياسية من السلطوية وتمكين المجتمع المدني أو تحقيق سيادة المجتمع على مؤسسات الدولة.

وعليه، يمكن اعتبار السلطوية كعنصر مزدوج: فهي سبب من أسباب التوترات، وفي نفس الوقت تُشكل إشكالية كبيرة تعرقل جهود الحلول.

باعتبارها سببًا: السلطوية تعزز الاستبداد وتكرس هيمنة الأنظمة، مما يؤدي إلى تهميش المجتمعات ومنعها من التعبير عن احتياجاتها وتطلعاتها، وبالتالي قد تعتبر سببًا في تصاعد التوترات والنزاعات.

باعتبارها إشكالية: في سياق معالجة الأزمات، يمكن القول إن السلطوية تمثل عائقًا رئيسيًا أمام الوصول إلى حلول سلمية، حيث تجعل من الصعب تحقيق الحوار والتوافق بين الأطراف المختلفة. فهي تعيق عمليات الإصلاح والتحول الديمقراطي، مما يزيد من تعقيد الأوضاع.

لذا، يمكن اعتبار السلطوية كعنصر مزدوج: فهي سبب من أسباب التوترات، وفي نفس الوقت تُشكل إشكالية كبيرة تعرقل جهود الحلول.

جهود السلام وإحلال الاستقرار

رغم التحديات الكبيرة، فقد شهدت المنطقة مقترحات ومحاولات مستمرة لإحلال الاستقرار وإنهاء الصراعات. تعمل بعض الجهات الدولية والإقليمية والمجتمعية على تقريب وجهات النظر، مثل بعض المؤسسات الدولية والإقليمية، إلى جانب جهود بعض القوى والدول التي لعبت دور الوسيط في عدة مناسبات. ولكن الإشكالية تظهر في عقلية ومنهجية الحل التي تكون بعيدة عن مسار الحلول الديمقراطية.

ومن أبرز مسارات الحل الممكنة:

  • الحوار السياسي والدبلوماسي: يشكل الحوار أساسًا في أي عملية تسوية طويلة الأمد، حيث يتطلب الأمر إيجاد قنوات تواصل مباشرة بين الأطراف المتنازعة. وغالبًا ما يتم هذا من خلال مفاوضات سرية أو وساطة دولية تضمن حيادية هذه الأطراف والحلول المقترحة، ومن المهم أثناء الحوار والتفاوض تحقيق شروط منها، كوقف الحرب والابقاء على وضع القوة من الطرفين دون زيادة اثناء التفاوض ووجود مؤسسات ديمقراطية تفاوضية وتهيئة المجتمعات والشعوب على التعايش وبناء ذهنية التشارك.
  • التنمية الاقتصادية: يعتبر تطوير برامج اقتصادية لدعم الاستقرار في مناطق الأزمات والدول والشعوب المتضررة خطوة مهمة نحو تهدئة التوترات، حيث إن التوزيع العادل للثروات بين مختلف الفئات والمجتمعات والشعوب وتحسين الظروف المعيشية يقللان من فرص زيادة الاحتجاجات وانخراط الأفراد في الأساليب الحادة. وأية حلول يجب أن يضمن الجانب الاقتصادي وحقوق كل الأطراف.
  • الجهود التكاملية لمكافحة الإرهاب: يعد التنسيق الدولي لمكافحة الإرهاب خطوة ضرورية في سبيل تعزيز أمن المنطقة. ومن الضروري تعزيز التعاون الاستخباراتي والأمني بين القوى والدول التي تواجه الإرهاب، مع توفير الدعم للدول والمجتمعات المحدودة الإمكانيات لمواجهة الجماعات الإرهابية. كمثال، الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا تتطلب مزيدًا من التعاون والتنسيق والدعم لها، حيث لعبت مع قواتها قوات سوريا الديمقراطية دورًا رئيسيًا في مكافحة داعش وما زالت في ظل احتفاظها بحوالي 11 ألف من مقاتلي داعش في سجونها والعديد من المخيمات التي تتطلب المساعدة والدعم الدولي.
  • دعم التحول السياسي الديمقراطي: يعتبر تعزيز الديمقراطية وسيادة القانون خطوة مهمة نحو الاستقرار. يجب تشجيع الدول والمجتمعات والشعوب على بناء مؤسسات ديمقراطية قوية وشفافة قادرة على التعامل مع الخلافات السياسية بشكل سلمي وليس بالوسائل العنفية الأمنية كما هو الحال في عدد كبير من دول المنطقة. وأن لا تكون المؤسسات القضائية والحقوقية تابعة لأجندات السلطة كما هي حال معظم دول الشرق الأوسط، بل مستقلة وحيادية بين الأطراف، إلا للحق.

الأمة الديمراطية وتجاوز الحلول التقليدية

تتطلب النزاعات المستمرة في المنطقة حلولًا غير تقليدية تتجاوز الأطر السياسية الكلاسيكية، فلا يمكن حل الإشكاليات والأزمات بتبديل بعض الأشخاص والسلطات أوتقسيم السلطة بين جهات وقوى مؤثرة، دون تغيرات حقيقة في بنية وذهنية هذه الأنظمة، فاستمرار هيمنة النخب والأطر الضيقة والأولويات الدولتية السلطوية دون مصالح الشعب والمجتمع هي تكرار لدوامة النزعات بأشكال جديدة.

واحدة من الأطروحات المثيرة للاهتمام هي فكرة ومشروع “الأمة الديمقراطية” التي اقترحها المفكر والقائد عبد الله أوجلان، والتي تستطيع معالجة أسباب عدم الاستقرار وإشكاليات الحل والأخذ بجهود السلام وتحقيق الاستقرار، فهي تعتمد على مفهوم الفرد والمواطنة الحرة العابر للقوميات والإثنيات. يرى المفكر والقائد أوجلان أن الحلول التقليدية التي تعتمد على البحث في الدولة والحدود القومية والدول القومية قد أثبتت محدوديتها في تحقيق الاستقرار، لا سيما في المجتمعات المتنوعة ثقافيًا وإثنيًا كمجتمعات الشرق الأوسط.

تسعى “الأمة الديمقراطية” إلى بناء نظام ديمقراطي شامل يتأسس على مبدأ الإدارة الذاتية المعتمدة على بناء المجتمع الديمقراطي القوي وتحقيق حرية المرأة وريادة الشباب، بعيدًا عن التركيز على الهوية القومية الواحدة والاحتكار. ويدعو هذا النموذج إلى تعزيز الديمقراطية المباشرة المحلية والتعايش السلمي بين المجموعات المختلفة، مع احترام التنوع العرقي والثقافي والديني كجزء من الحل وليس كسبب للصراع. يمكن أن يكون لهذا النموذج إطار بديل للأنظمة القومية المركزية، حيث يسمح للمجتمعات المختلفة بإدارة شؤونها بحرية مع الاحتفاظ بروابطها مع الدولة الأم.

إن تطبيق مثل هذه الأفكار يتطلب تحوّلاً جذريًا في طريقة التفكير والتعامل مع النزاعات، خاصة في مناطق التعددية الثقافية والإثنية والدينية. ومن الممكن أن تكون “الأمة الديمقراطية” نموذجًا واعدًا لدول المنطقة التي تحتاج إلى آليات جديدة للتوفيق بين مكوناتها المختلفة وتحقيق استقرار دائم وشامل.

خاتمة

إن تصاعد مستوى التوتر في المنطقة يشير إلى تعقيد مشهد النزاعات والاختلافات، خاصة في ظل تعدد اللاعبين واختلاف الأجندات. لكن من الواضح أيضًا أن هناك فرصًا لتحقيق الحرية والديمقراطية لإحلال السلام إذا ما توفرت إرادة العمل المشتركة ووجدت الذهنية التشاركية وتكاملت الشعوب وقوى الحرية والديمقراطية مع بعضها في ظل مشروع الحل الديمقراطي”الأمة الديمقراطية”.

المطلوب هو الحوار والنقاش وتعزيز الإرادة المجتمعية وتكاتف الجهود المجتمعية المحلية والإقليمية والدولية لحل القضايا الأساسية أولاً، كالقضية الكردية والقضية الفلسطينية، وقضايا التحول الوطني الديمقراطي، للحد من النزاعات وتعزيز الاستقرار، من خلال تعزيز الحوار، تجاوز الاحتكار، تحقيق التعايش، الاعتراف المتبادل، مكافحة الفاشية والإرهاب والعنصرية، ودعم الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، وسن الدساتير الديمقراطية، لإنجاز التحول الديمقراطي الوطني لضمان مستقبل آمن ومزدهر للمنطقة ولكل شعوبها وتكويناتها وخصوصياتها الاجتماعية في إطار من التكامل الثقافي والكلياتية الديمقراطية للكيانات المجتمعية.

 

to top