الحدث – القاهرة
أوضح الكاتب والباحث السياسي أحمد شيخو، أن العثمانية الجديدة هي تكرار وتبلور للاتحاد والترقي بأسلوب حرفي ومضلل أكثر للسيطرة واحتلال الشرق الأوسط، وبيّن أن جبال طوروس وزاغروس هي خط الحماية الأول لكل البلدان العربية الحالية والأمم الإسلامية والشعوب والأديان المختلفة في المنطقة.
أوضح الكاتب والباحث السياسي الكردي المقيم في العاصمة المصرية القاهرة، أحمد شيخو، أن تركيا لديها مشروع توسعي وتمددي يهدف إلى السيطرة واحتلال كردستان كخطوة أولى، ثم احتلال البلدان العربية، وفي مقدمتها سوريا والعراق ودول المشرق العربي، ثم ليبيا وتونس لاحتلال بلدان المغرب العربي.
وفيما يلي نص الحوار:
مشروع العثمانية الجديدة الذي قال عنه منظرو ومؤسسو حزب العدالة والتنمية، هو مشروع استعماري واستيطاني وتوسيع للقومية والطورانية التركية، وممزوج بفكر وتوجهات الاتحاد والترقي وخطه التابع للهيمنة الخارجية، ويستهدف المنطقة برمتها وليس فقط الكرد، وإن استهدف في المرحلة الأولى الشعب الكردي وقواها الفعالة والمدافعة كحزب العمال الكردستاني وقوات الدفاع الشعبي والمشروع الديمقراطي في شمال وشرق سوريا فهو لأن تركيا ترى أنها وتجاوزها للعائق الأول أمامها والمتمثل في الكرد، فإنها ستستطيع الاستمرار في مشروعها كـ سليم الأول وهولاكو وجنكيزخان.
يأتي تصور العثمانية من جهتين، الأولى من الاستعمار العثماني لدول وشعوب المنطقة وبقائهم 600 عام، وثقافة الباب العالي وإخضاعهم لشعوب المنطقة والإنكشارية الحربية المجرمة من جهة، وعقلية وخط الاتحاد والترقي المرتبط باليهودية والماسونية العالمية من جهة أخرى.
*الدولة التركية في حالة هجوم شامل في كردستان عامة، وفي شمال وشرق سوريا خاصة. كيف تفسرون هذه الهجمات؟
في إطار الحرب العالمية الثالثة، ومحاولة القوى المركزية في النظام العالمي ترتيب أولوياتها وإعادة تموضعها ومراجعة وظيفة بعض الأدوات المحلية والإقليمية التابعة لها من جديد، لتشكيل نظام إقليمي جديد يوافق استراتيجيتها وسياساتها الاقتصادية والأمنية والتحكم بموارد الطاقة والغاز. ومع حالة التحركات الشعبية في المنطقة منذ 11 سنة، واستمرار الفراغ السياسي والثقافي والفكري والأمني وسعي بعض القوى الإقليمية لبناء مشاريع هيمنة إقليمية جديدة وتقوية نفوذها لدوام الاستمرارية في النظام الإقليمي الجديد بامتلاك أوراق ضغط وتفاوض مع القوى المركزية لنظام الهيمنة العالمية، تحاول تركيا الاستمرار في سياقها العدائي والفاشي تجاه الشعب الكردي وشعوب المنطقة، حيث لا زالت لها الذهنية والعقلية ذاتها، منذ عام 1925 وحتى اليوم، وبالتالي السلوك والفعل الإجرائي نفسه المتمثل في إبادة الكرد وتصفيتهم والقضاء على كل ما يمثل الكردياتية وإلحاق المتبقيين منهم بالقومية التركية وتتركيهم والقوميات الحاكمة، وهي في سلوكها وجرائمها وقيامها بالتطهير العرقي بحق الكرد وشعوب المنطقة، تستند إلى وجودها في الناتو والمنظومة الغربية ودورها الوظيفي فيه.
حيث إن الناتو ونظام الهيمنة الغربية أرادا عبر إطلاق يدها في إبادة الكرد، ضمان تركيا إلى جانبهما، وجعلها أداة وظيفية في استراتيجياتهما بحق منطقة الشرق الأوسط والهيمنة عليها، عبر استعمال تركيا وجغرافيتها ومواردها وإمكاناتها المختلفة.
ولا يتوقف استهداف تركيا للشعب الكردي في داخل تركيا أو في منطقة ما، بل إنها تستهدف أي سياق مجتمعي وديمقراطي حر للشعب الكردي مع شعوب المنطقة في أي جزء من كردستان وخارجها، وترى النخبة السلطوية الحاكمة والدولة التركية الشعب الكردي من منطق قوموي وشوفيني بحتٍ ومدعوم من الخارج، ويضعون بقاء أو عدم بقاء تركيا في حصول الشعب الكردي على حقوقه.
والسياق الديمقراطي والوطني في شمال وشرق سوريا وبمشروع الأمة الديمقراطية للقائد أوجلان، يستطيع أن يكون النواة في تحقيق الديمقراطية وتقديم نموذج حر وديمقراطي وحل القضية الكردية والقضايا الوطنية الأخرى وبالتوافق مع شعوب ودول المنطقة، وبالتالي خلاص المنطقة وشعوبها من التحكم والهيمنة والنهب الخارجي والإقليمي، ولذلك يتم استهدافه من قبل تركيا وغض النظر من قبل القوى الخارجية ودعم تركيا بالأسلحة والمعدات العسكرية كما حصل أثناء احتلال عفرين وسري كانيه وتل أبيض وجرابلس والباب وإعزاز وإدلب.
*برأيكم، هل تشكل الهجمات التركية خطراً على الكرد فقط، أم أنها تشكل خطر على عموم شعوب الشرق الأوسط؟
يمكننا القول إن العقلية والسلوك الإجرامي التركي الطوراني لم يفرق بين أحد، وعندما قام بارتكاب الإبادة الجماعية بحق الأرمن والسريان والروم واليونان والعرب ثم الكرد لم يستثني أحداً، وإنما وضعهم في ترتيب وسلسلة بحث، كل واحد منهم شكل هدفاً في فترة زمنية معينة، وبالتسلسل من 1914 وحتى 1925.
ومنذ عام 1925، بدأت تركيا مرحلة إبادة الكرد وتصفيتهم تحت الموافقة الدولية وتواطؤ بعض القوى الإقليمية والمحلية وحتى بعض الأطراف الكردية، لكن ولأسباب عديدة تتعلق بالثقافة والطبيعة والشخصية والأصالة الكردية المتجذرة والقادمة من أول ثورة في التاريخ البشري وهي الثورة النيولوتية، التي حدثت في كردستان قبل 12 ألف عام، ولمقاومة الشعب الكردي المستمرة، لم تستطع تركيا إكمال الإبادة على الرغم من إنجاز بعض المراحل فيها. ولعل ظهور حزب العمال الكردستاني كحالة مقاومة ووعي تاريخي وسياق مجتمعي وديمقراطي أوقف هذه الحالة، والموت الذي كان خياراً فرضته القوى الدولية بحق الكرد مع الاتفاقات الدولية وتقسيم كردستان وإعطاء دور إبادة الكرد للدولة التركية.
عندما توافق السلاجقة، ثم العثمانيين مع الكرد، استطاعوا الدخول إلى الأناضول، ثم الدخول إلى المنطقة العربية، وكانت معارك ملازكرد 1071 ومرج دابق 1516، وغيرها أمثلة على ذلك. وعليه عندما يتجاوز القادمون من الشمال والشرق كردستان والكرد، فعندها يمكنهم السيطرة واستعمار البلاد العربية، كما حصل مع تهديم بغداد وقتل أهل دمشق والتجاوز واغتصاب الحضارة والثقافة فيها مع أسلاف الأتراك من المغول والتتار عندما قدموا للمنطقة.
واليوم لدى تركيا مشروع توسعي وتمددي يهدف إلى السيطرة واحتلال كردستان كخطوة أولى، ثم احتلال البلدان العربية وفي مقدمتها سوريا والعراق ودول المشرق العربي، واحتلال ليبيا وتونس لاحتلال بلدان المغرب العربي. وهذه حقيقة مضى عليها العثمانيين عندما احتلوا البلدان العربية والمناطق الكردية، من الحدود الأرمينية وأذربيجان حتى الحدود الجزائرية والمغربية وحتى اليمن والجزيرة العربية.
لقد قال القادة العظماء، أمثال نابليون بونابرت وإبراهيم باشا وسليمان الفرنساوي وكذلك خالد بن الوليد والسلطان صلاح الدين الأيوبي وأبو مسلم الخرساني وجمال عبد الناصر وغيرهم الكثير، إن أمن البلدان العربية وكردستان مرتبط ببعضه البعض، وأن جبال طوروس وزاغروس هي خط الحماية الأول لكل البلدان العربية الحالية والأمم الإسلامية والشعوب والأديان المختلفة في المنطقة.
ومن الصحيح والحقيقة القول إنه عندما تلاقت الثقافة الآرية والسامية، أي ثقافتا ميزوبوتاميا العليا والسفلى، أي ثقافة تل حلف وآل عبيد، ظهرت الحضارة والمدنية السومرية التي كانت الانطلاقة والبداية الحضارية لكل البشرية حتى اليوم، وما زالت هذه الحقيقة تحافظ على أهميتها وجوهرها.
واستهداف الشعب الكردي هو استهداف لشعوب المنطقة، وذلك لوجود حقائق التاريخ والجغرافية، وكما قال العلامة والدكتور المصري، جمال حمدان، أن أمن مصر يبدأ من جبال طوروس، أي من كردستان وحالياً من شمال سوريا وشمال العراق ومن جنوب شرق تركيا.
*إلى ماذا تهدف الدولة التركية من هجماتها ضد شعوب المنطقة. هناك تقرير وتحليلات تؤكد أن الدولة التركية ترغب بتأسيس العثمانية الجديدة في نهاية هذه الهجمات. ما هي حقيقة مشروع العثمانية الجديدة؟
مشروع العثمانية الجديدة يمثل هدفاً للسلطة التركية الحالية التي جمعت الإسلام السياسي المنحرف كأداة، والمتمثل في حزب العدالة والتنمية مع الطورانية القوموية الفاشية المتمثلة في حزب الحركة القومية التركية، حيث إنهم ومع حالة الربيع العربي وضعف النظام الإقليمي والدول العربية وتحرك الشعب الكردي وقواها، عمدوا إلى تنشيط ودعم وتمكين حركات الإسلام السياسي المختلفة، ومنهم الإخوان الإرهابيون وتفرعاتهم، مثل القاعدة وداعش وما يسمى الجيش الوطني السوري المشكل من قبل المخابرات التركية من بقايا داعش والقاعدة. حيث إن الإسلام السياسي ومنهم الإخوان يرون في العثمانية الجديدة وحسب اعتقادهم الإطار والنظام الذي سيحقق أغراضهم وأهدافهم في السلطوية الدولتية وفي النهب والاستغلال.
حزب العدالة والتنمية هو حزب العثمانية الجديدة، ومشروعه هو إعادة العثمانية واحتلال المنطقة وإخضاع شعوبها واستغلال الدين الإسلامي في ذلك من جهة، ومن جهة أخرى استغلال وجوده في الناتو والمنظومة الغربية. وفي حقيقة الأمر، ليس للعدالة والتنمية أي علاقة بالدين الإسلامي وقيمه ومبادئه، ومن يراقب سلوك النظام والسلطة التركية داخل تركيا وفي محيطها سيلاحظ ذلك من كل بد. فمن يمنع اللغة الكردية التي خلقها الله في تركيا، ومن يحارب أحفاد صلاح الدين، ومن يهجّر الناس والكرد من بيوتهم ويبني المستوطنات كما في عفرين، ومن يقطع الأشجار
في عفرين وشمال العراق في إقليم كردستان العراق، ومن يحبس الكرد فقط لأنهم كرد، ومن يحبس الأئمة والشيوخ لأنهم خاطبوا ربهم وقاموا بالدعوات بالكردية، ومن يعتدي على الجار والمسالم، ويقصف الأطفال والقرى بالطائرات ويستعمل الكيميائي ليس له علاقة بالإسلام وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام.
فمشروع العثمانية الجديدة الذي قال عنه منظرو ومؤسسو حزب العدالة والتنمية، هو مشروع استعماري واستيطاني وتوسيع للقومية والطورانية التركية، ممزوج بفكر وتوجهات الاتحاد والترقي وخطهم التابع للهيمنة الخارجية، ويستهدف المنطقة برمتها وليس فقط الكرد، وإن استهدف في المرحلة الأولى الشعب الكردي وقواها الفعالة والمدافعة كحزب العمال الكردستاني وقوات الدفاع الشعبي والمشروع الديمقراطي في شمال وشرق سوريا. ترى تركيا أن بتجاوزها للعائق الأول أمامها والمتمثل في الكرد، فإنها ستستطيع الاستمرار في مشروعها، وتفعل ما فعله سليم الأول وهولاكو وجنكيزخان.
*من أين تستمد الدولة التركية تصورها (العثمنة الجديدة)؟
يأتي تصور العثمانية من جهتين، الأولى من الاستعمار العثماني لدول وشعوب المنطقة وبقائهم 600 عام، وثقافة الباب العالي وإخضاعهم لشعوب المنطقة والإنكشارية الحربية المجرمة من جهة، ومن جهة أخرى من عقلية وخط الاتحاد والترقي المرتبط باليهودية والماسونية العالمية. فمن المعروف أنه منذ 1908، خضعت تركيا لهيمنة لاتحاد والترقي الذي قال عنه السفير البريطاني حينه إن اليهود سيطروا على الحكم والدولة في تركيا، والذي من بعده بدأت سلسلة من المجازر والإبادات الجماعية الشعبية بحق شعوب المنطقة.
وعليه فإن تصور العثمانية الجديدة هو مزج لثقافة الباب العالي المتعالية والمستكبرة على شعوب المنطقة والجاهلة بأمور الدين والدنيا ومن ثقافة وعمالة وخيانة الاتحاد والترقي لثقافة وتقاليد الشعوب والمنطقة التاريخية الديمقراطية والقائمة على التعايش المشترك والأخوة بين الشعوب والاحترام المتبادل.
مشروع العثمانية الجديدة هو أحد أفرع ومراحل مشروع الشرق الأوسط الكبير والجديد والذي تريده القوى المحورية في نظام الهيمنة العالمية. فلولا السماح العالمي، ولولا توافق العثمانية الجديدة مع الصهيونية والرأسمال اليهودي العالمي ومشاريعهم، وكذلك لولا توافقها مع الصفوية الجديدة أو الشيعة القوموية، لما التزم إسرائيل وإيران الصمت عند التحركات التركية ومشروعها العثمانية الجديدة.
*ما علاقة تصور العثمانية الجديدة بالاتحاد والترقي؟
العقلية الاستعمارية الطورانية التركية بعد 1908 و1925 وحتى اليوم، هي عبارة عن تجسيد ومزج للإنكشارية الدموية الطورانية القاتلة ولهيمنة الاتحاد والترقي وتبعيته لنظام الهيمنة العالمي وعقليته الشوفينية والإقصائي والأحادية.
والدولة التركية منذ 1925 وحتى اليوم، هي منتوج ووسيلة للنظام العالمي، وفق خط ومفهوم الاتحاد والترقي، وللاتحاد الذي تجسد بين البرجوازية اليهودية والبرجوازية والبيروقراطية التركية، والقائم على إبادة شعوب الأناضول وميزوبوتاميا الأصليين، وخلق مجتمع نمطي ومتجانس. وبالتالي الوصول إلى الفاشية التي تجسدت في المقاربة التركية للقضية الكردية منذ 1925 وحتى اليوم، وقيامها بحرق القرى الكردية والتطهير العرقي والتغيير الديمغرافي وهدم المدن والأوابد الأثرية الكردية، مثل حسن كيف وجزيرة بوطان التاريخية.
عقلية الاتحاد والترقي هي التي أعدمت المثقفين والسياسيين العرب، في 6 أيار، في بيروت ودمشق. وهي العقلية التي نفذت الإبادة الأرمنية والسريانية، وهي التي رفضت استقلال البلدان والشعوب العربية، وهي التي تحالف مع الهيمنة العالمية وتخلت عن كل الموروث التاريخي، وهي التي سمحت وتعاون لإقامة إسرائيل، وهي التي رفضت البرلمان الأول والتي كانت تجسيد لحالة التعاون والأخوة الكردية والتركية.
وعليه، فالعثمانية الجديدة هي تكرار وتبلور للاتحاد والترقي بأسلوب مهني وحرفي ومضلل أكثر للسيطرة واحتلال الشرق الأوسط، وتحقيق تبعيتها للهيمنة العالمية وتوافقها مع ضمان أمن إسرائيل ومصالح القوى الخارجية دون إرادة ومصالح شعوب المنطقة.
*ما الذي تعنيه العثمنة من ناحية الهيمنة المادية؟
مشروع العثمانية الجديدة ينظر للمنطقة كميراث لأجداده، ويرى أن له الحق في امتلاك كل موارد المنطقة وخيرات شعوبها، فهو يرى أن النفط والغاز الموجود من حقه وعليه استثمارهما وإرسالهما والتجارة بهما وفق ما تقتضيه مصالحه وتوافقاته مع الرأس المالي العالمي.
وأحد جزئياته نراها في استغلال تركيا لموارد إقليم كردستان بالتعاون وتواطؤ الحزب الديمقراطي الكردستاني، فشعب إقليم كردستان وموظفو الإقليم ومعلموه لا يحصلون على رواتبهم وأساسيات الحياة، بينما تركيا وآل البرزاني يستغلون هذه الثروات فيما يخدم مصالحهم ومصالح أسيادهم. وبالمثل هناك الحالة الليبية والصومالية والقطرية، فتركيا تستهدف تحقيق الاستعمار الاقتصادي واستغلال موارد شعوب ودول المنطقة كأبعاد وبنود العثمانية الجديدة ولزومها.
ولعل افتعال والدفع باتجاه التصحر والتلوث وزيادة الأمراض وإفقار الناس للتحكم والسيطرة وإخضاعهم هي إحدى بنود مقاربة العثمانية الجديدة، كما نشاهدها في عفرين وجنوب كردستان وفي إدلب وحتى داخل تركيا نفسها، فالعثمانية الجديدة هي نظام نهب اقتصادي لصالح فئة ودول وقوى معينة فقط.
ولا شك أن الأزمة الاقتصادية التركية الحالية داخل تركيا نتيجة الحروب العبثية التركية ضد الشعب الكردي وضد شعوب المنطقة ومحيطها، وتأثير هذا الوضع على مستقبل تركيا دفعت تركيا باتجاه العمل على العثمانية الجديدة في بعدها الاقتصادي والنهبي لمحاولة التدارك أو تخفيف الآثار أو خداع الشعب التركي باسم حرب البقاء حتى تستطيع تجاوز أزمة الحكم والوجود في الحكم.
*كيف طورت تركيا هذه السياسة تدريجياً خلال التاريخ، وما الذي يريدون القيام به اليوم على يد حزب العدالة والتنمية؟
إن سياسة العثمانية الجديدة سياسة القمع والقتل والنهب والتابعية للخارج لها مسار تاريخي جسدته العثمانية مع المركزية الشديدة، والتي بدأت في الإمبراطورية العثمانية منذ عام 1830 مع التنسيق الألماني والعثماني بغرض تطوير الجيش العثماني، والذي اقتضى وفق المشورة الألمانية بإنهاء الحكم المحلي الكردي والحروب المختلفة التي خاضتها العثمانية وبالتوافق مع الصفويين ضد الإمارات الكردية، والتي كانت ومنذ العصر العباسي والأيوبي والسلجوقي أكثر من 50 إمارة وحكم محلي كردي. وكانت الألوية الحميدية ومنع ظهور أي حركة قومية كردية أو أي سياق ديمقراطي كردي من أحد مراحلها إلى أن وصلنا إلى إفشال حرب الاستقلال في تركيا (1919-1921) والأخوة الكردية التركية ودولة الشعبين وتحكم الاتحاد والترقي والانقلاب على التاريخ والموروث الثقافي والإنساني المشترك.
واليوم يريد العدالة والتنمية وبعد الاتفاق مع حزب الحركة القومية منذ عام 2015 إبادة الكرد وتصفيتهم واحتلال أراضيهم وأخذها بؤر توتر وتحضير للإرهاب الموجه وتجهيز أدوات لمشروع العثمانية الجديدة، كما هو اليوم في سري كانيه وكري سبي وعفرين والباب وإدلب. ولذلك يريد العدالة والتنمية تكرار الإبادة الأرمنية بحق الكرد والعرب؛ لأنهم من أكثر الشعوب التي تستهدفها تركيا، ولحالة الضعف والفراغ الذي حصل مع حالة الربيع العربي وظهور وتمكين تركيا ودعمها لحركات الإسلام السياسي التي تتخذ من إسطنبول وأنقرة وعنتاب وأورفا مراكز وأماكن للتدريب وبمختلف أنواعها للتمدد والتدخل في شؤون المنطقة واستعمال الكل لغرض تسهيل الأرضية وتجنيد عناصر لمشروع العثمانية الجديدة.
*ما المطلوب الآن من شعوب الشرق الأوسط لردع الهجمات التركية التي تحاول إعادة أمجاد امبراطوريتها البالية والتي حكمت الشرق الأوسط قرابة 4 قرون، ونشرت الجهل، وارتكبت عشرات المجازر بحق شعوب المنطقة من الكرد والعرب والسريان والآشور؟
أمام احتلال تركيا وهجماتها ورغبتها في نهب موارد المنطقة وشعوبها يخوض الشعب الكردي وقوات حريته وبالتعاون مع الشعوب الجارة والمشتركة في الحياة والسكن مقاومة، تمتد من عفرين إلى جبال قنديل، ومن الحسكة وشنكال إلى سرحد وديرسم وآمد (ديار بكر) ماراً بمناطق الدفاع المشروع وبالرقة وكوباني والباب. هذه المقاومة هي التي تصد تركيا وتمنعها من الاستمرار في احتلالها وتطبيقها مشروعها العثمانية الجديدة، وهذه المقاومة والدفاع هو عن كل شعوب المنطقة وليس عن الشعب الكردي فقط. كما أن هذه المقاومة لا تخاض بجانبها العسكري فقط؛ بل إنها متعددة الجوانب ولها عناصر قوة، منها المشروع الديمقراطي والإرادة الحرة والذهنية الديمقراطية والتشاركية، والتي بلورتها منظومة المجتمع الكردستانيKCK وحزب العمال الكردستاني وقوات الدفاع الشعبي ووحدات المرأة الحرة – ستار كأهم قوى مجتمعية وسياسية ديمقراطية ودفاع ذاتي للشعب الكردي وللشعوب الأخرى في مشروع الإدارة الذاتية والكونفدرالية الديمقراطية كاتحاد الأمم الديمقراطية في الشرق الأوسط والعالم، كبديل لمشاريع الهيمنة والتقسيم كمشروع العثمانية الجديدة والصفوية الشيعية القومية بالمجمل، كبديل لمشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، وبذلك هناك سياق ديمقراطي ومجتمعي حر وديمقراطي ونموذج يستطيع أن يجمع شعوب ودول المنطقة في تحالفات وتكاملات لشعوب ومجتمعات المنطقة وحتى دولها، وذلك لصدّ مشاريع الهيمنة الجديدة ومواجهة التحديات الكثيرة، وبناء علاقات استراتيجية بين شعوب ومجتمعات وقوى ودول المنطقة على اساس الاعتراف المتبادل والفهم المشترك للمخاطر والتحديات، ولوضع آليات وأدوات عمل مشتركة لإنقاذ المنطقة وشعوبها ومواردها من مشروع العثمانية الجديدة، ولبناء حياة ديمقراطية وحرة مشتركة في المنطقة، وتحقيق التحول الديمقراطي في دول المنطقة لإفساح المجال لمزيد من الحرية والديمقراطية ومطالب الشعوب المحقة في التنمية والعمل والحياة المرفهة والحرة، وعندها ستضطر حتى القوى المحورية في نظام الهيمنة العالمية إلى إعادة حساباتها، وأخذ هذه التكاملات والتحالفات الديمقراطية والقوى الفعلية المجتمعية الشرق أوسطية بعين الاعتبار، وعدم تجاوزها في استراتيجياتها ومشاريعها وسياساتها.
ويبقى مشروع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا وحالة أخوة الشعوب، وبالأخص الأخوة العربية والكردية، والتي تحققت في منظومة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية إحدى الحالات المهمة والمقدسة، والتي يجب على كل الكرد والعرب وشعوب المنطقة ومجتمعاتها الحفاظ عليها ودعمها والتضامن معها لتتوسع وتدوم وتتطور إلى مشروع للأخوة بين كل شعوب المنطقة يحقق فيها العدالة والحرية والتنمية، هذا المشروع بجوانبه العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وعلى الرغم من كل الظروف، استطاع أن يحرر ملايين الناس من شعوب شمال وشرق سوريا من إرهاب داعش، وهو المشروع الفكري والسياسي والعسكري الذي صمد أما داعش، وأمام هجمات العثمانية الجديدة، وهو البديل لها ولكل مشاريع تقسيم المنطقة ونهب خيراتها.
الحل هو دمقرطة المنطقة وليس عثمنة المنطقة، فالشر والخراب والقتل هو في العثمنة، والحياة والازدهار والحرية في تحقيق الديمقراطية والتحول الديمقراطي عبر أخوة الشعوب وريادة المرأة والشباب للحياة والعمل والبناء.