تعتبر المراحل الانتقالية في حياة أي شعب أو دولة مهمة ومصيرية، لما سيترتب عليه الحاضر والمستقبل، حيث أن هذه المراحل تكون نتيجة طبيعية وضرورية لتراكمات مسبقة يمكننا وصفها بالأزمة بأبعادها الذهنية وانعكاساتها السلوكية التي تحتاج التغير والجديد، وحيث أن التغير يكون سليماً وصحياً إذا كان تدريجياً وعادلاً ومستنداً لمعالجة الواقع المتأزم، ويذهب نحو الحل والهدف المنشود، وأي تغير أو انعطافة لن يكون مؤثراً إلا إذا شمل الأبعاد الاجتماعية في المجتمع، إضافة إلى الأبعاد السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية في حياة أي شعب أو أمة أو دولة.
سوريا ومنذ سقوط نظام اللون والحزب الواحد في 8 ديسمبر، دخلت في مرحلة جديدة، من الصحيح تسميتها بـ”الانتقالية” إلى مرحلة يريده الشعب السوري لتجسيد إرادته الحرة في بناء جمهورية سوريا الديمقراطية الي تستوعب كل مكوناتها الأثنية والدينية، عبر عملية سياسة شاملة ومتكاملة ومن دون إملاءات خارجية، وتكون قادرة على الحفاظ على وحدة ترابها وشعبها واستقلالها وسيادتها ووجودها في المنظومة العربية، دون وصاية من الدول الإقليمية المتدخلة في الشأن السوري.
مع ما يحصل من الحروب والاتفاقات الدولية في المنطقة والعالم ومحاولات القوى المركزية في النظام العالمي المهيمن في بناء مشهد إقليمي وعالمي جديد، نستطيع القول أن المرحلة الانتقالية ومخرجاتها في سوريا لن تكون بعيدة عن المشهد والسياق العام في المنطقة وأجندات المنظومة الدولية، وخاصة أن التغيرات في سوريا مرتبطة بشكل وثيق بالحروب التي حصلت في السنوات الأخيرة وصرعات مراكز القوى في نظام القطب الواحد.
من المهم الإشارة إلى جملة التحديات الموجودة حالياً في الخارطة السياسية والعسكرية والاقتصادية السورية، ليتم فهمها وتجاوزها بالشكل الأفضل وبأليات الحوار السوري-السوري والبوصلة الوطنية السورية والتعاون والمساعدة العربية أولاً وثم الدولية والإقليمية، لما تشكله سوريا من أهمية على الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وخاصة بعد حوالي 13 سنة من الأزمة والحرب وتدخل القوى الخارجية فيها وانتشار الإرهاب في سوريا ووجود تحالف دولي لمحاربة داعش مايزال يمارس مهامه.
ومن جملة التحديات:
بالطبع تبرر هيئة تحرير الشام هذه الممارسات تحت اسم المرحلة المؤقتة وظروفها وأهمية وجود حكومة متينة ومجموعة متوافقة وغيرها من الحجج والتبريرات ولكننا نعتقد أن هناك أهداف ونوايا أخرى، ربما تتوضح مع الأيام والأشهر القادمة.
ومع أنه هناك زيارات وتفاعل من بعض دول الإقليم والعالم مع هذه القوى ولكنه تفاعل حذر وبمسافة محددة وهناك حالة من الترقب والرصد لسلوك هذه القوى، وكيفية تصرفها في عدة قضايا محلية وخارجية.
صحيح هناك محاولات من قبل هيئة تحرير الشام وأحمد الشرع(الجولاني) أو الحكومة الانتقالية لإعادة تشكيل الوزرات السيادية كوزارة الدفاع ولكن الطريقة والاسلوب والآلية المتبعة، لم تكن صحيحة ومقبولة حتى الآن وخاصة لو نظرنا لمنح الرتب التي تمت لمجموع من الأشخاص وضمنهم أجانب موضوعون على قوائم الإرهاب في بلدانهم وشاركوا في ارتكاب جرائم حرب، في حين كان يمكن الاستفادة من خبرة الضباط السوريين الوطنيين وكذلك قوات سوريا الديمقراطية التي تضمن بداخلها من كل المكونات السورية من العرب والكرد والسريان وغيرهم ولديها تدريب قوي وهم شركاء للتحالف الدولي في محاربة داعش وملتزمة بالشروط والمعايير العالمية للعمل العسكري. إضافة إلى أن كيف سيتم عمليات الدمج وهل مطلوب من السوريين الدمج مع هياكل هيئة تحرير الشام تحت اسم الحكومة المؤقتة وهي بذاتها مازالت على قوائم الإرهاب، ومن سيدرب هذا الجيش ومن سيدعمه ومن أين سيحصل على الأسلحة والدعم، ووفق أي دستور ومرجعية سيتم التشكيل، وليس هناك في الوقت الحالي أي دستور ينظم العلاقة وطبيعة المؤسسات السيادية. وخاصة أن أهل السويداء وغيرهم قالوا لن نسلم سلاحنا إلا للدولة السورية وفق الدستور الذي يحمي حقوقنا والحكومة المنتخبة القادمة، كون الحكومة الحالية غير محققة لشروط الاعتماد والاستناد السوري الوطني.
وعليه لا بد أن يتم مراعاة التعدد في كافة المراحل بما فيها الانتقالية والدائمة، ونعتقد أن ما صدر من بيانات ومواقف من الدول العربية المحورية والمنظومة الدولية هي في هذه الإطار بما يخص مشاركة المكونات وأطياف الشعب السوري وأهمية تواجدهم في الدولة السورية حتى يتحقق الاستقرار والأمان في سوريا والمنطقة.
مع 8 ديسمبر ضعفت أو خرجت إيران من سوريا كما يعلمها الجميع، وتدخلت إسرائيل في الجنوب وقامت باحتلال مدن ومناطق وبتدمير القدرات العسكرية السورية الاستراتيجية ومازالت وكذلك في الوقت نفسه، فإن تركيا تدخلت بشكل أكبر وهي منذ بدء الأحداث والثورة في سوريا تدخلت وبأشكال مختلفة بما فيها الاحتلال المباشر ومازالت، والكل يعلم أهدافها وغايتها ومشروعها “العثمانية الجديدة” الذي يستهدف الشعب الكردي والعربي وفرض الوصاية عليهم والتدخل في الشؤون السورية.
وعليه فإن وجود وحضور المرأة في المرحلة الانتقالية ضروري ومهم لتقوم بقيادة المرحلة الانتقالية، ونعتقد أن المرحلة الانتقالية لن تكون ناجحة إلا بوجود وحضور قوي للمرأة.
والحديث عن مؤتمر وطني لم تتضح معالمه بعد رغم أهميته، في حين من الصحيح أن يتم البدء بنقاشات جادة على مستوى كافة ومختلف الفعاليات المجتمعية والسياسية السورية في هذه الإطار وفي دمشق وكل المحافظات السورية.
كما أن عودة السكان لبيوتهم فيه إشكالية كبيرة وخاصة في مدن عفرين ورأس العين وتل أبيض، فهذه المدن تم تهجير سكانها الكرد والعرب بقصد إحداث تغير ديموغرافي لصالح دول إقليمية لها مشاكل غير مبرر مع المكونات السورية، ومازالت مجموعات الجيش الوطني الموالي لتركيا تمنع عودة الكرد السوريين لبيوتهم وتمنع إرجاع البيوت لأصحابها الأصليين في عفرين وبل يتم منع عودة الناس والمقاتلين الموجودين في عفرين ورأس العين وتل أبيض لبيوتهم وسكنهم الأصلي في الداخل السوري.
وعليه نعتقد أن المرحلة الانتقالية السورية، ليست سهلة بل معقدة وفيها الكثير من التحديات الداخلية والخارجية، فإما الاتفاق السوري-السوري وبناء الجمهورية الديمقراطية بملكية سورية خالصة ودون تدخلات خارجية، أو الدخول في نفق مظلم لا نتمناه وتكرار تجربة بعض الدول العربية التي مازالت تعاني من المشاكل والحروب والانقسام خدمة لأجندات قوى خارجية ومليشيات بعيدة عن هم المواطن والشعب.
وهنا تظهر دور أهمية وقف الحرب في كافة أنحاء سوريا وبدء الحوار السوري-السوري وتعزيزه، ليكون المسار المتبع الصحيح مع مساعدة الأشقاء العرب والأمم المتحدة، لإنجاز مستحقات المرحلة الانتقالية، والوصول بسوريا وشعبها إلى بر الأمان والاستقرار في دولة وجمهورية سورية تحقق لأبنائها الحرية والديمقراطية والعدالة، ولداخلها ومحطيها الأمن والاستقرار.
المصدر: مجلة المصور