الإثنين 13 يناير 2025
القاهرة °C

أحمد شيخو: سوريا  أمام مرحلة مصيرية

 

تعتبر المراحل الانتقالية في حياة أي شعب أو دولة مهمة ومصيرية، لما سيترتب عليه الحاضر والمستقبل، حيث أن هذه المراحل تكون نتيجة طبيعية وضرورية لتراكمات مسبقة يمكننا وصفها بالأزمة بأبعادها الذهنية وانعكاساتها السلوكية التي تحتاج التغير والجديد، وحيث أن التغير يكون سليماً وصحياً إذا كان تدريجياً وعادلاً ومستنداً لمعالجة الواقع المتأزم، ويذهب نحو الحل والهدف المنشود، وأي تغير أو انعطافة لن يكون مؤثراً إلا إذا شمل الأبعاد الاجتماعية في المجتمع، إضافة إلى الأبعاد السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية في حياة أي شعب أو أمة أو دولة.

سوريا ومنذ سقوط نظام اللون والحزب الواحد في 8 ديسمبر، دخلت في مرحلة جديدة، من الصحيح تسميتها بـ”الانتقالية” إلى مرحلة يريده الشعب السوري لتجسيد إرادته الحرة في بناء جمهورية سوريا الديمقراطية الي تستوعب كل مكوناتها الأثنية والدينية، عبر عملية سياسة شاملة ومتكاملة ومن دون إملاءات خارجية، وتكون قادرة على الحفاظ على وحدة ترابها وشعبها واستقلالها وسيادتها ووجودها في المنظومة العربية، دون وصاية من الدول الإقليمية المتدخلة في الشأن السوري.

مع ما يحصل من الحروب والاتفاقات الدولية في المنطقة والعالم ومحاولات القوى المركزية في النظام العالمي المهيمن في بناء مشهد إقليمي وعالمي جديد، نستطيع القول أن المرحلة الانتقالية ومخرجاتها في سوريا لن تكون بعيدة عن المشهد والسياق العام في المنطقة وأجندات المنظومة الدولية، وخاصة أن التغيرات في سوريا مرتبطة بشكل وثيق بالحروب التي حصلت في السنوات الأخيرة وصرعات مراكز القوى في نظام القطب الواحد.

من المهم الإشارة إلى جملة التحديات الموجودة حالياً في الخارطة السياسية والعسكرية والاقتصادية السورية، ليتم فهمها وتجاوزها بالشكل الأفضل وبأليات الحوار السوري-السوري والبوصلة الوطنية السورية والتعاون والمساعدة العربية أولاً وثم الدولية والإقليمية، لما تشكله سوريا من أهمية على الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وخاصة بعد حوالي 13 سنة من الأزمة والحرب وتدخل القوى الخارجية فيها وانتشار الإرهاب في سوريا ووجود تحالف دولي لمحاربة داعش مايزال يمارس مهامه.

ومن جملة التحديات:

  • عقلية وسياسة اللون الواحد الذي لم يتم تجاوزه بعد 8 ديسمبر وحتى الآن، وكأن قدر السوريين اللون الواحد سواءً كان النظام قوموياً أو إسلاموياً، والتعينات التي تتم تحت اسم الحكومة المؤقتة من قبل هيئة تحرير الشام، دون مشاركة المكونات السياسية والاجتماعية السورية الأخرى أو حتى مشاورتهم والنقاش معهم، حيث أن الوزراء والمحافظين المعينين مؤخراً هم من لون سياسي وديني وأثني واحد، وهذه أعطت رسائل غير جيدة ومقلقة للسوريين وكذلك لدول المنطقة والمنظومة الدولية، رغم تأكيد كل بيانات ومواقف القوى العربية والعالمية على ضرورة مراعاة التنوع والتعدد الموجود في سوريا.

بالطبع تبرر هيئة تحرير الشام هذه الممارسات تحت اسم المرحلة المؤقتة وظروفها وأهمية وجود حكومة متينة ومجموعة متوافقة وغيرها من الحجج والتبريرات ولكننا نعتقد أن هناك أهداف ونوايا أخرى، ربما تتوضح مع الأيام والأشهر القادمة.

  • طبيعة القوى المسيطرة على دمشق أو السلطة الانتقالية هناك وخلفيتها وارتباطاتها السابقة المعروفة، لكونها موضوعة على قوائم الإرهاب لمجلس الأمن، إضافة لعدم وجود مرجعية قانونية أو عقد اجتماعي مؤقت لحكمها الحالي بعد 8 ديسمبر، وليس هناك دستور أو حتى إعلان دستوري يتم العمل وفقه.

ومع أنه هناك زيارات وتفاعل من بعض دول الإقليم والعالم مع هذه القوى ولكنه تفاعل حذر وبمسافة محددة وهناك حالة من الترقب والرصد لسلوك هذه القوى، وكيفية تصرفها في عدة قضايا محلية وخارجية.

  • تعدد الفصائل العسكرية وانتشار السلاح، وهذا جانب مهم جداً لأية ترتيبات في الوصول لحكومة سورية مقبلة كاملة الصلاحية ومنتخبة وممثلة لكل السوريين، فبهذه الحالة العسكرية الموجودة لن تكون الظروف مهيئة لأية مراحل سياسية نزيهة وصحيحة.

صحيح هناك محاولات من قبل هيئة تحرير الشام وأحمد الشرع(الجولاني) أو الحكومة الانتقالية لإعادة تشكيل الوزرات السيادية كوزارة الدفاع ولكن الطريقة والاسلوب والآلية المتبعة، لم تكن صحيحة ومقبولة حتى الآن وخاصة لو نظرنا لمنح الرتب التي تمت لمجموع من الأشخاص وضمنهم أجانب موضوعون على قوائم الإرهاب في بلدانهم وشاركوا في ارتكاب جرائم حرب، في حين كان يمكن الاستفادة من خبرة الضباط السوريين الوطنيين وكذلك قوات سوريا الديمقراطية التي تضمن بداخلها من كل المكونات السورية من العرب والكرد والسريان وغيرهم ولديها تدريب قوي وهم شركاء للتحالف الدولي في محاربة داعش وملتزمة بالشروط والمعايير العالمية للعمل العسكري. إضافة إلى أن كيف سيتم عمليات الدمج وهل مطلوب من السوريين الدمج مع هياكل هيئة تحرير الشام تحت اسم الحكومة المؤقتة وهي بذاتها مازالت على قوائم الإرهاب، ومن سيدرب هذا الجيش ومن سيدعمه ومن أين سيحصل على الأسلحة والدعم، ووفق أي دستور ومرجعية سيتم التشكيل، وليس هناك في الوقت الحالي أي دستور ينظم العلاقة وطبيعة المؤسسات السيادية. وخاصة أن أهل السويداء وغيرهم قالوا لن نسلم سلاحنا إلا للدولة السورية وفق الدستور الذي يحمي حقوقنا والحكومة المنتخبة القادمة، كون الحكومة الحالية غير محققة لشروط الاعتماد والاستناد السوري الوطني.

  • الدمج الديمقراطي للمكونات والقوى السورية المختلفة والمتعددة في بناء الجمهورية السورية، فكما هو معروف فإن سوريا بلد متعدد الأثنيات والديانات والمذاهب ومن المهم أن يتم استوعاب هذا الاختلافات وبشكل يحقق لهذه المكونات العيش بخصوصيتهم وثقافتهم وأن يديروا ويحموا مناطقهم ضمن الدولة السورية الواحدة ومنظومة الإدارة والأمن السورية. وأن لا يتم تكرار سلوك الدولة القومية والنظام البعثي والإدماج القسري بالإكراه والعنف والمنع، والتي عملت على فرض اللون والثقافة واللغة الواحدة، وبالتالي أصبح المواطنون في ظل حكم البعث درجات مختلفة فكان الإقصاء والتهميش هي السياسة السائدة.

وعليه  لا بد أن يتم مراعاة التعدد في كافة المراحل بما فيها الانتقالية والدائمة، ونعتقد أن ما صدر من بيانات ومواقف من الدول العربية المحورية والمنظومة الدولية هي في هذه الإطار بما يخص مشاركة المكونات وأطياف الشعب السوري وأهمية تواجدهم في الدولة السورية حتى يتحقق الاستقرار والأمان في سوريا والمنطقة.

  • التدخل ومحاولة الوصاية لبعض دول الإقليم، التي تزعج وتقلق مكونات وأطياف كبيرة من الشعب السوري والدول العربية، كونها تحاول الاستفادة من معاناة الشعب السوري.

مع 8 ديسمبر ضعفت أو خرجت إيران من سوريا كما يعلمها الجميع، وتدخلت إسرائيل في الجنوب وقامت باحتلال مدن ومناطق وبتدمير القدرات العسكرية السورية الاستراتيجية ومازالت وكذلك في الوقت نفسه، فإن تركيا تدخلت بشكل أكبر وهي منذ بدء الأحداث والثورة في سوريا تدخلت وبأشكال مختلفة بما فيها الاحتلال المباشر ومازالت، والكل يعلم أهدافها وغايتها ومشروعها “العثمانية الجديدة” الذي يستهدف الشعب الكردي والعربي وفرض الوصاية عليهم والتدخل في الشؤون السورية.

  • المرأة السورية ودورها الحيوي والمهم في المرحلة الانتقالية، وخاصة أن المرأة السورية أكثر من عانت من الحرب في سوريا وقدمت من روحها ونفسها وحياتها الكثير لأجل عائلتها الصغيرة ومجتمعها السوري، وقد أصبحت صاحبة خبرة وقدرة على مواجهة التحديات وقيادة المجتمع والدفاع عنه، ولكن البعض يحاول تقديم نموذج مشوه غير صحيح وتصديره للمشهد العام في الوقت الذي قادت فيه نساء سوريا معارك تحرير الرقة ودير الزور وكوباني والحسكة من تنظيم داعش واستشهدن العديد من النساء وهم في ريعان شبابهم ومازالوا كقائدات وعضوات وحدات حماية المرأة(YPJ) في شمال وشرق سوريا، وأصبحن أيقونات للمرأة السورية ولكل نساء العالم.

وعليه فإن وجود وحضور المرأة في المرحلة الانتقالية ضروري ومهم لتقوم بقيادة المرحلة  الانتقالية، ونعتقد أن المرحلة الانتقالية لن تكون ناجحة إلا بوجود وحضور قوي للمرأة.

  • شكل الدولة وطبيعتها ودستورها، وكيف سيكون وكيف سيتم الاتفاق، وخاصة أن هيئة تحرير الشام وقادتها أشاروا إلى حوالي 3-4 سنوات لتشكيل الدستور والانتخابات، وهذه الرؤية أعطت رسائل سلبية ولم تكن موفقة باعتقادنا، وقد عبر الكثير من السوريين وعدد من دول المنطقة والعالم عن نفس الموقف وقالوا يجب أن يتم الانتقال بشكل أسرع وفي أقل مدة وبشكل صحيح حتى لا تذهب سوريا إلى أنفاق مظلمة ومناطق صعبة.

والحديث عن مؤتمر وطني لم تتضح معالمه بعد رغم أهميته، في حين من الصحيح أن يتم البدء بنقاشات جادة على مستوى كافة ومختلف الفعاليات المجتمعية والسياسية السورية في هذه الإطار وفي دمشق وكل المحافظات السورية.

  • الوضع الاقتصادي الصعب وأهمية عودة الناس لبيوتهم وأرضهم الذين تركوا نتيجة الحرب، فهناك عقوبات دولية اقتصادية مازالت موجودة، ولا نعتقد أنها ستزال بسهولة نظراً لطبيعة الحكم الحالي و كما أن البنية التحتية الاقتصادية السورية تحتاج إلى إعادة تأهيل وكذلك وجود آليات واضحة ومتفقة بين السوريين لتحقيق التوزيع العادل للثروات. كما أن الكثير من المدن السورية تحتاج إلى إعادة الإعمار من جديد حتى تستطيع العوائل السورية الرجوع والسكن فيها، حيث أن نسب التدمير في بعض المدن تصل لـ80%، وهذه تحتاج دعم عربي ودولي وأليات ليست سهلة إنجازها في وقت قصير.

كما أن عودة السكان لبيوتهم فيه إشكالية كبيرة وخاصة في مدن عفرين ورأس العين وتل أبيض، فهذه المدن تم تهجير سكانها الكرد والعرب بقصد إحداث تغير ديموغرافي لصالح دول إقليمية لها مشاكل غير مبرر مع المكونات السورية، ومازالت مجموعات الجيش الوطني الموالي لتركيا تمنع عودة الكرد السوريين لبيوتهم وتمنع إرجاع البيوت لأصحابها الأصليين في عفرين وبل يتم منع عودة الناس والمقاتلين الموجودين في عفرين ورأس العين وتل أبيض لبيوتهم وسكنهم الأصلي في الداخل السوري.

  • المصالحة الوطنية الشاملة مع تحقيق العدالة الانتقالية، وهي باعتقادنا وعي مجتمعي وسياسي وإجراءات وعقليات وسلوكيات لا بد أن تبدأ، حتى يتم تجاوز أثار سنوات الحرب والدمار والاقتتال ومختلف الأمور السلبية التي تمت في سنوات الحرب، بعيداً عن لغة التخوين وعقلية الانتقام والثأر والتبعية لدول الجوار. فيجب أن تبدأ مرحلة جديدة  من التسامح والأخوة والعمل المشترك لبناء سوريا الجديدة وكذلك خطاب سوري وطني جامع.
  • محاربة الإرهاب وعلى رأسها داعش، وقد أكد معظم القوى الدولية والإقليمية والعربية على هذه الجزئية التي بدونها لن يكون هناك اعتراف بأية حكومة سوريا أو موافقة على عملها أو دعمها، وخاصة هناك الكثير من الشكوك حول طبيعة السلطة الحالية وعلاقتها بداعش مع ظهور الكثير من المقاتلين الأجانب مع هيئة تحرير الشام، ولمعالجة هذه الإشكالية تظهر دور قوات سوريا الديمقراطية(قسد) فهي القوى الأساسية السورية التي لها مصداقية وخبرة في هذا المجال مع التحالف الدولي، ولكن لكي تستمر قسد بهذا العمل يجب أن يتم مساعدتها ودعمها لتكون جاهزة وقادرة على مكافحة داعش على كافة الأراضي السورية، وكذلك من الضروري وقف الهجمات التركية والجماعات الموالية لها على قسد ومناطق الإدارة الذاتية، لتستمر بعملها في مكافحة داعش وإدارة المنطقة وحماية سجون التي تتواجد فيها حوالي 11 ألف داعشي.

وعليه نعتقد أن المرحلة الانتقالية السورية، ليست سهلة بل معقدة وفيها الكثير من التحديات الداخلية والخارجية، فإما الاتفاق السوري-السوري وبناء الجمهورية الديمقراطية بملكية سورية خالصة ودون تدخلات خارجية، أو الدخول في نفق مظلم لا نتمناه وتكرار تجربة بعض الدول العربية التي مازالت تعاني من المشاكل والحروب والانقسام خدمة لأجندات قوى خارجية ومليشيات بعيدة عن هم المواطن والشعب.

وهنا تظهر دور أهمية وقف الحرب في كافة أنحاء سوريا وبدء الحوار السوري-السوري وتعزيزه، ليكون المسار المتبع الصحيح مع مساعدة الأشقاء العرب والأمم المتحدة، لإنجاز مستحقات المرحلة الانتقالية، والوصول بسوريا وشعبها إلى بر الأمان والاستقرار في دولة وجمهورية سورية تحقق لأبنائها الحرية والديمقراطية والعدالة، ولداخلها ومحطيها الأمن والاستقرار.

 

المصدر: مجلة المصور

to top