بعد الأحداث المتسارعة والتغير الذي حصل في سوريا والتداعيات المحتملة، نحاول في هذا المقال أن نقدم أجوبة لجملة من الأسئلة المطروحة التالية، ما الذي حصل ولماذا؟ كيف ستكون الأيام التالية القادمة؟ كيف يمكن الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها؟ مع أهمية الدور والتفاعل العربي مع سوريا وشعبها في مرحلتهم الانتقالية، لكي تبقى سوريا مستقلة جمهورية ديمقراطية وجزءاً من محيطها العربي وأن لا تذهب من وصي لأخر.
يحظى ما حصل في سوريا منذ 27 الشهر الماضي وحتى اليوم بمتابعة حثيثة من شعوب ودول المنطقة والعالم، نظراً للتطورات المتسارعة التي حصلت ولتداعياته المتوقعة على أمن واستقرار سوريا خاصة والمنطقة عامة، وبسبب زيادة القلق من حجم التحديات المتوقعة والتي قد تنتج مع التغير الذي حصل مع انهيار مؤسسات الدولة السيادية ووصول الفصائل المسلحة لدمشق وخروج الرئيس السابق بشار الأسد لموسكو، والمسار الطويل والشاق والمحفوف بالمخاطر الذي يجب أن يسلكه السوريين في المرحلة الانتقالية للوصول إلى سورية الجديدة الحاضنة لكل أبنائها.
لا شك أن ما حصل يعكس أزمة “الدولة القومية” المفروضة في الشرق الأوسط بذهنيتها الأحادية وممارستها الإقصائية وسلوكها القمعي، التي تم فرضها بعد الحرب العالمية الأولى والثانية على المنطقة بعد تقسيم المنطقة لدول قومية دون مراعاة لإرادة الشعوب والتكوينات الاجتماعية خدمة لمصلحة منظومة الهيمنة والنهب العالمية.
لقد انتهى حكم اللون والحزب والعائلة الواحدة التي حكمت ما يقارب من 52 سنة، وحوالي 61 سنة من حكم الحزب الواحد، ولعل هذا كان متوقعاً إذا أخذنا جانب النظام بعد سوء الإدارة وحالة الفساد والتخبط لدى النظام السابق والاستعانة بغير السوريين بعد 2011 وعدم البدء بأية خطوات جدية لإيجاد تسوية سياسية وتحقيق المطالب المحقة للشعب السوري والاعتماد على التعامل الأمني فقط في التعامل مع التحركات الشعبية التي حصلت منذ حوالي 13 سنة، أما من جانب المعارضة فإن التشرذم وعدم وجود معارضة واحدة وكذلك حالة التطرف والتبعية التي تصاعدت بينهم جعلتها غير قادرة على تمثيل الشعب وتحقيق مطالب الشعب السوري في الحرية مقارنة بدول أخرى في المنطقة، كما أن التدخلات الإقليمية والدولية سواءٍ إلى جانب النظام أو ضدها لعبت دوراً سلبياً مؤثراً في تسلسل الأحداث والوصول إلى اليوم الذي نشعر بقلق كبير على سوريا ووحدتها ومستقبلها واحتمالات الوصاية عليها.
تمتاز سوريا بالتنوع القومي والديني ووجود مكونات وأطياف عديدة ومختلفة، وكذلك العديد من القوى السياسية كحال كل البلدان، ولكن بالمجمل يمكننا أن القوى العسكرية الي كان لها واقع مؤثر في أحداث 11 يوماً الأخيرة من عمر النظام السابق، يمكن أن نجمعها في القوى التالية:
ومن المهم الإشارة أنه تصدر اسم إدارة العمليات العسكرية في الإعلام التي اختارتها هيئة تحرير الشام لعملياتها وكأن كل الفصائل العسكرية تتبع لها وبشكل جسم واحد، ولكن الواقع لا يعكس ذلك، بل أن الفصائل توحدت من الشمال والجنوب حول هدف إسقاط النظام مع وجودة عدة غرف للعمليات العسكرية التي حصلت.
مع وصول الفصائل العسكرية إلى دمشق وقبل سقوط النظام بيوم، حصل اجتماع في الدوحة وقد حضره عدة دول من بينها دول محور استانة(تركيا وروسيا وإيران) مع دول أخرى، ربما كان الترتيب الأخير لما سيأتي مع ترتيب خروج بشار الأسد من قبل روسيا إلى روسيا والحصول على ضمانات معينة لدول المنطقة ولمصالحها في سوريا.
نعتقد أن ما حصل في سوريا يعكس سياق إقليمي ودولي بدأ يتشكل وترتيبات جديدة قادمة، وإرادة خارجية تلاقت مع التفاعل الداخلي السوري وحالة الأزمة فيها، ولذلك نقول أن ما حصل هو فصل من فصول الحرب العالمية الثالثة في الشرق الأوسط وخاصة أنه حصل بعد الحرب في لبنان والحرب في غزة.
لتركيا وإسرائيل دور كبير في ما حصل وسيحصل، وهم المستفيدين الأكثر من بين كل الدول في تغير النظام، ولا يخفى قادة ومسؤولي البلدين ذلك، وما نراه من رفع العلم الإسرائيلي فوق بلدة الخضر في الجولان وتصريحات نتنياهو واحتلالهم لأراضي من سوريا وتدمير البنية الاستراتيجية العسكرية و كذلك رفع علم تركيا في قلعة حلب وقول شريك أردوغان بهجلي من أن حلب تركية واحتلالها مع مرتزقتها تل رفعت ومنبح، ماهي إلا دلائل على أدوراهم في ما حصل ويحصل. وكلا الدولتين تريدان نفوذاً وسيطرة على سوريا وأجزاء قريبة منها وقد فعلتا لحد كبير. وقد رأينا تدخل الجيش الإسرائيلي وتجاوزه للمنطقة المحرمة وسيطرته على أهم مرصد في جبل الشيخ وبلدات وقرى عديدة، وقصف الموارد الاستراتيجية للجيش السوري، وبالمثل تتواجد تركيا وتحتل مناطق عديدة في شمال سوريا عبر جيشها وذراعها الجيش الوطني السوري وقصفها للموارد العسكرية في مدينة قامشلو. ولعل زيارة مسؤولي الاستخبارات التركية والقطرية قبل كل العالم إلى دمشق تعكس رغبة كبيرة في بناء سياق ومحاولة فرض وصاية ربما يكون منافس لسياقات أخرى في دمشق الجديدة.
لقد دخلت سوريا منذ 8 الشهر الحالي، مرحلة جديدة وصعبة وفيها تحديات ومخاطر عديدة، يفهم الجميع سعادة الشعب السوري بالتخلص من الاستبداد والقمع ولنا كل الاحترام والتقدير لإرادة الشعب السوري في تقرير مصيره ومستقبله وبناء دولته وجمهوريته، ولكن القلق والمخاوف مشروعة وتتعد لأسباب عديدة منها، وجود قوى على قوائم الإرهاب الدولية وهي التي تتصدر المشهد الحالي وهي الحاكمة حالياً ولو مؤقتاً في دمشق، فكيف سيكون سلوكها وطبيعة مقاربتها للمشهد الداخلي السوري والتنوع الموجود فيه، إضافة إلى التعامل الإقليمي والدولي معها، وكيف تفكر في بناء الدولة ومؤسساتها السيادية.
يوجد من المؤشرات عن القوى الجديدة في دمشق ما هو إيجابي وما هو سلبي، حيث الإيجابية تجسد في الانضباط والتنظيم والتحكم إلى حد كبير رغم ضخامة المشهد، والسلبية تجسد في الأحادية التي حصلت في الحكومة الانتقالية الحالية التي تعبر عن لون سياسي واحد كان موجود سابقاً في إدلب، والتي لم تناقش المرحلة الانتقالية وتسلمها السلطة من رئيس الحكومة السابقة مع القوى والمكونات الأخرى حول ذلك، ولكن لا نريد أن نستبق الأحداث لننظر حتى شهر مارس المحدد لهذه الحكومة، مع العلم أن تجارب القوى الإسلامية السابقة ليست مشجعة في دول المنطقة.
ولعل تصدر المشهد وذهاب أحمد الشرع “الجولاني” وهو المصنف “إرهابي” دولياً ومن قبل مجلس الأمن والذي كان سابقاً مع زعماء داعش في العراق ومسجوناً فيها وهو قائد إدارة العمليات العسكرية الحالية في سوريا في أول وصول له لدمشق وذهابه والحديث ومخاطبة الناس من الجامع الأموي، يعطي رسائل غامضة ومقلقة، فهل سوريا بحاجة إلى إمام جامع أو مرشد أو خطيب في مسجد يقودهم أم إلى سياسي متوازن وقامة وطنية ورجل دولة ودبلوماسي محنك يدير المرحلة الصعبة الانتقالية. كما أن المسار والمرحلة صعبة وشاقة لا يستطيع شخص أو فصيل او جهة سورية لوحدها تحمل المسؤولية والمخاطر المحدقة المحتملة.
إن وجود مقاتلين أجانب وظهورهم في مقاطع الفيديو من سوريا في الأيام الأخيرة وهم من الجماعات الإسلاموية الجهادية، وكذلك ظهور علم داعش بحرية في بعض المناطق تجعلنا وكثير من شعوب ودول المنطقة والعالم تشعر بقلق متزايد عن هذه التحركات والأشخاص والمجموعات التي يمكن أن تستغل الأوضاع وحالة الفراغ الحاصلة، وكذلك ماهي العلاقة والمبرر لوجود جهاديين من دول مختلف حول العالم في سوريا.
ومن أهم التحديات أيضاً موضوع المؤسسات السيادية وأهمها الجيش وقوى الأمن وكيفية تشكيلها وكذلك الدستور القادم وتهيئة الظروف لإجراء انتخابات حرة نزيهة تعكس إرادة السوريين، وهوية الدولة والوطن السوري، ووجود القوات الأجنبية، لأننا نعلم أن الاتفاق على هذه الأمور المصيرية والمفصلية لن تكون سهلاً في بلد يمتاز بالتنوع والتعدد، وخرج من مرحلة وسنوات من الحرب وكذلك بسبب الذهنية والتربية الأحادية والإقصائية التي كانت سائدة في سوريا لدى النظام ولدى المعارضة معاً.
من أهم ركائز الاستقرار ووحدة سوريا وسلامتها التي نتعقد بأهميتها المصرية للسوريين وللدول المحيطة هي بناء جو من التصالح والأخوة والتسامح والاحترام، ووجود عملية سياسية بمشاركة الأمم المتحدة وبمساعدة الأخوة العرب لبناء جمهورية سورية ديمقراطية تعترف بحقوق كل المكونات السورية الوطنية العرقية والدينية وتتجاوز حالة الأحادية والإقصاء إلى التشارك والتعاون في بناء مستقبل مشرق لكل السوريين وجمهورية قوية تكون قادرة على تحقيق التنمية والحفاظ على سيادة البلد وإخراج كل المحتلين من الجنوب والشمال وإعادة كل السوريين لبلدهم ولبيوتهم والبدء بمسار الحياة الجديدة وبناء سوريا الجديدة.
وهنا يظهر أهمية المساعدة والتفاعل العربي والمحيط العربي الذي يجب أن تكون سوريا جزءً أساسياً منه لأننا نؤمن أن الدول العربية تريد وحدة سوريا واستقرارها وتحقيق الأمن والاستقرار فيها، ولقد صدرت مواقف مهمة من الدول العربية المحورية كمصر والسعودية التي أكدت على المرتكزات الوطنية والسيادية السورية وتأكيدهم على وحدة سوريا وسيادتها وعملية سياسية شاملة وكاملة بمشاركة كل أطياف الشعب السوري.
المصدر: مجلة المصور المصرية