الحدث – القاهرة
يمثل يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول عام 1998 بداية المؤامرة الدولية بحق الشعب الكردي وشعوب المنطقة ونضال الحرية والديمقراطية في المنطقة التي تجسدت في اعتقال المفكر والقائد عبدالله أوجلان في 15 شباط عام 1999م من العاصمة الكينية نيروبي و نقله للسجن في جزيرة إمرالي في بحر مرمرة في تركيا.
من المهم إدراك هذا الإنعطافة في تاريخ المنطقة كون العملية الدولية التي تمت بإشراف وتحضير وتنفيذ مباشر من أمريكا والناتو وإسرائيل بالإضافة إلى مشاركة حوالي 40 دولة من دول المنطقة وبعض التيارات والمنظمات والأحزاب والشخصيات، كانت تهدف لخلق صراع كردي_تركي يستمر لقرن على الأقل اشبه بالصراع الفلسطيني_الإسرائيلي. وهذه العملية والمؤامرة كانت في سلسلة التمهيدات وتهيئة الظروف للتدخل في المنطقة وفق رؤية مرسومة ومددة، لتطبيق مشاريع تؤمن استمرار الهيمنة العالمية وتأهيليها وترميمها عبر الاستمرار في طرح المزيد من الحلول الدولتية والقوموية والسلطوية البعيدة عن ثقافة المنطقة وقيمها ومصالح مجتمعات وشعوبها والخادمة للهيمنة العالمية ولنهبها وكذلك تحجيم أو القضاء إن أمكن على الحركات المجتمعية الديمقراطية لسد الطريق أمام الحلول المجتمعية الديمقراطية للقضايا الوطنية العالقة في المنطقة منذ قرون وأقلها مئة السنة الأخيرة و لعدم تمكنها من تقديم بديلها المجتمعي والديمقراطي عوضاً عن مشاريع الهيمنة الخارجية والرأسمالية العالمية المتوحشة.
ولفهم بعض خيوط المؤامرة واستهداف القائد عبدالله أوجلان واعتقاله وسجنه علينا الإشارة إلى عدة نقاط في البداية :
1_دور إسرائيل البارز في المؤامرة، لقد تضارب الأهمية الفائقة لعلاقات الصداقة مع سياسة إسرائيل تجاه الكرد. فإسرائيل التي عولت على رعايتها وزعامتها للقضية الكردية، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، كانت قد أضحت بالغة الحساسية تجاهها، لدرجة عدم تحملها طرازا ثانياً من الحل فيما يتعلق بالقضية الكردية التي بدأ وقع صداها يتسع طردياً متمثلاً في شخص القائد عبدالله أوجلان وحزب العمال الكردستاني. ذلك أن طراز القائد عبدالله أوجلان في الحل لم يكن يتناسب وحساباتهم اطلاقاً. ويذكر القائد أوجلان في مرافعاته وكتبه من أن الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) دعته بشكل غير مباشر إلى طريقتها في الحل. ولكنه لم يكن مستعداً أو منفتحا لذلك، أخلاقياً كان أم سياسياً.
2_لم ترغب الإدارة السورية العربية بتاتاً تجاوز شكل العلاقات التي يغلب عليها الطابع التكتيكي مع قيادة PKK ، علماً أن رئاسة حافظ الأسد تحققت اعتماداً على صراع الهيمنة بين كل من الولايات المتحدة الامريكية و الاتحاد السوفيتي. هذا ولم يكن حافظ الأسد قادراً على الحفاظ على أيه علاقة تكتيكية، في ظل الأجواء الحرجة البارزة إلى الوسط مع انهيار الاتحاد السوفيتي. فعندما كان تحقيق التوازن مع تركيا من خلال القائد أوجلان و حزب العمال الكردستانيPKK، كان يبحث بأحد المعاني عن رد على التهديدات التي تلوح بها الجمهورية التركية ضد سوريا منذ عام 1958 من جهة وعلى انحيازها المتطرف لإسرائيل من جهة ثانية، وباعتبار أن PKK أداة مناسبة في هذا الشأن، فقد أفسح بذلك المجال أمام أمكانية إقامة علاقة تكتيكية معه على المدى الطويل. حيث لم يكن يراد لهذه العلاقة أن تبدو وكأنها تمهد الطريق لسياسة كردية ثانية. وبذلك لم تتمكن مساعي الحكام الاتراك من التأثير في هذا السياق.
3_مجيء هيئةٍ يونانيةٍ إلى عند القائد في تلك الأوقات التي سبقت بداية المؤامرة، والاتصالات الهاتفية الكثيفة التي أجرتها ممثلة PKK في أثينا حينذاك (مع أشخاصٍ يعتبرون مسؤولين رفيعي المستوى)؛ قد آل إلى تغيير المسار صوب أثينا. ولقد كانت مشكلة المسؤولين السوريين تتجسد في أن يخرج القائد بأقصى سرعةٍ من هناك. إلا إنهم لم يبدوا مرتاحين كثيراً لانطلاقه نحو أوروبا. وعدم إيجادهم البديل في هذا المضمار، إنما هو مأخذ جادّ مسجّل عليهم. وفي واقع الأمر، لم يكن الانطلاق نحو أثينا في موضع الحسبان. بل كانت فرصةً مسنوحةً لم يتجنّب القائد الاستفادة منها، إيماناً منه بجدية الأصدقاء هناك. ويؤكد القائد في مرفعاته أنه لو كان يعرفهم كما قابلهم على أرض الواقع، لما انطلق إلى هناك إطلاقاً. والسؤال الذي يجب طرحه هنا هو: هل شعبة شبكة الغلاديو – التي من المعلوم أنها شديدة المناعة في اليونان أيضاً – هي التي لعبت دورها في سيناريو الخروج ذاك؟ وما يندرج في لائحة الاحتمالات الواردة بشأن تسليم القائد إلى تركيا، هو ربما اتفاق أمريكا مع الإدارة التركية من حيث المبدأ على حل مشاكلها مع اليونان، أو أنها اقتطعت منها عهداً بذلك. ومن الوارد أنّ تركيا قد سلكت موقفاً تنازلياً بلا حدود في عدة مجالات.
وعليه نستطيع الإشارة إلى أن إسرائيل هي القوة الأساسية التي اخرجت القائد أوجلان من سوريا، ولا ريب أن التهديدات السياسية الامريكية والضغوط العسكرية التركية أيضا لعبت دورها في ذلك. وعلينا ألا ننسى أن إسرائيل كانت ضمن معاهدات سرية مع تركيا منذ أعوام الخمسينيات. وللمرة الثانية، كان التحالف المناهض لـ PKK يكتمل بين الولايات المتحدة و إسرائيل والجهورية التركية. من خلال التوقيع عام 1996 على معاهدة ملحقة تحت مسمى “مكافحة الإرهاب”.
كما أن العامل الآخر المهم الذي يجب اضافته إلى هذه المرحلة، هو اتفاق الجمهورية التركية مع إدارة حزب الديمقراطي الكردستانيPDK وحزب الإتحاد الوطني الكردستانيYNK على أساس مناهضة PKK وبمعنى آخر، اتفاقها مع المجلس الكردي الفيدرالي المتكون عام 1992، في باشور كردستان(إقليم كردستان العراق) ومع إدارته التي هي على علاقة مع كل من تركيا وإسرائيل.
ويشير القائد أوجلان أنه كان منتبها لضرورة خروجه من سوريا. وقد مر بمرحلة زائدة من الانتظار في هذا الساحة. إلا أن جانبية النهج السياسي المتنامي لأجل كردستان، والصداقة التي طالما كان يسعى للرقي بها إلى المستوى الاستراتيجي، كانتا وكأنهما تأسرانه. ويعترف بالحقيقة التي تشير إلى أن الإدارة السورية على ارفع المستويات كانت تشدد بإصرار على مخاطر هذا الأمر. لكنه كان و لا زال يدافع عن أهمية وحياتيه الصداقة الاستراتيجية بين الشعوب. ويقول أن هذا المفهوم عينه هو الذي وجهه إلى اليونان. فتطوير علاقات الصداقة القيمة مع الشعب اليوناني، و إن لم يكن مع الدولة اليونانية، كان نقطة أخرى تثير اهتمامه. فالتواصل المتبادل مع ثقافة اليونان الكلاسيكية وتاريخهم المأساوي كان مهما للغاية. وضرورة الصداقة معهم كانت تفرض ذاتها بكل عتاد. بالأضافة إلى البحث عن فرصة الحل السياسي والدبلوماسي جعله يختار طريق أوربا.
إلا أن الطريق الثاني كان للخروج يتمثل في بلوغ جبال كردستان في مناطق الدفاع المشروع. ولكن لمؤثرين اثنين، كان يجعله يرجى هذا الدرب إلى المرتبة الثانية. فالمنطقة التي سيكون فيها في الجبال ، كانت ستتعرض لأشد الغارات والقصف والكيميائي كأمر لا مفر منه، مما كان سيلحق اضرارا جسيمة بالشعب والرفاق. بالإضافة إلى عامل ضيق نطاق العلاقات هناك. وبالتالي كان يعني التركيز بالضرورة على السبل العسكرية فحسب والانزلاق فيها كياً. ومن جانب آخر، كان افتقار الشبيبة للتعبئة والتوعية بشكل لا يصدق، وضرورة إجراء التدريب والإعداد لها بكل تأكيد يصده عن التوجه إلى الجبال.
أن العلاقات التكتيكية التي أبرمتها تركيا مع سوريا وإيران وبعض دول المنطقة عندها، كانت حبلى بنتائج لا يمكن التكهن بها . ولكن، يمكن القول: إن هذه العلاقات تعتبر وسيلة لسياسةٍ تحتضن في ثناياها الكثير من الأمور. ولدى الحسم بأمر الثنائية: “إما العلاقة مع أمريكا – الاتحاد الأوروبي – إسرائيل، أو مع إيران – روسيا الصين؛ ترى، هل حكومات الجمهورية التركية مستعدة لتحمل كل النتائج الناجمة عن ذلك؟!
إن إتفاقية أضنة التي أعطت الحق لتركيا في الدخول إلى سوريا تمثل مقاربة مفروضة على شعوب المنطقة في سياق المؤامرة الدولية لتعميق القضايا وتجزيرها بدل السير بدرب السعي لحل القضية الكردية ولقد رأينا سلبيتها وخطورتها عندما استخدمتها تركيا لاحتلال شمالي سوريا بعد أحداث الأزمة في سوريا تحت حجج واهية بغرض تطبيق مايسمى الميثاق الملي وتقسيم سوريا وضم شمالها لتركيا.
إنّ خروج القائد أوجلان من سوريا مرتبط بالتمشيط الذي أجرته شبكة غلاديو التابعة للناتو. لذا، لا يمكننا أن نصوغ شرحاً صحيحاً لهذا التمشيط، ما لم نأخذ الغلاديو والانشقاق الحاصل في الجيش التركي حينها على محمل الدقة . فضمن هيئة الأركان العامة ” و “منظمة الاستخبارات الوطنية” و”جمعية الصّنّاع ورجال الأعمال الأتراك “TÜSİAD، والعديد من مؤسسات الدولة التركية، كان هناك اتجاهين أحدهم أقرب في فكره إلى مقاربة أشرف البدليسي من القضية الكردية. ولم يكونوا يجدونا من الصائب أو الممكن توجيه الحرب إلي اجتثاث الكرد من الجذور. أما وجهة نظرهم إلى الحل السلمي والسياسي الذي تطلع كلّ من تورغوت أوزال وأشرف البدليسيّ إلى البدء به، فكانا يعتبرانه من دواعي الروح الوطنية من جهة، وأكثر تناغماً مع مفهوم الحرب التقليدية من الجهة الأخرى. وكان هناك فريق الحرب النافذة أي الفريق المضاد أو جناح الغلاديو.
وقبل خروج القائد من سوريا، كان التنافس بين الفريقين قد طفا على السطح و انتهى التنافس بين الموالين والمعارضين بشأن الحوار مع القائد وحزب العمال الكردستاني، لصالح جناح غلاديو الناتو، أي لصالح الفريق المناصر للحرب والإبادة، وبدعمٍ من إسرائيل وأمريكا. وعشية الخروج، أصرت الاستخبارات الإسرائيلية على الإيماء بنحوٍ غير مباشرٍ بضرورة خروج القائد من سوريا.
ويذكر القائد أنه لم يكن يرى البقاء مناسباً، تجنباً لتكبّد خسائر فادحة في سوريا. كما وأنه لم يصادق على ذلك استراتيجياً وأيديولوجياً. لكنّ الحرب كانت ستسير في مجراها الطبيعيّ، إلا إنّ تغيير المسار والتخلي على حين غرّةٍ عن النهج الأيديولوجي والسياسي والعسكري السائد قرابة ثلاثة عقودٍ، ما كان ليكون عصياناً ذا معنى على القدر المحتوم. كان يتعين الالتزام بالصدق، وما كان للقائد أن يعمل أساساً لإنقاذ نفسه. وبعد الإنذار الأخير الذي أطلقه أتيللا أتيش باسم غلاديو الناتو، لم يكن بإمكان حزب العمال الكردستاني تصعيد الحرب إلا في حال مساندة سوريا وروسيا لهم بثبات. ولكن، لم يؤمّن هكذا دعم أو مساندة، و لم يكن لكلا البلدين القدرة ولا حتى النية على تحمل وجود شخصية القائد على ارضيهما. لقد كان هذا مستحيلا فعلا بالنسبة إلى سوريا. إذ كان من الوارد أن تحتلّ بين ليلةٍ وضحاها، من طرف الجيشين التركي شمالاً والإسرائيلي جنوباً. ولو أنهم لم يتهاجوا أو يتوتروا، لكان بوسعهم خلق إمكانيات تموقعٍ أفضل بالنسبة للقائد أوجلان. إلا إنهم لم يستطيعوا المجازفة في ذلك. أما موقف روسيا، فكان أكثر ذليلاً. حيث أرغمت القائد على الخروج من موسكو، مقابل مشروع التيار الأزرق وقرضٍ من صندوق النقد الدولي مقداره عشرة ملياراتٍ من الدولارات.
وعند وصول الطائرة إلى اثينا لم يسمح غلاديو يونان بدخول القائد إلى اليونان وثم كانت الوجه إلى روسيا بوساطة طائرة يونانية خاصة وبمساعدة رئيس “الحزب الديمقراطي الليبراليّ” جيرينوسكي، وفي روسيا التي كانت تعاني الفوضى الاقتصادية في تلك الأيام، مكث حوالي ثلاثةً وثلاثين يوماً بشكلٍ قيل إنه سريّ عند ساسةً من أصولٍ يهودية. لكن، ما كان للقائد أن يصادق على هذا الأسلوب. وكان رئيس الوزراء الإسرائيليّ أربيل شارون، ووزيرة الخارجية الأمريكية “مادلين أولبرايت” قد وفدا إلى روسيا خلال تلك الفترة و كما كان “بيريماكوف” رئيسا للوزراء في روسيا حينها. وجميعهم من أصلٍ يهوديّ. بالإضافة أنّ رئيس الوزراء التركيّ مسعود يلماز أيضاً كان في حراكٍ حينها وفي آخر المطاف، كان الخروج من روسيا بعد الاتفاق على “مشروع التيار الأزرق ” وقرضٍ ماليٍّ من صندوق النقد الدولي قدره عشرة مليارات من الدولارات لروسيا.
كانت مذهلةً فترة الشهور الأربعة الممتدة من 9 تشرين الأول 1998 حتى 15 شباط 1999. وما كان لأية قوةٍ في العالم عدا أمريكا، أن ترتب لهذا التمشيط الممتد أربعة أشهرٍ بأكملها في تلك المرحلة. أما دور قوات الحرب الخاصة التركية حينذاك فكان منحصراً في نقل القائد إلى إمرالي على متن الطائرة تحت الاشراف، كانت فترةً شاهدةً على تنفيذ أهم التمشيطات التي عرفها تاريخ الناتو بالتأكيد. وقد كان هذا ساطعاً بجلاء، لدرجة ان أي شخص لم يقم بأي تصرفٍ شاذٍّ في أي مكان حل القائد فيه. ومن فعل ذلك شل تأثيره على الفور. فحتى روسيا الكبرى شل تأثيرها بجلاء فاقع. في حين إنّ موقف اليونانيين كان كافياً أساساً لإيضاح كل شيء. كما إنّ الإجراءات الأمنية المتّخذة داخل وخارج المنزل الذي كان يقيم فيه القائد بروما، كانت تسرد الوضع إلى حدٍّ كبير. لقد اتّخذوا تدابيراً استثنائيةً بخصوص الأسر. ولم يسمحوا حتى بخطو خطوةٍ واحدةٍ إلى خارج المنزل. وكانت وحدات الأمن الخاصة تراقب كل مكان بل وحتى باب غرفة القائد على مدار الساعة، كانت حكومة داليما يساريةً ديمقراطية وكان داليما قليل الخبرة، وعاجزاً عن اتخاذ قرارٍ بمفرده. لقد جاب أوربا بأكملها. وبيّنت إنكلترا له ضرورة اتخاذه قراره الذاتيّ، ولم تتعاون معه كثيراً. في حين كان موقف بروكسل غامضاً. وفي النتيجة أحل القائد إلى القضاء. هذا وكان ممكنا عدم رؤية تأثير الغلاديو في اتخاذ هذا الموقف.
وبالأصل، فإيطاليا كانت واحدةً من البلدان التي يتمتع الغلاديو بالقوة الكبرى. كان برلسكوني قد استنفر كافة قواه. وهو بذاته كان رجل الغلاديو. وعليه كان القائد مرغماً على الخروج. لأنه علم بعدم قدرة إيطاليا على تحمّله. بالطبع كانت تركيا قد صيرت مقابل ذلك واحدةً من أكثر البلدان التي تثق بها أمريكا وإسرائيل، بعدما جعلتاها تدور في فلكهما. من هنا، فالسياق الذي يزعم أنه عولمة طائشة ما هو في واقع الأمر سوى حكاية تقديم تركيا هبةً للرأسمالية المالية العالمية.
ولفهم ماهية المؤامرة علينا التنبيه أن المتحركون باسم التركياتية كانوا قد بتروا أواصرهم مع الحقيقة، بسبب وعيهم التركياتي المتشدد. بالتالي، فإدراك الفلسفة الكامنة وراء المؤامرة، كان يخالف طبيعتهم، لأنهم – هم أيضاً – ثمار البنى التي شادتها فلسفة المؤامرة تلك طيلة مئة عامٍ على الأقلّ. وعليه، كان من غير المتوقّع أن يتنكروا لتلك البنى المشادة، أو يتناولوها بعينٍ ناقدة. كما وكان لا طائل من التعويل على أن يبدوا أية إرادةٍ للتغير الإيجابي، سواء أثناء كوميديا المحاكمة، أم خلال مرحلة الاعتقال. أما تصديق أنه سيتمّ التصرف بمقتضى الأقوال التي همس بها ممثل رئاسة الأركان العامة، فكان سيغدو سذاجةً في ظل الظروف القائمة. فبالأصل، إنهم مجرّدون من قوة القرار التي تخولهم لتطبيق أقوالهم. لقد ابتكر نظام تدعمه أمريكا في الخفاء، ويشرف عليه الاتحاد الأوروبيّ. وانكلترا من صمم هذا النظام، في حين أنّ تطبيقه كان من حصة الأتراك.
من عظيم الأهمية استيعاب الذهنية الفلسفية والسياسية الكامنة خلف المؤامرة. ولذلك علينا التحدث عن خلفية المؤامرة التي تشمل عصراً بأكمله، والتطرق إلى المؤامرات التي تعدّ حجر زاويةٍ في عهدها. ومنها فيما يتعلق بالكرد مثل مؤامرة الألوية الحميدية، مؤامرتا قتل الملا سليم في بدليس والشيخ سعيد في 1925، ومؤامرتا آغري 1930 وديرسم 1937، قضية الـ49 عام 1959 وقضية الـ400 عام 1960، قتل فائق بوجاق،
مقتل سعيد قرمزي توبراق على يد KDP، إضافةً إلى المؤامرات التي يمكن ذكر المئات منها دفعة واحدة، والممتدة منذ المرحلة الأيديولوجية لـPKK إلى يومنا الراهن، والتي تحاك من طرف العقلية عينها. إنّ مدبري المؤامرات يعتبرونها فنا سلطوياً مرتّباً ببراعةٍ فائقة. أنّ المؤامرة بمنزلة الروح في فن السلطة، أو هي أهمّ وسيلةٍ فيه. وكان من الضروري تسيير هذا الفن بالنسبة إلى الكرد على خلفية المؤامرة دون بد. ذلك أنّ تنفيذ المؤامرة بأسلوبٍ علنيّ، كان سيفضي إلى قول الطفل: “انظري يا أمي، الملك عارٍ”. ومن هنا فقوة السلطة التي تهدف إلى تطبيق أفعالٍ تصل حدّ التطهير الجماعيّ، سوى المؤامرة والعقلية التي تحدد مسارها. المهمّ هنا هو التعرف الصحيح على القوى المندرجة في سياق المؤامرة، والتعريف السليم لها.
ولقد تواجد قوى متنافرةٍ إلى أبعد حدٍّ ضمن المؤامرة. حيث أدرجت كثير من الدول ضمنها، بدءاً من أمريكا إلى روسيا الاتحادية ومن الاتحاد الأوروبي إلى الجامعة العربية، ومن تركيا إلى اليونان، ومن كينيا إلى طاجكستان. فما الذي كان قد وحّد الأتراك واليونانيين بعد عداء عصورٍ بأكملها؟ ولم كان يعقد على القائد كلّ هذا الكم من التحالفات أو اتحاد المنافع غير المبدئية؟ زد على ذلك أنّ الأتراك والكرد اليساريين والقوميين المتواطئين المغتبطين في قرارة أنفسهم جراء استهداف القائد، كانوا كثراً لدرجةٍ لا تعدّ ولا تحصى.
وكأنّ العالم الرسميّ قد أوقع أخطر رقيبٍ له في الفخ متجسداً في شخصية القائد. وضمن PKK أيضاً، كان من العصيب الاستخفاف بتعداد أولئك الذين اعتقدوا بأنّ اليوم يومهم، وأنه آن الأوان ليعيشوا على هواهم. لكنّ ما لا جدال فيه، هو أنّ تعريفاً عاماً للأمر منذ البداية سيبسط للعيان كون كافة تلك القوى تتشكل من الشرائح التي تحتلّ الصدارة في لائحة اللاهثين وراء المنافع الليبرالية للحداثة الرأسمالية. وكان القائد خطراً يهدد المصالح والعقلية الليبرالية الفاشية لجلهم.
فمثلاً؛ إنكلترا هي الأكثر خبرةً من بين تلك القوى. وهي القوة التي أطلقت الإنذار الأول بعدم السماح بمزاولة القائد السياسة ضمن أوروبا. وما أن وطأت قدماه أرض أوروبا، حتى سارعت لإعلانه “persona non grata” أي “الشخص المنبوذ”. لم تك هذه خطوةً بسيطة، بل كانت من الخطوات التي تقرر النتيجة النهائية سلفاً. حسناً، ولماذا اتّخذ إزاء القائد هكذا موقف فوريّ لم يتّخذ حتى إزاء خميني أو لينين؟ وباقتضاب؛ كان حجر عثرةٍ لا يستهان به على درب حسابات الهيمنة المعمرة قرنين من الزمن بشأن المنطقة و الشرق الأوسط، وبالأخص بسبب سياساتها المتعلقة بكردستان (باختصار، بسبب السياسة التي مفادها “إليك كركوك والموصل، واقض على الكرد داخل حدودك”). وكان القائد قد أمسى خطراً يهدد كلّ مخططاتها، ويقضّ مضاجع منفذيها.
أما همّ أمريكا، فكان مختلفاً. كانت لها مطامعها في تمرير “مشروع الشرق الأوسط الكبير” لذا، اتسمت التطورات في كردستان بأهميةٍ حياتيةٍ وحرجة. بالتالي، فإن شلّ تأثير القائد بصورة أكيدة، كان ضرورةً من ضرورات الأجواء الحرجة حينذاك. بأقل تقدير. هذا وكان القضاء عليه يتناسب مع السياسات العالمية في تلك الأيام. أما روسيا التي كانت تمرّ بأزمةٍ اقتصاديةٍ بالغة الأهمية في تاريخها، فكانت في مسيس الحاجة إلي
قرض معونةٍ عاجلة. ولئن كان سيصبح دواءً لدائها، فلن يبقى أيّ سببٍ لعدم لعب دورها واحتلال مكانها في المؤامرة. أما الآخرون، فكانوا من الأساس “كالإخوة الصغار المهذّبين والطائعين لأخيهم الأكبر” الذي يعدّ تاجاً على رؤوسهم، أيا كان كلامه. في حين إنها كانت فرصةً سانحةً لأجل كلٍّ من اليسار التركي (عدا الاستثناءات) والمتواطئين الكرد والمستائين داخل PKK، كي يتخلصوا من ند ذي شأن. في نهاية المآل، فالفلسفة الكامنة في الأغوار السحيقة لجميع هذه المواقف، كانت فلسفة المصالح اليومية والمنفعية والأنانية في الليبرالية.
وهنا الحقيقة. فمناصرة حرية كردستان ونيل الكرد هويتهم في تلك الأيام، كان يقتضي تذليل شتى أشكال المصالح الليبرالية اليومية والبراغمائية والأنانية، والتخلي عن حياة الحداثة الرأسمالية بيمينها ويسارها، و الانتفاض في وجهها. وخلاف ذلك، فعالم تلك الأوقات، شاهد عيان على انتعاش الليبرالية العالمية في حرب غزوها للعالم. وكنا نعيش سنوات أعلنت فيها الفاشية الليبرالية سيادتها عالمياً. أما من الناحية السياسية، فكانت منطقة الشرق الأوسط تمثل بؤرة صراع الهيمنة. لذا، كان الصراع على كردستان يتسم بدور المفتاح من جهة حسابات الهيمنة. وكان شأن PKK الأيديولوجيّ والسياسيّ على تناقضٍ صريحٍ مع تلك الحسابات. بناءً عليه، فالقضاء عليه كان يعني إفساح المجال أمامها.
انتعشت كلّ هذه الحسابات التاريخية مرةً أخرى ضمن دوامة إمرالي، متمثلةً في شخص القائد. ولكي يستطيع تحليل سياق إمرالي، كان يتعين عليه التمتع بوعيٍ قادرٍ على الانتباه إلى صراع المصالح اليومية المرتكزة إلى خلفيةٍ تاريخيةٍ طويلة المدى. الخاصية الهامة الأخرى التي ينبغي توخي الحساسية الفائقة إزاءها بشأن الحسابات التآمرية للنظام المهيمن، هي عدم التحول إلى أداة بيد سياسته “فرق تسد” المرتبة بمهارةٍ والمسلّطة على المنطقة ببراعةٍ خلال القرنين الأخيرين، وعدم السماح بالدخول في منفعة تلك القوى بشأن تجذير الصراع التركي – الكردي الذي ترمي إليه بشكلٍ خاص. لكن الأرمن، الإغريق، البنى الأثنية في بلاد البلقان، العرب، السّريان، الأتراك، والكرد الذين أضحوا أداة في يد تلك السياسات، كانوا قد خسروا الكثير. فبعض هؤلاء كان قد استئصل من وطنه وجرد من ثقافته المعمرة آلاف السنين، وبعضهم الآخر أخرج حتى من كونه مجتمعاً وطنياً. علاوةً على أنّ قوى عديدةً كانت تضمر الحقد تجاه الكرد لعيشهم المشترك مع الأتراك. وهكذا، فإنّ هذه الوحدة التي ما فتئت تحافظ على أهميتها الإستراتيجية منذ معركة ملازكرد، قد ذهبت أدراج الرياح مع سياسة الإنكار والإبادة المطبّقة منذ 1925 على وجه التخصيص. ولدى سبر أغوار مرحلة إنكار والقضاء على هذا العنصر الأصلي في الجمهورية، وتفسيره بواسطة فلسفة التاريخ؛ كان يتبدى للعيان أنّ المستهدف ضمنياً هنا، هو هذه الوحدة الإستراتيجية. من أهم خطوات المؤامرة، كانت قيام الإنكليز وامتداداتهم الداخلية باختلاق الضائقات على درب مصطفى كمال. بينما لم يك ثمة محلّ لنزعة عداء الكرد وصهرهم ضمن ظاهرة الإدارة التركية التقليدية وفلسفتها. لكنّ بذور تلك العداوة كانت قد غرست لمآرب خاصة. ومجريات مراحل التمرد وما بعدها، كانت تؤكد صحة هذه الحقيقة. ، فضاعف القائد التركيز فيه في إمرالي، وقد أفضى إلى تحولٍ جذريٍّ في فلسفته السياسية. وبالمقدور استشفاف تطور سياق هذا الفكر السياسي في مرافعاته.
ومن الصحيح القول أن هذه المؤامرة لم تنسج خيوطها ضد الكرد فقط متمثلين في شخص القائد، بل وضد الأتراك أيضاً. فشكل تسليمه، ونية الذين لهم دورهم في ذلك لا يشير إلى الحل والحد من الإرهاب؛ بل تجذير وتعبيد أرضية الخلاف والشقاق بحيث سيطول قرناً آخر من الزمن. وإيقاعهم القائد في فخ المؤامرة، وكان قد قدّم لهم فرصةً مثاليةً لتحقيق نواياهم المغرضة تلك. وكانوا سيطمعون في انتهاز هذه الفرصة حتى الأخير. إذ ما كان ممكناً التفكير بالعكس. حيث لو أنهم شاءوا، لكان بمقدورهم المساهمة في إنجاز مستجداتٍ إيجابيةٍ جداً في هذا الاتجاه. لكنهم كانوا يدفعون الأمور نحو الهاوية دوماً، ويصيرون المشكلة عقدةً كأداء بدلاً من حلها. وكانت ثمة مساعٍ لخلق ثنائيةٍ نموذجيةٍ على غرار ثنائية إسرائيل – فلسطين. فكيفما خدم الصراع الإسرائيليّ – الفلسطينيّ الهيمنة الغربية في الشرق الأوسط قرناً كاملاً من الزمن، فكان بإمكان الصراع التركي – الكردي الأوسع آفاقاً بكثير، أن يخدم حسابات الهيمنة قرناً آخر من الزمن بأقل تقدير. وقد رعي الهدف عينه أساساً، أثناء تصعيد العديد من القضايا الأثنية والمذهبية، وجعلها تتخبط في اللاحل ضمن المنطقة خلال القرن التاسع عشر. لقد أنضجت حقيقة إمرالي معلومات القائد حسب قوله. إلا إنّ المعضلة الأهمّ التي انتصبت في وجهه، كانت إفهام ذلك إلى المسؤولين الأتراك. فإقناعهم بأنّ المؤامرة محاكة ضد الأتراك أكثر منه ضدالقائد أو ضد الكرد، كان قد أمسى إشكالٍ كبير. حيث أن هؤلاء كانوا مهووسين بنشوة النصر. وقد استمرّ موقفهم هذا إلى أن أدركوا عام 2005 أنّ حركة الهوية والحرية الكردية ازدادت حيويةً وانتعاشاً عما كانت عليه في الماضي.
ولدى تركيزي على الموضوع بإمعانٍ أكبر، يمكننا رؤية العناصر التآمرية الكائنة خلال عهد الملكية الدستوريّة وعهد الجمهورية. و كذلك فهم أنّ الحدث المسمى بالاستقلال التركيّ، ما هو إلا أسوأ أشكال التبعية. لقد كانت تبعية الأتراك أيديولوجيةً وسياسية. كما أنّ القوموية والوطنياتية المنشأتين ذاتا منشأٍ غريب، وأنّ علاقتها نادرة جداً مع الظاهرة الاجتماعية التركية وتاريخها. لقد كانت القوى المهيمنة عالمةً بمدى ضعف النخبة الحاكمة التركية بشأن السلطة، وتستفيد منه. كما إنّ السيطرة اللامحدودة التي بسطتها هذه الأخيرة على الكرد، كانت تتأتى من نقاط الضعف عينها. لكنّ هذا التحكم كان يأسرها في نفس الوقت. فحاكميتها كانت موجّهةً على الدوام، وكانت تفتقر إلى الأيديولوجية الذاتية. أو بالأحرى، كانت تفعّل ميدانياً قاعدة “الحاكمية كلّ شيء، والأيديولوجيا لا شيء”.
ابتعت قوى الهيمنة أسلوب “اهرب يا أرنب، امسكه يا كلب الصيد” لتكريس الصراع التركي – الكرديّ، بحيث سيسقط الأرنب وكلب الصيد منهكين في هذه المطاردة، وسينهمكان في نهاية المطاف بخدمة أربابهما دون قيد وشروط، وما طبق علي القائد، إنما كان يؤكد إتباع هذا الأسلوب. فمواقف المفوضية الأوروبية من جهة، وقرارات محكمة حقوق الإنسان الأوروبية من الجهة الثانية؛ كانت تخدم مزاولة هذه السياسة بكل ما للكلمة من معانٍ. ومنطق ربط الطرفين بذاتهم بلا حدود هو الذي كان سارياً. لم يكن الهدف من ذلك إحلال العدالة واستتباب الحلّ. ذلك أنّ إجلاس شبكة الغلاديو على قمة جهاز الدولة بشكلٍ لا نظير له في أي بلدٍ من بلدان حلف الناتو، أمر يستحيل إيضاحه بالنوايا الطيبة ودواعي الأمن. بل كانوا قد تغاضوا عن امتداد الغلاديو داخل تركيا، باعتباره يضع زمام الأمور في حوزتهم من جهة، ويقدم لهم فرصةً لا مثيل لها للتحكم بالبلد على مزاجهم. ولدى التمحيص في شبكة الغلاديو ككلٍّ متكاملٍ عن كثب، وإماطة اللثام عن فلسفتها؛ فسيلاحظ أنّ الغاية تتجسد في احتلال البلد من أقصر الطرق، وتقسيم شعبه إلى أجزاء مؤلّبةٍ على بعضها البعض. هذا ويكشف هذا الواقع عن نفسه ضمن امتداداتهم التي في منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، من خلال الممارسات المعاشة بكثافة. لقد كانت هذه الوسيلة الأكثر تأثيراً للتحكم بشعبٍ ما. حيث يستفزون الشعب ضد الدولة من جانب، ويحرضون كليهما على سحق بعضيهما بعضاً من جانبٍ ثان. كما كانوا يقضون على من يرونه خطيراً بإتباع الأسلوب عينه. لقد كانت هذه الظاهرة لافتةً للانتباه بنحوٍ فاقعٍ في حقيقة الحكم داخل تركيا خلال الأعوام الثمانين الأخيرة. إذ وكأنّ البلد قد صير مختبراً لتسيير اشتباكات ونزاعات الغلاديو. فالصدامات التي تسبّب بها الغلاديو في كافة مراحل PKK الهامة لوحدها، كانت كافيةً وافية لوضع حدٍّ نهائيٍّ لعلاقات الصداقة التقليدية المستمرة منذ قرونٍ مديدةٍ بين الدولة وشعوبها.
لقد قيّم القائد مرحلة إمرالي كمحفلٍ نموذجيٍّ لإفساد هذه اللعبة. فعزز أرضيته النظرية اللازمة من أجل ذلك. وطوّر جميع المقومات الفلسفية والعملية اللازمة لاستتباب السلام وتوفير شروط الحل السياسيّ. وركز على خصوصية الحل السياسي الديمقراطيّ. لقد كان بمقدور هذه الأنشطة العصيبة والتي تستلزم الصبر وسعة الصدر، أن تحطم جدران الدوامات العقيمة للمؤامرة، وتخلق بدائل الحل المرتقب. ولم يكن أمام القائد في هذا المضمار سوى الثقة بالنفس.
في الحقيقة، كانت نوايا القائمين على مهامهم في سياق المؤامرة مختلفة. إذ كانوا يتطلعون إلى إنهاء وجود PKK وحركة الحرية متجسداً في شخص القائد. وكانت ممارسات السجن وجميع مواقف محكمة حقوق الإنسان الأوروبية والاتحاد الأوروبي مرتبطةً بهذه الغاية. كان يتم التطلع إلى حركةٍ كرديةٍ منقّاةٍ من القائد. يراد خلق نسخةٍ حديثةٍ للتواطؤ التقليديّ، بحيث تكون مخصيةً ومسخّرةً لخدمة أسيادها. وفعاليات أمريكا والاتحاد الأوروبي على المدى الطويل بشكلٍ خاصٍّ كانت تتمحور حول ذلك. وقد كانوا منفتحين على التحالف مع النخبة التركية الحاكمة بناءً على هذه الأرضية. باختزال؛ فنموذج الخصي هذا، الذي نجحت الهيمنة الإنكليزية بوجهٍ خاصٍّ في تطبيقه على حركة الطبقة العاملة ثم على حركات التحرر الوطني والحركات الثورية والديمقراطية، قد أحرز النصر مع أسلوب حقوق الإنسان وحرياته الليبرالية. حيث قاموا بتصفية القيادات والتنظيمات الثورية. وعلى غرار أساليب التصفية التي مارسوها طيلة قرونٍ عديدة، كان يطبّق أسلوب مشابه على PKK والحركة الثورية وحركة المساواة والحريات العامة أيضاً. كانت هذه هي النتيجة الأولية المأمولة من سياق إمرالي، وهذا هو المخطط المعمول عليه بكثرة، بهدف تطبيقه بمهارة. وقد كانت الإستراتيجية والتكتيكات تصاغ مؤطّرةً بهذا المخطط. أما المرافعات التي طوّرها القائد مقابل ذلك، فلم تكن تعتمد على الموقف الأرثوذكسي الدوغمائي التقليديّ، ولا على إنقاذ نفسه وتحسين ظروفه. بل إنّها طريق الحل السلمي والديمقراطي المشرف والمبدئي والمتماشي مع واقع الشعوب التاريخي والاجتماعيّ والمحقق لأخوة وأخوات الشعوب والحياة الحرة والديمقراطية، هو الذي رسم مسار مرافعات القائد.