الحدث – القاهرة
قصفت القوات التركي المنتجع السياحي الواقع في قرية برخي التابعة لناحية دركار ضمن حدود إدارة قضاء زاخو شمالي دهوك الذي تواجد فيه حوالي 600 شخص من العراقيين العرب والكرد الذين أرادوا زيارة جبال كردستان ، هرباً من ارتفاع درجات الحرارة في الوسط والجنوب العراقي وبحثاً عن جمال الطبيعة والجو النقي والهواء العليل، لكن ما حصل أن الدولة التركية لم يحبذ هذا المشهد وتمتع العراقيين بجمال وطنهم وتألق الأخوة العربية الكردية على المستوى الشعبي التي جسدت الزيارات والتعاون والحياة المشتركة، فقامت تركيا عمداً بقتل حوالي عشرة أشخاص وجرح حوالي 45 شخص جراح وحالة بعضهم خطيرة وحرجة في مشهد غير أخلاقي وغير إنساني ويمثل قذارة عثمانية باقية تجسدها السلطة التركية الحالية من الإخوان الإرهابيين والقوميين الفاشيين من حزبي العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية العنصري حيث تمت تقطيع جسد وأطراف العراقيين وقتل الطفلة زهراء ذات السنة الواحدة أعاد لنا مشاهد مجزرة روبوسكي التي حدث في مناطق ليست ببعيدة على الحدود التركية العراقية حيث قتلت تركيا حينها 34 شاباً وطفلاً كردياً ، علاوة على العشرات من المجازر والإبادات والقتل بالدم البارد وبحقد دفين وبعنصرية من قبل الدولة التركية تجاه الشعب الكردي وشعوب المنطقة.
لو أردنا أن نفهم المشهد ولماذا قام الجيش التركي بقتل المدنيين من الأطفال والنساء بدم بارد علينا أن نسلط الضوء على العقلية والذهنية التركية والممارسات التركية منذ عام 1925 وحتى اليوم وخاصة مع قدوم أو جلب حزب العدالة والتنمية وأردوغان إلى الحكم من قبل نظام الهيمنة العالمية.
يمتاز السلوك التركي بالاستعلاء والتكبر على الشعوب المنطقة بعدما كان للأتراك الحكم مدة 600 سنة ومنها 400 سنة حكمت بلدان المنطقة وشعوبها ومنهم الشعبين العربي والكردي ونتيجة ظروف موضوعية وخارجية خرج البلدان العربية وبعض الشعوب من براثن الاحتلال التركي العثماني. والعقلية التركياتية القومية التي تشكلت بالتنظيم والترتيب الصهيوني العالمي لم يجد شعوب المنطقة إلا أتباع ولوازم وأدوات توجب عليهم احترام الأفندي التركي والباب العالي والسلطان العثماني فهم السادة والباقون عبيد وفق رؤيتهم التي تجسد الصهيونية الأناضولية .
عندما قامت تركيا بإبادة الأرمن والسريان الأشوريين والروم واليونان والعرب وبالموافقة العالمية وصمت القوى المركزية وبأسلحتها تم وقتها بناء هياكل دولتية سلطوية تركيانية فاشية وعندما تم البدء بالإبادة الجماعية الفريدة بحق الكرد منذ عام 1925 وحتى اليوم وبدعم النظام العالمي وحلف الناتو رسمت معها ملامح نظام تركي شوفيني وفاشي قاتل لا يرى سوى الموت والقتل أدواته وسبله لحل القضايا وأحراز النصر على الأخر المختلف قومياً ودينياً ومذهبياً فيرى بقائه وبقاء دولته بقتل شعوب المنطقة وتصفيتهم لخلق الأمة الدولتية التركية ذات اللون والصيغة والسلوك والفكر الأحادي الفاشي.
منذ عام 1983 تخوض تركيا عمليات عسكرية وتجاوزات ضد سيادة العراق واستقراره وأمنه بحجج واهية وكاذبة علماً أن تركيا كانت سابقاً تدخل وتخرج وتبقى لفترات مؤقتة لكن منذ 1992 وسيطرة حزب الديمقراطي الكردستاني على المنطقة وعلاقته العضوية مع الدولة التركية وتبعيته لها جعلت تركيا تستقر في شمالي العراق (إقليم كردستان العراق) حتى أصبح كل مناطق سيطرة حزب الديمقراطي الكردستاني هي مناطق تركية وبأشكال عديدة وأصبح قادة الإقليم وخاصة من البيت البرزاني حريصين على شرعنة الاحتلال والوجود التركي في شمالي العراق لثبيت حكم بيت البرزاني والادعاء بوجود تهديدات على ما يسمى الأمن القومي التركي زوراً وكذباً وبذلك أصبح التدخل التركي له امتداد داخلي عميل ومتواطؤ داخل الأمة الكردية وداخل العراق وفي سوريا في السنوات الأخيرة.
ومنذ عام 2015 تخوض الدولة التركية وبحكومة العدالة والتنمية والحركة القومية التركية حرباً ضروسة وإبادة وتصفية كاملة للشعب الكردي تم في جنوب شرق تركيا وفي عام 2016 وبعدها تحولت هذه الهجمات إلى الخارج إلى الاحتلال التركي في سوريا والعراق وليبيا والصومال والنفوذ المتصاعد في العديد من الدول الأخرى ومنذ سنوات تستعمل تركيا كل أنواع الأسلحة ومنها الكيميائية والنووية التكتيكية ضد شعوب المنطقة وعلى رأسهم العرب والكرد الرافضين للهيمنة التركية ولمشروع العثمانية الجديدة الذي يلهث وراءه أردوغان وحزبه وحكومته كما في شمالي العراق وشمالي سوريا.
قتلت تركيا في العراق فقط وفي السنوات الخمس الأخيرة من المدنيين الأطفال والنساء والشيوخ ما يتجاوز 150 شخصاً في محافظات دهوك وأربيل والسليمانية والموصل وفي كل مرة كانت المواقف العراقية الرسمية خجولة وربما متواطئة مع الاحتلال التركي الذي يتجاوز السيادة العراقية وبكل عنجهية وغطرسة، ففي كل مرة تؤكد الدولة التركية وحكوماتها ورئيسها أردوغان أنهم سيستمرون في أعمالهم ولن يتوقفوا ، علاوة على أننا لا نتكلم عن مواقف الرسمية في إقليم كردستان العراق كون الحزب الحاكم حزب الديمقراطي الكردستاني ورئيسه أصبحوا وكما قالت وثائق ويكليس قبل سنوات وضمن برقيات القنصل التركي في هولير أنهم أعضاء في حزب العدالة والتنمية وبل أكثر ولاءً وارتباطاً من أعضاء حزب العدالة والتنمية الأتراك أنفسهم.
ربما المواقف العراقية وكذلك العربية والإقليمية والدولية حول مجزرة زاخو مختلف هذه المرة عن سابقاتها ولكن مازالت تفتقد لآليات واضحة ومحددة لمجابهة خطر العثمانية الجديدة ورغبتها في ضم الموصل وكركوك وكامل إقليم كردستان إلى تركيا كهدف تركي وفق الميثاق الملي الذي تحاول تركيا تطبيقه وبالتالي احتلال تركيا لشمالي العراق وشمالي سوريا وقبرص والجزر اليونانية وبعض الأراضي من دول جنوب قوقاز وجورجيا والقرم وحتى أن بعض البيانات ومع الأسف هي فقط للرأي العام فقط ولإشغال الناس وخداعهم ولذر الرماد في العيون ومن لايرى حقيقة الإبادة الجماعية الفريدة بحق الشعب الكردي لا يمكن أن يكون مواقفه في مقابل السلوك الإرهابي التركي ذات معنى واعتبار وجدية ، إضافة أن البعض ورغم القتل العمد التركي لإفراغ المنطقة لا يذكر المسؤولية التركية أو يتجنب ذكرها لمصالحه مع الدولة التركية أو يحاول تبرير تركيا عبر أخذها في سياق مختلف من الأمن القومي ومحاربة تركيا للإرهاب في الوقت الذي تقوم تركيا بممارسة الإرهاب وكذلك دعم الإرهاب وحمايته وحماية ما يسمى بخلفاء الدواعش وولاتهم في مناطق الاحتلال ونفوذ الجيش التركي.
لقد قدم الشعب العراقي وبمختلف مكوناته وتكويناته الرفض المطلق للاحتلال والتواجد التركي ولكافة المتواطئين والمتعاملين والأدوات التركية العثمانية وتبقى على القوى العراقية المختلفة في تحويل رغبة الشعب العرقي والموقف الوطني السيادي الحر إلى وسائل وأدوات وآليات رادعة للاحتلال التركي في مختلف المجالات وطالما بقى الاحتلال التركي والنفوذ التركي عبر بعض القوى المتواطئة فسيكون هناك تكرار للمجازر التركية في العراق. ولكي لا يكون هناك تكرار لهذه المجازر يجب محاسبة تركيا وجيشها على هذه المجزرة ووفق كافة الآليات والوسائل المناسبة لردع العثمانية الجديدة ومنها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية والثقافية والتجارية والقانونية، فلا يمكن أن تقوم دولة باحتلال أرضك وقتل شعبك وثم تقوم في نفس الوقت بالسيطرة على الساحة الاقتصادية والتجارية لديك وأمام الشعب العراقي والجيش العراقي وكافة الهياكل الاجتماعية والسياسية والأمنية العراقية الحق في مقاومة الاحتلال التركي للعراق وقتله لأبناء بلاد الرافدين ولشعوب المنطقة .
لو قامت اي دولة أخرى في العالم بقتل هذا العدد من المدنيين دفعة واحدة وأمام مرى العالم وفي منتجع سياحي لكان للمجتمع الدولي موقف حاسم وللدول الإقليمية مواقف مختلفة وذات اعتبار وتأثير ولكن لأنها تركيا عضوة الناتو وأداة نظام الهيمنة العالمية في المنطقة، فكل المواقف الدولية من الاتحاد الأوربي وأمريكا وكندا وحتى الصين وروسيا و دول المنطقة لا تفيد بشيء رغم أهمية المواقف التي ظهرت في تبيان حقيقة القتل العمد ذات الإصرار والترصد الذي قام به الجيش التركي. وأن كان البعض يرى غرابة في تصديق المشهد وهذا القتل الواضح فعليه فهم العقلية والسلوك التركي الذي وإن لم يجد أحد لقتله يقتل أبوه وأخوته كما فعله السللاطين العثمانيين الذي يريد أردوغان إرجاع زمانهم وعصرهم وأدوارهم.
يريد الجيش التركي إفراغ المناطق الجبلية الكردية من السكان والتحكم والتواجد الطويل فيها أي احتلالها وضمها لتركيا وهي قامت بإفراغ المئات من القرى على الشريط الحدودي عبر قصف هذه المناطق بكل أنواع الأسلحة والطائرات التي حصلت عليها من الناتو وهي تريد توسيع هذا الشريط الاحتلالي والخالي من السكان وبالتالي احتلال المواقع الاستراتيجية و أهم نقاط الحماية الطبيعية للمدن الرئيسية في شمالي العراق وإقليم كردستان مع العلم أن بريطانيا وعندما ضمت ولاية الموصل عندها والتي تشمل حاليا كل إقليم كردستان إلى ولايتي البصرة وبغداد عند تشكيل الدولة العراقية بحدودها الحالية كانت لأهمية المناطق الجبلية كنقاط حماية طبيعية للمدن الرئيسية كركوك والموصل واحتلال تركيا لهذه المناطق وطرد السكان والفعاليات الحياتية فيها إنما يبين الهدف التركي المبطن والخطير لما لموصل وكركوك من ثروات وموقع استراتيجي وأهميتهم في الوجود الكردي وحمايتهم من التصفية والإبادة.
من احتل عفرين ورأس العين وتل أبيض وإدلب ومن قام بحرق أكثر من 4000 قرية كردية أعوام التسعينات في جنوب شرق تركيا ومن قام بتهديم حوالي 20 مدينة وناحية بين عامي 2015 و2016 في جنوب شرق تركيا ومن يقوم باستعمال الأسلحة الكيميائية ضد الشعب الكردي وشعوب المنطقة ومن يتدخل في الدول العربية ويدعم كافة التنظيمات لعشرات المجازر.
المفارقة أن تركيا وبعد قتلها للمدنيين في زاخو بمحافظة دهوك وكما كل مرة تقوم بالنفي وتكذيب الأنباء المؤكدة وفق كل وسائل المراقبة والرصد الحديثة والفضائية وتقوم بلصق الاتهامات كذباً ونفاقاً بالشعب الكردي وحركة حريته ، مع العلم كل العراقيين والدول الإقليمية والعالمية تعرف أن تركيا هي من قامت بالقتل المتعمد لإفراغ تلك المنطقة من أهلها الأصليين ومن العراقيين الزوار، والمفارقة الأخرى هو الأدوات التركية كالحزب الديمقراطي الكردستاني وأبواقهم الإعلامية الذين يحاولون تبرير الإرهاب التركي في مجزرة زاخو والدفاع عن الهجمات والاحتلال التركي لإقليم كردستان العراق وكأن من حق تركيا أن تقتل العراقيين الكرد والعرب وإلصاق التهمة بحركة حرية كردستان والسياق الكردي المقاوم و الحر والديمقراطي الذي لايقبل الخنوع والاحتلال التركي.
ما حصل في قضاء زاخو بمحافظة دهوك هو جريمة ضد الإنسانية مكتملة الأركان وهي إبادة جماعية واعتداء سافر وصارغ على السيادة وحرمة الدم العراقي والعربي فاعتداء وقتل تركيا للعراقيين العرب الزوار هو قتل لكل العرب والكرد، وعليه من الأهمية فهم هذه الحقيقة والسلوك التركي المعادي للشعبين العربي والكردي وكل الذي لا يقبل بالعثمانية الجديدة وتمددها واحتلالها لدول المنطقة. وعلينا أن ندرك أن الاحتلال التركي وعدوانها وإبادتها للكرد هو مرحلة أولى لتهديم السد والمانع أمامها لاحتلال المناطق والدول العربية. وهنا يظهر أهمية أن يكون للشعبين العربي والكردي وقواهم الديمقراطية والاجتماعية والسياسية المختلفة مواقف أكثر جدية وحرصاً على مواجهة الاعتداء والهجمات التركية بالوسائل التي يفهمها التركي المتعجرف والمتكبر، وكل البيانات والإدانات والمظاهرات ورغم أهميتها لن تكون كافي لردع الدولة التركية التي لا تفهم سوى بلغة القوى الصلبة ومنها العسكرية والاقتصادية والأمنية وطالما هناك جيش احتلال تركي يسرح ويمرح في بعشيقة وفي مناطق سيطرة حزب الديمقراطي الكردستاني وطالما العلاقات الاقتصادية والسياسية والتجارية والأمنية مستمرة رغم كل الاعتداءات التركية فسيستمر تركيا في تكرار هكذا مجازر كما قامت بالعديد من المجازر في شنكال ومخمور وقنديل ومناطق الدفاع المشروع بحق المدنيين الكرد من النساء والأطفال والشيوخ قبل مجزرة زاخو، ولو تم محاسبة تركيا منذ إبادتها للأرمن وللشعوب الأخرى ولو تم محاسبة تركيا على قتلها للكرد منذ 1925 وحتى اليوم في تركيا ولو تم محاسبة تركيا على قيامها بالتطهير العرقي والتغيير الديموغرافي في عفرين وفي شمالي سوريا المحتل ولو تم محاسبة تركيا على قيامها بالعزلة والتجريد التي تطبقها بحق القائد والمفكر عبدالله أوجلان والعديد من السياسيين والنشطاء الكرد منذ 2011 ولو تم الوقوف أمام التمددات والتدخلات في الدول العربية المختلفة ولو لم يتم دعم تركيا من قبل الناتو والتغطية على جرائمها وغض النظر عنها وعن علاقتها بداعش والقاعدة كما في إدلب وعفرين ورأس العين وغيرها لما قامت تركيا بقتل العراقيين في زاخو. فمن يريد أن لا يتكرر هذه المجازر ومن يريد أن لا يرى العثماني وبخازوقه وتخلفه مرة ثانية في بيته وحاكماً لبلده عليه أن يعرف أن الأمة الكردية تخوض ومنذ مئة عام حرب الكرامة والحرية والديمقراطية والوجود والهوية ضد الدولة التركية الفاشية ورعاتها الدوليين والإقليمين وعليهم مساعدة الشعب الكردي وقواها المقاومة وحركة حريتها في نضالها وحربها الشعبية الثورية لكسب الوجود والهوية ونيل الحرية وبناء الديمقراطية في المنطقة، فمنع المجازر وعدم تكرارها يتطلب محاسبة الجناة وتقديمهم للمحاكم وقيام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والرأي العام بمنع استمرار الهجمات والاحتلالات والتدخلات التركية وكما يقع على عاتق الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العمل على مختلف المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية والتجارية لردع تركيا وإعطائها الدرس اللازم واخراجها من كل العراق وعدم ترك شبر واقع من الاراضي العراقية تحت الاحتلال التركي وبكافة الوسائل المشروعة لمجابهة أي احتلال خارجي، كما أن أولاً وأخراً على الشعبين العربي والكردي وشعوب المنطقة التعاون والتضامن وأخذ مواقف مشتركة رادعة لهذه الدولة الفاشية التي تقتل أبناءنا وتحاول خلق فتن وفرقة بين شعوب المنطقة وإضعاف المنطقة وشعوبها وإعادة سيطرتها وتحكمها وعثمانيتها الجديدة.