الحدث – القاهرة
خلال الأحداث الأخيرة التي مرت بها المنطقة في العقد الأخير ونتيجة حالات الفراغ الأمني و الفكري والسياسي والثقافي، وضعف القوى السياسية التقليدية بيسارها ويمينها ووسطها وأفكارها المتأثرة بالاستشراقية والهيمنة الفكرية الغربية والبعيدة عن ثقافة المنطقة وقيمها وديماغوجيتها وقالبيتها البعيدة عن التطوير والتحديث وفق الظروف والمراحل والعلم المعاصر. ذهبت قوى أداتية فكراً وسلوكاً إلى استغلال التحركات الجماهيرية التي كانت تطالب بمزيد من الديمقراطية والحرية وفرص العمل ومحاربة الفساد والبطالة وخاصة بين الفئات الشابة. واستشعرت القوى الإقليمية والدولية و نظام الهيمنة العالمية ودولها القومية في المنطقة امكانية ظهور بدائل ديمقراطية ومجتمعية و لذلك أرادت ووجدت الفرصة مواتية وضرورية للتدخل وتوجيه بوصلة التحركات الجماهيرية عبر تعزيز أدواتها السياسية والإعلامية والثقافية وحتى العسكرية والاقتصادية والعمل لانتصار الثورات المضادة بدل الحقيقية وضخ دماء جديدة في النظم القائمة وليس القبول ببدائل و بإمكانية ظهور قوى ومجتمعات ديمقراطية تتجاوز الأبعاد القوموية والإسلاموية.
وهنا ظهرت عوامل سلبية عديدة وكانت تركيا في السنوات الأخيرة على رأسها والتي توضحت بعض من حقيقتها الفاشية لشعوب ودول المنطقة، كعامل أساسي من عوامل اللااستقرار والتوتر و التدخل في الدول العربية والمنطقة، حيث تزايدت رغبتها التوسعية والامتداد في المنطقة بمشروع” العثمانية الجديدة” والذي يهدف إلى إعادة إحياء ما تسمى “الخلافة العثمانية” وبذلك احتلال الشعوب والبلدان التي كانت خاضعة للاحتلال العثماني طيلة (400_600) عام.
وبما أن إيران سبقت تركيا في محاولات التدخل في البلدان العربية والمنطقة، وتشكيل أذرع محلية لها لتمويه وجودها المرفوض وتقوية هذه الأذرع للسيطرة على مراكز القرار وتقوية نفوذها بشكل مؤثر في بلدان المنطقة. اصبحت تركيا وكأنها تريد تقليد إيران في بعض الجوانب، وبل أنها تمايزت عنها بأفضلية لعدة اسباب منها كونها تستغل الجانب السني من الدين الغالب عند العرب والكرد وليس الشيعية القومية التي تستخدمها إيران، بالإضافة إلى تواجد تركيا في حلف الناتو الذي ينظر أحياناً كثيرة للتوسع التركي بأنه امتداد له في النهاية أو يمكن التحكم به وتحديده عن الحاجة.
أمام هذه الوضع من الأزمات والثورات والتوترات في العقد الأخير ومع السياسات التوسعية للدول الإقليمية ورغبة الكثير من القوى في الإقليم لعب أدوار واستغلال الظروف الطارئة، ظهرت تحديات كثيرة ربما أحد أهمها، كان تحدي الإرهاب أو الإسلاموية التي تحاول استغلال الدين الإسلامي واجهةً وشعارات وفعلياً تعمل كل ما هو ضد الإسلام والمسلمين وقيمه.
ولاشك أن فكرة تشكيل جماعات إسلامية أداتية مضللة، لسد الطريق أمام العودة الصحيحة للتراث والثقافة الإسلامية وقيمها وأخلاقياتها السامية، بدأت بها ألمانيا لكنها ولظروف الحرب وخسارتها الحرب العالمية الأولى لم تستطع الاستمرار بها، وقد تبنت بريطانيا الرؤية وعملت عليها فعلياً مع جماعة الإخوان التي أنشأتها بداية في الإسماعيلية وثم القاهرة بمصر في (1927_1928)م.
وتتالت وتكاثرت فروع الإخوان حسب الطلب والفترة وأصبحت حركات الإخوان هي الحاضنة لكل التيارات واشتقاقات الاسلام السياسي ولعل القاعدة و داعش وما يسمى الجيش الوطني السوري وغيره من هذه الاشتقاقات حسب الطلب والوظيفة الموكلة لهم كأدوات .
في حركات الربيع العربي حسبما يسميه البعض أو الأزمات حسب البعض الأخر، ظهرت حركات الإسلام السياسي وكأنها هي المهيئة أو القادرة أو المرادة لاستلام الحكومات في المنطقة في ظل تمرسها بالتنظيم السري والعلني حسب الظروف أمام بعض حكومات المنطقة التي كانت تهمها الحكم ولذلك كانت تستخدم الإخوان تارة وتضعهم في السجن تارة ولكن تبعيتها للخارج وتواصلهم الوظيفي لم ينته في يوم من الأيام.
مع مواجهة المنظومة الغربية وحلف الناتو للاتحاد السوفيتي تم استخدام هذه الأدوات وخصوصاً في أفغانستان في نهاية السبعينات والثمانينات حتى تعاظم هذه الأدواة وحتى أن الرؤساء الأمريكيون كانوا يستقبلون قادة هذه المجموعات وكأنهم ثوار وطالبي الديمقراطية، لكن بعد انهيار السوفيت وإنتهاء الدور الوظيفي لهذه الأدوات ظهرت إشكالية الدور وكيفية التخلص منهم أو إعادة تدويرهم وفق متطلبات وظروف المرحلة القادمة. وكان النظام العالمي المهيمن بحاجة إلى عدو جديد دائم يمارس عليه وعبره الكثير من الخطط والاستراتيجيات، ولذلك تم إعطاء بعد سياسي وجهادي أخر لقادة هذه المجموعات .
ومن المهم الإشارة بأن البعض من الحكومات العربية وغيرها في المنطقة كانت تدفع أو تسمح للشباب بالانضمام إلى ما كان يسمى الجهاد في أفغانستان ولذلك تشكل جيل في المنطقة والذي عايش الأزمة في أفغانستان وحضر فيها، بات يشكل خطراً على المنطقة والدول بحكم اكتسابه المهارات العسكرية والميل الجهادي المنحرف والأساليب التنظيمية والتجنيد، وهنا كانت المصيبة في أن هذه المجموعات التي كانت في أفغانستان مع بعض المظالم في دول المنطقة و الاقصاء والبطالة والفتاوي الصادرة عن من يريد استعمال الدين في أغراض السلطة والحكم والنفوذ. اصبحت عوامل ومن المهيئات لتوسع الإخوان التي كانت بعض الحكومات ومازالت حتى الآن تتفق معها إما لمواجهة خصم أخر أو السماح لها بالعمل والتنظيم في بعض قطاعات الحياة والمجتمع مثل التعليم و الاقتصاد والجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني. وهذا جعل الأرضية خصبة لهم وأن يكون لدى جماعات الإسلام السياسي مساحة من العمل والتجنيد و الكثير من الموارد بالإضافة إلى الوارد لها من اللاعبين الدوليين لتنفيذ مشاريع معينة ولأهداف تخص الخارج على حساب شعوب ودول المنطقة.
في سوريا والعراق وليبيا واليمن والسودان وتونس والمغرب والجزائر والكويت والصومال وقطر ومصر ، ظهر الإخوان كعامل سلبي جداً على مصلحة شعوب هذه البلدان وأنهم لا يملكون الولاء للأرض والوطن وكانوا تحدي كبير أمام التحركات الجماهيرية الحقيقة وذات المطالب المحقة العادلة وبل أن هذه التيارات والتنظيمات اصبحت تشكل حالة فوضى وقلق وتوتر سواءً كانوا في الحكم أو المعارضة أو ممنوعين من العمل. ومجرد تواجدهم وتزايد نفوذهم في مكان تظهر معها اشتقاقاتها الإرهابية وتصرفاتهم المخربة.
وفي عام 2014 وخاصة في المناطق السنية في العراق والتي أصبحت مهمشاً بعد أن كانت لها الصدارة في المشهد العراقي أيام حكم صدام حسين، هذه المناطق والتي كانت لتركيا تأثير ونفوذ قوي فيها ظهر داعش كامتداد للتنظيمات التي تزايدت في العراق مع سقوط صدام وحل الجيش العراقي وقدوم بعض من كانوا سابقاً في أفغانستان وخروج البعض من السجون في دول المنطقة التي أرادت الإستفادة من إخراجهم لإحراج التحركات الجماهيرية وإفشالها وإجبار القوى الدولية على الاختيار بين الاستبداد والإرهاب وكأنه ليس هناك خيارات أخرى.
وتكاثرت التسريبات والأقاويل والتحليلات عن سيطرة داعش على مساحات شاسعة في العراق وسوريا والتحضيرات التي جرت في الدول المجاورة للعراق وسوريا ، لكن المؤكد وحسب التصرفات وسلوك داعش مع القنصل التركي وحوالي 50 موظف في القنصلية التركية في مدينة الموصل في العراق وثم قدوم حوالي 160 ألف عنصر داعشي وجهادي وإرهابي من حوال العالم وعبر الحدود والموانئ والطائرات التركية وكذلك ما صدر من روسيا وأمريكا حول علاقة تركيا واستخباراتها بداعش واعترافات بعض العناصر المعتقلة لدى قوات سوريا الديمقراطية، وحتى تواجد أحد قيادي داعش في تركيا للتنسيق بين داعش وتركيا وكان أقرب إلى سفير داعش لدى تركيا وكذلك هروب الكثير من الدواعش باتجاه تركيا وكذلك تجميع تركيا للكثير منهم وإعادة تدويرهم تحت مسمى الجيش الوطني السوري الأقرب إلى الإنكشاريين أيام العثمانيين الذين كانوا يد السلطان الضاربة لتنفيذ كل المهام الخطيرة والحساسة حول الحكم وانقلاباته وفي الغزوات وضد الشعوب.
مع سيطرة داعش على مدينة الموصل ذات التعداد السكاني الكبير الاكثر من 3 ملايين نسمة وفرار عشرات الآلاف من القوى التي كانت مكلفة بحمايتها واستحواذ داعش وبتخطيط مسبق وتعاون استخباراتي تركي وربما حتى بعض القوى العراقية والكردية على آلاف العربات والمدرعات والدبابات التابعة للجيش العراقي ، زادت قوة داعش عشرات الاضعاف وأصبحت في وضع وإمكانيات كيان شبه دولة وأنضم عدد لابس به من المهمشين و الإسلامويين و حتى بعض العشائر والعديد من الأشخاص ومن كافة طبقات المجتمع بعد أن سيطرت داعش على مناطق عديدة بعد الموصل وأصبحت هي الحاكم لملايين الناس في ظل غياب الدولة العراقية أو حكومة إقليم كردستان.
وبما أنه كانت وبالتوازي مع أحداث العراق في سوريا الأزمة مستفحلة وحالة الفوضى والاقتتال مستمراً وتراجعت السلطة في دمشق لحماية مراكزها الرئيسية وانسحبت من المناطق البعيدة والريفية و بالتالي الأرضية كانت مناسبة لتدخل التنظيمات الإسلاموية الإرهابية . تدخلت القاعدة وأسست فرع لها تحت اسم جبهة النصرة كما أن داعش وبإمكانياتها الزائدة وفكرها الاكثر تشدداً كانت لها الغلبة مع أخواتها التكفيريات واصبحت تتمد في شرق سوريا وأخذت محافظات سوريا مع أريافها كما حصل في العراق.
في العراق في يوم 4 آب(أغسطس) 2014م ، حدثت إبادة جماعية بحق تكوين كردي يعتبر من أهم المكونات الكردية الدينية وهم الكرد الإيزيديين الذي حافظوا ورغم كل الظروف والفرمانات الـ73 التي كانت أغلبها من السلاطين العثمانيين وولاتهم لإبادة هذه المجتمع وإنهائه وفرض ديانة غير ديانته. حيث ومع هروب القوات التي كانت وظيفتها حماية شنكال وتخليها عن واجبها في حماية الإيزيدين ومكونات المنطقة، اصبحت المنطقة مباحة لداعش وللأسف وجد الشعب الإيزيدي نفسه وحيداً تحت رحمت داعش التي اعتبرت الإيزيدين كفار وغنائم وبدأت بقتل الرجال وسبي النساء وقتل من ترفض الإمتثال وأخذت داعش أكثر من 5000 أمرأة إيزيدية ومارست عليهم أبشع المعاملات وحتى بيعهم كجواري في أسواق وبين أمراء الدواعش. ولكن كان يتواجد 12 مقاتلاً وكادراً من حزب العمال الكردستاني في شنكال(سنجار) وقت بدء داعش الإبادة بحق شنكال، لأن حزب العمال الكردستانيPKK كان قد اسشعر بالخطر القادم على شنكال، وتفاوض مع الطرف الكردي الذي كان يسيطر على المنطقة بضرورة تعزيز قوات الدفاع عن الإيزيدين بعد سيطرة داعش على الموصل لكن ذاك الطرف رفض ذلك، ربما لأنه كان على علم ومشارك في خطط سيطرة داعش وإبادتهم للإيزيدين وربما لإستعمال ذلك في سياسات ستركب في المنطقة لخلق وقائع جديدة. وهنا بادر حزب العمال الكردستاني وحسب إمكانياته إلى إرسال 12 مقاتل وكادر إلى شنكال وحسب الظروف الممكنة والصعبة، لتنظيم الشعب وتوعيتهم بالظروف الجديدة وتدريب شبابهم للقيام بحماية أنفسهم ومجتمعهم.
وعند هجوم داعش على شنكال قامت المجموعة الصغيرة بعمل كان السبب في عدم قدرة داعش على إتمام الإبادة الجماعية بشكل كلي وإنهاء الوجود الإيزيدي في شنكال، حيث بادرة المجموعة والتي سماها مجتمعنا الإيزيدي باسم (فرسان ال 12 أو 12 SIWARî) نسبة إلى الملحمة التاريخية(دوريشي عفدي وعدولة) التي جسدت البطولة الكردية ودفاعه عن مجتمعه مع 12 فارس من اصدقائه ورفاقه.
لقد بادرت المجموعة واثناء دخول داعش إلى شنكال بالسيطرة على جبل شنكال لمنع داعش من السيطرة عليه وهي أهم نقطة استراتيجية وأعلى نقطة فيها و من يسيطر عليها يستطيع التحكم بما حوله من الأودية والقرى . وأثناء إنسحاب المدنيين والأهالي حاولت المجموعة الدفاع عنهم ومنع داعش من وقفهم من اللجوء للجبل وثم قامت المجموعة بفتح طريق لحوالي 250 ألف من العوائل وكبار السن والنساء الذين كانوا يفرون من الموت والوقوع في أيدي داعش. وكما قامت قيادة حزب العمال الكردستاني في هذه الأثناء بإرسال مجموعات جديدة من مناطق الدفاع المشروع ومقراتها على الحدود العراقية_التركية إلى قرى شنكال والجبل الذي لم يسيطر عليه داعش وكما قامت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا والتي كانت قواتها تخوض معركات مع التنظيمات الإرهابية في سوريا بإرسال مقاتليها من قوات حماية الشعب والمرأة لمساعدة الإيزيدين وتأمين وصولهم لمناطق الأمنة في شمال وشرق سوريا وتأمين احتياجات الأهالي رغم إمكانياتها المتواضعة حينها. مع العلم أنه ومع الأهالي دخل حوالي 700 عنصر من البيشمركة إلى شمال سوريا واستقبلتهم وحدات حماية الشعب والمرأة وأوصلتهم إلى باب سيمالكا لدخولهم من جديد إلى إقليم كردستان العراق. ومن المحطات الهامة أنه قام 6 من مقاتلي حزب العمال الكردستاني الكريلا بأخذ مكان 200 عنصر من القوات التي تركت واجبها وأن العناصر الـ 6 استطاعوا ولفترة طويلة حماية المدنيين والممر الذي تم فتحه بين جبل شنكال ومناطق شمال سوريا كما قامت مجموعات أخرى وتحت قيادة الشهيد عكيد جفيان القائد في وحدات حماية الشعب في حماية الأهالي في قرى وجبل شنكال وتدريب شباب وبنات الإيزيدين للقيام بالدفاع عن أهلهم والتحضير لتحرير مدينتهم وأرضهم فكانت قوات وحدات مقاومة شنكال((YBŞ ووحدات المرأة الشنكالية(YJŞ) التي استطاعت بعد فترة من لعب الدور الأساسي والرئيسي في تحرير شنكال إلى جانب قوات الدفاع الشعبي HPG أثناء البدء بتحرير شنكال. والآن وبعد إنسحاب قوات حزب العمال الكردستاني عام 2018 تقوم هذه القوات المكونة من أبناء شنكال ومن الإيزيدين والعرب ومكونات المنطقة في الدفاع عن المنطقة وحمايتها وهي تابعة للدولة العراقية كقوات محلية تلعب دور مهم في محاربة داعش وحماية المنطقة. وجدير بالذكر أن موقع شنكال استرتيجي وهي تشكل نقطة مفصلية بالنسبة لشمال سوريا وغربي العراق ومجمل كردستان والأجزاء الثلاثة القريبة منها وحتى بالنسبة لدول المنطقة ولذلك تحاول أغلب القوى السيطرة على شنكال أو مد نفوذ لها وحولها عبر قوى مختلفة.
وفي سوريا ومع شهر أيلول الذي تلى سيطرة داعش على الموصل والمحافظات العراقية الغربية سيطرت وتمددت داعش في دير الزور وفي الرقة ومناطق في ريف الحسكة وريف حلب وريف حمص واقتربت من دمشق وكما حصل في العراق أن داعش وبنتيجة التشجيع والدفع التركي هجم على الكرد الإيزيدين وثم إقليم كردستان والذي دافع عنها أيضاً قوات حزب العمال الكردستاني ولولا ذلك لسيطر داعش على هولير وربما كل الأقليم وفعل بها مثلما فعل بشنكال. مع بدء هجوم داعش على مدينة كوباني الكردية(التي عربها حزب البعث من منطق شوفيني وسماها عين العرب) دافع الشعب الكردي عن وجودهم تحت قيادة وحدات حماية الشعب والمرأة وأنضم لهم بعض فصائل الجيش الحر التي أجبرت على ترك الرقة والمدن التي سيطر عليها داعش لعدم قدرتهم على الصمود وحصلت غرف مشتركة للدفاع وحماية المنطقة. وسجلت مدينة كوباني ملحمة بطولية عظيمة حيث دافع وحدات حماية الشعب والمرأة ضد داعش ورغم فارق الأسلحة والقوى والعدد. وظل العالم كله يراقب بسالة وقوة وحدات حماية الشعب والمرأة وهنا وكون حزب العمال الكردستاني هو حزب لكل الكرد وليس لجزء من كردستان ويرى من واجبه منع إبادة الكرد تدخلت قوات الدفاع الشعبي للدفاع عن كوباني إلى جنب وحدات حماية الشعب وفي فترة أخرى تدخل التحالف الدولي وعلى رأسها أمريكا وكما قدم حوالي 150 عنصر من القوات التابعة لحكومة إقليم كردستان بعد موافقة برلمان إقليم كردستان العراق وسماح تركيا لهم لتخفيف الضغوط على نفسها وتمويه علاقتها بداعش ولخداع الرأي العام العالمي.
وقامت التكوينات المجتمعية وشعوب شمال وشرق سوريا في عام 2015 بإنشاء قوات سوريا الديمقراطيةQSD، التي عبرت بكل إخلاص ووفاء عن الوطنية السورية وعن تمثيلها واحتوائها لكل الشعوب والتكوينات المجتمعية وعلى رأسهم الشعبين العربي والكردي.
واصبحت قوات سوريا الديمقراطية، تحالف استراتيجي بين الشعبين الكردي والعربي والشعوب الأخرى في شمال وشرق سوريا. وربما كانت التحالف الاستراتيجي في التاريخ الحديث بعد التحالف التاريخي الذي كان أيام الدولة الأيوبية والناصر صلاح الدين الأيوبي الذي وحد كردستان وبلاد الشام ومصر تحت المظلة والثقافة الإسلامية وعزز إرادة المنطقة وقوتها أمام التدخلات والتحديات الخارجية.
ومنذ 2015 قامت قوات سوريا الديمقراطية بتحرير ملايين العرب والكرد من إرهاب داعش وحررت مدن وقرى ومساحات شاسعة يعيش عليها الآن أبنائها بكل أمان وسلام بفضل أكثر من 12 ألف شهيد من الشعب الكردي والعربي والشعوب الأخرى وجرح أكثر من 23 ألف مقاتل من قوات سوريا الديمقراطية.
وكما وبالتوازي مع بطولات قوات سوريا الديمقراطية قام مجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي تضم في مؤسساتها كل المكونات والشعوب بعمل سياسي وجهد دبلوماسي وإداري كبير لإدارة المناطق المحررة من داعش و لتطوير تجربة الأخوة والعلاقة الكردية_العريبة والمشروع الديمقراطي لتوسيعه وتنفيذه كمشروع لحل الأزمة السورية والاعتراف به، حيث أن مشروع الإدرات الذاتية يستطيع وباستنادها إلى ثقافة المنطقة وقيمها في إدارة التنوع والتعدد الذي يمتاز به مجتمعاتنا في شكل لامركزية ديمقراطية تحافظ على وحدة سوريا في إطار سوريا ديمقراطية موحدة لكل ابنائها. كما أن الاستمرار في محاربة داعش وخلاياه يتطلب وجود دعم اقتصادي وسياسي بالإضافة إلى الأمني والعسكري من شعوب المنطقة ودولها والعالم إلى الإدارة الذاتية التي تقود وتدير المناطق المحررة من داعش.
ولقد لعبت وتلعب الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية أدواراً وطنية كبيرة في الدفاع عن وحدة سوريا وسيادتها وسلامتها بالإضافة إلى دورها الأساسي في محاربة داعش، حيث قامت قوات سوريا الديمقراطية ومن واجبها السوري الوطني في الدفاع عن إقليم عفرين وسري كانية(رأس العين) وكري سبي(تل أبيض) أثناء هجوم واحتلال تركيا لها ومازالت أحد أهدافها الأساسية العمل لتحرير تلك المناطق السورية من الاحتلال التركي وبكافة الوسائل، في الوقت الذي لم تبذل الأطراف السورية الأخرى الجهد الوطني المطلوب سواء من الحكومة السورية أو من المعارضة بل أن بعض المعارضة مثل ما يسمى “الائتلاف الوطني السوي” الإخواني القيادة، كانت على ظهر الدبابات التركية وتحت طائرات تركيا المسيرة قدمت لمساعدة تركيا في احتلال سوريا وقتل وتهجير السورين من الكرد والعرب والمكونات الأخرى.
قامت تركيا بأحدث جريمة تطهير عرقي وتغيير ديموغرافي وإبادة جماعية بحق المكون الكردي السوري في مدينة عفرين حيث هجرت أهلها الأصليين وجلبت عوائل مرتزقتها وأستوطنتهم في عفرين ونواحيها وقراها ، وتقوم المنظمات والجمعيات الإخوانية من مختلف دول المنطقة والعالم وحتى من فلسطين_اسرائيل والكويت وقطر وغيرها بدعم جهود تركيا بتحقيق التغيير الديموغرافي وبناء المستوطنات للتركمان والإيغور والإخوان من العرب الذي جلبتهم تركيا بقصد تمهيد الظروف والأرضية لضم هذه المناطق وغيرها إلى تركيا كما فعلت مع لواء إسكندرون إن سمحت الظروف.
أكثر مايزعج تركيا وتحاول القضاء عليه في سوريا والعراق وحتى داخل تركيا هي العلاقات بين الشعوب التي يتم تطويرها استناداً إلى فكر القائد والمفكر عبدالله أوجلان(المسجون منذ 23 سنة في جزيرة إمرالي لطرحه حل ثوري و ديمقراطي ومجتمعي للقضية الكردية وللقضايا الوطنية وتحويله الشعب الكردي من شعب على حافة الفناء إلى أمل لجميع الشعوب وفاعل مؤثر في مسعى الحرية والديمقراطية وبناء المجتمع الديمقراطي وتحرير المرأة والثورة البيئية).
في باكور كردستان وتركيا ظهر حزب الشعوب الديمقراطي HDP كأحد التنظيمات المجتمعية والسياسية التي ضمت واحتوت كل شعوب وقوميات وأديان تركيا واستطاعت أن تبرهن وتثبت نفسها وتكسب تأييد شعوب تركيا لها في انتخابات 7 حزيران عام 2015 والتي حصل فيها على 80 نائب في البرلمان التركي وحصل على أكثر من 6 ملايين صوت انتخابي واصبح البديل الديمقراطي للسلطات والنظم الفاشية في تركيا.
وفي روج آفا وسوريا ظهرت قوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا كأهم تجسيد للعلاقات العربية والكردية والبناء المجتمعي الجديد وللتعايش المشترك ولإدارة تنوع وتعدد الشعوب التواقة للحرية والديمقراطية وكذلك لتحرير المرأة وتمكينا حيث للمرأة الريادة والصدارة في المشهد الديمقراطي في شمال سوريا وضمن مشروعها الديمقراطي الوطني.
وفي باشور كردستان والعراق تقوم قوات الدفاع الشعبي HPGبمواجهة الاحتلال التركي لشمال العراق كخطوة أولى يتبعها الدولة التركية في حال نجحت ستحاول قضم واحتلال وسط العراق وجنوبه والمضيء في مشروعها العثمانية الجديدة في احتلال البلدان العربية. ولذلك تحاول تركيا وخصوصاً السلطة التركية الحالية (الإسلاموية والشوفينية) وبكل وحشيتها وعبر استخدام الأسلحة المحرمة الكيمائية لاحتلال جبال كردستان الهامة على الحدود العراقية والتركية حيث أن هذه الجبال وكما قال عنها البريطانيين أنها تشكل حماية طبيعية للعراق من الشمال عندما ضمت بريطانيا ولاية الموصل حينها للدولة العراقية المنشأ في العشرينات من القرن الماضي.
كما أنه يتواجد في العراق حركة حرية المجتمع الكردستاني وجبهة النضال الديمقراطي كإطروحات ديمقراطية تتجاوز البعد القومي و الديني والمذهبي وتسعى لخلق فكر وبنى تنظيمية تكون بديلة للتعنت والانغلاق والطائفية وتجمع كل شعوب العراق وعلى راسهم الكرد والعرب ، حيث أن العراق تستطيع أن تلعب دور مهم واساسي في تعزيز الأخوة العربية والكردية وبل أن العراق تستطيع أن تكون رافعة ودافعة لحل القضية الكردية في الدول الأخرى إن هي استطاعت أن توجد حالة استقرار صحية ومفيدة ومثمرة من التعاون والشراكة العربية والكردية.
وفي إيران يسعى الكرد وعبر حزب الحياة الحرة الكردستانيPJAK والجمعية الديمقراطية والحرية لشرق كردستان KODAR إلى تقديم بديل ديمقراطي يقوم على العلاقات والأخوة بين شعوب الموجودة في إيران وتركيب نضالي ومجتمعي يجمع ويحافظ على الإرث الغني والمتنوع للثقافة الإيرانية القديمة، وهم يتبنون دمقراطة إيران إعتماداً على الشعوب وتكاتفهم وتكاملهم في النضال والحياة وليس على الدول وعلى الخارج.
وعليه نستطيع القول أن الشعب الكردي وبغالبيته التي تؤمن بنموذج الأمة الديمقراطية والإدرات الذاتية كحل للقضة الكردية والقضايا الوطنية ضمن الدول الوطنية ووفق التحول الديمقراطي في الدول الموجودة القومية الموجودة بعيداً عن نموذج إنشاء دول قومية جديدة، حيث سبيل إقامة الدول القومية لحل قضايا الشعوب وتقرير مصيره لا يجلب سوى القتل والحروب والصراعات وتقسيم المنطقة وبالتالي خدمة الخارج والقوى المهيمنة والسلطوية الإقليمية ومشاريعهم الاقتصادية النهبية. بينما اعتبار تطبيق الإدرات الذاتية كتعبير عن التحول الديمقراطي والتخلص من المركزية الشديدة يفيد الدول والشعوب وحل القضايا العالقة وفق الطرق السياسية والسلمية بعيداً عن العنف والشدة والصراع . ومن المهم الإشارة أن أهم عنصر وفاعل في نموذج الأمة الديمقراطية التي يسعى إليها الكرد وقوتهم الأساسية حركة حرية كردستان والقائد عبدالله أوجلان هو العلاقات العربية والكردية وكذلك علاقات شعوب المنطقة و حتى دولها وفق أسس ديمقراطية وصحيحة ومصالح متبادلة. و من دون تعزيز وتطوير العلاقات العربية والكردية لن يستطيع الشعب الكردي الحصول على حقوقه في إطار دولة المواطنة والديمقراطية في سوريا والعراق وكذلك لن يستطيع الكرد من تأمين عمق استراتيجبي عربي لهم ورافعة إقليمية داعمة لحقوقهم وقضيتهم ليس في سوريا والعراق بل في مركزها في تركيا وإيران حيث أن القسمين الكبيرين من الكرد وأراضيهم تتواجد في تركيا وإيران. كما أن العلاقات العربية والكردية ستكون أهم عنصر وفاعل في تقوية منظومة الأمن القومي العربي نتيجة الاحتياجات الأمنية المتبادلة بين الكرد والعرب في مجال مكافحة الإرهاب وتحجيم الأدوار الإقليمية السلبية ومشاريعها التوسعية في البلدان العربية، حيث للكرد دور هام وفعال في صد تركيا وإيران عن البلدان العربية كما يفعله الآن الكرد في سوريا والعراق وحتى جنوب شرق تركيا. والذي يمنع تركيا ويصدها عملياً وأربك مخططاتها في احتلال البلدان العربية هي مقاومة القوات والشعب الكردي للتمدد التركي في العراق وسوريا وإن حاولت تركيا تمويه أهدافها الحقيقية وخداع العالم بحجج واهية بأنها تحارب الإرهابيين أو أن الكرد يشكلون خطراً على أمنها القومي ، لكن الكل يعلم أن تركيا هي من تمارس الإرهاب بحق الشعب الكردي وشعوب المنطقة وهي التي تحتمل الوزر والذنب الأكبر عن ظهور داعش وقوتها، وحتى اليوم مازالت تحتفظ بعناصر داعش والقاعدة ضمن ما تسميها تشكيلات الجيش الوطني السوري الإنكشاري المرتزق الذي أصبح قسم منه في غرب ليبيا وشمال لبنان وشمال العراق والصومال وفي ناكورني كرباخ(آرتساخ) وربما في أماكن أخرى كثيرة لخدمة سلطانهم أردوغان.
وأمام هذه التحديات وخصوصاً محاربة الإرهاب والتنظيمات الإخوانية واشتقاقاها تظهر أهمية تعزيز الجبهة الداخلية وتقوية جسور التواصل والتعاون المختلفة في المنطقة ودولها وشعوبها وبما أن السنوات العشرة الأخيرة أثبتت أن التدخل في شؤون الدول والمجتمعات العربية سواء المشرق العربي أو شمال افريقيا يأتي من إيران وتركيا ومشاريعهم ومن ورائهم إسرائيل وقوى الهيمنة العالمية أو بالتوازي والتوافق معهم، لذلك يبقى للفاعل الكردي ولعلاقات القوى الكردية مع الدول والشعوب العربية أهميتها وحتميتها في تحقيق الاستقرار والأمن والسلم في المنطقة ودولها، وبإمكان الدول العربية والجامعة العربية لعب دور أكثر فعالية وتأثير في التقرب من القضية الكردية حتى من الجوانب الأخلاقية والإنسانية والإسلامية كونها ستجعل تركيا وإيران وكثير من التنظيمات الإرهابية وأذرعهم يحسبون ألف حساب قبل التدخل في شؤون الدول العربية أو حتى التفكير فيها لأن من يريد القدوم من طرف الشمال الشرقي عليه تجاوز الكرد وأرضيهم كردستان ولذلك ليس خطاً من قال “أن الكرد هم حراس البوابة الشمالية الشرقية للأمة العربية” حيث يمتد الكرد وأرضيهم من مدينة بوير أحمد وكرمنشان وإيلام شمال شرق الخليج العربي في غرب إيران وماراً بسلسلة جبال زاغروس وطوروس في إيران و العراق وتركيا وصولاً لأضنة و عفرين ولواء إسكندرون على البحر الأبيض المتوسط. ولاشك أن التفاعل والتحالف الاستراتيجي العربي و الكردي الذي تجسد في محاربة داعش في سوريا والعراق يستطيع أن يتحول إلى نواة علاقة وتحالف وشراكة أكبر بين كل العرب والكرد ومختلف شعوب المنطقة ويساهم في بناء شرق أوسط ديمقراطي عبر كونفدرالية الشرق الأوسط الديمقراطية في الأمن والاقتصاد والسياسة والطاقة والثقافة والمياة.