الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

أحمد شيخو يكتب : التهديد التركي.. أكبر تهديد للاستقرار والأمن والسلم

الحدث – القاهرة

لماذا يشكل التهديد والتدخل التركي الأكثر خطورة بين التحديات والتدخلات الخارجية للدول العربية و للمنطقة بشكل عام؟ ماهي طبيعية و أدوات التدخل التركي وأهدافه، وأين هي موقع القضية الكردية من هذه التدخلات، وكيف نستطيع حماية المنطقة وأمنها واستقرارها و العمل لمواجهة وردع التدخلات التركية؟ لمنطقتنا الكثير من التحديات الداخلية والخارجية وكذلك العديد من التدخلات الخارجية الإقليمية والعالمية. وتشكل تلك التدخلات عوامل التأثير السلبي بإضعافها وتقليلها من توفر الإمكانيات والقدرات الذاتية للمجتمعات والدول على حماية الهوية والقيم الداخلية المجتمعية الأخلاقية وأسباب النهوض والحرية والديمقراطية والرخاء في كافة المجالات الاجتماعية و السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية إلى مجالات الإعلام والطاقة والمياه والتنمية.وبعبارة أخرى أن هذه التدخلات تشكل خطر وتهديد كبير على الأمن القومي لشعوب ودول المنطقة. منذ القرن الثاني عشر ومع تزايد التزمت والتحجر ومنع الإجتهاد وإعدام العلماء والفلاسفة وأصحاب الفكر لأسباب وغايات سلطوية وسلطانية، بدأ الحضارة المركزية بتغيير مكانها وقواها الأساسية والتحرك صوب إيطاليا وأوربا الغربية لتوفر وعي الحقيقة فيها بشكل أكبر من المنطقة. ومن يومها ومنطقتنا تعيش حالة من الاغتراب وفقدان الذاتانية و الهوية والبوصلة والتقاليد المشرقية الديمقراطية. منذ إنهيار الإمبرطورية العثمانية كأخر ممثل للحضارة الإسلامية وسنواتها ال 600 المليئة بالضعف والركود والخمول والجهل والظلم وإستعمال الدين لأغراض الحكم والسيطرة والنهب،وقدوم القوى الغربية وعلى رأسهم بريطانيا وثم أمريكا وتقسيم المنطقة إلى دويلات قوموية وسلطات تابعة لها. أصبحت التحديات الداخلية وكذلك التدخلات الخارجية من الدول الإقليمية الوظيفية والعالمية تشكل تهديدات كبيرة للقيم والقدرة الذاتية وكذلك للهويات المجتمعية والخصوصيات المختلفة للأقوام والأمم في المنطقة. لعل أكبر وسائل التدخل من قبل القوى العالمية كانت عبر إنشاء الدول القومية والأمة الدولتية النمطية المتجانسة وذلك كأعتداء وتعدي على طبيعة المنطقة المتنوعة والمتعددة الأمم والأديان والمعتقدات والذين كانوا يعيشون في إطار تكاملي وكلياتي ديمقراطي محافظ على الاختلاف والتنوع في إطار الوحدة الكلية الديمقراطية الثقافية وفي ظل الإحتياجات الأمنية المشتركة للشعوب والمجتمعات. لتحقيق الهيمنة العالمية للنظام العالمي على منطقتنا وشعوب المنطقة تم تصدير أفكار استشراقية إلى المنطقة لتشكيل الوعي النخبوي والجمعي إن أمكن بما يناسب مخططاتهم، وكانت إنشاء تركيا في عام 1923م كأهم دولة إقليمية وظيفية تتحقق عبرها وعبر دورها الهيمنة العالمية على المنطقة بالإضافة إلى إنشاء نواة للهيمنة العالمية في المنطقة كإسرائيل وكذلك السماح لتمكين الإسلاميين السياسيين وبنوعيهم السني والشيعي في عدد من دول المنطقة كما في إيران والسماح والمساعدة في توجيه أحداث او ثورة إيران و تمكين وقدوم الخميني وولاية الفقيه لأسباب عديدة من أبرزها تشكيل حالة وظيفية ومانعة ورادعة لإنتشار الفكر اليساري والديمقراطي الإشتراكي. من الصحيح القول أن من بين كل التهديات الخارجية على استقرار وأمن وسلامة المنطقة تأتي تدخل الدولة التركية وسلطاتها الحالية( حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية التركية والأرغنكون) كأكبر تهديد وخصوصاً للدول العربية ولمجتمعاته وكذلك للشعب الكردي ولكل شعوب ودول المنطقة والمحيط، وذلك لأسباب عديدة: 1_ أن تركيا وسلطاتها الحالية تستعمل وتستخدم العقيدة والدين وخصوصاً الإسلام السني الذي يعتنقه أغلب شعوب المنطقة وعلى رأسهم العربية والكردية، وهذا ما يعطيها أفضلية أو خطورة أكبر من التدخلات الأخرى كونه تستطيع من خلال الدين واستغلاله التسلل والتغلل إلى دول المنطقة وشعوبها. 2_عدم إعتراض ورفض القوى الدولية للتدخلات التركية في دول المنطقة بخلاف التدخلات الأخرى، حيث في النهاية تركيا لها دور وظيفي في منظومة الناتو وتمدد تركيا بالمحصلة هو تعزيز لنفوذ الناتو. ومهما إدعت تركيا وسلطاتها استقلالية السلوك وإمكانية العمل منفرداً، لكن الحقيقة غير ذلك، حيث أن الاقتصاد والجيش التركي وتسليحه وبنية الدولة التركية وألية قدوم وتشكيل أي سلطة هي حسب رغبة وإرادة الناتو والنظام العالمي نظراً لأهمية الجيوستراتيجية التركية وموقعها. وهذا مانلاحظه في السنوات الأخيرة ونراه في سلوك السلطات التركية الخارج عن كل الإطر القانونية والشرعية والدولية بإتجاه الشعب الكردي والدول العربية. وهذا مالا يتوفر للتدخلات الأخرى كما التدخل الإيراني والروسي والصيني مثلاً. 3_ رغبة تركيا في إعادة وإحياء الإمبراطورية العثمانية ضمن مشروع العثمانية الجديدة. حيث انها ترى نفسها صاحبة ميراث الإمبراطورية العثمانية ولها الحق في التدخل والسيطرة والحكم وأن هناك الملايين من الأتراك في هذه المناطق والدول و عليها حمايتهم أو الإدعاء بذلك، كما في تدخلها في العراق وسوريا وليبيا وغيرها. 4_تشكيل تركيا لجيوش من المرتزقة من دول وشعوب المنطقة من الأخوان المسلمين وتفرعاتها واشتقاقاتها المختلفة من القاعدة وداعش و غيرها وكذلك من بعض الأحزاب والعائلات المتواطئة كما في العراق وتحديدأً في جنوب كردستان(إقليم كردستان العراق). 5_عدم تفاعل ورؤية دول المنطقة وشعوبها وخصوصاً الدول العربية للقضية الرئيسية في تركيا القضية الكردية وأهميتها، حيث أن كل سياسات وتحركات وسلوكيات تركيا تعتمد على مركز وهدف واحد وهو منع الشعب الكردي في تركيا ودول المنطقة وأي مكان في الحصول على حقوقهم الطبيعية كباقي شعوب المنطقة. ولاشك أن التفاعل مع الشعب الكردي ومد جسور الثقة والعلاقات ودعمه في نضاله ومطالبه المحقة سيحجم التدخلات التركية في الدول العربية كون جغرافية كردستان وتواجد الشعب الكردي وقواته الأساسية هي بين المناطق العربية والدولة التركية. والصمت الملاحظ للدول العربية على هجمات تركيا الأخيرة لتركيا على مناطق متينا وزاب وآفاشين يؤكد ذلك. ولعل حل القضية الكردية في تركيا والمنطقة سيخلص تركيا من سياساتها التدخلية وتمددها ومن دورها الوظيفي والمهدد لاستقرار المنطقة ولأمنها. 6_قدرة تركيا وسلطاتها في تغيير خطابها وتكتيكاتها وإعطاء مختلف الإنطباعات التي تريدها دون تغيير في استراتيجياتها وسلوكياتها وأهدافها البعيدة لمشروعها العثمانية الجديدة في احتلال دول المنطقة و كذلك شراء صمت دول المنطقة على عملياتها وتدخلها وهجماتها و احتلالها لدول المنطقة حتى تحقق أهدافها، كما هي الآن في احتلالها لسوريا والعراق وصمت أغلب الدول العربية معتقدين وواهمين أن تركيا تمضي في مسار تغيير سياساتها وسلوكها وتدخلاتها. 7_استعمال تركيا الشق الاقتصادي والاستثمارات وكذلك جانب المساعدات الإنسانية في التدخل في دول المنطقة دون اعتراض من الكثيرين، بل حتى ترحيب البعض من رؤساء الدول والمسؤولين وغيرهم بذلك، وهذا يؤكد حقيقة عدم رؤية حقيقة التدخل التركي وآفاقه ومستقبله وخطورته. 8_علاقات تركيا مع القوى الإقليمية والتدخلات الأخرى في المنطقة والتنسيق التركي معهم، كما هي العلاقات التركية مع إسرائيل وإيران وغيرهم. 9_ التدخل والاحتلال التركي يتميز عن غيرها بانه يقوم على أخطر الممارسات والإجراءات وهي ممارسات بمثابة جرائم حرب و تغيير ديموغرافي وصولاً للتطهير العرقي والتهجير الممنهج للسكان الأصلين كما حصل ويحصل في شمالي سوريا في مدينة عغرين ونواحيها وقراها وفي مناطق سري كانيه(رأس العين) وكري سبي(تل أبيض). 10_إستعمال تركيا للفتن والتفرقة والنزاعات ومحاولات التحريض واستعمال خطاب الكراهية المعاقب عليه في القانون الدولي في تدخلاتها وشيطنة الأخر المختلف وإلصاق كافة التهم والأوصاف السيئة به. وإستعمال الجيوستراتيجية التركية وبيعها للقوي المركزية للحصول على الدعم العالمي في سلوكياتها وممارساتها، كما في وصف نضال الشعب الكردي بالإرهاب وشيطنته. 11_استعمال تركيا وإستخدامها اللاجئين كخزان بشري سهل إخضاعهم بسبب ظروفهم، للمقايضة عليهم وطلب مليارات الدولارات عليهم و تشكيل مرتزقة منهم حسب الطلب وإرسالهم إلى حيث يشاء تركيا وتهديد العالم الغربي بزحف اللاجئين، كما في تعامل تركيا مع السوريين والعراقيين والصوماليين والليبين وغيرهم. وعليه يمكننا القول أنه رغم تعدد التحديات والتدخلات الخارجية على أمن واستقرار وسلامة المنطقة يبقى التهديد والتدخل التركي ومشروع العثمانية الجديدة من أخطر ما يهدد استقرار المنطقة وشعوبها ودولها العربية وغيرها، ومن الصحيح والمطلوب فهم وإدراك حقيقة التدخلات التركية ومركز سياساتها ومشروعها الاحتلالي العثمانية الجديدة و العمل والوقوف في وجه هذه التدخلات وإتخاذ مواقف أكثر جدية وفعالية ورفع الصوت عالياً أمام الهجمات وحملات الإبادة التركية والإبتعاد عن الصمت المخزي، ومن الطرق الصحيح للمواجهة وردع التدخلات تحقيق تفاعل وتواصل اكثر بين المتضررين من العثمانية الجديدة وإقامة تحالفات ومواقف مشتركة بين شعوب المنطقة وقواها ودولها.

to top