الحدث – القاهرة
حدث الزلزال المدمر، وحلت الكارثة الكبرى أو مصيبة القرن في يوم ٦ شباط/فبراير، في شمال كردستان وتركيا وكذلك في شمال غرب سوريا، والملاحظ هو تبيان منظومة الفساد والنهب والسرقة المتجذر بشكل فاقع في حكومة الحرب الخاصة التركية الحالية والحزب الذي يحكم منذ ٢٠ سنة، وكما ظهر أن ما تسمى الدولة التركية ومؤسساتها، لا تهمها أرواح الناس وهي لم تكن في وارد التدخل السريع والفوري ولم تذهب فوراً، لإنقاذ أرواح الناس ولم تتدخل إلا بعد حوالي ٣ أيام وبعدد ومؤسسات محدودة و قليلة، بينما جهود الإنقاذ والمساعدات التي تمت في الأيام الأولى كانت من الناس أنفسهم ومن بعض الجمعيات الأهلية وعدد من الأحزاب كحزب الشعوب الديمقراطي، والذي قامت سلطات العدالة والتنمية بوضع وصي(قيوم) على بعض مراكز جمع وتوزيع المساعدات كما حصل في مركز بولاية كركم (مرعش) وفي ولاية آمد(ديار بكر) واعتقال عدد من المتطوعين وهذه تجسد عقلية وسلوك عدائي تجاه من يقوم بمساعدة الناس والمناطق المنكوبة. أما ما قدمه بعض الدول الإقليمية والعالمية فهي لم تصل إلا لمناطق قليلة ولعدد محدود من الناس وفق ما سمح ووجه به السلطات التركية التي مارست التمييز بشكل كبير جداً تجاه من هو غير تركي من الكرد وحتى اللاجئين السورين والمقيمين العرب الذي بقوا تحت الأنقاض لأيام طويلة وفقد الكثير منهم حياتهم.
أرادت السلطات التركية إظهار الحدث في البداية وكأنه شيء بسيط ومحدود، وثم أرادت الالتفاف على الحقيقة وإخفائها وتضليل الرأي العام، مع تقديم تبريرات وحجج قدرية واهية، مع أن غالبية الأبنية المنهارة أقامها المقاولون المقربون من أردوغان وعصبته من رجال الأعمال، لأن السلطات التركية، تعلم أن المسؤولية الكاملة تقع على عاتقها وعلى رأس السلطة وخاصة في ظل النظام الرئاسي الدكتاتوري، نظام الرجل الواحد الذي سنه وصاغه أردوغان وحزبه، لكي يتحكموا بكل شيء في تركيا، وحتى أن أردوغان وأثناء زيارته وبعد عدة أيام وقوع الزلزال، قال من الكلام ما يجسد خطاب الكراهية وزاد عليها من التهديدات والألفاظ العنيفة والبذيئة، ما يشير إلى تخبطه وتخبط حكومته وحزبه وفشلهم في مواجهة الزلزال وتداعياتها الكارثية، بالإضافة إلى تقيده وسائل التواصل والنت؛ لعدم ظهور الحقيقة وتأثيرها على الرأي العام، وإعلانه حالة الطوارئ، لتكون له اليد الطولى ودون رقيب في التحكم بالموقف الزلزالي وتداعياته في السلوك الاجتماعي الاعتراضي الذي من المحتمل تزايده وظهوره بشكل قوي ضد أردوغان وسلطته الحاكمة وحزبه، لأنهم تخلوا عن الشعب في هذه الكارثة، ورغم كل ما يقال وعدد الدول التي قدمت المساعدات ولكن مازال هناك قرى لم تصلها الدولة التركية بعد حوالي ١٤ يوم من الزلزال في المناطق ذات الغالبية الكردية ضمن المناطق المنكوبة والناس يقولون لا توجد دولة ولم نرى لها أثر مع كارثة الزلزال، بينما هذه الدولة نفسها تستطيع أن تجيش وترسل آلاف الجنود والمرتزقة والعديد من الطائرات الحربية والمروحية لقتل المدنيين والمقاتلين الكرد الذي يقاومون الاحتلال التركي، لأجل حرية الشعب الكردي وشعوب المنطقة وحقوقهم الطبيعية.
يتفاعل الزلزال سياسياً ومن اللحظة الأولى، كما هي إنسانياً واجتماعياً واقتصادياً، وهنا حاولت وتحاول السلطة تسيس الأزمة وأخذها كفرصة لتعويم رئيسها وتطبيع علاقاتها مع الخارج و وجعلها بوابة لتنفيذ بعض السياسات وتمرير أجندتها وخاصة فيما تتعلق بالشعب الكردي وحرب الإبادة الجماعية الفريدة ضده، فالتغيير الديموغرافي وتهجير السكان الكرد الأصليين من المناطق المنكوبة، هي على رأس أولويات الدولة والسلطات التركية وخاصة في ولاية كركم (مرعش) وفي جنديرس بريف عفرين المحتلة، ومن المفيد ذكر نوايا السلطات التركية الخبيثة في السماح لبعض الجهات الكردية من إقليم كردستان بالوصول للمناطق المنكوبة وتقديم بعض المساعدات الشكلية لغايات سياسية منها شرعنة المرتزقة والاحتلال التركي ومنع وصول المساعدات التي قدمتها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا للمناطق المنكوبة، مع العلم أن سلوك سلطة دمشق وانتقائيتها وأخذها ٦٠٪ من المساعدات المقدمة من الإدارة الذاتية للمناطق المنكوبة فقط لسماحها بالمرور ضمن مناطق نفوذها وحصارها لمنطقة الشهباء وحيي الأشرفية والشيخ مقصود لا يختلف كثيراً عن المقاربة التركية وتؤكد استهتارها بحياة الناس وآرواحهم.
ستكون لنتائج الزلزال المدمر وتداعياته والحقائق التي ظهرت من مسؤولية السلطة عن الوضع القائم و عدم جهوزية مؤسسات الدولة في ظل حكم العدالة والتنمية و أردوغان لهكذا حالات وسرقتها لميزانية مؤسسة الكوارث والطورئ والسماح لمقاوليها لتجاوز المعايير الهندسية المتعلقة بالزلازل وشروط البناء لتحقيق الربح السريع على حساب أرواح الناس وأمانهم وحياتهم، إضافة إلي التفاعل الفاشل و التعامل الانتقائي والمضطرب مع كارثة الزلزال، تأثير كبير على الانتخابات القادمة وشعبية أردوغان وحزبه. ومن الممكن والوارد أن تكتب النهاية لحكم استمر ٢٠ سنة لأردوغان وجوقته الإسلاموية القوموية الفاشية ولكن هل يسمح أردوغان بإجراء الانتخابات في موعدها، أم أن هناك ألاعيب سيقوم بها أردوغان وبخجلي ليحتفظوا بالسلطة حتى لا يحاسبهم أحد على سياساتهم الداخلية والخارجية التي أوصلت تركيا لهذا الجحيم وهذه الأوضاع السيئة.
ورغم كل ما حصل، وتفاعلاً مع الأوضاع وتجسيداً للمسؤولية الأخلاقية والإنسانية في أعلى مستوى، أعلن الرئيس المشترك لمنظومة المجتمع الكردستاني، جميل بايك عن نداء للقوات العسكرية لوقف العمليات ضمن تركيا، لتكون كافة الجهود مركزة على إنقاذ الناس ومساعدتهم ومعالجة أثار وتداعيات الزلزال، ولكن هذا النداء يجب أن يقابله موقف من الدولة التركية، لم يتم التصريح به حتى الآن، بل أن جيش الاحتلال التركي مازال مستمراً في القصف بالمدافع والطائرات على خنادق المقاومة في مناطق الدفاع المشروع مستعملة الأسلحة المحظورة والكيميائية ضد مقاتلي قوات الدفاع المشروع(الكريلا)، وهنا على المجتمع الدولي وخاصة القوى المؤثرة في تركيا والملفات الإقليمية أن تلتقط هذه المبادرة المسؤولة من الطرف الكردي وتقوم بالضغط على تركيا لتكون لها موقف إيجابي وخطوات عملية تجاه مبادرة الرئيس المشترك لمنظومة المجتمع الكردستاني والشعب الكردي.
وعليه، نحن أمام مرحلة مفصلية في تاريخ تركيا وسلطتها الحالية، وكذلك أمام اختبار حقيقي للمجتمع الدولي الذي لم يوفق حتى الآن في مساعدة المناطق المنكوبة جراء الزلزال المدمر بالشكل المناسب، وفي حل الأزمة السورية وتحقيق تسوية سياسية لها وإخراج القوى الإقليمية التي تحتل سوريا وتتدخل فيها كتركيا وإيران، وكذلك ليس للمجتمع الدولي مقاربة وتوجه حقيقي لحل عادل وديمقراطي للقضية الكردية سواءً في تركيا أو في سوريا، رغم كل الجهود والتضحيات التي قدمها ويقدمها القوى الكردية الديمقراطية مع كل المصاعب والمآسي التي تعرض ويتعرض له الشعب الكردي وكذلك شعوب سوريا وتركيا على يد دولة الاحتلال التركية وسلطاتها الفاشية الأردوغانية، التي مازالت تتلقى الدعم والمساندة من النظام العالمي الرأسمالي والناتو لأنها تشكل أحدى أدواتها الوظيفية في منطقة الشرق الأوسط رغم وجودها السياسي في المنطقة الرمادية أحياناً بين أمريكا وروسيا في السنوات الأخيرة مع حالة الربيع العربي والأزمة الأوكرانية، ولكن مع الزلزال وتبيان حقيقة هذه السلطة للشعوب كافة في داخل تركيا أولاً وللخارج ثانياً، سيسرع في زوال هذه السلطة وعقليتها الاستبدادية وسياساتها النهبية التدخلية فالزلزال زلزل هذه السلطة وربما تكتب نهايتها أيضاً إن تعاونت كل القوى السياسية داخل تركيا وقالوا كلمتهم الموحدة بأن من كان السبب الرئيسي في الزلزال ومن دفن الأبرياء تحت الأنقاض علينا بدفنه بأقرب فرصة وعندها لن يستطيع البقاء حتى لو كان تابع وعميل وأداة لنظام الهيمنة العالمي الذي بات حتى النظام العالمي يشكو من سياساتهم وتدخلاته وقربه من الأخرين كروسيا وإيران والصين وعلاقاته مع الإرهابيين كداعش والقاعدة والإخوان وغيرهم.