الحدث – القاهرة
مالفرق بين الفرد المواطن في دولة المواطنة للدولة القومية و في الأمةالديمقراطية وهل يمكننا الجمع بينهما ومتى؟ وفي حال رفض الدولةالقومية الإعتراف بمواطنة الأمة الديمقراطية، كيف سيتصرف مواطنواالأمة الديمقراطية؟
هل الحلول الديمقراطية للقضايا الوطنية كالقضية الكردية تستوجبتعدد الهويات؟
ماهو السبيل الذي لا يستند إلى الانفصالية أو العنف، لحل القضيةالكردية؟
مهما تعددت التوصيفات التي تتبلور تحت تاثير هيمنة الفكرالإستشراقي الغربي البعيد و المغترب عن ثقافة المنطقة القائمة علىالتنوع والتعدد والتعايش السلمي المشترك والمجتمعية الأخلاقية، ليسبمقدور الأيدولوجية الليبرالية أن تعكس غير أشكال العبودية الجديدةفي الواقع الذي يتمتع فيه الفرد بحرية زائفة، و أنانية متضخمة ضدالمجتمع، رغم تسويقها وكأنه يتمع بحريات غير محددة كمواطن للدولةالقومية. لكن الواقع هو الفرد المأجور الموظف أحيانا، أو العبدالعصري، الذي يؤمن الربح الأعظمي بشكل يفوق كل العصور والذيتم تقييد حياته بسيادة المال وعلاقة الإنتاج التي فاقت كل ماسبق. لاشك أن هذا الفرد أو المواطن أو العبد للدولة القومية،المحروم من حقالإختيار والتعبير والإرادة الحرة ولوبأدوات زكية ورقمية، والفاقد لذاتيتهالإنسانية والمجتمعية، هذا المواطن يتم بنائه وتهيئته وتربيته ضمنماتسمى المؤسسات التعليمية والحياة العملية التطبيقية في ظل الدولةالقومية. وهوالفرد الذي يتم ربطه وتكبيله وتقييده عن طريق نظام الأجرالبخس كالكلب المربوط والممسوك به من قبل صاحبه أي سلطات الدولةالقومية وأجهزتها التحكمية. ولو أختصرنا الوصف يمكننا القول هوالموت البطيء أو الاحتضار، وليس امامه سوى ذلك، وحتى لو شقىعصا الطاعة سيكون أمام البطالة التي هي سبيل أخر لإخضاع الفردوتصييره مواطنا للدولة القومية أو مايسيميه أصحابها دولة المواطنةالمثلى بنظرهم، ولإنجاز الفرد أو المواطن المطلوب عليهم بقطع هذا الفردالإنسان عن مجتمعه وبل تعريض كينونة المجتمع للتفسخ وللإضعاف وللطعن عبر تقزيم ثقافات المجتمع التاريخيه وتقاليده ومحاولة إنهاءالمجتمعية الأخلاقية الحافظة للفرد من الضياع والهلاك والأنانيةالخادمة للسلطة والدولتية القومية بمفهوم مواطنتها.
أما فرد الأمة الديمقراطية أو مواطنها فيجد حريته في وحدتهالمجتمعية، أي في العيش على شكل خاصيات مشتركة يجمعها الإرادةوالذهنية المشتركة أو مجموعات صغيرة أكثر فاعلية لها خاصياتحياتيةمشتركة، وبعبارة أخرى المجموعة الحرة والديمقراطية هيالمدرسة الأولية التي ينشأ فيها فرد الأمة الديمقراطية. لذا، لا فردانيةلمن ليس له حياة تشاركية أو غير منتمي لمجموعته الحرة المجتمعية أولمجتمعه المحلي، هنا لابد من الإشارة أن الوحدة أو المجموعةالمجتمعية الحرة متنوعة إلى أبعد حدّ، وتسري في مختلف ميادينالحياة الاجتماعية من السياسية والإقتصادية والدينية والأمنية وغيرها. وبمقدور الفرد العيش في أكثر من خاصية تشاركية أو حياةاجتماعية بما يتوافق وأوجه الاختلاف لديه، لكن مايهم هو أن يعرفالفرد كيف يعيش في خاصيته المشتركة أو مجموعته المجتمعية الحرةبما يتناسب مع مهاراته و خصوصية عمله وكده واختلافاته، معالتأكيد أن الفرد في الأمة الديمقراطية لديه إنتماء طوعي و مسؤوليةتجاه وحدته المجتمعية التشاركية أو الوحدات المنتمي إليها وهذهالمسؤولية تعتبرا بعداً هاماً واساسياً في تحليه بالأخلاق المجتمعية،وفي تعظيم شأنه وعلو مكانته، فالمحصلة الأخلاق تعبير عن إجلالالإنتماء والمسؤولية تجاه المجموعة أو الوحدة الإجتماعية الحرة،وبالمقابل المجموعة المجتمعية أو الخاصية التشاركية الإجتماعية تتبنىأفرادها وتؤمن عيشهم وتحميهم وتقوي إرادتهم الشخصية أيضاً. وبالإساس أهم مبدأ لتشكيل المجتمعات هو روح المسؤولية وتجسيدالإنتماء المجتمعي، ولاشك أن الطابع الديمقراطي للمجموعاتالمجتمعية الحرة تؤمن الحرية الجماعية التي تصون عبرها حرياتأفرادها وكرامتهم .
وبشكل أخر نستطيع القول ، إنه يحقّق المجموعة المجتمعية التشاركيةالحرة أو المجموعة السياسية. لذا، لا يمكن للخاصيات المشتركةالجماعية أو المجموعة غير الديمقراطية أن تكون سياسية.وعندها لن تكون حرة. بناء عليه؛ ثمة تكامل و تكافؤ متين بين الطابع الديمقراطيّوالطابع السياسيّ وطابع الحرية للحياة وإدارتها.
وهنا يمكننا أن نعرف ونقدم البعد الرئيسيّ الأول للأمة الديمقراطيةبهذا المنوال، تأسيسا على الفرد والمجموعة الإجتماعية الحرة أوالمجموعة ذات الخواص المشتركة اللذين تتّخذهما أساسا. أي إنّالشرط الأول لماهية وكينونة الأمة الديمقراطية هو أن يكون الفرد حراً،وأن يمارس حريته هذه على أرضية السياسة الديمقراطية ضمن وحدتهالمجتمعية التي ينتسب إليها. وفي حال انضمام الفرد المواطن للأمةالديمقراطية تحت نفس السقف السياسيّ مع الدولة القومية، فإنّ إطارتعريفه يتسع نوعا ما. فهو في هذه الحالة فرد مواطن في الدولةالقومية ضمن إطار “المواطنة الدستورية” أو مواطن دولة المواطنةللدولة القومية التي يتم الترويج لها، بقدر ما هو كذلك ضمن أمتهالديمقراطية. الخاصية المهمة هنا هي الاعتراف بوضع الأمةالديمقراطية. أي، تحديد الإدارة الذاتية الديمقراطيّة كوضع قانونيّينصّ عليه الدستور الوطنيّ.
هذا وللوضع الوطنيّ الديمقراطيّ اتجاهان:
1_ يعبّر أولهما عن تحقّق وضع أو قانون أو دستور يتضمن الإدارةالذاتية الديمقراطيّة للخاصيات المجتمعية ولمكونات الدولة القومية بعدأن يتم تحقيق التحول الديمقراطي للدول القومية الموجودة.
2_وثانيهما هو تنظيم وضع الإدارة الذاتية كقسم سفليّ ضمن الوضعالدستوريّ الوطنيّ. إذ ثمة هكذا إجراءات في دساتير العديد منبلدان الاتحاد الأوروبيّ، بل وحتى بلدان العالم أيضا.
وهذا مع جانب كون البناء و الإنشاء أحاديّ الجانب للأمة الديمقراطيةالمستندة إلى وحدة الفرد المواطن الحرّ والمجموعة الحرة يشكّل حلاأساسياً ايضاً.
إلا إنه بإمكان الإطار التنظيمي الإجتماعي والسياسي الواسعللخاصيات وللتكوينات المجتمعية التوجه صوب الحلّ مع الدول القوميةالحاكمة المعترفة بوضع الإدارة الذاتية الديمقراطية في ظلّ سيادةالدستور الديمقراطيّ الوطنيّ. فبنية الأطر المجتمعية والسياسيةوالأخلاقية منفتحة على التزامها بحياة الفرد المواطن الحرّ وحياةالمجموعة على حدّ سواء، وبالوضع القانونيّ والدستوريّ لتلك الحياة.
ويمكن تعريف عضوية أي إطار مجتمعي وسياسي حر ومجسدلإرادة الناس والشعوب والتكوينات على أنها الفرد المواطن الحرّ فيالأمة الديمقراطية. ولكن، يفضل عدم خلط هذه العضوية والمواطنةبمواطنة الدولة القومية التي تحدّد مستوى العبودية العصرية لرأسماليةالنظام المهيمن العالمي. أي إنّ الفردية الرأسمالية أو فردية الدولةالقومية تعني الخنوع والعبودية المطلقة لإله الدولة القومية. في حينتعبّر مواطنة الأمة الديمقراطية عن حالة الفرد الحرّ بالمعنى الحقيقيّللكلمة.
وعليه بالإمكان إنجاز مواطنة الكرد ضمن أمتهم الديمقراطية في كنفإطارهم التنظيمي المجتمعي والسياسي الأخلاقي المعبر عن خصوصيتهم وهويتهم وإرادتهم الحرة. وبالتالي، ومن الصحيح والأنسب إناطة عضوية مجتمعيتهم من حيث التعريف بهوية مواطنةالأمة الديمقراطية. وبقول أخر، فكون الكرد مواطنين في كنف أمتهمالديمقراطية هو حقّ وواجب لا غنى عنهما أبداً. في حين إنّ عجز المرءعن التمتع بمواطنته ضمن الأمة التي ينتمي إليها هو دليل علىاغتراب فظيع وفرض الإنصهار و الإبادة لا يمكن الدفاع عنه تحت أيةذريعة كانت وحتى تحت مفهوم دولة المواطنة للدولة القومية ولنخبهاوسلطاتها الفاشيين كما تركيا وغيرها من الدول التي يتواجد فيهاالكرد و الذين يمنعون الثقافة والخصوصيات والتقاليد الكردية.
والمشكلة التي تواجهنا هنا هي ما سيحلّ بمواطنة الدولة القوميةالحاكمة(تركيا_إيران_العراق سوريا) وغيرهم. في الحقيقة، بالوسعتمثيل كلتا المواطنتين معاً وبالتداخل. فإذا بلغ بالقضية الكردية إلىالحلّ ضمن إطار المواطنة الدستورية الديمقراطية في كنف البلدالمعنيّ، فإنّ التمتع بكلتا المواطنتين أنسب من جهة الواقع الاجتماعيّ. بل وحتى كان بالإمكان صياغة تعريف مواطنة ثلاثية،
لو أنّ تركيا أصبحت عضوا في الاتحاد الأوروبيّ. فكيفما أنّ مواطنةكاتالونيا–إسبانيا–الاتحاد الأوروبيّ تتسم بمعان ثلاثية في إسبانيا، من الوارد أن تتحلى مواطنة كردستان–تركيا–الاتحاد الأوروبيّ وبالمثل مع العراق وإيران وسوريا أيضا بالمعاني الثلاثية أوالثنائيةعينها على أقل تقدير.
على كلّ فرد كرديّ توخي العناية اللازمة لتعريف نفسه في سياقالإطار المجتمعي والسياسي والأخلاقي المعبر عن هويته وثقافتهوإرادته وخواصه، ضمن إطار المواطنة الثنائية ضمن كلّ دولة قوميةمعنية. بل يتعدى الأمر موضوع توخي العناية، ويتطلب تحقيق هويةالمواطنة الثنائية.
وفي حال عدم تمكن الإطار المجتمعي والسياسي من إنجاز هذهالهوية الثنائية لأفراد أمته الديمقراطية بالوفاق والتفاهم، يجب عليهإنجاز هوية مواطنته الأحادية. و ينبغي عليه وضع أجواء القمعومحاولات الإبادة التي ستلوّح بها الدول القومية الحاكمة في هذهالحالة نصب العين، وتحقيق مهمّته في منح كلّ فرد لديه هوية مواطنتهالمصمّمة بحجم معقول يتضمن الرمز المطلوب. كما يحصل الأن فيرفض تركيا وسوريا وإيران الإعتراف بحق الشعب الكردي في إدارةمناطقه ونفسه والعيش بخصوصياته وضمن إطاره المجتمعيوالسياسي في إطار الهوية الثنائية.
إنّ مواطنة فرد الأمة الديمقراطية عموما ومواطنة فرد المجتمعالكردستاني المتنوع خصوصاً وبصورة ملموسة، هما من دواعيالحياة الأخلاقية والسياسية المفعمة بروح المسؤولية. ينبغي فهم هذااللزوم على أنه في الوقت نفسه أحد حقوقنا وواجباتنا الأساسيةكشعب كردي وكشعوب المنطقة. وفي حال قبول الدول القومية بحقوقناوواجباتنا الأولية تلك، فبإمكان الكرد أيضا قبول حقوقهم وواجباتهمالأساسية ضمن إطار مواطنة تلك الدول القومية.
وفيما يخصّ حلّ القضية الكردية، فإنّ السبيل الأساسيّ المبدئيّوالثمين، الذي لا يستند إلى الانفصالية أو العنف، يمرّ من القبولبالإدارة الذاتية الديمقراطية والأمة الديمقراطية. وجميع الطرق عدا ذلكتؤدي إما إلى إرجاء القضايا وإهمالها، وبالتالي إلى توطيد الانسداد،أو إلى تصعيد الاشتباكات وحصول الانفصال. وتاريخ القضاياالوطنية عامر بهكذا أمثلة.
أما تمتّع بلدان الاتحاد الأوروبيّ بالرفاه والغنى ضمن أجواء يعمّهاالسلام خلال العقود الستة الأخيرة، بعدما كانت مهد الاشتباكاتوالنزاعات الوطنية؛ فقد أصبح ممكنا بعد قبولها للإدارات المحليةوالذاتية الديمقراطية ولو بأشكال ونماذج مختلفة لكل التكوينات فيدولها بعد تحقيق التحول الديمقراطي في دولها القومية ، وتطويرهاالمقاربات والممارسات المرنة والخلاّقة لحلّ قضاياها الإقليمية والوطنيةوقضايا المكونات الشعبية لديها.
أما في ماتسمى الجمهورية التركية والدول الأخرى التي يتواجدالكرد فيها و والتي تضم أجزاء من كردستان، فالعكس هو الصحيح. فقد أدت الدولة القومية (التي عمل على استكمالها وتتويجها بسياسةالإنكار والإبادة بحقّ الكرد وشعوب المنطقة) إلى إقحام الدولة التركيةوالدول الأخرى في إشكاليات ضخمة لا تطاق. كما زجّتها في: أجواءالأزمات المتواصلة، والحروب والصراعات المختلفة والانقلاباتالعسكرية وتغيير الحكومات لعقمهم وعدم أهليتهم، ونظام الحربالخاصة المسيّرة على يد الغلاديو وأتباع وإمتدادات نظام الهيمنةالعالمي. وعليه، لن تستطيع الدولة القومية التركية وغيرها بلوغ الرفاهوالسعادة والغنى، أو ترسيخ السلام المستدام كدولة أو كجمهوريةعلمانية ديمقراطية طبيعية وقانونية؛ إلا تماشيا مع مدى تخليها عنشتى سياساتها الداخلية والخارجية تلك، وتراجعها عن ممارساتنظامها ذاك، واعترافه ابالإدرات الذاتية لجميع الخصوصياتالمجتمعية و الثقافات عموما وللوجود الثقافيّ الكرديّ خصوصاً.
ويبقى طريق الحلّ الثاني للإدارة الذاتية الديمقراطية هو تطبيقمشروعه بشكل أحاديّ الجانب ودون الاعتماد على الوفاق مع الدولالقومية. حيث يطبّق هذا المشروع أبعاد الإدارة الذاتية الديمقراطيةبمعناها العامّ، مؤمّناً ومحققاً بذلك حقّ الكرد في التحول إلى أمةديمقراطية. لا خلاف أنه في هذه الحالة ستشتدّ الاشتباكات أكثر معالدول القومية الحاكمة، التي لن تعترف بطريق التحول أحاديّ الجانبإلى أمة ديمقراطية. ومقابل هجمات الدول القومية فرادى أو جمعاء(إيران–سوريا–تركيا) وغيرهم، فإنّ الكرد في هذه الحالة لن يجدواأمامهم خيارا سوى “الانتقال إلى وضع المقاومة والنفير العامّ لحمايةوجودهم والعيش بحرية“. ولن يتقاعسوا عن تسخير قواهم الذاتية فيتحقيق وتطوير تحوّلهم إلى أمة ديمقراطية بكلّ أبعادها على خلفيةالدفاع الذاتيّ المشروع لكل أمة ومجتمع؛ إلى أن تفرز الحرب وفاقاماً، أو أن يتوطّد الاستقلال.