الحدث – القاهرة
احتفل الشعب الكردي مع شعوب المنطقة وأصدقائه بعيد النوروز التي كانت بدايتها في عام 612 ق. م عندما تحالف الكرد مع البابلين والشعوب الأخرى واسقطوا إمبراطورية الظلم وحاكمها “ضحاك” في مركزها في نينوى (الموصل حالياً) وأشعلوا النيران دلالة ورمزية على الانتصار وبدء اليوم الجديد. وعلى أثرها أقام الشعب الكردي الكونفدرالية الميدية و تخلصت الشعوب من الهند وحتى مصر وشمالاً حتى الحدود الروسية من تلك الإمبراطورية الطاغية . ومن ذلك اليوم قبل 2634وحتى اليوم يحتفل الشعب الكردي وشعوب المنطقة وبطقوس متناسبة مع كل شعب وثقافته بهذا العيد الذي يصادف بداية الربيع وتجدد الطبيعية ودخولها مرحلة جديدة من دورة الحياة.
يتضمن عيد النوروز لدى الشعب الكردي روح التشارك والأخوة والمحبة والحياة الحرة والمقاومة ورفض الظلم والاستعباد وخاصة مع ممارسات الانصهار و الإبادة الجماعية للدولة التركية المطبقة بحقه في باكور كردستان( جنوب شرق تركيا ) والأجزاء الأخرى من كردستان التي تم تقسيمها على الدول الأربعة لمصلحة قوى الهيمنة العالمية وتحكمها بالمنطقة مثلما تم تقسيم الشعب العربي لـ 22 دولة عربية، علاوة على ممارسات الدول القومية الثلاثة الأخرى في رفض حقوق الشعب الكردي الطبيعية وثقافته، ويجسد عيد النوروز مهرجان الهوية والثقافة الكردية في هذه الحالة وذلك عبر طقوس النوروز وعاداتها التي منها إشعال النيران ليلة العيد و ارتداء الجميع الألبسة الكردية وبأشكالها المختلفة القديمة والمحدثة وحسب كل منطقة وكذلك الغناء والرقص الفلكلوري والمسرحيات والشعر إضافة إلى الرسائل السياسية التي تعرض على مسرح نوروز الذي يقام في كل حفلة نوروز والذي يزين بالأعلام الكردية وصور الشهداء ومطالب المحتفلين.
كانت الدول الأربعة وعلى رأسهم تركيا كونها تضم الجزء الأكبر من الكرد وكردستان من الرافضين لإحتفال الكرد بعيد النوروز وكذلك لأي تعبير وتجسيد للثقافة والموروث الشعبي الكردي وكذلك اللغة الكردية كما كانت مثلها في سوريا والعراق وإيران. لكن ونتيجة إصرار الكرد ونضالهم وتضحياتهم وخاصة مع إنطلاق أكبر حركة تحرر مجتمعية و ديمقراطية للمجتمع الكردي وهي حزب العمال الكردستاني من النوروز نفسه في عام 1973 اصبح لنوروز قوتها الشعبية التي لا يستطيعون منعها وكذلك معناها الجوهري الذي جسدها القائد الشهيد مظلوم دوغان في سجن آمد (ديابكر) في ليلة نوروز في عام 1982 عندما رفض الاستسلام للدولة التركية وسجانيها وأقدم على عملية فدائية داخل السجن تحت شعار المقاومة حياة والاستسلام خيانة ومن يومها وصل أصداء تلك العملية وكذلك عملية 14 تموز عام 1982 أو الصيام حتى الشهادة للشهداء الأربعة محمد خيري دورموش، كمال بير، عاكف يلماز وعلي جيجك إلى ذرى الجبال والقرى والمدى الكردية الذين أعلنوا المقاومة المتعددة ومنها الكفاح المسلح ضد دولة الاحتلال التركية في 15 آب/أغسطس عام 1984 كحق مشروع لأي شعب يحتل أرضه وينتهك حرماته ومقدساته.
احتفل الشعب الكردي بنوروز 2022|2634 تحت شعار ” حرية القائد آبو(عبدالله أوجلان)” ، لما يعنيه من تمثيله وتجسيده لإرادة الشعب وحريته وكرامته، ولمسيرته النضالية عبر حزب العمال الكردستاني التي تجاوزت 50 سنة من أجل حرية الشعب الكردي و شعوب المنطقة وتحقيق الديمقراطية وبناء الأخوة والتعايش المشترك بين الشعوب بدل الإقصاء والتهميش والطهر والإبادة والحروب والتبعية للخارج، حيث يقضي القائد والمفكر أوجلان السنة 24 في سجن إمرالي في تركيا بعد المؤامرة الدولية التي تعرض لها الشعب الكردي و الديمقراطية في المنطقة في شخص القائد والمفكر عبدالله أوجلان على يد أمريكا وإسرائيل وعبر حلف الناتو والعديد من الدول. وهنا وفي هذه السنة أكدت الجموع التي خرجت بالملايين الى الساحات والميادين للاحتفال بعيد نوروز في كل من بوطان وحتى سرحد، من زاغروس وحتى ديرسم وآمد وإسطنبول وأضنة وأزمير، من قامشلو وحتى الرقة وكركوك وقنديل وهورامان وميريوان، من أوروبا وحتى آسيا وأفريقيا وأمريكا، وفي أجزاء كردستان الأربعة، وفي جميع أنحاء العالم، مطلب الحرية الجسدية للقائد أوجلان، و بذلك أفشلوا نظام التعذيب والعزلة والتجريد في إمرالي، وكما أوصلوا القائد أوجلان الى الملايين في كردستان وحول العالم.
رغم الطقس السيء ومحاولات تركيا وسلوكها المشين في منع دخول الكرد بلباثهم وأعلامهم ورموزهم إلى حفلة آمد(ديابكر) وتحويل المدينة الكردية إلى ثكنة عسكرية ، إلا أن الملايين في آمد وغيرها من المدن الكردية في جنوب شرق تركيا وكذلك في غرب تركيا واسطنبول كسروا الحواجز وتجاوزوها كالسيل الجارف ووصلوا لساحات نوروز بالألبسة والغناء والرقصات الفلكلورية الكردية وذلك أكدوا في الاستفتاء السنوي أنهم يطالبون ويؤكدون على أولوية الشعب الكردي في هذه السنة وهي الحرية الجسدية للقائد أوجلان التي تعني حرية الشعب الكردي وخلاصه من الاحتلال والاستعباد لما يمثله القائد أوجلان من الأهمية والدور ومسيرته الطويلة في بعث الشعب الكردي وإعادة إحيائه وبنائه لمجتمع كردي ديمقراطي قادرعلى الصمود والمقاومة والمطالبة بحريته وحقوقه.
لقد أرسل الشعب الكردي وأصدقائه رسائل عديدة منها أنهم ورغم كل حالات الإبادة والقمع والمنع واستعمال الأسلحة الكيميائية كما فعلتها الدولة التركية في باشور كردستان( إقليم كردستان العراق) في السنة الماضية و في شمالي سوريا قبلها وفي العديد من المرات في باكور كردستان في جنوب شرق تركيا و كذلك رغم رفض حقوق الشعب الكردي والسماح الدولي والإقليمي لتركيا بإبادة الكرد واحتلال أراضيهم إلا أنهم يصرون وبعزيمة لا تلين وبصمود على الحياة الحرة ورفض الاستسلام والاحتلال مهما كلف الأمر وهم سيكونون نواة تحقيق الديمقراطية في المنطقة وتغييرها نحو الأفضل لما فيها خير ومصلحة وأمن واستقرار المجتمعات والشعوب ودول المنطقة. ولقد عبر الشعب الكردي في نوروز السنة عن إرادته السياسية والمجتمعية والديمقراطية ورؤيته للحل الديمقراطي المتمثلة في القائد أوجلان وحزب العمال الكردستاني ومنظومة المجتمع الكردستاني وقوات الدفاع الشعبي( الكريلا) ، وهذه في نفس الوقت رسالة لكل القوى والدول الإقليمية والعالمية، أن الشعب الكردي أصبح يقود نفسه بنفسه وهو مجتمع وشعب قادر علي
تقرير مصيره و تحقيق حريته والدفاع عن نفسه وهو يسعى للأخوة بين الشعوب و للعيش المشترك والتعايش السلمي وحل القضية الكردية في تركيا وسوريا والعراق وإيران بالحلول الديمقراطية وضمن الدول الموجودة وفق رؤية القائد أوجلان عبر الأمة الديمقراطية والإدارات الذاتية والكونفدرالية الديمقراطية كبديل لمخططات التقسيم الخارجية التي فرضت على المنطقة والتي تحاول بعض القوى الإقليمية والدولية تقسيمها أكثر وربطها بالخارج.
حضر هذه السنة في نوروز آمد(ديار بكر) المئات من الضيوف وكما هي كل سنة من أصقاع العالم ولكن الجديد كان بحضور أكثر من 40 شخصاً من الدول العربية ولأول مرة كضيوف لحزب الشعوب الديمقراطي الرسمي الممثل في البرلمان التركي والذي حصل على أكثر من 80 برلماني في عام 2015، وهذا بحد ذاته يمثل تطور نوعي و مرحلة جديدة من بدء تعزيز للأخوة بين الشعوب و تعميق للعلاقات العربية-الكردية ليس في سوريا والعراق فحسب بل في جنوب شرق تركيا في مركز القضية الكردية وثقلها الأساسي. ولعل ما لاحظه و كتبه الأشقاء العرب من السياسيين والإعلاميين الضيوف بعد عودتهم ورؤيتهم لعيد النوروز في أكبر تجمعاتها يؤكد أنه علينا كشعوب المنطقة مد مزيد من جسور التواصل والتفاعل ومعرفتنا ببعضنا وبقضايانا وأزماتنا ومعاناتنا للبحث عن آليات التعاون والتكاتف ، حيث يقول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام “مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى له سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى”، وبذلك من الطبيعي أن يتشارك العربي والكردي وكذلك غيرهم من شعوب المنطقة الأصيلة في السراء والضراء فكلنا أبناء هذه المنطقة ومعاناة أحد أو انتصار أحد هو معاناة وانتصار للآخر وهذا هو تجسيد لأحد معاني النوروز الحقيقة في التشارك والتعاون والأخوة والمحبة والسلام.
وعليه أكد الشعب الكردي ومعه الضيوف والأصدقاء في نوروز 2022 وبالملايين حقيقة الشعب الكردي وقوتهم وتنظيمهم ووعيهم وترابطهم وعلاقاتهم مع شعوب المنطقة وعلى رأسهم الشعب العربي وكذلك التفافهم حول القائد أوجلان وحزب العمال الكردستاني و دور الشعب الكردي في المنطقة ومقدار تأثيرهم و مطالبهم العادلة في الحرية والديمقراطية والاستقرار والسلام الحقيقي للشعب الكردي ولكل مجتمعات شعوب المنطقة وأن لا أحد يستطيع إنكار الشعب الكردي أو إبادته أو منع حقوقه الطبيعية في إدارة نفسه ومناطقه وبالتعاون والتوافق مع شعوب المنطقة ودولها، بل أن حصول الشعب الكردي على حقوقه سيعزز الأمن والسلام في المنطقة وسيخلق توازن طبيعي مستقر بين الأمم الكبيرة في المنطقة وسيمنع التدخلات الإقليمية في الدول العربية وشؤونها الداخلية والمنطقة بشكل عام.