الأحد 22 ديسمبر 2024
القاهرة °C

أحمد شيخو يكتب: المشهد الانتخابي في شمال كردستان و تركيا

الحدث – القاهرة

تحدث الباحث السياسي أحمد شيخو، عن ماهية الانتخابات في الشرق الأوسط وتركيا خاصة، مشيراً للفاعل الكردي الديمقراطي وأهمية تحالف العمل والحرية، في إسقاط الفاشية وتحديد هوية الفائز والبدء بسياق التحول الديمقراطي للوصول للاستقرار الاستراتيجي الاجتماعي والأمن الجماعي وبناء الحياة الحرة.

تتحكم الثقافة الأحادية السلطوية والذكورية بشكل كبير و لا يوجد ما يمكن تسميته بالانتخابات الديمقراطية وظروفها الطبيعية المستقرة أو الاقتراع الحر أو التمثيل البرلماني الصحيح لصوت الشعب والمجتمع في غالبية دول الشرق الأوسط؛ وبتسمياتهم المختلفة الجمهورية والملكية وبنظمهم الرئاسية والبرلمانية والملكية الدستورية، فالصندوق الانتخابي الشرق الأوسطي أو العرس الانتخابي، مثلما يقال في بعض الأحيان، ليس إلا مسرحية هزلية وبأشخاص معروفين ضمن مكان وزمان محدد إلى حد كبير، وفق رغبة و أهداف ائتلافات القوى والسلطة الحاكمة أو التي ستفوز بناء مشهد مطلوب، بعد تعزيز هذه الائتلافات لعلاقاتها التبعية والسلطوية الدولتية الخارجية لقوى الهيمنة العالمية والتي تستند إليها بشكل كبير وحتى مطلق وتكون هذه الائتلافات والقوى حريصة ليخرج المشهد الانتخابي مقنعاً للقطيع المخدوع الضال أو المنتفع الانتهازي ومنسجماً شكلياً للدساتير وللقوانين التي يتم سنها وصياغتها وفق الرغبة السلطوية في البرلمانات الشكلية البعيدة عن إرادة الشعب وتمثيل مصالحه.

وكما أن الكثير من المعارضات وإن بدت متفاعلة مع الأحداث وصاحبة صوت عالي وجهوري ومقلق أحيانا للسلطات الحاكمة ومتناول لبعض القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لكن هذا لا ينسحب على أفعالها ومواقفها وسلوكها الذي يكون متوازياً مع السلطات وإن بدت غير ذلك، بل تكون تابعة للدولة المتضمنة لنفس النظام مع السلطة، والأصح القول أن ما تسمى الكيانات أو الدولة العميقة هي التي تكون لها القرار الاستراتيجي و صاحبة الكلمة الفصل وتحديد الأولويات وتنسيق العمل بين السلطات والمعارضات في الوقت نفسه وفي النظام نفسه لأجل الأهداف نفسه.

أما المجتمعات والشعوب والتكوينات الاجتماعية المختلفة والحركات المجتمعية الديمقراطية والأخلاقية وقوى الحرية والديمقراطية و التغيير الحقيقية، أي قوى المعارضة الحقيقية، فهم المستهدفون والمراد تشتيت شملهم ووحدتهم وضربهم وإضعاف قيمهم وتقاليدهم الديمقراطية، وسد الطريق أمامهم بهذه الانتخابات والديمقراطيات التمثيلية بعد أن تم تجريب واستعمال كافة وكل طرق القوى الصلبة، لكي لا تكون هذه القوى المجتمعية المنظمة والواعية وبمشاريعها الديمقراطية بديل ديمقراطي وطني جامع للقوى السلطوية الدولتية والمفاهيم الأحادية كالقومية والإسلاموية والعلمانوية والذكورية.

و رغم ما سبق ذكره وأهمية معرفته وتحليله بدقة وضرورة مواجهته ولأهمية الحضور والتأثير وتمثيل إرادة الشعب الحقيقية وعدم ترك أي ساحة من ساحات النضال والمواجهة أمام القوى السلطوية الدولتية ولخلاص الشعب من براثن تآمر القوى السلطوية والخارجية ومسرحياتهم وأحادياتهم، لابد أن تكون القوى المجتمعية والديمقراطية أو قوى الحرية والديمقراطية حاضرة وبكامل ثقلها وبقوة في كل مشهد ومحفل سياسي وحتى في هذه الاستحقاقات الانتخابية وبمشروعهم للتغير والتحول الديمقراطي وبناء الحياة الحرة والتشاركية الذي يريده كل الشعوب والمجتمعات، حتى يكون البديل جاهزاً و متاحاً أمام كافة الشعوب والمجتمعات ولكي لا يكونوا مجبرين في الاختيار فقط بين أمرين أحلاهم مرٌ وطريقين فقط، و لابد من توفير أو توفر الخط أو الطريق الثالث المجتمعي و لتظهر المجتمعات والشعوب إرادتهم الحرة و ليقولوا كلمتهم الصادقة ويوجهوا صفعتهم لمن يريد سرقة إرادتهم واخضاعهم بحجج مختلفة وبقوى وتدخلات في حياتهم، يتم شرعنتها بقوانين وتشريعات يتم تمريرها من البرلمانات والمجالس الشعبية الشكلية الناتجة من الانتخابات.

في شمال كردستان و تركيا، يمكننا أن نرى المشهد الانتخابي كما ذكرنا الملامح العامة للمنطقة والشرق الأوسط وفق عدة نقاط رئيسية وتحالفات تجسد ما سبق ذكره:

“تحالف الجمهور” وهي قوى السلطة الفاشية الحالية التي يقودها أردوغان وبهجلي أي حزبي العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية التركية والذين يريدون الحفاظ على السلطة وحكم تركيا بأي ثمن وبأي طريقة، وكل حروبهم ضد الشعب الكردي في تركيا وسوريا والعراق وتدخلاتهم في الشرق الأوسط وحول العالم وعلاقاهم مع داعش والنصرة والقاعدة، كانت ومازالت لأجل هدف السلطة والبقاء فيها وخيالاتهم العثمانية البائدة ومشروعهم “الميثاق الملّي” واحتلال سوريا والعراق.
وتحاول روسيا وإيران الاستفادة من هذا الوضع والدفع بإعادة الانتخاب وتكرار وجود أودوغان والسلطة الحاكمة الحالية؛ لأنهم استفادوا من تناقضات وحروب هذه السلطة مع الشعوب في الداخل التركي والمحيط وعلاقاتها المتوترة مع العالم والقوى الدولية وحاولوا توظيف احتياجات هذه السلطة وتوتراتها لتدخلاتهم وسياساتهم في الشرق الأوسط، ولكن هذا المسار والتناسق ربما يكون مزعج ومقلق لقوى إقليمية مهيمنة أخرى وحتى لقوى الرأسمالية العالمية.

“تحالف الشعب” أو الطاولة الستة أو ما تسمى المعارضة التركية لدى البعض، وهم مجموعة من حوالي ٦ أحزاب سلطوية مختلطة علمانوية و إسلاموية، هدفهم الجلوس مكان أردوغان وحكم تركيا، دون وجود مشروع حقيقي للتغير والتحول الديمقراطي في تركيا أو حل القضايا الوطنية العالقة والأزمات التي تسبب بها سياسات تحالف أردوغان وبهجلي الحاكم في الداخل والخارج.
وهم بتقديم فروض الطاعة الخالصة للقوى الغربية وبتكرار الحالة الوظيفية الأداتية للدولة التركية وتبعيتها للنظام الرأسمالي العالمي كما كان، يريدون إزاحة أردوغان عبر الاستفادة من أخطائه و تدخلاته في الشرق الأوسط و تقرباته وعلاقاته المقلقة للغرب من روسيا وإيران والصين و داعش.

“تحالف العمل والحرية” بريادة حزب الشعوب الديمقراطي((HDP وهو المعبر عن الخط الثالث والمجسد لتطلعات وأهداف شعوب ومجتمعات التي تعيش في تركيا، لبناء جمهورية ديمقراطية قادرة على تحقيق الاستقرار والأمن والسلام الحقيقي و حل القضايا والأزمات الموجودة و تتسع للجميع وتكون فيها كل الألوان أو الملل والنحل معترفة ومصانه ولها التقدير والاحترام ولكل القوميات والأديان والمذاهب حقوقهم السياسية والاقتصادية و الثقافية وخصوصيهم وساحتهم المجتمعية الخاصة ضمن الجمهورية الديمقراطية الاتحادية التكاملية ومصانة بدستور ديمقراطي وبحق الدفاع الذاتي للمجتمعات والشعوب و بالدبلوماسية المجتمعية والديمقراطية بين هذه الشعوب والمجتمعات أولاً ومع شعوب العالم ثانياً.

ومن المفيد الإشارة إلى أنه ربما تبادر السلطات التركية الحاكمة إلى إعطاء التوجيهات للمحكمة العليا لإغلاق وحظر حزب الشعوب الديمقراطي وسياسييه إذا رأت أن ذلك سيكون في صالح تحالف الجمهور وتشتيت الصوت الكردي والديمقراطي، ولذلك سيتم الدخول باسم حزب اليسار الأخضر(Yeşil Sol Parti) بدل حزب الشعوب الديمقراطي.
كما أن الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي لمنظومة المجتمع الكردستاني باسي هوزات، أشارت أن تعليق العمليات العسكرية داخل تركيا سيستمر حتى الانتخابات، ولكن الجيش التركي مازال مستمر في قصفه وهجماته واستخدام الأسلحة الكيميائية والمحظورة ضد قوات الدفاع الشعبي(الكريلا) والشعب الكردي.

ولكن، كما أن معادلة “الديمقراطية+الدولة” ممكنة ولابد منها أحيانا وعلينا المرور بها إذا تطلب الأمر مع الثقة بأنفسنا ومجتمعنا المنظم والواعي ومشروعنا الديمقراطي والاجتماعي والخط الثالث. وكما أن حل القضايا وتجاوز الأزمات البنيوية والعقل الأحادي في دول الشرق الأوسط يمكن أن يكون عبر التحول الديمقراطي التدريجي وفي المراحل الانتقالية يمكن أن يكون عبر أشكال الحكم الذاتي أو صيغ الفيدرالية التي لا تختلف عن منطق وذهنية السلطة والدولة والتقاسم معهم، ولكن مع العمل والجهد والتدريب وزيادة الوعي المجتمعي يمكن الوصول بالتدريج لبناء الاستقرار الاستراتيجي والأمن الجماعي، عبر بناء الحياة المشتركة الحرة والديمقراطية، كلما زادت مساحة التشارك والتعاون والتكاتف بين المجتمعات والشعوب وكلما توسعت ساحة الحرية والعمل والنشاط الذهني والسلوكي للقوى المجتمعية والعودة بذلك لمراحل التعايش السابقة بين شعوب الشرق الأوسط أو تجديد صيغ التشارك والأخوة بقيم وموروث شرق أوسطي مجتمعي تعايشي وبأهداف وتركيبات مجتمعية ديمقراطية جديدة تتجاوز مفاهيم السلطة والدولة وصيغ الحكم الدولتي القومي والإسلامي الذاتي والفيدرالي إلى الكونفدراليات المجتمعية بين شعوب الشرق الأوسط وليس بين الدولة القومية ضمن صيغة اتحاد الأمم الديمقراطية في الشرق الأوسط كما طرحه المفكر والقائد عبدالله أوجلان.
وبهذا المنطق والثقة والأهداف الاستراتيجية، يمكن لقوى الديمقراطية والحرية المرور بمواحل انتقالية وحتى التوافق مع جوانب من المشهد الانتخابي والسلطوي كما حصل في الانتخابات البلدية الأخيرة وبأشكال مختلفة للإطاحة بالفاشية والدكتاتورية الأردوغانية الحاكمة والتي جمعت القوموية الطورانية التركية والإسلاموية السياسية في أقذر وأسوء صورها و أشكالها وممارساتها، فكل الحكومات التركية المتعاقبة ورغم جرائمهم لم تفعل كما يفعل أردوغان وسلطته الفاشية. ولكن يبقى الهدف الأساسي في النهاية هو بناء الحياة الحرة والجمهورية الديمقراطية وهذا الهدف لن يتحقق فقط بإسقاط السلطة الفاشية بل أن هناك حتى بعد الاسقاط، مسار طويل وشاق وتحديات كثيرة داخلية وخارجية تتعلق بالعقلية الأحادية الشرق أوسطية المتشكلة في مئة السنة الأخيرة خاصة وببنية الدولة التركية والدولة العميقة وبالنظام العالمي الرأسمالي الذي يعتبر نفسه صاحب وراعي هذه الدولة الوظيفية، وعليه أمام تركيا والأتراك طريقين إما العودة للتحالف الديمقراطي التاريخي الذي كان بين الكرد والترك قبل ١٩٢٣ وبناء حياة تشاركية بين الشعبين وجمهورية ديمقراطية قوية والمفتاح والمخاطب الرئيسي هو القائد أوجلان، أو أن يستمروا في تبعيتهم وأداء الدور الوظيفي لقوى الرأسمالية العالمية المهيمنة والاستمرار في إبادتهم وحروبهم ضد الشعب الكردي عبر الدولة القومية الأحادية التركية التي فشلت و أفلست وهي في طريقها للعرقنة والسورنة واليمننة والليبينة إذا استمروا في إنكارهم وحروبهم ضد الشعب الكردي وشعوب المنطقة، وهذه الانتخابات إحدى النقاط الانعطافية المهمة للمنطقة ولتركيا وللشعبين الكردي والتركي ولشعوب المنطقة.

 

to top