الإثنين 25 نوفمبر 2024
القاهرة °C

أحمد شيخو يكتب : الهجمات والغزو التركي… تقويض للاستقرار وإحياء لداعش

الحدث – القاهرة

ـ تستهدف الهجمات المدنيين والبنية التحية في شمالي سوريا والعراق كما يحصل مع استهداف تركيا الحالي في شمالي سوريا لكافة عوامل وإمكانيات الحياة من مخابز ومستشفيات وصوامع حبوب ومحطات البنزين والنفط والكهرباء وسيارات الأهالي والجوامع، إضافة لقطع تركيا المستمر للماء عن ملايين الناس في العراق وسوريا وكما يحصل مع استهدافات تركيا المستمرة لمناطق في إقليم كردستان العراق وشمالي العراق كما في استهداف الجيش التركي لمصيف برخ في محافظة دهوك قبل أشهر واستهدافه المستمرة لقضاء شنكال/سنجار بما فيها المستشفيات ومجالس الشعب المدنية هناك، علاوة على استهدافها لمخيم مخمور للاجئين وبيوت المدنيين والمستشفيات وسيارات المدنيين أثناء تحركاتهم، وهذا النوع من الاستهدافات تتسبب في قتل أسباب الحياة وإخافة المدنيين وتدفع الناس إلى التهجير القسري وتتغير بالتالي التركيبة السكانية المستقرة وتحصل حالة تركيز وضغط  سكاني في أماكن أخرى وتنفتح المجال للأمراض والأوبئة وانتشارها بسبب استهداف البنية التحتية الصحية.

ـ العمليات التركية تستهدف القوى المحلية والتي كانت ومازالت لها الدور الرئيسي في هزيمة داعش ومكافحة خلاياه في سوريا والعراق وعلى رأسهم قوات حزب العمال الكردستاني (الكريلا) وقوات سوريا الديمقراطية وقوات تحرير عفرين وقوات مقاومة شنكال، مما يجعل تركيز هذه القوات وجهودها تنصب على مواجهة الغزو التركي وحماية المجتمع في المناطق المستهدفة، وبذلك تصبح الهجمات التركية وبشكل فعلي هي عبارة عن مساعدة لداعش ومؤازرة لها وتخفيف الضغط عنها لزيادة الجبهات على القوي التي تحارب داعش.

ـ الهجمات تستهدف ضرب البيئة الاجتماعية المتوازنة والمستقرة نسبياً في شمالي سوريا وشمالي العراق بالمقارنة مع باقي أجزاء سوريا والعراق وتكون السبب لخلق فتن قومية ودينية ومذهبية ونعرات وثغرات وتجنيد بعض ضعاف النفوس كأدوات عميلة لتسهيل وتنفيذ الاستهدافات التركية، مما يكون الطريق مفتوحاً لعودة داعش والقاعدة وتنشيط خلاياه بشكل كبير في الجو المشحون طائفياً وعرقياً، وفي الأساس المناطق التي تحتلها تركيا حتى الآن هي مناطق يتواجد فيها الكثير من الدواعش والقاعدة وقياداتهم.

ـ استهداف قوات الحماية المكلفة بحماية سجون داعش ومخيمات عوائل الدواعش كما حصل مع استهدافات تركيا للسجون في قامشلو ومخيم الهول وغيرهم في هذه الاستهدافات الأخيرة وقبلها بمرات عديدة مما يفتح الطريق ويتسبب بفرار عناصر داعش بسبب انشغال تلك القوات بحماية نفسها من القتل.

تحاول تركيا إخفاء أهدافها الحقيقة وإلباسها لبوسات ورداءات قانونية ودولية كالمادة ٥١ من ميثاق الأمم المتحدة والتذرع بحماية الأمن القومي التركي ومحاربة الإرهاب، لكن هذه الحجج والمبررات لم تعد تنطلي على أحد، حتى المتفقون مع أيدولوجية وسياسات السلطة التركية والمستفيدون منها يعلمون زيف وكذب الادعاءات التركية، فكيف يمكن لدولة ووفق أية قوانين ودساتير بقتل المدنيين وقصف البنية التحية لدولة أخرى مهما كان، فالواضح هو اعتداء وتجاوز سافر لسيادة ووحدة البلدان المجاورة، في حين يمكننا أن نعدد بعض الأهداف التركية من هذه الهجمات ومنها:

ـ استمرار عمليات وحملات إبادة الشعب الكردي وتصفية مكتسباته ووجوده سواءً داخل تركيا أو خارجها.

ـ ضرب العلاقة والأخوة العربية-الكردية الموجودة في منظومة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية في سوريا.

ـ إضعاف نفوذ وتواجد الشعوب العربية والكردية تدريجياً في شمالي سوريا والعراق وبالمجمل في سوريا والعراق ومحاولة تقوية بعض الفصائل والمجالس التركمانية المصطنعة من قبل المخابرات التركية وثم تتريك المناطق والقوى والمدنيين والثقافة في مناطق التي تحتلها كما تفعل الأن في عفرين والباب وجرابلس وكري سبي(تل أبيض) وسري كانيه(رأس العين) عبر ما يسمى المجلس التركماني والفصائل المختلفة وفرض بعض التركمان على المعارضة التابعة لها كما عبد الرحمن مصطفى الذي فرضته كرئيس حكومة الائتلاف في شمال سوريا وفي مدينة كركوك وتلعفر عبر ما يسمى الجبهة الوطنية التركمانية في شمالي العراق.

ـ مساعدة الدواعش للفرار من السجون ومراكز الاعتقال والحجز وكذلك العمل لفرار عائلات الدواعش وثم استخدامهم كمقاتلين وأوراق ضغط تحت أسماء مختلفة في عدة جوانب منها تهديد دول المنطقة عبرهم وإرسال بعضهم إلى الدول العربية لإنشاء مجموعات جديدة وخلق بؤر توتر جديدة، وهذا ما يشكل تهديد كبير على كافة المنطقة والعالم ودولها وشعوبها.

ـ تقسيم سوريا والعراق وضم المناطق الشمالية المحتلة من البلدين والتي ستحتلها لتركيا من منظور الميثاق الملي الذي يتحدث ويعمل به الكثير من الأتراك القوميين والإسلامويين كحال السلطة الحالية من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية التركية.

ـ اعتبار الهجمات والغزو لشمالي سوريا والعراق كانتصار وبروبوغندا سياسية وانتخابية من قبل أردوغان وحزبه في المسار الانتخابي، مع فشل كل الاعتبارات والسياسات والأوراق الأخرى وتيقن الشعب التركي بنفاق وازدواجية أردوغان وكذبه.

من المفيد أن نشير إلى أن للجيش التركي أكثر من ٣٥ ألف عسكري في المناطق المحتلة في العراق و حوالي نفس الأرقام وربما أكثر في سوريا، مع العشرات من القواعد والمقرات العسكرية والأمنية وتحتل تركيا في سوريا حوالي ١٠٪ من مساحة سوريا أي(١٨.٥١٨) كم٢ أما إسرائيل فتحتل حوالي ٠.٠٦٪ أي(١٢٠٠) كم ٢، ورغم ذلك مازالت المواقف من الاحتلاليين لدى المحيط و البعض من السوريين من المعارضة  والموالاة المرتهنين للخارج  لا تناسب هذه الأرقام وكأن هناك تفاضل بين المحتلين وكذلك تحتل تركيا عدد من المناطق القريبة من الحدود في إقليم كردستان العراق تعادل وتزيد عن مساحة لبنان البالغة(١٠.٤٥٢) كم٢ وأكثر، مع تواجد قاعدة زليكان في بعشيقة والتي تبتعد أكثر من ١٤٠ كم ونفوذ تركي مؤثر عبر عدة أدوات ووسائل سياسية واقتصادية في العراق عامة.

ربما بعض الأخوة  في المنطقة ودولها من القوميات الأخرى غير الكردية وحتى بعض دول المنطقة يظنون ويعتقدون خطأ، أن هذه الهجمات لا تعنيهم طالما كان المستهدف وحسب الادعاءات التركية الشعب الكردي وقوات حريته، لكن في الحقيقة هذه ليست انتهازية وقصر نظر وسياسية فاشلة فحسب، بل انتحار أمني وسياسي وابتعاد عن القيم الإسلامية الأخلاقية والإنسانية ومسؤوليات العيش المشترك وترك المجال للعثماني الطوراني بأن يحتل ويعربد و يطل برأسه مجدداً في المنطقة وبشكل أوسع وإن عبر جماعات الإخوان وداعش والقاعدة كما يحصل منذ عدة سنوات إلى اليوم. والموقف الصحيح أن يكون هناك إزالة العدسات التركية عن أعين البعض وفهم وإدراك صحيح لحقيقة النوايا والأهداف التركية الحقيقة وليس تصديق الروايات التركية وأكاذيبها وحججها ومبرراتها الغير صحيحة، ولعل التفجير الأخير في إسطنبول وإتهام الشعب الكردي وقوات حريته بذلك وفي لحظات بعد التفجير مباشرة وتوظيف ذلك في تنفيذ الهجمات والغزو والتجاوز والقتل، أكد لمن يريد الفهم أن التفجير لعبة استخباراتية تركية لامتلاك الذريعة والحجة لاستهداف الكرد وكذلك لاستهداف أي مشروع وطني ديمقراطي لحل الأزمة السورية، ولكن الحقيقة أن تركيا وكما نفذت هجمات سروج وأنقرة في ٢٠١٥ و٢٠١٦ لأجل الانتخابات فهي نفذت تفجير إسطنبول أيضاً لنفس الهدف، حتى يقول أردوغان إما أنا أو الطوفان للقوى المحلية والدولية المعنية بالملف التركي.

لا تريد تركيا الاستقرار والأمن والسلام للدولتين سوريا والعراق أولاً وثم لغالبية المنطقة وترى أن هاتين الدولتين والمنطقة ميراث وحق لها ولذلك تحاول خلق عناصر التوتر وعدم الاستقرار بشكل دائم والدخول إلى العمق السوري والعراقي ومحالة التحكم به، فهي تراهما بوابتين للدخول للعالم العربي والمحيط بشكل عام  والوصول لنفوذ إقليمي مؤثر من خلال التركيز على العنوان الكردي وليس العربي في المرحلة الأولى حتى لا يكون هناك أصوات عربية قوية رافضة من من المركز في دمشق وبغداد و كذلك من الدول العربية المحورية على الأقل في المراحل الأولى حتى تثبت أقدامها في التراب السوري والعراقي ، مع حالة الضعف والتخبط لدي الحكومتين في دمشق وبغداد و التأثير الخارجي والإقليمي على إرادتهم الوطنية التي كانت يجب أن تكون موجودة بفعالية وأقوى في مواجهة التجاوز التركي للسيادة الوطنية وتهديدها لوحدة البلدين.

يتفاخر أردوغان بقصف طائراته ومدافعه للقرى الكردية والعربية و بقتله المدنيين وتخريب البنية التحتية ويتكلم عن أن القصف في سوريا وصل لأكثر من ٧٠ كم داخل سوريا  وفي العراق إلى ١٧٠ كم ويريد تقديم تلك الجرائم والتجاوزات على سيادة دولتين جارتين على أنها انتصار للداخل والناخب التركي حتى يرفع شعبيته المنهارة ويصرف الأنظار عن فشل سياساته الاقتصادية والاجتماعية والسياسة الخارجية التي يحاول أردوغان تحقيق بعض الاستدارات التي لم ولن  يثق بها الكثير من دول المنطقة وقادتهم نظراً للسلوك التركي  وخاصة في السنوات الأخيرة مع دول وشعوب المنطقة إضافة إلى علاقة تركيا بالتنظيمات الإرهابية كداعش والقاعدة والإخوان واستحالة تخلي أردوغان عنهم قبيل الانتخابات مع البحث عن إمكانيات التحسن النسبي في الاقتصاد مع الدول التي تريد تخلي أردوغان عن تلك الجماعات الإرهابية.

ولعل المقاربة التركية الفاشية ومَن وراءها من القوى الدولية تتبين بشكل واضح في تعاملهم مع القائد عبدالله أوجلان في سجن إمرالي وممارستهم التجريد والعزلة الشديدة منذ ٢٠١١ وخاصة في السنوات الأخيرة ومنذ ٢٠١٥، فمنذ ٢٠ شهر ليس هناك أية معلومة حول القائد أوجلان وصحته وما زاد المخاوف والقلق هو التعامل السلبي من قبل لجنة مناهضة التعذيب الأوربية(CPT)  والمجلس الأوربي مع القضية والأنباء الواردة حول رفض القائد أوجلان مقابلة اللجنة، وبالنظر إلى الهجمات والغزو التركي واستعمالها السلاح الكيماوي ضد الشعب الكردي وأبنائه وبناته الكريلا والأنباء الواردة من محاميي القائد تزداد المخاوف، مما يتطلب تحقيق زيارة سريعة ومباشرة للمحامين وكسر العزلة على القائد أوجلان ومعرفة وضعه وصحته والتواصل معه على أقل تقدير بالإضافة إلى أهمية تحقيق حريته الجسدية فهو المفتاح لحل القضية الكردية في الأجزاء الأربعة و هو البديل المجتمعي الديمقراطي والحر  وصمام الأمان لتحقيق الاستقرار والأمن في كردستان ودول المنطقة.

وعليه، يمكن القول أن التجاوزات التركية على سيادة شعوب ودول المنطقة وإن حاولت تركيا إعطاء عناوين وتصريحات مضللة ومخادعة لمحاولة إقناع البعض بها، ولكنها لن تؤِثر فقط على شعب أو قومية وحدة أو جغرافية محددة وكذلك فإن تداعيات الهجمات والغزو التركي لشمال سوريا وشمالي العراق واحتلالهم لن يبقى محصورة بهذه المناطق أو في سوريا والعراق فقط، بل الصحيح فإن التداعيات يصل وسيصل لمجمل المنطقة مخلفة حالة عدم استقرار وانعدام للأمن والسلام الحقيقي وانتشار وتعاظم لقوة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسهم الإخوان وداعش والقاعدة، فكل مناطق الاحتلال التركي هي مناطق لهذه التنظيمات ومن لا يدرك ويتحضر لذلك ويكون له موقف قوي ومؤثر من الهجمات والغزو التركي سيجد التركي العثماني في بيته وداره وبشكل أكثر فساداً وقبحاً وجهلاً وإرهاباً بعد قرون أخرى مرت على  سقوط العثمانية ، وهنا لابد أن نقول أن الطريق الصحيح لردع العثمانية الجديدة وإن تعددت لبوسها وتكتيكاتها واستدارتها المزعومة هو التكامل والتعاون والتضافر وعلاقات الشعوب والتحالفات الاستراتيجية بين قوى وشعوب ودول المنطقة على أقل تقدير، وذلك لكي لا يكون استقرار المنطقة والأمن والسلام لمجتمعاتنا ولدول المنطقة مرهون بسلطان عثماني يتقمصه أردوغان و يريد أن يبقى في السلطة ولو على دماء شعوب المنطقة من الكرد والعرب وتهجيرهم وإبادتهم أو بأي رئيس. ومن الواجب واللازم أن يكون هناك تفاعل وموقف دولي وإقليمي وشعبي متكامل ورافض وبأكثر فعالية وتأثير من المجتمع الدولي والقوى المركزية في العالم وكذلك من الجامعة العربية والدول العربية المحورية فسوريا والعراق دولتين في منظومة الجامعة العربية رغم النفوذ الإقليمي والتدخل في شؤونهم من قبل تركيا وإيران.

to top