الحدث – وكالات
تتخبط السلطة التركية في أغلب سياساتها التي أصبحت في تضاد مع أغلب السياسات الممكنة التي يمكن لها الاستمرار، وهي الآن في حالة صدام مع أغلب شعوب المنطقة ودولها وكذلك مع الكثير من القوى الإقليمية والدولية، لاشك أن السلطة التركية الحالية وخصوصًا بعد 2015 وتحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية وبعد الانقلاب المزعوم في 2016، أصبحت من أكثر السلطات الفاشية في تاريخ تركيا نفسها والمنطقة والعالم بممارساتها وتصرفاتها الاحادية الناتجة عن ذهنيتها المطلقة الإلغائية القوموية والإسلاموية.
يتكلم أردوغان عن دستور جديد ويربطه بالتوافق مع حزب الحركة القومية،ـ وتكلم قبل ذلك بأسابيع عن إصلاحات قانونية واقتصادية، ويحدث هذا في ظل تدهور حالة الإقتصاد التركي وتراجع شعبية أردوغان وحزب العدالة والتنمية والانشقاقات الحاصلة فيه، ومطالبة المعارضة في تركيا بانتخابات مبكرة وتهرب السلطة منها، واستمرار حروب الإبادة والتطهير العرقي بحق الشعب الكردي في داخل تركيا وخارجها والاعتداء على الحقوق والحريات العامة في تركيا من منع التظاهرات السلمية وحرية التعبير واعتقال وسجن كل من يخالف رأي السلطات كما في المناطق الكردية في جنوب شرق تركيا وكما حصل مع طلاب جامعة البوسفور.
من يتابع ويدقق في سلوك السلطات التركية والقائمين عليها في السنوات الأخيرة وكذلك من يملك معرفة جيدة عن تاريخ تركيا الوظيفية التي تشكلت بعد توافق القوى الدولية حينها بين بريطانيا وفرنسا وروسيا، والتي فرضت على شعوب ميزوبوتاميا والأناضول بالضد من ثقافة المنطقة وقيمها التشاركية التاريخية والمجتمعية. وكذلك إدخالها إلى الناتو 1952، يدرك أن أغلب السلطات في تركيا لها مراحل خدمة معينة فيما يخص داخل تركيا والمنطقة. ولكون قرب تركيا من الاتحاد الأوروبي وروسيا وأهميتها في حماية إسرائيل، كان الأوربيون لهم رأي مؤثر فيما يخص السياسة الأمريكية تجاه تركيا. وكانوا يفضلون بقاء تركيا على باب الدخول فقط إلى الاتحاد الأوروبي.
ولم يتخذ القوى المركزية في النظام العالمي حتى اليوم أي تغيير أساسي في التعامل مع تركيا ودورها بالنسبة للاستراتيجيات التي يراد تطبيقها النظام العالمي في المنطقة حيث كانت تركيا الموقع والثقل له دور كبير.
الدستور الأول الذي جمع حوله الكرد والترك وعلى أثره تم خوض حرب الاستقلال(1919_1921) وتشكيل البرلمان الأول الذي لم يحمل الصبغة العرقية التركية بل كان مجلس الشعب الكبير والذي حضره 77 نائبا كرديا كممثلين عن كردستان بمعدل 33% من عدد النواب حينها، والذي كان يعترف بأن الدولة للشعبين الكردي والتركي.
لكن بعد ذلك و في تركيا المستحدثة بعد 1923 والمشرعنة بصبغة مصلحية دولية خارجية، لم تعبر كل الدساتير وعلى اختلاف واضعيها من العلمانيين والإسلاميين ومن ورائهم وحتى اليوم عن حقيقة الجغرافية والتاريخ والتكوينات المجتمعية في تركيا، بل كانت الدساتير عبارة عن فصول من شرعنة الإبادات والقتل والإنكار التي نفذتها الفاشية التركية بحق شعوب ميزوبوتاميا والأناضول لخدمة مشاريع الهيمنة على المنطقة والعالم، ورغم مسرحيات الأنتخابات والديمقراطيات التمثيلية الشكلية والإستفتاءات والحكومات المتعاقبة الوهمية، ظل القرار في تركيا وكما ذكرنا بعد البرلمان الأول في يد الخارج عبر الدولة العميقة(أرغنكون) التي هي إمتداد لغلاديو الناتو وأحيانا عبر التوافق بين السلطات والدولة العميقة أو جزاء منها.
لن يحصل تغيير حقيقي وصادق في أي دستور تركي مالم يتطرق إلى القضية الكردية ويتبنى حلها بالحل الديمقراطي الذي لطالما طرحه الشعب الكردي عبر مخاطبها القائد عبدالله أوجلان الذي يتعرض إلى حالة عزلة وتجريد شديدتين منذ 22 سنة، والذي يقوم الآلاف من السجناء السياسيين الآن في تركيا بمعركة الأمعاء الخاوية للمطالبة بحريته. وكل الدساتير من 1923 وحتى الآن لم تجلب الحلول لإدارة علاقة الحياة بين المجتمعات والسلطة والقضايا العالقة في تركيا وعلى العكس زادت القضايا تعقيدًا.
ماذا يريد أردوغان وبهجلي من الدستور؟. أغلب دساتير تركيا تم وضعها بعد الانقلابات التي كانت تنفذ بتوجيه من القوى المؤثرة في النظام العالمي.
حول أردوغان بعد 2017 النظام من برلماني لرئاسي وتم جمع كل السلطات في يد الشخص الملهم السلطان الإله بعد توافق الشيطان بهجلي معه رئيس حزب الحركة القومية التركية. ولم يتركوا مؤسسة أو مفصل أو مصدر للقوى والتعبير إلا ووضعوا أيديهم عليه. حتى أصبح هناك في تركيا دولة “القيوم” أي أن السلطة وفي أي مكان عندما لاتريد شخص بسبب أرائه المختلفة أو عرقه ودينه أو حزبه يقوم أردوغان ووزير داخليته صويلو بوضع أشخاص أردوغانيين من حزب العدالة والتنمية مكانهم حتى لو كانوا منتخبين بنسبة 60% وحتى 80% كما حصل مع روؤساء البلديات في المدن الكردية في باكور كردستان( جنوب شرق تركيا).
لكن الملفت أنه ماعدا حزب الشعوب الديمقراطي الوحيد الذي لا يتفق في سياساته مع الدولة العميقة ويستند إلى حقائق الجغرافية والتاريخ ولايوافق على سياسات السلطة التركية في التدخل والهجوم واحتلال البلدان وشعوب المنطقة، ماعدا هذا الحزب كل المعارضة التركية هي أحزاب دولة لها أدوار مرة في المعارضة وأحيانًا في السلطة وهم الذين يقولون نعم لمذكرات أردوغان المقدمة لاستمرار الجيش التركي في التواجد خارج حدود تركيا المعترفة بها دوليا.وهذه الأحزاب مع حزبي أردوغان وبهجلي هي في تناغم وتنافس على السلطة والمكاسب والمناصب، وليس إخراج وإعداد دستور وطني وديمقراطي في تركيا تمهد لحل القضايا العالقة منذ تشكيل تركيا في غير طبيعتها وحقيقتها التنوعية والتعددية.
بعد التغيرات في الإدارة الأمريكية وتبيان جزء من مشاغبة أردوغان على رعاته وانتهاء العلاقة الخاصة بين ترامب وأردوغان وظهور المنطقة الرمادية الواجبة تصغيرها بين تركيا وروسيا وتركيا وإيران، لاشك أن أردوغان يعد أيامه وأيام سلطته فسنن الرؤساء الاتراك وتبادل السلطات ليست بالمرنة غالبًا، وقصف الطائرات واعواد المشانق حاضرة في الذاكرة التركية، ربما شكل أردوغان في سنيين حكمه الذي يقترب من العقدين قوى خاصة كأي إسلامي سياسي متخوف من المجتمع في داخل تركيا وخارجها كما هو حراس الليل وتنظيم الأئمة الأردوغانيين وتنظيم ديانت التركية وتسليح الأمن والمخابرات بأسلحة الجيش وتقوية نفوذ الأخوان والذئاب الرماية الطورانية الفاشية.
أي دستور يريده أردوغان بناءه؟ هل يريد دستور يشرعن له احتلاله لشمالي سوريا وشمالي العراق أم دستور يعطي له الحق والشرعية بالسيطرة على تنظيم “الأخوان” الإرهابي العالمي، هل يريد أردوغان دستور يسمح له بالتدخل وبناء القواعد العسكرية وتدريب المجموعات وتشكيل المرتزقة والإنكشاريين الجدد، لماذا يريد أردوغان دستور ومع الحركة التركية الفاشية ، هل ليشرعن اتهامه لكل مخالف له بأنه إرهابي أم يريد إغلاق الأحزاب والمؤسسات التي لاتتوافق مع أهوائه. هل يريد دستور يحاسب به الجميع ولا يستطيع أحد محاسبته. أم يريد دستورا ليكون رئيسا إلى الأبد كما كان يتوهم البعض من رؤساء بعض دول المنطقة وكأنهم خالدون في الدنيا وآلهة وليس بشرا.
ولنسأل هل الدستور والقوانين هي التي تحكم في المنطقة وفي تركيا خلال مئة عام مضت. وهل جمال وحلاوة ورونق المفردات وترتيب الفصول والمبادئ وحدها تكفي لإحقاق الحق.
أخذت السلطات الفاشية التركية من المجتمعات في تركيا ومنعت عنها كل وسائل حماية نفسها وذاتها ويقولون لها الدستور والبرلمان والحكومة والحقوق والدولة وكل هذه المصطلحات لامعنى لها عندما يجرد المجتمع من قوته ويمنع عنه تنظيم نفسه وتشكيل إرادته. نعم أنها فن السلطة وخبسها ووحشيتها التي لا تطاق. يجوعونك وثم يطعمونك وعليك شكرهم والتسبيح بحمده وكأن الجوع كان قدرك وهم من انقذك.
لا يستطيع أردوغان ومن ورائه ومن يتحالف معه في خداع الشعوب في تركيا والمنطقة والعالم بأن الدولة التركية التي تحتل كردستان في جنوب شرق تركيا وشمالي سوريا وشمالي العراق ويتدخل في أكثر من 17 دولة في العالم بشكل عسكري واستخباراتي وتدعم داعش والنصرة والإخوان والذئاب الرمادية ستتحول بدستور يحضره أردوغان وبهجلي الفاشي إلى نموذج يحترم الدستور والقوانين وحقوق الإنسان .منذ مئة عام منذ 1923 وتشكيل تركيا لم يمر يوم ولم تقتل الدولة التركية الفاشية من أبناء الشعب الكردي.
وعليه كل دستور في تركيا لم يطرح حل القضية الكردية لن يكون معبر عن تطلعات شعوب تركيا ولن يكون له تأثير إيجابي على شعوب المنطقة وعلى استقرار وأمان المنطقة، فكل سياسات وإستراتيجيات وتدخلات الدولة التركية وعلاقاتها في المنطقة والعالم لها مركز وهدف واحد في عدم حصول الكرد في أي مكان في الدنيا على حقوقهم لأنهم يعرفون أنهم يقيمون دولتهم على إنكار ومحاولات إبادة الشعب الكردي وشعوب ميزوبوتاميا والأناضول وما تدهور اقتصادها إلا بسبب الحرب الذي تخوضه الدولة التركية ضد الشعب الكردي وشعوب المنطقة والميزانيات السرية التي تضعها السلطة لهذه الحروب العبثية الظالمة.