الثلاثاء 3 ديسمبر 2024
القاهرة °C

أحمد شيخو يكتب: صرعات الهيمنة والنهب في الشرق الأوسط

 

تعاني شعوب ومجتمعات الشرق الأوسط من تحديات عديدة تتمثل أهمها في تحجيم الذهنية التشاركية والإرادة الحرة وكذلك غياب الممارسات الديمقراطية وضعف عمل الأنسجة المجتمعية الأخلاقية والسياسية، إضافة إلى التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية وصراعات مراكز القوة والهيمنة ضمن النظام العالمي الواحد، ومحاولة هذه القوى الخارجية ومع أذرعها وحلفائها وتوابعها في الحضور ضمن المشهد التفاعلي ورسم ملامح أي تغير أو إصلاح، لتكون في صالح كل مركز أو قوة ومشروعها أو على الأقل حتى تضمن ألا تكون هناك معادلات سياسية وأمنية واقتصادية جديدة بعيدة عنها أو ضدها، لأن عمليات التغيير في النظام الإقليمي في الشرق الأوسط وحتى في المشهد الدولي وتقاسم الهيمنة واردة وإن كانت بنسب متفاوتة ولأسباب عديدة.

تتفق مراكز القوة المتصارعة في الأيدولوجية التسلطية

تختلف مراكز القوى والقوى المتصارعة والمتنافسة على الهيمنة والنهب في الشرق الأوسط في مشاريعهم التوسعية والاحتلالية وفي أهدافهم الخاصة وفي غالبية الأمور السياسية والمجالات الاقتصادية والعسكرية ، ولكنهم يتفقون في الأيدولوجية الرسمية الدولتية التسلطية وممارساتهم ويتشابهون في نظرتهم لقضايا الشعوب ووسائل المقاربة الخاصة منهم، بحيث إن لا تكون هناك مجالات وظروف صحية لانطلاقات مجتمعية شعبية حرة وديمقراطية وثورات حقيقة تغير في ثقافة وذهنية المجتمعات والشعوب، بحيث تصبح صاحبة إرادة حرة وقوة مؤثرة تواجه التحديات وترفض الاستشراقية الغربية أو الشرقية وترسم مستقبلها ارتباطاً بحقوق المجتمعات والشعوب وليس وفق الأجندات الخارجية وصراعات مراكز الهيمنة والتقاسم.

تعاني شعوب الشرق الأوسط  من فرض اللون الواحد

منذ أن انتهت الحرب العالمية الأولى وإلى اليوم، تعاني شعوب الشرق الأوسط من حالة التبعثر والانشقاق وغياب التقاليد الديمقراطية المشرقية والقيم التشاركية والأخوية بين شعوبنا، بسبب الاستبداد والأحادية والمركزية الشديدة التي تم زرعها في الثقافة والسلطة التي سادت من يومها وإلى اليوم بواسطة الأنظمة والدول القومية ذات اللون القومي والديني والذكوري الواحد.

صراعات الهيمنة تستهدف الشعبين الكردي والعربي

من أكثر الشعوب التي خسرت قوتها ووحدتها وتماسكها أمام صراعات الهيمنة والتقسيم هما الشعبان العربي والكردي، اللذين مازالا من أكثر الشعوب التي تستهدف في صراعات الهيمنة والنهب، وأي تغير في المشهد الإقليمي ومعادلات التأثير لن يكون إلا انطلاقاً من حضور الشعبين في الساحة التفاعلية الثقافية والأداء السياسي والعسكري والاقتصادي، والتعاون بينهم لتهيئة الظروف لأجندات مجتمعية وشعبية تدفع باتجاه الحلول الديمقراطية للقضايا العالقة، ولذلك يتم استهدافهم بشكل كبير ومركز.

تتصارع إيران وتركيا وإسرائيل إقليمياً في ساحة الشرق الأوسط على التحكم والسيطرة والتقسيم والتوسع ونهب الشعبين الكردي والعربي، وتتحارب أمريكا وبريطانيا وأوربا وحلفاؤهم أو أدواتهم مع روسيا والصين وحلفائهم أوأدواتهم في ساحات عديدة حول العالم ولكن أهمها تبقى الشرق الأوسط، لما لها من موارد حضارية واقتصادية وتأثيرها على عالمية نظام الهيمنة مهما كان موقع مركز نظام الهيمنة العالمي.

يعاني الشعب الكردي من إبادة جماعية فريدة

منذ حوالي مئة سنة والشعب الكردي يعاني من إبادة جماعية فريدة كما يصفه القائد والمفكر أوجلان في مجلداته وكتبه ومنها وأخطرها تلك الإبادة الثقافية التي تمارسها دولة الاحتلال التركية وبدعم من نظام الهيمنة العالمي والإقليمي بحق الثقافية والهوية والخصوصية الكردية في شمال كردستان وتركيا، إضافة إلى تجاوز تركيا لحدود العراق وسوريا وسيادة الدولتين وإبادتها للكرد في جنوب كردستان(إقليم كردستان العراق) وفي إقليم شمال وشرق سوريا. كما أن المؤامرة الدولية إلى استهدفت الشعب الكردي عام 1999 في شخص القائد والمفكر أوجلان تمت من قبل النظام الدولي عبر حلف الناتو وبقيادة أمريكية وإسرائيلية ومشاركة من حوالي 40 دولة من الشرق الأوسط والعالم منهم روسيا ودول الاتحاد الأوربي وغيرهم.

أما القضية الفلسطينية فهي مثل القضية الكردية من حيث المقاربة الدولية وازدواجية المعايير الدولية في التعامل معها، وهي لازالت بعيدة عن الحل لأنها من صنع وتدخل الاستعمار الغربي حينها ونظام الهيمنة الحالي وحاجتهم لخلق بؤر توتر، لأن ما يسمى المجتمع الدولي والقوى المركزية فيه يرى مصالحه في الوقوف مع إسرائيل وتركيا ودعمهما والصمت على ممارساتهما الإجرامية، وليس مع الشعبين الفلسطيني والكردي وقضيتهم العادلة وحقوقهم المشروعة.

تحاول إيران تضليل الشعوب

تحاول إيران ونظام ولاية الفقيه الإسلاموي تضليل الشعوب ومجتمعات الشرق الأوسط وإعطاء انطباع مختلف عن حقيقتها ومشروعها الخاص للشعوب، بأنها إسلامية وأنها تقف ضد الاستكبار والهيمنة العالمي حسب ادعائها، ولكن الحقيقة التي نعتقد بها بأن إيران لا تختلف عن تركيا وإسرائيل وكافة نماذج الدول القومية في المنطقة، من حيث الأحادية الممارساتية تجاه الآخر المختلف والذهنية الإقصائية ومحاولة الهيمنة والسيطرة على موارد وساحات الحياة الخاصة والعمل للشعوب العربية والكردية والتحكم بها، وعليه فتناقضاتها مع إسرائيل أو حربها أو تصالحها الشكلي مع بعض الدول العربية ووجودها ضمن مسار أستانة في سوريا مع روسيا وتركيا هي بالمجمل ضمن نطاق وإطار النظام الدولي الرأسمالي الذي تقوده أمريكا والمتضمن لروسيا والصين ولإسرائيل نفوذ وتأثير قوي فيه.

ثلاثي الهيمنة والنهب الإقليمي(إيران، تركيا وإسرائيل)

ما تفعله إسرائيل من إبادة بحق الشعب الفلسطيني تمارسه تركيا وإيران بحق الشعب الكردي والشعوب الموجودة ضمن إيران وتركيا وسوريا والعراق، ومن الصحيح القول إن المنظومة الدولية المحافظة على الثلاث وبطرق مختلفة واحد، وإن بدت للبعض غير ذلك، لأنه مع الأسف ونتيجة ضعف القوى الديمقراطية والمجتمعية الحقة وكذلك ضعف الإرادة والثقافة السياسية الحرة في الشرق الأوسط، يتعقد البعض من المثقفين والسياسيين والمراقبين ولأسباب عديدة، أن هناك من يخدم قضايا الشعوب في المنطقة من بين ثلاثي الهيمنة والنهب الإقليمي(إيران، تركيا وإسرائيل) أو أن حربهم هي لأجل شعوبنا وقضايانا المصيرية العادلة. فلا إسرائيل ولا إيران ولا تركيا تهمها الشعوب العربية والكردية ومصالحهم، بقدر ما يخدم هذه الشعوب أو بعض القوى منهم مشاريعهم التوسعية والقبول باحتلالاتهم الغاصبة من العثمانية الجديدة إلى الإبراهيمية الإسرائيلية والشيعة القومية الإيرانية.

القوموية والدينوية ركيزتان لمشروع الشرق الأوسط الكبير

صحيح هناك تناقضات وصراعات بين مراكز القوى ومشاريع التمدد والتوسع، يستوجب على الشعوب والقوى المجتمعية والديمقراطية فهمها وإدراكها والاستفادة منها، ولكن حميع هذه المشاريع في النهاية أقسام ومراحل لما يسمى مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد أو .. لأن مشروع الشرق الأوسط الكبير لديه ركيزتان أساسيتان هما القوموية(الأحادية الأثنية) والدينوية( الأحادية الدينية)، وكل ما يتصدر من تشدقات واختلافات وحروب هي ضمن هذا الإطار وصراعات مراكز القوى الإقليمية والعالمية وليس خارج النظام العالمي الرأسمالي، وبالتالي لن تأتي بجديد يختلف عن الموجود والواقع المتأزم حتى لو انتصر طرف على آخر.

للقوى المتصارعة نمط دولتي تسلطي مستمد من ثقافة الهيمنة والأحادية

وعليه، لا بد من إدراك الوقائع ومعها التناقضات الأساسية والمسرحيات الموجودة وكذلك الاتفاقات التي تحدث بين المتصارعين والمتحاربين لتمرير أجندتهم، فعندما تقوم إيران بإبلاغ إسرائيل أو أمريكا بأنها سوف تقوم بعمل عسكري أو عندما يقوم أردوغان بمسرحية دافوس أمام رابين، أو عندما يستمر كل الدعم التركي لإسرائيل وتتعالى الخطابات الرنانة الكاذبة منذ 7 أكتوبر والإبادة التي تلت، أو عندما تتفق روسيا وأمريكا وأوروبا على نوعية الحرب وكيفية الصراع ونوعية الأسلحة المستخدمة في حرب أوكرانيا، إضافة إلى مساحة العمل والتعاون المشترك بين الصين وأمريكا، حينها لا بد أن لا نثق ونشك في ما يتم ضخه لنا كشعوب ومجتمعات وقوى ديمقراطية وحرة، فأين كانت حجم التناقضات والحروب ولكن كل هذه القوى لديها نمط دولتي وأسلوب حياة وعمل وتسلط متشابه إلى حد كبير مستمد من ثقافة الهيمنة والنهب والأحادية، وفرض الحلول ومنطق القوة وسياسة الإبادة.

كونفدراليات الشعوب الحرة قادرة على بناء الحياة المستقرة والعادلة.

باعتقادنا أن الشعوب في الشرق الأوسط وخاصة التي تعاني من الإبادة وسياسات الهيمنة والنهب والاستبداد، كالشعوب العربية والكردية، ولكي تكون قادرة على مواجهة كل هذه الحروب والتحديات، لا بد من أن تتجاوز أولاً الإنتاجات المادية والفكرية لهذه المنظومة الدولية والإقليمية ومنطقها، وأن تكون خارج إطارها فكرياً وسلوكياً وليس تحت تأثيرها، حتى لا تكون داخل حلقة نظام الهيمنة وحتى لا يتم تحويلهم لأدوات وظيفية مرحلية كما هي غالبية الدول والطبقات المثقفة الحالية، ولعل بناء الإنسان الديمقراطي نواة المؤسسات والمجتمع الديمقراطي وإزالة العقبات أمام المرأة لتكون المرأة الحرة وريادة الشباب الواعي والمنظم لجهود التغير والتحول الديمقراطي وخاصة في المجالين السياسي والاقتصادي، سيقربنا أكثر من التخلص من الاستبداد والفساد وبناء اتحادات الشعوب الديمقراطية والحرة وبالتالي كونفدراليات الشعوب الحرة القادرة على بناء الحياة المستقرة والعادلة.

 

 

 

to top