الحدث – القاهرة
يحمل يوم 15 آب\ أغسطس لعام 1984 انعطافة هامة وكبيرة في تاريخ الشعب الكردي، لأسباب عديدة تتعلق بالوجود والهوية والثقافة الكردية التي كانت في حالة انحدار بسبب محاولات الدولة التركية في طمس الهوية ومنع اللغة والخصوصية الكردية والتطهير الثقافي، إلى جنب حالة الإبادة الجماعية الفريدة منذ عام 1925م وخيانة وتخلي الدولة والنخب والسلطة التركية الحديثة بعد الإمبراطورية العثمانية عن التحالف التاريخي الكردي-التركي والتقاليد الديمقراطية والقيم المجتمعية المشتركة والمسار الاجتماعي الإسلامي الواسع الذي كان يستوعب تعدد الأعراق والملل والألوان والألسن.
منذ دخل الإسلام بلاد الكرد حوالي 641م و642م، تشارك الكرد مع بقية الشعوب الإسلامية الحياة في المنطقة ضمن الحضارة الإسلامية، وفي العصر العباسي ومع توسع الدولة والخلافة الإسلامية وزيادة عدد الشعوب المسلمة غير العربية ، كانت الخصوصية الجغرافية واللغوية والثقافية والإدارية مصانة ومحفوظة لكل ملة وقوم وشعب وحتى على مستوى العشائر والقبائل وتلك كانت قيم ديمقراطية مشرقية، التي نسميها اليوم بالنظام اللامركزية و يمكن القول أن كل شعب وقوم وملة ومع دخولهم في الإسلام كانوا يتمتعون في مناطقهم الأصلية بنوع من الحكم الذاتي أو الإدارة الذاتية وحتى الإسلام لديه تعددية في المذاهب والطرائق ومع تأسيس السلطنات والدول داخل الخلافة تتطور النظام وبشكل تدريجي وطبيعي إلى النموذج الفدرالي أو المركزي المرن، حيث أن الدولة الأيوبية والسلجوقية وكذلك دولة المماليك الشركسية التي كانت مركزها مصر كانوا ضمن الخلافة العباسية الواحجة وهذه كانت من ضرورات وتطورات الوضع وإنزياحات القوى ومراكزها ضمن الخلافة العباسية الواسعة التي لم تستند إلى قومية أو ملة أو طائفة وحدة بل كانت متنوعة ومتعددة الملل والأعراق.
ولقد عاش الشعب الكردي في حوالي 51 إمارة كردية ضمن الخلافة العباسية يقودها أمراء وعائلات ورجال دين كرد من طبقات فوقية عليا، ربما انفصلت بعض تلك الطبقات ولأسباب مصلحية ضيقة عن واقع مجتمعهم وهويتهم الثقافية، و لعل أشهرهم الدولة المروانية أو إمارة ميافارقين بالقرب من مدينة آمد(دياربكر الحالية) والتي مثلت رأس مثلث رؤسه الثلاثة( العباسين في بغداد- المروانيين في ميافرقين -الفاطميين في القاهرة ) كتوزع لثلاث مراكز استراتيجية جغرافية وشعبية هامة حتى اليوم رغم كل الظروف إضافة إلى إمارة بوطان بمركزها في مدينة جزيرا الحالية في باكور كردستان(جنوب شرق تركيا) على مثلث الحدود التركية السورية العراقية وإمارة أردلان بمركزها في مدينة سنا(سندج) في روج هلات كردستان (غرب إيران) بالإضافة إلى إمارة صوران وبهدينان وبدليس وكلس وغيرهم الكثير في الأجزاء الأربعة من كردستان المقسمة حالياً بين أربع دول(تركيا، إيران، سوريا والعراق) نتيجة الاتفاقيات الدولية العالمية لهندسة المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى لخدمة وسيطرة النظام العالمي المهيمن المتشكل بعد الحرب للهيمنة والسيطرة ونهب المنطقة وتوجيه بوصلة الأراء والتناقضات فيها.
توافد العرق التركي أثناء وضمن الخلافة العباسية والدولة الأيوبية وبمختلف العائلات والتشكيلات والعشائر وكانوا يقومون بالأعمال التي يتم توكيلهم بها من قبل السلاطين والخلفاء فكانوا جنوداً ومماليك، ويقال أن السلطان الأيوبي نجم الدين أيوب وحدة جلب أكثر من 1000 مملوك وأدخلهم لجيش الدولة الأيوبية وخاصة في مصر وعندها صعدوا فيها إلى أعلى المراتب حتى وصولهم لكرسي السلطان بعد قتلهم لأبن السلطان نجم الدين أيوب وهو السلطان توران شاه أخر سلاطين الدولة الأيوبية بالتعاون والتوطؤ مع شجرة الدر، كما أن المماليك ومع تمكنهم وتقوية شوكتهم ضمن البلاط والقصر العباسي قتلوا واستبدلوا خلفاء في الدولة العباسية وحتى أنهم ساعدوا المغول والتتار الذين ينحدرون من نفس أصل القبائل التركية في قتل الخليفة المستعصم بالله واحتلال وتهديم بغداد ودمشق والاعتداء على أهلها ونسائها وحرائرها فهم من نفس المناطق والنسب القبائل المغولية.
تعايش الكرد وهم أحد أقدم شعوب المنطقة والترك القادمون من أواسط آسيا من مناطق جبال هملايا على الحدود الصينية تحت مظلة الإسلام وقيمها الأخلاقية العالية والعادلة وكان الكرد وبسبب الإسلام وقبله في صراع وتناقض مع البيزنطيين والروم قبلهم وهنا تحالف الكرد والترك وكانت الحاجة الطبيعية للشعبين للكرد إبعاد الخطر البيزنطية والترك في تأمين مكان لهم للعيش فيه بعد عدم تمكنهم العيش في المناطق الفارسية والعربية بسبب صراعات السلطة فيما بينهم.
وكانت معركة ملازكرد 1071م التاريخية التي خاضها الكرد والترك أمام البيزنطينيين وكانت النتيجة النصر وفتح بلاد الأناضول أمام الأنساب والعشائر التركية، ومع قدوم العشائر التركية المختلفة وتوطينهم في الأناضول وتمرسهم فيها ودخولهم الإسلام لغايات تخدمهم غاياتهم السلطوية والسلطنية، أصبحوا قوة سلطوية تبحث عن حكم المنطقة ونهبها باسم الإسلام وشعائره وطقوسه فكانت الاحتلال العثماني للمنطقة وأخذ الخليفة العباسي من مصر إلى إسطنبول وتنازله عن الخلافة للعثمانيين وفق الرواية التركية التي من الممكن والوارد أنهم قتلوا الخليفة الرهينة وقالوا ما يحلوا لهم لأن السلطان سليم الأول وبعد معركتي مرج دابق والريدانية واحتلال مصر والقاهرة، قال لأم الخليفة العباسي عندما قالت له كيف ستصبح الخليفة وأنت لست بعربي فقال أنا اليوم الخليفة والعرف والقانون وأقول وأفعل ما يحلو لي وأضع الأمور كيفما أشاء.
كانت اللامركزية الواسعة في الاحتلال والإمبراطورية العثمانية أيضاً هي سمت وطبيعة النظام القائم رغم كل سلبياته وجهله وتخلفه. ولكن مع تدخل الغرب وخاصة ألمانيا في أعوام 1830 وبحث السلاطين العثمانيين عن الطرق للالتحاق بالركب الغربي والثورة الصناعية التي بدأت في أوربا ومظاهر الحياة العصرية، بدأت الاستشارة الألمانية للسلاطين العثمانيين بالتركيز على المركزية الشديدة والقضاء على الخصوصيات وحالة التعدد والتنوع، فكانت بداية التناقضات التركية والكردية حيث أن الكرد لم يوافقوا على مجيء الترك وخوضهم الحرب معاً إلا ليبعدوا خطر الروم والبيزنطينيين والعيش بحرية وكرامة وليس الخضوع والخنوع للترك الغرباء ولدولهم ومركزيتهم المصطنعة الدولتية.
وهنا ومنذ 1855 وبعدها ظهرت العلاقات والاتفاقات العثمانية والصفوية بعد احتلال العثمانيين للبلاد العربية واستقرار الأمور نسبياً بين العثمانيين والصفويين واتفق العثمانيين والصفويين في محاربة الكرد والقضاء على إماراتهم في طرفي الحدود بينهم ، بعد أن قسموا كردستان بينهم باتفاقية قصر شيرين عام 1639م التي تعتبر أول تقسيم و اعتداء على الجغرافية والأمة الكردية، مما زادت من معانات وتحديات المجتمع الكردي ونضال حريتهم والدفاعهم عن إماراتهم وخصوصياتهم ووجودهم واستقلاليتهم الذاتية أمام إمبراطوريتين تسعيان للهيمنة على المنطقة كما هي اليوم بالضبط في أن تركيا وإيران تستهدفان الكرد والعرب وتحاولون التدخل في شؤونهم واحتلال أرضهم ودولهم.
و الأسوء أنه ورغم كل المؤامرات والسلطوية التركياتية العثمانية وتفردها إلا أن الكرد أيضاً ومن منطق وعرف الإسلام والأخوة الدينية خاضوا مع الترك أيضاً جهود وحورب خلاص الدولة العثمانية أو تركيا من الاستعمار الغربي في ما يسمى بحرب الاستقلال في تركيا(1919م-1921م) وتأسيس دولة للكرد والترك وفق الميثاق الملي الذي كان عام 1919 بين العشائر الكردية التي تجاوزت الثلاثين والضابط العثماني مصطفى كمال لخوض الحرب، لكن بعد ما تم تسميته بحرب الاستقلال عام 1921 وتوطد السلطة وتراجع المحتلين والاستعمار الغربي وبدء تشكل الحكومة و الدولة الجديدة وتواصل الإنكليز مع مصطفى كمال وتدخل وتأثير النفوذ اليهودي في الدولة التركية ولخدمة أجندات وسياسات واستراتيجيات نظام الهيمنة العالمية، تخلى الجانب التركي في الدولة الحديثة عن كل إلتزاماتها واتفاقياتها قبل و أثناء الحرب مع الكرد وكذلك إنهاء البرلمان الأول الذي كان فيه نسبة الكرد 33% والدستور الأول للدولة الحديثة وتم الانقلاب على كل المتفق بين الطرفين الكردي والتركي و إحداث دستور جديد وبرلمان جديد باسم التركي فقط وإن كل من يعيش في تركيا هو تركي في حالة توطيد شوفينة وعرقية وقوموية مصطنعة متضخمة لخلق أمة الدولة وكانت قوانين التطهير العرقي بحق الكرد والإبادة الجماعية الفريدة منذ عام 1925 بعد أن تخلص التركياتية الفاشية من الأرمن والروم واليونان واللاز والبوتس وغيرهم من أعوام 1914 إلى 1922، فكان سنة 1925 والبدء بإبادة الشعب الكردي وقاموا بسن قانون إصلاحات الشرق وإسكان الشرق الذي كان إبادة ممنهجة بحق الشعب الكردي والعمل على تهجيره والقيام بالتغيير الديموغرافي في المناطق الكردية وخاصة المناطق الواقعة غربي الفرات وكذلك الواقعة شرقها والعمل على تشتيت التركيز السكاني الكردي بخلق بؤر استيطانية تركية وتركمانية حتى ولو من أواسط أسيا في المناطق ذات الغالبية الكردية والعمل لجعل الكرد لايتجاوز نسيتهم 5% في كل المدن لإضعافهم وتسهيل إنصهارهم وذوبانهم في البوتقة التركية وتصفية الشعب الكردي والقضاء عليه بشكل تام.
وهنا لم يقبل الشعب الكردي هذه الخيانة التركية والمؤامرة الدولية على نفسه وكرامته ووجوده وخصوصيته وخاض من 1925 وحتى 1940 أكثر من 29 ثورة كانت قادرة كل وحدة منها على هزيمة الترك وتشكيل العديد من الدول والكيانات الكردية، لكن في كل مرة كانت القوى العالمية الرأسمالية المهيمنة والاحتكارية تقف بالضد من حقوق الشعب الكردي وتتعاون مع الترك والفرس لإنهاء الثورة وقتل قادتها و استعمال بعض رجال الدين الكرد العملاء للدولة والسلطة التركية تحت اسم الشعارات والأخوة الدينية وولي الأمر وطاعته وذلك لخلق ضعف ووهن في الجبهة الداخلية الكردية لمعرفتهم باحترام وتقدير وإيمان الشعب الكردي بالدين الإسلامي والقيم الأخلاقية الإسلامية.
ومن عام 1924 وحتى 1973 ساد سكون مدقع بعد كل الهزائم وحالات القتل وكسر الإرادة ودفن الأحياء في المغارات وصب البتون عليهم كما في انتفاضة ديرسم 1937 والتي كانت تقوم بها الدولة التركية بمساعدة ودعم من القوى العالمية حتى أن تركيا وبعد هزيمة أنتفاضة أو ثورة آكري وضعوا علم الثورة في قبر وكتبوا عليها هنا تم دفن كردستانكم الخيالي.
ولكن من قال أن التتار والمغول والعثمانيين والترك وأمثالهم الغرباء عن المنطقة يستطيعون هزيمة الشعب الكردي الذي يمتد جذوره إلى حوالي 12 ألف سنة على الأقل وفق ما ظهر في الموقع الأثري في كوبكلي تبه ( خرابه رشكي ) القريبة من مدينة سيدنا إبراهيم أورفا الواقعة في باكور كردستان(جنوب شرق تركيا)، حتى أن الأسكندر المقدوني لم يستطيع من اجتياز جبالهم الشامخة إلا بالتوافق معهم وبعد هزائم كثيرة أجبرته على التوافق واحترام الشعب الكردي وإرادته وجباله، كما يقول ذلك المؤرخ قسانوف وهيردوت اليونانيين.
وفي عام 1973 وبالقرب من سد جوبوك في أنقرة ، اجتمع في 21 آذار في عيد نورز القومي الكردي حوالي 7 من أبناء الشعب الكردي و الترك الأحرار الذين يؤمنون بالعلاقة والأخوة الكردية-التركية وقالوا كفى للإبادة والاحتلال التركي لوطن الكرد كردستان وكفى للفاشية التركية وقد كان على رأسهم القائد والمفكر والطالب حينه في قسم العلوم السياسية بجامعة انقرة، عبدالله أوجلان الذي كان يدرس العلوم السياسية في جامعة أنقرة وقال كلمة الحق والبداية لمشوار طويل يمتد إلى اليوم وهو الحقيقة التالية بأن “كردستان مستعمرة” وبدأ معها العمل الطلابي الكردستاني واليساري والسياسي والتوعوي لخلاص تركيا من الفاشية وكردستان من الاستعمار.
وبين أنقرة و إسطنبول ومدن شمالي كردستان من ديلوك(عنتاب) وكركم(مرش) وآمد(ديار بكر) وإيله(باطمان) و مردين ورها(أورفا) وأكري تزايد نشاط المجموعة الطلابية أو الأبوجية(نسبة للقب القائد عبدالله أوجلان) وأصبح الشباب الكردي وخاصة العمال والطلبة ينضمون للحراك الجديدة إلى أن تم في 27-11-1978 في قرية فيس في ولاية آمد(ديابكر) الاجتماع التأسيسي لحزب العمال الكردستانيPKK كمسار وطريق وسياق حرية لخلاص الأمة الكردية وتحرير الأجزاء الأربعة من كردستان وتوحيدهم وفق منطق حركات التحرر الوطنية و النظريات الفكرية والثورية السائدة في العالم حينها.
وكانت العمالة والخيانة المفروضة والطبقات الفوقية التي تمثل دولة الاحتلال التركية في المجتمع والمناطق الكردية من أولى من حاول سد الطريق أمام هذا السياق الحر والمجتمعي الذاتي رغم حداثته، فكانت حادثة استشهاد القيادي حقي قرار في 18 نيسان عام 1977 و أحداث حلوانية وسورك في أورفا ضد الخونة بقيادة أول قائد عسكري في تاريخ الحركة الكردية المعاصرة محمد قرى سنغر الذي استشهد أيضاً على يد العمالة والخيانة في باشور كردستان (إقليم كردستان العراق) وهو يعمل لإصلاح ذات البين بين الحركات الكردية في باشور كردستان( إقليم كردستان العراق) في بداية الثمانينات.
ومع الإنقلاب العسكري 12 أيلول لعام 1980 في تركيا بدعم غلاديو الناتو، بدأت الدولة التركية بفصل جديد وشديد من نظام الطوارئ والحرب في باكور كردستان(جنوب شرق تركيا) ذلك النظام الموجود في المناطق الكردية منذ 1925. وتم اعتقال وسجن عدد كبير من القادة والنشاط والمواليين وكذلك الآلاف وبل الملايين من أبناء الشعب الكردي والمعارضين للانقلاب ولسياسة السجن والقتل و الحرب الخاصة التي بدأتها السلطة الجديدة بدعم ومساندة من حلف الناتو الذي حكم تركيا فعلياً عبر غلاديو وأرغنكون(الشبكة السرية للناتو في أوربا وتركيا) ويحرك القوى فيها من خلف الكواليس لمصالح نظام الهيمنة العالمي واستراتيجياتها.
وفي سجن أمد(دياربكر) ولكونها أكبر مدينة كردية وينظر لها كمركز للكرد والنشاط والحراك السياسي الكردي، كانت للطغمة العسكرية العنصرية وللفاشية التركية الحاكمة سياسة خاصة تهدف إلى كسر إرادة الشعب الكردي وإخضاعه وترويضه بالقوة والإزلال ليقول أنا تركي ولست كردي ويمتنع عن التحدث بالكردية ويستسلم للدولة والفاشية، وجدير بالذكر أن اللغة والثقافة الكردية كانت ممنوعة منذ 1925 ولا زالت حيث لا توافق الدولة ولا يوجد نظام تربوي لتعليم أطفال الكرد وبلغتهم في المناطق ذات الغالبية الكردية في جنوب شرق تركيا مع العلم التعلم بلغة الأم من أبسط حقوق الإنسان ضمن كل الشرائع السماوية والوضعية.
فكانت الرد على فرض الاستسلام في السجن، ملحمة المقاومة والانتصار القائد الشهيد مظلوم دوغان وهو أحد أهم قيادات الحزب وقتها حيث قام بعملية فدائية في السجن وتسبب في شهادة نفسه تحت شعار “المقاومة حياة والاستسلام خيانة” ليقول لتركيا ولسلطتها و لإدارة السجن اننا لانقبل بالاستسلام مطلقاً، فكان موقفه البطولي اشراقة شمس المقاومة والحرية و انعطافة وتحول كبير و كان بعدة عمليتين لا تقل أهمية و هما العملية الفدائية للأربعة وهي بحرق أنفسهم وهم أربعة كوادر قياديين(فرهات كورتاي، محمد زنكين، أشرف آنيك ونجمي اونر)وكذلك الصيام حتى الشهادة للكوادر الاربعة (محمد خير درموش ، كمال بير ، عاكف يلماز وعلي جيجك) الذي استمر حوالي 65 يوماً، حيث كان لهذه العمليات الفدائية وملاحم المقاومة من داخل السجن أثار وصدى كبير في الوجدان والعقل والضمير الكردي أيقظتهم من السبات العميق ، كما كان رسالة للمحتل التركي بعدم الاستسلام وكذلك لحزب العمال الكردستاني بأن يأخذ قرار النضال والكفاح المسلح ضد دولة
الاحتلال التركية الفاشية لتحرير كردستان والشعب الكردي.
فكانت اللحظة واليوم التاريخي المنتظر في 15 آب\ أغسطس لعام 1984 بعد أن قام القائد أوجلان بالجهد والعمل والتدريب والتحضير اللازم للقفزة التاريخية بعد سفره من باكور (جنوب شرق تركيا) إلى سوريا و لبنان والاستفادة من واقع الثورة الفلسطينية بعد أن تم دفع ثمن العلاقة مع الثورة الفلسطينية والقيام بواجب الصداقة تجاهها من دماء 12 شهيد في قلعة شقيف في جنوب لبنان لصد الاحتلال الإسرائيلي واعتقال العشرات.
وكان قائد قفزة 15 آب ، القائد الشهيد عكيد(معصوم قورقماز) من المجموعات التي تدربت عند الثورة الفلسطينية ورجع بعدها إلى كردستان مع مجموعات عديدة للبدء بالكفاح المسلح ضد دولة الاحتلال التركية ، فكانت عملية البداية من أروه(دهيه) وشمذينان التي أصبحت التاريخ وقبلة الحياة في عودة الروح والحياة لأمة كانت على شفير الموت والتصفية.
وكما يقول الثوري والمقاوم والدكتوري الجزائري “فرناز فانون” فإن الطلقة الأولى ضد المحتل هي في الوقت نفسه ضد الخوف والضعف. وهكذا كانت الطلقة الأولى التي هزم فيه الكردي خوفه وضعفه وعدوه وبدأ بملحمة المقاومة والحياة والإنبعاث من جديد بعد أن ظن الأتراك أنهم دفنوه في القبر مع علم ثورة أكري.
وأحدثت العملية الأولى أو ما نسميه في المجتمع الكردي قفزة 15 آب زلزالاً للدولة التركية والشعب الكردي فهب الشباب والبنات الكرد وبالألاف ينضمون للثورة، ودخل الزعر والخوف بالمقابل في نفس كل عنصر محتل للدولة التركية في كردستان وأنصعقت الدولة التركية بأنه كيف لشعب جعلناه مقتلولاً وضعيفاً أن يمتلك الشجاعة والجرأة ويهاجم على جيش تركيا ثاني أكبر جيش في الناتو.
ومازالت المقاومة مستمرة إلى اليوم وستستمر لأنها وجدت لحل القضية الكردية وخلاص الشعب الكردي من الاحتلال والإبادة الجماعية الفريدة ولأنها ليس هناك من سبيل لوقف الإبادة التي تمارسها الدولة التركية إلى اليوم إلا بالدفاع المشروع والمقاومة ومازالت تركيا ترفض الحل السياسي والديمقراطي وتصر على الحل العسكري وتصفية الشعب الكردي وإنهائه واحتلال عفرين وطرد وتهجير أهلها أحدث هذه الأمثلة، رغم كلام بعض الخونة والعملاء أو الحمقى الذين يرددون ويقولون بإمكانية نيل الحرية والحقوق القومية بالثرثرة و الديماغوجية الزائفة ولا يضعون نصب أعينهم الإبادة المستمرة، مع التذكير أن المقاومة الكردية والنضال العسكري و السياسي الكردي المرافق مر بكثير من المحطات والتغيرات التكتيكية والاستراتيجية حسب الظروف وتطور التجربة النضالية والعسكرية والتنظيمية الكردية، من بدئها بإسم قوات تحرير كردستان(HRK) إلى الجيش الشعبي لتحرير كردستان(ERNK) وصولاً لقوات الدفاع الشعبي الكردستاني(HPG).
ومن الهام فهم أهمية وأبعاد قفزة 15 آب فهي ليست فقط بداية نضال وكفاح مسلح بل إنها بداية سياق ومسيرة وحياة جديدة وبناء إنسان حر وديمقراطي وذهنية تشاركية حرة وإرادة حرة تؤمن بالتعددية والتنوع والحرية والديمقراطية وكذلك يمكن القول أن قفزة 15 آب هي ميلاد لنموذج المرأة الحرة وامتلالها الشخصية الحرة القادرة على حماية وإدارة وقيادة المجتمع والثورة ومانراه في شمال سوريا من ظهور وحضور نموذج المرأة الحرة ونموذج الرئاسة المشتركة والمجتمع الديموقراطي وأخوة الشعوب منبعه ومركزه الفكري والمعنوي والأخلاقي والإرادي هو قفزة 15 آب وتأثيراتها في المجتمع الكردي والفكر النضالي الكردي الديمقراطي الحر.
ومع دوران عجلة المقاومة والنضال والتنظيم واتساعها وتعاظمها في التسعينات أراد القائد عبدالله أوجلان في سلك مسار الحل السياسي والديمقراطي ومنذ 1993 وحتى اليوم أعلن الطرف الكردي والقائد أوجلان وحزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار لأكثر من 9 مرات لحل القضية سليماً وديمقراطياً، لكن الدولة التركية وفي كل مرة لا تقوم بما يقع على عاتقها وتتهرب من حمل المسؤولية وتكون إنهاء وقف إطلاق النار من قبلها فليس لديها القدرة على اتخاذ قرار حل القضية الكردية التي لها أبعاد عالمية وإقليمية كبيرة تتجاوز حجم تركيا وقوتها.
ومن المهم الإشارة إلى أن التشارك والتواطؤ الدولي وخاصة من أقطاب نظام الهيمنة العالمي الذي وبسبب وجود تركيا في الناتو ولماهية الدولة التركية الوظيفية في المنطقة لصالح أجندات وسياسات واستراتيجيات نظام الهيمنة العالمي، لا يريدون حل القضية الكردية وإنجاز توافق كردي تركي أو أية توافقات بين شعوب المنطقة، ولذلك ليس لديهم حتى اللحظة أي سياسة إيجابية تجاه حل القضية الكردية بل أنهم مازالوا يسلكون نفس السلوك منذ عام 1921 تجاه القضية الكردية في عدم حلها وبقائها كبورة توتر جاهزة للإشتعال وقت الحاجة والضرورة رغم اختلاف الأولويات بين الدولة التركية والدولة المركزية في نظام الهيمنة العالمية في السنوات الأخيرة في مقاربتهم للقضية الكردية.
ومنذ عام 1985 دخل الناتو على الخط في تركيا وقام بدعم الدولة التركية بكل أنواع الأسلحة والأدوات و الدعم الاقتصادي والإعلامي والسياسي لحرب تركيا ضد الشعب الكردي ولولا ذلك الدعم لما استطاع تركيا الصمود شهراً واحداً أمام الشعب الكردي وقواه المدافعة والحرة. وكما أن الناتو وأمريكا وإسرائيل قاموا ومع دول عديدة ببدء مؤامرة دولية لاعتقال القائد والمفكر عبدالله أوجلان في 9 أكتوبر 1988و اعتقاله في 15 شباط عام 1999 و تسليمه لتركيا قبل 24 سنة وقيام تركيا بممارسة العزلة والتجريد عليه وكان هذه المؤامرة من أكثر الممارسات التي سدت ومنعت الحل السياسي والديمقراطي أمام القضية الكردية واستقرار المنطقة وجعلت تركيا تظن نفسها انتصرت ولكن بعد 24 سنة أصبح حزب العمال الكردستاني والشعب الكردي أقوى و أصبح الذين يتبنون أفكار وفلسفة القائد والمفكر اوجلان ويقفون معه ليس الكرد وحدهم بل الكثير من شعوب المنطقة وحول العالم مع طرح القائد لمشروع الأمة الديمقراطية والإدارة الذاتية لحل القضية الكردية وقضايا المنطقة والكونفدرالية الديمقراطية للأمم الديمقراطية في الشرق الأوسط وهو بهذا تجاوز البعد الكردي القومي إلى الشرق أوسطي والإنساني بأن جعل النضال الكردي أهم محرك ودافع للنضال الديمقراطي لشعوب المنطقة و التحول الديمقراطي في دولها الذين يريدون إجراء التحول الديمقراطي وتحقيق وبناء الديمقراطية في المنطقة كنظام للحياة والإدارة والمجتمع.
ومع استشهاد حوالي 50 ألف من الشعب الكردي وتهجير تركيا للملايين وتركيز الدولة التركية لكل سياساتها واستراتيجياتها حول إنهاء الحركة الكردية المقاومة ورغم تماهي بعض الدول الأوربية وحتى أمريكا معها في وصف الحركة الكردية بالإرهاب ووضعها في القائمة السوداء زوراً ونفاقاً وكذباً وإرضاءً لتركيا، لكن الكل يعلم ويؤمن ويقول بعدالة القضية الكردية وحق النضال الكردي الديمقراطي وبممارسة تركيا اللإرهابية الممنهجة ضد الشعب الكردي في تركيا وسوريا والعراق. بل أن تركيا وفي السنوات العشرة الأخيرة وتحت حجة محاربة الإرهاب واستغلالاً لحالة الضعف في المنطقة مع ما يسمى الربيع العربي، حاولت وتحاول تطبيق مشروعها العثمانية الجديدة الذي يتجاوز الجغرافية والشعب الكردي إلى التدخل واحتلال الدول العربية كما تفعل الآن في شمالي سوريا وشمالي العراق ورغبتها في الوصل إلى مزيد من الجغرافية السورية والعراقية والعربية بشكل عام.
وعليه، فإن قفزة 15 آب\اغسطس بنت حالة نضالية وسياق اجتماعي وشعبي ديمقراطي في الأمة الكردية وشعوب المنطقة وهو ليس فقط نضال عسكري أو عمليات عسكرية وأمنية ضد المحتل في الميدان بل مضافة له فلسفة للحياة الحرة وبناء النظام الديمقراطي ووحدة وتكامل لشعوب المنطقة وبحث للحلول لأزمات المنطقة ضمن المجتمع الحر الديمقراطي وبالاستناد إلى أخوة الشعوب وحرية المرأة وريادتها مع الشباب لجهود ونضالات التغيير والبناء ومقاومة المحتل. وبالتأكيد أن قفزة 15 آب هي لب وجوهر حق الدفاع المشروع الذي أقرته وشرعته كل القوانين الدولية والشرائع السماوية والوضعية، وأي حل لقضايا تركيا وسوريا والعراق وإيران وكذلك المنطقة لابد أن يأخذ الحركة الكردية والشعب الكردي المناضل والمقاوم والديمقراطي والحر والذي هزم داعش وخلص المنطقة والعالم بعين الاعتبار، وما أنتجته قفزة 15 أب من إحياء الشعب الكردي وإعادته من الموت المؤكد والبدء بالنضال والكفاح المسلح هو اليوم رافعة بناء ودفاع وديمقراطية وحرية وقوة لشعوب المنطقة ولاستقرار المنطقة ولسلامتها ولأمنها في مواجهة دولة الاحتلال والإبادة تركيا الفاشية ومشروعها الاستعماري” العثمانية الجديدة” التي تستهدف كل المنطقة والدول العربية. والمجتمع الكردي اليوم بغالبيته مجتمع منظم وواعي نتيجة سنوات النضال الطويلة ويمتلك قوة عسكرية وسياسية وتنظيمية وفكرية وأيدولوجية وثقافية ومشروع ديمقراطي قادر على لعب أهم الأدوار في المنطقة وبل أن المغزل الكردي كما أكده المفكر والقائد عبدالله أوجلان سيدور لجعل انطلاقة المنطقة وشعوبها تصل لمراتب عالمية واشراقات كبيرة بإنجاز الثورة الديمقراطية للشرق الأوسط كما أنجز الثورة النيولتية قبل حوالي 12 ألف سنة في ميزوبوتاميا العليا ومن لا يرى هذه الحقيقة لا يستطيع قراءة التاريخ والحاضر ورؤية المستقبل الذي سيكون للشعب الكردي ومن يتحالف معه النصر والصدراة.