الحدث – القاهرة
تحدث الباحث السياسي أحمد شيخو، في مقال له عن رسائل ومعاني عيد نوروز (2635)، في كردستان وخارجها، والتي سميت بنوروز الخمسين للقائد أوجلان، والمطالبة بحريته الجسدية ودحر الاحتلال وبناء الحياة الحرة، مع الزخم والحضور الكبير رغم كل التحديات والظروف.
احتفل أبناء الشعب الكردي في كردستان وحول العالم بعيده، عيد النوروز، بحضور وزخم كبير غير مسبوق، وكذلك استقبل عدد كبير من شعوب المنطقة العيد بطقوس ثقافية واجتماعية وسياسية متنوعة، هذه الشعوب التي كانت قبل (٦١٢) ق.م خاضعة لظلم الملك ضحاك وبطشه وامبراطوريته الجائرة، والذين تحرروا بفضل قيادة وريادة كاوا الحداد والشعب الكردي الميدي لنضال التغير والحرية ومجابهة ظلم الملك المستبد الظالم وأسسوا حينها نموذج للأخوة والديمقراطية والتشاركية عبر بناء الكونفدرالية الميدية.
ولاشك أن هذا التاريخ (٦١٢)ق.م أو اليوم الجديد(يوم التخلص من الظلم واستنشاق عبق الحرية) هي مناسبة نوروز الغالية أو التقويم الكردي وعيد كردستان وكذلك لكل المنطقة الممتدة من الهند لمصر وهو يعبر ويجسد معاني ثقافية واجتماعية متعددة ومتكاملة للحياة الحرة، فهو عيد الربيع و يوم بدء تجديد الطبيعة لذاتها وهو الوقت نفسه مهرجان ورمز وعيد للحرية والمقاومة والهوية والثقافة والذات الكردية الحرة، التي ترفض الاستعباد والتبعية والانصهار القسري والإلحاق بالقوميات الحاكمة الدولتية، بل وتعمل بكل إصرار وتضحية وثقة بالمستقبل، لأجل ضمان وحفاظ الوجود و كسب الحرية والديمقراطية و تحقيق الأخوة والعيش المشترك.
لابد عند قراءتنا رسائل نوروز (٢٦٣٥) بالتقويم الكردي أو (٢٠٢٣) بالتاريخ الميلادي ودلالتها وتأثيراتها، أن نشير بكل بد لهيبة وعظمة نوروز هذه السنة والملايين التي ملأت الساحات والشوارع في الأجزاء الأربعة من كردستان وكذلك حول العالم في أماكن تواجد الكرد الأحرار وأصدقائهم، رغم كل الظروف الصعبة وحالة العزلة والتجريد المطبقة والقصف بالأسلحة المحرمة وحالة الزلازل التي ضربت المناطق ذات الغالبية الكردية واستغلال السلطات ودولة الاحتلال التركي للمصيبة ومعاناة الناس، إلا أن الشعب الكردي أراد أن يعيش يوم ورمز وجوده وهويته وثقافته وحريته بكل فخر وعزة وعزيمة وأراد أن يرسل رسائل المحبة والسلام والحرية والمقاومة والأخوة لكل شعوب المنطقة والعالم.
من جنديرس والشهباء وعفرين والشيخ مقصود إلى جبال قنديل المقاومة والشامخة وصولاً لشرق كردستان، ومن كرميان وكركوك وصولاً إلى آمد (ديار بكر) ووان حتى إسطنبول، خرج عشرات الملايين من الكرد وأصدقائهم إلى ساحات نوروز ليقولوا عدة رسائل منها:
1- حرية القائد عبدالله أوجلان، تمثل وتجسد أولوية وهدف وحساسية فائقة للشعب الكردي، فهو المخاطب والمفتاح للسلام وحل القضية الكردية وتحقيق الاستقرار في كردستان والشرق الأوسط، فهو الذي بدأ قبل ٥٠ سنة عام ١٩٧٣ بمسيرة إحياء الشعب الكردي وإعادته من الموت المحتم والذي فرضه النظام العالمي المهيمن وأداته الدولة القومية التركية وهو الذي بدأ بالبحث والنضال والتوعية لأجل حرية الشعب الكردي وبعدد من رفاقه و بكلمتين تجسد حقيقة جغرافيتنا وهي “كردستان مستعمرة” تحول الآن إلى الملايين من الكرد الأحرار ومجتمع منظم وديمقراطي كردي بل وتجاوز المجتمع الكردي إلى عدد كبير من المجتمعات في المنطقة والعالم لتكون كونفدرالية الشعوب في الشرق الأوسط والعالم على رأس أولويات ونضالات الشعب الكردي وشعوب المنطقة.
هذا النوروز تم تسميته بنوروز الخمسين للقائد أوجلان والمطالبة بحريته، كأول وأهم رسالة ومطلب للملايين من الشعب الكردي وشعوب المنطقة والأحرار حول العالم الذين قالوا “كل الأماكن نوروز وكل الأوقات حرية”، فحالة العزلة والتجريد المطبقة على القائد أوجلان منذ ٢٤ عاماً في سجنه ليس له مثال في كل التاريخ والعالم، والسلطات التركية وبصمت وتواطؤ دولي تنتهك قوانينها والقوانين الدولية، لأنه أراد بناء الحياة الحرة والديمقراطية والتشاركية للشعب الكردي وشعوب الشرق الأوسط ولأنه طرح البديل المجتمعي الإداري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة القومية والنظام الرأسمالي العالمي عبر ثلاثية المجتمع الديمقراطي وحرية المرأة والمجتمع الأيكولوجي.
2- تحطيم الفاشية وأهمية العمل والتعاون والاتحاد لإسقاط ضحاك العصر أردوغان والسلطة الفاشية التركية الحالية و التي تميزت عن كل حكومات تركيا المتعاقبة بشدة عدائها للشعب الكردي وبجرائمها وبقيامها بممارسة الإبادة والقتل والتطهير العرقي واستخدام الأسلحة الكيماوية ليس في داخل تركيا فحسب، بل ضد الكرد في سوريا والعراق وكل أماكن تواجد الكرد حول العالم، وأيضاً ضد شعوب المنطقة، في هذا النوروز وبالحضور الكبير والهائل والمنظم، قالت الشبيبة والمرأة الكردية أنهم يستطيعون إسقاط هذه الفاشية والدكتاتورية العنصرية بريادتهم للتنظيم والعمل والوعي والتدريب ووحدة الصف الوطني والديمقراطي والمقاومة المتعددة الجوانب، وأكدوا بتجاوزهم لحواجز الشرطة القمعية في شمال كردستان وخوف السلطة أن الانتخابات القادمة في تركيا ستكون حاسمة ونهاية لإسقاط أردوغان ونظامه الفاشي ومرتزقته الدواعش ووقف تدخلاته وجرائمه وبدء مسار جديد.
3- أخوة الشعوب والتعايش المشترك، وقد تجسدت في نوروز مدينة الرقة والطبقة ودير الزور والحسكة ونوروز دمشق وحلب والعديد من المدن والأماكن وهي أن الشعبين العربي والكردي، كما استطاعوا معاً هزيمة داعش وحماية شمال وشرق سوريا وسوريا من الإرهاب والفتنة والوقوف في وجه الاستبداد والاحتلال التركي، يستطيعون العيش معاً وإنجاز مشروع ديمقراطي لشمال وشرق سوريا ولكامل سوريا، وتحرير عفرين وسري كانيه(رأس العين) وكري سبي (تل أبيض) وأكدوا أن زمن الفتنة والتفرقة الذي كانت تفتعله عقليات وأدوات البعث العنصري وحزب العدالة والتنمية الإسلاموي القومي ولى من غير رجعة والمستقبل هو للاحترام المتبادل والتماسك المجتمعي و للحرية والديمقراطية والتعايش والمساواة والأخوة والاعتراف المتبادل.
4- ثورة “المرأة، الحياة، الحرية” والتي أضاءت شرق كردستان وسماء إيران المظلمة والمنطقة بضيائها ونور نوروزها وشهدائها، ولقد قال الشعب الكردي في شرق كردستان وفي مدنها وجبالها وقراها وعلى مزار شهداء الانتفاضة وكذلك الشعوب الإيرانية أنهم وبروح نوروز وثورة المرأة كسروا حاجز الخوف ويستطيعون العمل معاً لبناء الحياة الحرة الديمقراطية التشاركية بدل نظام الظلم والأحادية الذي يمارسه نظام الضحاك في طهران تحت اسم الدين والشيعة واستعمالهم كقومية وأداة للسيطرة والهيمنة والأحادية والتسلط والقمع على شعوب إيران.
5- الكريلا (قوات الدفاع الشعبي)، ضمان الوجود وكسب الحرية للشعب الكردي وشعوب المنطقة ودحر الاحتلال، وقد كانت رسالة واضحة من نوروز قنديل وكل ساحات نوروز بأنه ورغم كل أكاذيب السلطة والدولة التركية وجيشها الذي يستخدم كل الأسلحة المحرمة ورغم تواطؤ بعض الكرد والعديد من دول العالم والمنطقة إلا أن للشعب الكردي كريلا فدائيين يستطيعون مقارعة الجيش الثاني في الناتو والصمود والانتصار عليه وتأمين ساحات حرة للاحتفال وتجسيد الهوية والذات الحرة والثقافة الكردية.
6- الوحدة الوطنية الديمقراطية للشعب الكردي، والتي تمثل أحد الأهداف الاستراتيجية لشعبنا والتي ظهرت في كافة ساحات نوروز المختلفة، وما قاله رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بافل طلباني في رسالته المسجلة لجماهير نوروز آمد (ديار بكر) من مباركته العيد ومطالبته بالإفراج عن قادتنا هي في هذا الإطار الهام، محل تقدير واحترام.
ولابد أن نذكر ما قاله أحد المسنين الذي يتجاوز عمره السبعين في نوروز إسطنبول في ظل الأمطار الغزيرة والبرد القارس ” ليس المطر، والله حتى لو ينزل حجر من السماء سوف نحتفل” طبعاً هذا ليس كلام إنشائي أو تعبير هلامي مجازي، بل إرادة كردية آبوجية تتحدى كل الصعوبات والتحديات والظروف، فمن يعرف تاريخ احتفالات الشعب الكردي بنوروز ومنع سلطات الدول القومية والاسلامية الأربعة(تركيا، سوريا، العراق وإيران) لهذا العيد يفهم هذه الإرادة و يعرف حقيقة نوروز التي لم يستطع أحد منعها وطمس معالمها رغم كل محاولاتهم البائسة، فعلى مدى عشرات السنين حاولت الأنظمة الشوفينية والعنصرية من البعثيين في سوريا والعراق إلى السلطات التركية القومية والإسلامية إلى الشيعة القومية في إيران منع هذا الاحتفال باللون الكردي وأي تعبير ثقافي أو خصوصية للشعب الكردي وكانوا يعملون لطمس الثقافية والهوية الكردية وإنكارها ومحاولة تتريكها أو تفريسها أو تعريبها أو تكفيرها، ولكن روح نوروز ووهج نار الحرية نار نوروز كان يشتعل دائماً ولو بأجساد الأبطال من الشباب والبنات المقاومين من الكرد وعلى رأسهم القائد الشهيد مظلوم دوغان، مدرسة المقاومة والإرادة الحرة الآبوجية وزكية آلكان ورهشان وبيريفان وروناهي والآلاف من شهداء نوروز شهداء الحرية والقضية والثقافة الكردية وآخرهم المدنيين الأربعة في جنديرس و الذين تم قتلهم من قبل المحتل التركي ومرتزقته الإرهابيين، فقط لأنهم كرد ولأنهم أرادوا إشعال نار نوروز للاحتفال، ولكن هيهات للمحتلين والمرتزقة الإرهابيين والخونة الجبناء أن يمنعوا شعب حر من الوجود والحرية والتعبير والاحتفال، مادام مصراً ومقاوماً ويملك ذهنية تشاركية وإرادة حرة ومستقلة وصلبة بناها القائد أوجلان خلال مسيرته النضالية التي وصلت لخمسين سنة ومادام هذا الشعب يعمل بكل قوته وإرادته لأجل حرية القائد أوجلان وحقوقه الطبيعية في إدارة وحماية نفسه ولأجل الحياة الحرة التشاركية مع شعوب المنطقة ومجتمعاتها في إطار من التعاون والاتحاد والتكامل.