تفاقمت سياسات النظام الأردوغاني جراء تصعيد أزماته الداخلية والإقليمية دافعة المنطقة برمتها إلى مزيد من التوتر والاضطراب، وتحركاته وصفت بالاستفزازية وبالمناورة للاستيلاء على مصادر الطاقة المحتملة في شرق المتوسط، وتوحي بدق طبول الحرب في ليبيا وفي الشمال السوري والعراق، وتلك التطورات تضع المزيد من الانهيارات أمام خطط أردوغان وتضيق الخناق عليه.
وشكل التحرك التركي في شرق البحر الأبيض المتوسط للتنقيب عن الغاز تحدياً خطيراً لليونان وللدول المتوسطية، باعتبارها تتناقض والقانون البحري وتقوض حالة السلم والأمن في المتوسط، وكانت تركيا قد بدأت معركة التنقيب عن الغاز شرقي المتوسط قبل نحو عامين، مع إعلان أنقرة عزمها حفر أول بئر للغاز الطبيعي في البحر المتوسط، وبذلك صعدت تركيا لهجتها تجاه أوروبا، وتوعدت باستمرارها بعمليات التنقيب، وأثار السلوك التركي في المتوسط قلق مجموعة الدول الشريكة بملف الغاز في المنطقة، من بينها اليونان وقبرص ومصر وإسرائيل، ويواجه أردوغان معارضة أوروبية ومراقبة أميركية للوضع، وفي محاولة لكبح المطامع التركية بغاز المتوسط، اتخذ وزراء الخارجية الأوروبيون سلسلة تدابير، شملت اقتطاع مبالغ كان يفترض منحها لتركيا، إضافة إلى تعليق مفاوضات النقل الجوي الشامل، ووقف الاجتماعات رفيعة المستوى مع أنقرة.
الاتحاد الأوربي وجه إنذارات لتركيا، لوقف حفريات التنقيب عن الغاز والنفط قبالة سواحل قبرص لأنها تتداخل مع المنطقة الاقتصادية لقبرص العضو في التحالف الأوروبي، وجمد أصول مواطنَين تركيَّين مشاركين في العمليات ومنعهما من دخول أراضيه، لكن أنقرة لم تتراجع ولم تتخل عن هذا النوع من التحركات ولا تحترم السيادة القبرصية وحقوقها السيادية.
ومواصلة أنقرة عمليات التنقيب عن مصادر الطاقة شرقي البحر المتوسط في منطقة ليست لها على حدود جارتها اليونان وفي منطقة احتياطات غاز كبيرة، أدت إلى مطالبة تركيا بخروجها فوراً من الجرف القاري اليوناني وإلى حشد المجتمع الدولي بشأن خلافات اليونان مع الجانب التركي، وتفيد الوقائع أن المواجهة الحالية ليست مع اليونان فحسب بل مع الاتحاد الأوروبي، وأن الاقتصاد التركي سيكون المتضرر الأول في حال لجوء أحد الجانبين إلى استخدام القوة العسكرية.
واعتبر الرئيس الفرنسي ماكرون أنه من الخطأ الجسيم ترك ملف أمن البحر المتوسط بيد الحكومة التركية، منتقداً سياساتها في مجال التنقيب عن الغاز في حوض شرق المتوسط قبالة السواحل اليونانية والقبرصية، والتي ساهمت في تنامي التوتر بين أنقرة ودول الاتحاد الأوروبي، وعززت من وجودها العسكري لدرء الخطوات التركية.
إن تضامن دول الاتحاد الأوروبي مع اليونان وقبرص في وجه الأنشطة التركية غير القانونية سيجعل تركيا في حالة هذيان، وأردوغان منهار داخلياً والمعارضة تقف في وجهه، ومهما كانت حساباته الاستراتيجية التي يتباهى بها لاستعادة تموضع تركيا الإقليمي والدولي ستكون وبالاً عليه وعلى نظامه، الذي يترنح في حالة بائسة ويائسة، ذلك ما يجعل الأحزاب المعارضة تواجه على الدوام ما يرتكبه أردوغان من أخطاء مريبة وفادحة، وبخاصة عندما قام بنقل الإرهابيين من سوريا إلى ليبيا وتحت أنظار الرأي العام العالمي، وهو ما أثبت عدم احترامه للقوانين والمعاهدات الدولية.
وتطرح المعارضة السياسية التركية جملة من التساؤلات حيال ممارسات النظام وتدخلاته في دول المنطقة وفي المتوسط، وأبرز تساؤلاتها: أليس الجيش التركي الموجود خارج الأراضي التركية بشكل غير شرعي ودون علم البرلمان هو لكل الأتراك؟ في الوقت الذي تحولت فيه البلاد إلى معسكرات لتجنيد وتدريب عناصر إرهابية.
قليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، وخلال كلمة ألقاها أمام الكتلة النيابية لحزبه في البرلمان، موجهاً حديثه لأردوغان بقوله: لماذا الانخراط في صراع لا علاقة لنا به، ما الذي سيعود علينا، لا أجد مبرراً في الأساس لوجودنا في ليبيا؟ وتوضيحات زعيم المعارضة التركية جاءت على خلفية إصرار نظام أردوغان على مواصلة دعم مليشيات فايز السراج في طرابلس، وإرساله مليشيات ومرتزقة من سوريا للانخراط في الأعمال القتالية هناك، وأعماله في شرق المتوسط، فقد أضحت تحركاته واضحة ومشبوهة على امتداد الساحة العربية من الشمال العراقي إلى تدخله السافر في سوريا.