أردوغان يعبث ببنية الطبيعة
الزلازل والهزات الأرضية التي تضرب الكرة الأرضية هنا هناك بين حين وآخر تترك خلفها على الدوام الكثير من الكوارث الإنسانية والدمار خاصة إذا كان الزلزال قويا ومدمرًا كما حصل خلال الفترة الماضية في تركيا وشمال سوريا.
وفي الوقت الذي نعبّر فيه عن حزننا وأسفنا بهذا المصاب الجلل فإننا نعزّي أهالي الضحايا ونطلب السلامة والشفاء العاجل للمصابين والجرحى.
والسؤال: ما هي الأسباب الرئيسية لزلزال تركيا؟
لاشكّ أنّ تركيا منطقة زلزالية من الدرجة الأولى ومعظم أراضي تركيا (حسب رأي الخبراء) على الصفيحة التكتونية الأناضولية التي تقع بين الصفيحة الأوراسية والصفيحة العربية، وحسب صحيفة “صباح” التركية فإنّ أكثر خطوط الصدع تدميرًا في تركيا هو خط الصدع الذي يقع شمال الأناضول حيث تلتقي صفيحة الأناضول وأوراسيا.
ولسنا هنا بصدد الدخول في تفاصيل علم الجيولوجيا والزلازل والصفائح التكتونية وحركتها في باطن الأرض , ولكن حسب رأي الخبراء فإن أحد أسباب وقوع الزلزال التركي الحالي هي من صنع الإنسان؛ أي من صنع الحكومة التركية وذلك بسبب الإنتهاك الجائر للأرض الطبيعة والتجاوز على مقدّراتها، وتتجسّد هنا بكمية المياه الضخمة المختزنة في سدود تركيا البالغ عددها أكثر من ألفي سد.
وحسب المعلومات المؤكّدة فإنّ كمية المياه المختزنة في تلك السدود تبلغ 650 مليار متر مكعب، وهذا رقم كبير في بقعة جغرافية محدودة.
ومعظم هذه المياه مختزنة في بحيرات اصطناعية بالقرب من مواقع الزلزال الحالي.
وحسب رأي علماء الجيولوجيا فإنّ تلك المياه تترشّح إلى باطن الأرض وتغير من خواص التربة العميقة وتؤدّي الى تنشيط وضغط الحركة التكتونية.
وقد ربط باحث عراقي وهو الدكتور رمضان حمزة (أستاذ جامعي و باحث متخصّص في هيدروليكية المياه) بين استمرار تركيا في بناء السدود وحجز مياه نهري دجلة والفرات وبين تعرّضها للزلازل والهزات الأرضية، مشيرًا الى أنّ ” المشاريع المائية أدّت الى تكوين بحيرات اصطناعية، وبالتالي أدّت الى زيادة الضغط، وإنّ حجز المياه له علاقة مباشرة بكثرة الزلازل”.
وهناك بحث علمي دقيق لخبير عربي هو الدكتور طلال بن علي محمد مختار (أستاذ علوم الجيوفيزياء والزلازل في المملكة العربية السعودية) حول العلاقة بين إنشاء السدود والزلازل، يقول:” إنّ إنشاء السدود العالية والكبيرة يمكن أن يؤدّي إلى توليد هزات أرضية “.
وقد لوحظت هذه الظاهرة في الصين (الزلزال الذي ضرب الصين في عام 2008 كان سببه السد العالي، وقام الزلزال بتدمير منطقة سيشوان وخلّف 88000 قتيلاً).
ولوحظت هذه الظاهرة أيضا في مدينة لوركا الإسبانية (حسب العلماء الأمريكيين) بسبب الإسراف في استخدام المياه الذي أدى الى تغيير الضغط على الفراغات الزلزالية، مما جعلها تنهار وتسبب في زلزال مدمر، وحصل الشيئ نفسه في مدينة بال في سوسرا وغيرها، مما يدل على وجود علاقة سببية قوية ومباشرة بين إنشاء السدود والبحيرات ذات السعات التخزينية الكبيرة وبين وقوع الزلازل، وبالتالي فإنّ عمل الإنسان على القشرة الأرضية هو حقيقة واقعة.
وحسب هذه الأبحاث والوقائع فإنّ حجز مياه نهري دجلة والفرات عن سوريا والعراق من أهم أسباب الزلازل والتوتّرات والاضطرابات والتصدّعات الاجتماعية والسياسية في المنطقة.
وأثارت العواقب الوخيمة لبناء السدود التركية الكبرى مثل سد أتاتورك وسد إيليسو على التراث الثقافي المحلّي إهتماما عالميا كبيرًا وإدانات واسعة من المنظّمات غير الحكومية، وأدى ارتفاع منسوب سد إيليسو إلى غرق “حصن كيفا” الذي يبلغ عمره 12000 عام وغمر مئات القرى وتشريد عشرات الآلاف من العائلات الكردية.
أريد أن أقول إن الطبيعة في قوانينها الصارمة لا تقف عند حد ولا تميز بين حدود الدول والقوميات والشعوب والطوائف والمذاهب، وإنّ العبث في الطبيعة والفضاءات المشتركة بين الشعوب من النواحي الجغرافية والتاريخية والثقافية سيرتدّ على كل المنطقة كما في تركيا وسوريا والعراق، وضحايا زلزال الأناضول هم من الترك والكرد والعرب …وغيرهم.
والكارثة الطبيعية لم تفرق بين هؤلاء، وإذا توفّر التفاهم المشترك بين الجميع حينئذ يمكن أن ترسم طريق الصعود للجميع وعدم التفاهم سيؤدي في النهاية إلى انهيار مقوّمات الحياة والتقدم في المنطقة، والكارثة التركية الحالية أوصلت رسالتها إلى الجميع.