الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

احمد شيخو يكتب : التاريخ والثقافة في التحول الوطني الديمقراطي

الحدث – القاهرة – بقلم: أحمد شيخو

إن الكثير من حركات التغيير والثورات الديمقراطية والتحركاتالمجتمعية في حياة الشعوب والمجتمعات لم تحقق أهدافها في الحرية والكرامة وبناء البنى المجتمعية الأخلاقية والنظمالديمقراطية الحرة والاقتصادية المختلفة عن السائدة، و بالإضافةإلى  تعرض الثورات للتسلل إليها وللسرقة ومخالفة أهدافها رغمالتضحيات الجسام و المعانات الكبيرة وتكلفة التغيير، لأسباب عديدةمن أهمها عدم النهوض والبناء و تحقيق التحول الوطني الديمقراطيمرتكزاً  إلى التاريخ و الثقافة  الذاتية للشعوب و المجتمعات ذوات الجيوسياسيات التي لها عناصر وعوامل تفاعل لاتتغير بتغيير السكانالموجودين فيها وفوقها إنما تتراكم وتتغيير ترتيبها وأشكالها ونظمإدارتها وهيكلتها وتكنولوجية إستثمارها وفق الزمان والسائد فيعصرها.

عندما أردات أوربا أن تتجاوز العصور الوسطى وتعيش نهضتها حققت العودة. حيث عادت إيطاليا أولاً وأخذت الثقافة و التاريخالإغريقي_ الروماني، ثم تبعها معظم البلدان والأمم الأوربية ،وانطلقت لإنجاز نهضتها، مسجلة النجاح في تحولها الوطنيالديمقراطي، وذاك كان عودة التقاء كل شعب بتاريخه وثقافته الذاتيينمن خلال تجاوز النزعة الكاثوليكية العالمية، وعودة هيكلة نفسه كأمةمنفتحة ديمقراطية جديدة أي أن العناصر النابعة من التاريخ والثقافةهي التي كانت سائدة في بداية التحول الوطني في أوربا.

وكانت تلك العناصر تشكل أساساً تاريخ الشعوب والأقوام  وثقافاتهاوعليه كانت ميول التقاليد الديمقراطية وتحالفات الشعوب وبكافةفئاتها وشرائحها هي السائدة ضمن الأمم الناشئة، لكن تصاعدالميول الطبقية والفوقية لدى البرجوازية فيما بعد، وبسطها هيمنها فيالثورة الفرنسية خصيصاً، قد حول طابع  التحالفات والتقاليد الديمقراطية أو  يمكن تسميتها بالأمة الديمقراطية إلى أمة الدولةالمشرعنة بختم السلطة والدولة.

ويمكننا القول إن ما حصل في  معظم  الثورات الأوربية إن لم يكنجميعها  تتصدرها الثورة الفرنسية  وغيرها وأيضاً الروسية هو نشوبالثورة المضادة بصيغة الدولة القومية، أي أن الدولة القومية  كانت أكبرثورة مضادة في وجه التقاليد الديمقراطية وتحالفات الشعوب والثورات المجتمعية و التعايش المشترك السلمي والوحدة التاريخيةالديمقراطية التكاملية للشعوب.

و من الصحيح القول أن كل دولة قومية هي ثورة مضادة إنها شبكةللسرقة ونهب المجتمع و تفتيت الشعوب والمناطق والأقاليم ومنتجللأزمات وديكتاتورية وقمع وإبادة وتطهير عرقي وتغيير ديموغرافيوفاشية وجشع للرأسمالية وللبرجوازية وشركائهما السلطويينوالدولتيين المعززين للفردية والأنانية ورفض المجتمعية.

وفي أوقات كثيرة عندما قامت الشعوب والحركات الديمقراطية بالثوراتوضحت وحاربت، تسللت البرجوازية إلى تلك الثورات مستخدمة نفوذها عبر قوتها الإقتصادية ومبادئها المخادعة وحريتها الفردية الزائفة، وصعدت ثورتها المضادة من جهات عدة متمثلة في النزعةالقوموية والدولة القوموية والأمة الدولتية في وجه الثورات الديمقراطيةالمجتمعية، تاركة بصماتها  على العصر وموجدةً لهيمنة الرأسماليةالعالمية على الشعوب والمناطق والعالم، كون الدولة القومية أحدالمكونات الاساسية للهيمنة الرأسمالية للنظام العالمي حينها وحتىالآن.

وفي منطقتنا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كان نفس الأمريتكرر كما مع ثورات الشعوب في ميزبوتاميا وبالمركز منها كردستانوالأناضول وإيران وعند الشعوب العربية في مختلف مشاربهمومناطقهم.  

كانت ثورات الشعوب والمجتمعات الساعية للحرية والعيش الكريموتعزيز العيش المشترك والأخوة  بمختلف أعراقهم وأديانهم وإثنياتهمومذاهبهم أي الأمة الديمقراطية، والتي تصاعدت في بلاد الأناضولوميزوبوتاميا فيما بين

أعوام ١٩١٩_١٩٢٢م، كانت ثمرة الشعوب وتحالفها، وكان الشعبينالكردي  والتركي يشكلان العنصريين الأصليين للثورة الوطنية وعلىالصعيد الأيدولوجي والسياسي ايضا أيضا كانت التيارات التركيةوالكردية واليهودية (حركة الدونمة) والشركسية الوطنية من جهة ومنجهة أخرى التيارات القومية الإسلامية والشيوعية في تحالف وكانتالنصر عبارة عن ثورة وطنية ديمقراطية ضد الإمبرالية وأزلامها.

لكن البرجوازية الماسونية المسماة تركيا الفتاةوالتي لمت شملها تحتمسمى الاتحاد والترقي  وهم المنادون بنزعة الدولة القومية، والتيتسللت لصفوف الثورة وقامت بالمؤامرات والاغتيالات والانقلابات بدعممن الهيمنة الإنكليزية، وهم من خنقوا مصطفى صبحي رئيس الحزبالشيوعي التركي مع كافة أعضاء اللجنة المركزية الخمسة عشرة خنقافي البحر الاسود وأكرهوا  أدهم الشركسي على الإلتجاء إلى الجيشاليوناني الذي له سحق الكثير من الثورات المضادة المزروعة على دربالثورة.

والسوداد الأعظم ممن قتلهم بتهمة الرجعية والتشدد كانو منالمسلميين القوميين الذي لهم دور في التحرر الوطني حتى أنه تم نفيسعيد النورسي ومحمد عاكف مع العلم كانوا في خدمة الثورة ، أماالكرد العلويين والسنة الذين لبوا نداء مصطفى كمال من السليمانيةوحتى ديابكر وديرسم ورغم دورهم الاساسي في إنجاح الثورة  تمإنكارهم وإبادتهم عن بكرة أبيهم.

وفي إيران وثورة الشعوب في إيران ضد الشاه كان يشمل كل الشعوبوالمجتمعات والتيارات الفكرية والسياسية. فالفرس والكرد والعربوالبلوج والأزريين و التركمان وغيرهم وكما السنة والعلويين والشيعةوالزردشتيين و المسحيين السريان والأرمن واليهود وغيرهم الكثير منالأقوام والمذاهب والأديان كانوا معاً ومع القوميين والإسلاميينواليساريين والشيوعيين واليمنيين وغيرهم الكثير كانوا في ثورة إيرانيةجامعة لشعوبها لكن الثورة المضادة وأداتها المعبرة الدولة القومية كانتحاضرة وبلبوس يناسب إيران ويتماش مع سهولة إقناع الشعوبوالقائمين بالثورة  ولو دولة قومية  بصيغة شيعية قومية وبرجوازيتهابصيغة رجالات دين معممين وأصحاب إمكانيات مادية وتجارية كطبقةوبرجوازية  طهران ومشهد وقم وفي النهاية خالفت الثورة أهافهاوسيطر رجالات الدين وأكلت الثورة أبنائها وتم الإعتداء على شعوبهاومجتمعاتها وتم الإبتعاد عن تاريخ وثقافة الشعوب في إيران وبالنتيجةتم فرض ولاية الفقية التي لاعلاقة لها بتاريخ إيران وثقافات شعوبها بلمحض إختراع أدواة السلطة والدولة ولزومها ولزوم السيطرة والنهبوالهيمنة على شعوب إيران وشعوب المنطقة خارج إيران.

ومن المهم الإشارة إلى الثورات العربية وشعوب المنطقة في المنطقةالعربية ضد العثمانيين، حيث البريطانيين والفرنسيين ومعهم الطبقاتالفوقية وبعض اصحاب ورؤساء بعض القبائل وبالإضافة إلى بعضالضباط المدربين على أيد الإنكليز وعلى منهج تكوين الأدواة فيإضعاف وتجاوز ثورات الشعوب العربية ، التي كانت تسعى فيتحقيق دولة عربية للشعب العربي تحقق كرامتهم وتعيد لهم أمجادهمالتي سلبها آل عثمان الطورانيين، حيث قاموا بدل تكوين دولة عربية والخلاص من العثمانيين في تقسيم العالم العربي إلى دويلات قوميةقطرية متناحرة ومقسمة ومفتتة لاتقوى على الدفاع عن نفسها وحمايةكرامة شعوبها وعليها ومعها تم إيحاد القضية الفلسطينية وتعاقبتسلطات أداتية ومتعاونة مع الخارج على الكثير من الدول في المنطقة والعالم العربي. ورغم مرور العشرات من السنيين وعندما أرادالشعوب العربية أن تنتفض في ربيعها بعد 2011. كانت وسائل الثورةالمضادة جاهزة وتنتظر الفرصة وكانت الدولة القومية لها من الأدواةوالأفكار و السبل التي تمكنها من إنشاء نفسها مرة أخرى وبدماءوسلطات جديدة كون من أراد التغيير كان غير متبني ومستند و غيرمدرك لحقيقة التاريخ والثقافة، وكان يظن نفسه وبالإنفصال عنهايستطيع هزيمة الدكتاتورية والقمع والفقر المتراكم. لكن حركات الإسلام السياسي  والسلطوي ومنها التنظيمات الإرهابية من الإخوانوداعش والنصرة والقاعدة  والذئاب الرمادية و ما يسمى الجيشالوطني السوري الذي أوجده المخابرات التركية الأردغانية كانت لها منالعمل ما يضعها في أهم أدواة الثورة المضادة للثورات والحركالجماهيري والتي حصلت في السنوات الأخيرة.

 ولو تطرقتنا لواقع الشعب الكردي لإمكانيته و لمحاولته لتقديم نموذج عن التحول الوطني الديمقراطي المستند إلى تاريخ والثقافة الذاتيين لها وللمنطقة و كشعب أكبر ضحية للثورات المضادة في تاريخ المنطقة والعالم، وخصوصاً في تركيا كونها تضم الجزء الأكبرمن كردستان، و لأهميته ولإمكانية لعبه الدور الأساسي في هزيمةالثورات المضادة وتقديم الحلول لموضعه وموقعه ولحمل ثورته الحاليةمشروع حل يتجاوز كل الثورات المضادة ويحقق تجديد للقيم التقاليديةالديمقراطية للثورات المجتمعية السابقة ووفق الزمكانية الحالية.

نرى أن حل القضية الكردية يرتبط أولاً  بالتعريف الصحيح للتاريخوالثقافة الكردية وهذا سيعني التعريف الصحيح لوجود المجتمعيالكردي،  وكذلك التحول إلى مجتمع وطني و إمتلاك الوعي والروحاللازمتين بشأن التاريخ والثقافة.

لقد بدأت إبادة وإنكار الكرد  في تاريخ تركيا والدول القومية الأخرىالتي تم تقسيم أراضي كردستان والكرد عليهم، بإنكار التاريخ الكرديوإبادة وجوده الثقافي، حيث تم بدء الإبادة بالمقومات الثقافية المعنويةثم  المقومات الثقافية المادية .

ولهذا السبب يكون من الصح البدء في التحصن بالوعي التاريخيوالثقافي، وكما أن إيضاح  وشرح التاريخ والثقافة الكردية بمقارنتها مع تاريخ وثقافة الشعوب العالم  قاطبة وإفصاحه لعب دور فيالنهضة الثورية لبعث الحياة ثانية في التاريخ والثقافة الكردية.

حققق الكرد مع مع بداية السبعينات وخصوصاً منذ 27_11_1978 ووصولهم  إلى عام 1984 و إنطلاق قفزة آب في ١٥ آب ، بدايةصحيحة على درب التحول الوطني الديمقراطي والوجود الثقافي، أثبتجدارته في السيرورة والحياة مدعوما بالبطولات لأبناء الشعب الكرديوالشهداء العظام وتضحيات الوطنيين الشرفاء الأحرار من الشعبالكردي في باكور كردستان(جنوب شرق تركيا) وشمالي سورياوالأقسام الأخرى وحتى من هم خارج الوطن في المهجر بعدها.

ولولا النهج الأيدولوجيي والسياسي لحزب العمال الكردستاني وللحربالشعبية التي رادها ولولا عكسه للتاريخ والثقافة الكردية بصيغة وقراءة سليمة لما أستطاع تحدي نظام الهيمنة العالمي وتوابعهم الإقليميين وقرارهم الصادر بتقسيم و بإفناء الكرد وإبادتهم لخدمة مصالحهم أوإبقائهم كورقة وأداة في أحسن تقدير للتحكم والهيمنة على المنطقةودولها القومية المنشأة لمصالحهم دون مصالح وإرادة شعوبها.

لكن علينا معرفة أن إنشاء الأمة الديمقراطية الكردية يختلف عنالمقاربات القوموية والدولتية، وحتى عن المقاربات القوموية والدولتيةالكردية التي يراد لها ان تصعد كثورة مضادة للثورة الديمقراطيةالكردية، حيث أن إنشاء الأمة الديمقراطية الكردية يرتكز إلى تواريخوثقافات وقيم الشعوب وتقاليدها المجتمعية الأخلاقية والديمقراطية.

يتنبى منظومة المجتمع الكردستاني KCK أكبر التنظيمات السياسيةوالإجتماعية في كردستان ضمن عملية بناء الأمة الديمقراطية الكرديةالدور الاساسي الذي أداه الكرد كعنصر اساسي في الثورات الوطنيةمع الشعوب المجاورة والمتداخلة والذي جرى إنكاره طيلة التاريخ، فهويعتبر الثورة وطنية بالنسبة للكرد ولبقية  الشركاء والحلفاء المشاركيينفيها بقدر ماهي كذلك بالنسبة للأتراك والإيرانيين والعرب والسريانوالأرمن وغيرهم من شعوب المنطقة.

كما ينظر إلى إبعاد وإقصاء الشركاء و الحلفاء وإنكار تواريخهموثقافاتهم في الفترات اللاحقة،على أنه إنقلاب على التقليد والطابعالشعبي والمجتمعي والتحالفي للثورات، ويعتبر مقاومة الكرد ضد هذهالإنقلابات شرعية وتقدمية وتحررية ومجتمعية، فضلا عن تأكيدها إنالتحالفات التاريخية كانت طوعية وأن الشعو ب كانوا شركاء علىالدوام منذ التاريخ رغم تعرضها لفنترات إنقطاع، وإن ثمة شراكة قويةومتينة وتداخلا بين تاريخ وثقافة الشعوب،ولعبت الشعوب دوراًاستراتيجيا مشتركا عبر التاريخ.

وعليه فإن منظومة المجتمع الكردستاني منفتحة على الإتحادات والتحالفات الوطنية الديمقراطية الأوسع نطاقاً من منظور الأمةالديمقراطية المنتفتح على الشعوب الأخرى، علاوة على أنها تعتبراستحداث التحالفات وهيكلة الاتحادات والتشكيلات الكونية المعاشةضمن ثقافة المنطقة على مدى التاريخ كالأمة الإسلامية أفضل مثالعلى ذلك ، سبيلا إلى الخلاص والحرية والتحرر الحقيقي لكل الشعوب .

إن الأمة الديمقراطية الكردية التي ستكسب مزيدا من الماهية البنويةمع منظومة المجتمع الكردستاني ستقدم بكل أبعادها تجربة إعادةالبناء الوطني التي ستغدو نموذجاً تقتدي به شعوب المنطقة ومقابلميول إنكار الثقافة والتاريخ التي تتبناها الدولة القومية العاجزة عنتخطي دورالعمالة والتواطؤ مع الحداثة الغربية، فإنها ستبتدئ عصراًجديداً مع العصرانية الديمقراطية، تزامناً مع نهضة الأمة الديمقراطية.

وهكذا نجد أن إعادة المعنى الحقيقي إلى التاريخ والثقافة وعدمتعرضهما للتشويه والإبادة، يُمكننا من تحقيق النهضة الصحيحةخلال التغيير وإنجاز التحول الوطني الديمقراطي والبحث عن  الحقيقةفي الحرية والديمقراطية والمجتمعية الاخلاقية والاقتصاد المجتمعي

to top