الحدث – القاهرة
أهتزت أركان الدولة التركية الفاشية وبدأت التناقضات والخلافات تدب فيها وتتفاقم فور إعلان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إنتهاء ما سماه عملية “مخلب النسر_2”. وهي في الحقيقة كانت عملية لإطالة عمر السلطة التركية الحالية وذهنيتها الفاشية بسبب حالة الأزمة والإنهيار التي تعانيها نتيجة سياساتها الفاشلة وممارساتها القمعية ومشاريعها العثمانية التمددية الاحتلالية لشعوب المنطقة ودولها وعلاقتها بالإرهاب.
لقد كانت العملية في أساسها إستهداف لإصرار ومقاومة الشعب الكردي وشعوب المنطقة في الحفاظ على وجودهم تجاه الممارسات والسلوك الفاشي والإلغائي للدولة التركية الإستعمارية التي تحتل أراضي لشعب آخر وهو الشعب الكردي في داخل تركيا وفي شمالي سوريا وشمالي العراق وهذه العملية هي من سلسلة العمليات للجيش التركي المستمرة والممتدة منذ أكثر من مئة عام بهدف إخضاع الشعب الكردي وتركيعه وتتريكه والقضاء عليه وإلحاقه بالدولة التركية القومية، رغم إسهام الشعب الكردي وتحالفهم التاريخي الديمقراطي مع الشعب التركي منذ معركة ملازكرد سنة 1070 مروراً بحرب الإستقلال(1919_1921) وحتى إتفاقية لوزان عام 1923وتبعية السلطة التركية ودخولها تحت تأثير و نفوذ القوى العالمية حينها وتخليهم كدولة وسلطة تركية عن الإرث والتقاليد الديمقراطية والعيش المشترك و الأخوة والاحترام والتفاعل المتبادل بين شعوب المنطقة ومنهم الشعب الكردي والشعب التركي.
لوحاولنا قراءة أسباب هذا الخوف والهستيريا وإهتزاز كيان الدولة التركية وسلطتها التي أصابتهم بعد هزيمتهم في كارى على يد قوات الدفاع الشعبي الكردستاني المعروفة بإسم الكريلا يمكننا أن نذكر عدة أمور منها:
1_ كان أردوغان بنفسه وعد بزف بشرة للشعب التركي حسب إدعائه قبل بدء العملية. وتحول تلك البشرة إلى مقتل 13 فرد من الضابط و المخابرات التركية الذين كانوا أسرى لأكثر من 5 سنوات لدى الطرف الكردي ولم تبذل الدولة والسلطة التركية أية جهود في سبيل الإفراج عنهم وفي النهاية قتلتهم رغم مطالبة أهالي الأسرى والمنظمات الحقوقية بذلك.
2_تحضير الدولة التركية وبكافة مؤساتها من رئاسة الجمهورية والمؤسسات العسكرية والأمنية لهذه العملية لأكثر من 6 أشهر حسب كلام الطرف التركي الرسمي.وإقامة تدريب خاص لحوالي 500 عنصر من أفضل وأكفئ القوات في الجيش التركي ومخابراتها للقيام بهذه العملية.
3_فقدان الدولة التركية 37 عنصر من القوات الخاصة جداً التي هاجمت جبال كاري التي كانت تتواجد فيها الأسرى لدى الطرف الكردي. رغم أن الدولة التركية لم تعلن سوى عن مقتل الأسرى وثلاث من قواتها المهاجمة. لأن لدى تركيا إسلوب “العقد الخاص” مع الفئات التي تستخدمها في حربها ضد الشعب الكردي حيث يشترط العقد عدم الإعلان عن الوفاة وتعويض العائلة مع ضمان صمتهم وعدم الكلام أمام الإعلام لعدم إثارة الرأي العام .
4_ إنها المرة الأولى منذ الإتيان بحزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في تركيا من قبل النظام العالمي المهيمن في عام 2002 حيث يعلن أردوغان صراحة أنه وحسب قوله” مع الأسف لم ننجح في هذه المرة”.
5_ رغم توافق معظم أركان الدولة التركية من السلطات والمعارضة على المواقف الفاشية والشوفينية ضد حقوق الشعب الكردي، لكنها المرة الأولى التي لايتوافقون على رأي في من يتحمل المسؤولية عن فشل العملية. حيث المعارضة وهي المرة الأولى التي تهاجم أردوغان وتقول أنه المسؤول عن الفشل وتحاول تحميله المسؤولية المباشرة .
6_ماصدر عن سليمان صويلو وزير الداخلية التركية و دولت بهجلي رئيس الحركة القومية التركية المشارك لأردوغان في الحكم حيث قال الأول أنه سوف يقطع مئة قطعة مراد قريلان القائد العام للقيادة المركزية لقوات الدفاع الشعبي الكردستاني القيادي ، في حين رد عليه القيادي بأن كلام صويلو هو تمثيل وتعبير عن ذهنية وسياسة الإبادة للدولة التركية تجاه الشعب الكردي. بينما قال دولت بهجلي أنه يجب على تركيا أن تحرق سنجار و مناطق عديدة في إشارة إلى المناطق والمدن الكردية، وكأن حرق الشعب الكردي وإبادته أمام أنظار العالم من حق تركيا كما فعلتها منذ مئة سنة وحتى اليوم.
7_عدم فتح تحقيق ضمن الدولة التركية حول مقتل الأسرى والمسؤولية حول ذلك رغم الأنباء الواردة من الدولة العميقة التركية في وجوب تحمل طرف للمسؤولية ودفع الثمن من الذين أصدروا الأوامر ولكن بسبب قول أدوغان عن البشرة قبل العملية يعقد الأمور، مع العلم أن الخارجية الأمريكية وفي بيانها حول مقتل الجنود وقولها كلمة”إذا” كانت رسالة واضحة لبعض مراكز القوة ضمن الدولة العميقة التركية في التحرك.مع علم أمريكا بأن من قتل الجنود الأسرى هي تركيا حيث أن المجال الجوي في منطقة تلك العمليات والعراق بشكل عام تحت المظلة الأمريكية والتحالف الدولي لمحاربة داعش.
8_ محاولة أردوغان الرخيصة في الإستفادة من مقتل الأسرى في مؤتمرات حزبه الذي يجمع الناس حتى في ظروف كورونا ليقول وليظهر للمعارضة التركية وليرسل إشارات للخارج في زيادة شعبيته وعدم خوفه من التداعيات القادمة علماً أن أحد أهم الأهداف للعملية كانت الحصول على نصر واحتلال مناطق جديدة يستطيع بها و عليها الذهاب إلى الأنتخابات المبكرة التي تطالب به المعارضة والتي تحرجه بشكل كبير.
9_شفافية رواية الطرف الكردي وضبابية وعدم إقتناع الكثير بالرواية التركية حول من قتل الأسرى. حيث أن الطرف الكردي أكد أن تركيا قصف المخيم والكهف بأربعين طائرة حربية ومسيرة وطائرات هليكوبتر وسكورسكي لمدة أربعة أيام و طلب بلجان تحقيق محايدة لمعرفة الحقيقة حيث أن جثامين ثلاثة من المقاتلين الكرد ليس عليه أثر أي طلقة وهذا مايؤكد إستعمال الجيش التركي للأسلحة الكيماوية الحرمة عندما لم ينل مراده في أخذ الأسرى وضرب مركز القيادة لقوات الدفاع الشعبي الكردستاني المعروفة بقوات الكريلا والسيطرة على المنطقة وأخذها بوابة لزيادة التأثير والوصول إلى إحتلال كركوك والموصل ومحاصرة شمال وشرق سوريا كمرحلة أولى وثم الهجوم على شمال وشرق سوريا. حيث أن تركيا الفاشية لها هدف مرحلي هو التذرع بالأمن القومي التركي وإحتلال مناطق الميثاق الملي التي تشمل المنطقة من إدلب وحلب والرقة والحسكة والموصل و كركوك والسليمانية ومن ثم التدخل إلى عمق المناطق والبلدان العربية واحتلالها كمرحلة ثانية إن سمحت لها الظروف.
ويمكننا أن نعزي تدهور السياسة التركية وتضخم سلطتها الفاشية وقيامها بما يخالف كل القوانين والمواثيق الدولية ومعايير حقوق الإنسان في داخل تركيا وفي خارجها إلى المواقف الدولية المتماهية والسلطوية والمهيمنة والمستفيدة من مشاغبة تركيا على أسيادها أحياناً وتحركها في المناطق الرمادية المسموحة لها بين القوى الدولية والإقليمية المختلفة، وإلا كيف يمكننا أن نفسر علاقات تركيا وإيران أو تركيا وروسيا وغيرها المتزايدة ظاهرياً في السنوات الأخيرة رغم علم الجميع أنه لولا الضوء الأخضر لها من نظام الهيمنة العالمي بذلك لم تكن لتكون جزء من الأستانات والسوتشيات في سوريا والمنطقة. ومن المفارقة إنه لو تم منع شخص أو مجموعة اشخاص من التظاهر في العالم في أي دولة عدا تركيا لأصدرت وزارة الخارجية الأمريكية ومعها العديد من وزرات الخارجية في العديد من الدول والمنظمات الحقوقية عشرات البيانات والتقارير حول ذلك لكن في تركيا يتظاهر عشرات الألاف وأحياناً المئات وفي مجمل الظاهرات السلمية يتم استعمال القوة المفرطة واعتقال وسجن عشوائي للمئات والآلاف، حيث منذ 2016 عام وحتى الآن فقط تم أعتقال حوالي 20 ألف شخص من أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي وسجن منهم حوالي 12 ألف منهم نواب ورؤساء بلديات منتخبون وحتى رفع الحصانة عن النواب و فرض العزلة والتجريد وانتهاك حقوق المسجونيين كما يحصل مع القائد والمفكر عبدالله أوجلان دون أن يقول أحد شي .
ربما لأن جيوسياسة تركيا أداة وظيفية فاعلة و إدانتها واستنكار سلوكها هي إدانة للنظام العالمي نفسه وربما لأن البعض من الأوربيين لمصالحهم المادية والاقتصادية و من خوفهم من الإرهابين واللاجئين يصدق كذب تركيا في قولها أنها مهمة حالياً لأوربا كما يقول وزير خارجيتها بسبب أنها تشكل حائط صد وعائق أمام تدفق اللاجئين إلى أوربا مع العلم الجميع يعلمة أن السلطات التركية الحالية تستعمل ورقة اللاجئين من كل المناطق من آسيا وأفريقيا لتهديد أوربا وأمنها وضمان صمتها وصمت المنظمات الدولية الحقوقية على التجاوزات التركية بحق الشعب الكردي وشعوب المنطقة.
ومن المفيد ذكر المواقف الغير الكافية وذات الأفق الضيقة لدول المنطقة ونخبها السياسية والثقافية والفكرية حيث ورغم رؤيتهم تعدي الدولة التركية على سيادة دولهم وأمنهم وإستخدام مواطنينها كمرتزقة كما في الحالة السورية، لكنهم ربما من منطق قوموي عنصري فاشي أو براغماتي آني ضيق الأفق لايريدون حماية دولهم وسيادتها ويلتزمون الصمت كما هي سوريا والعراق وغيرها. فالسلطة السورية ومجمل معارضتها ورغم احتلال تركيا للشمالي السوري وكل ممارساتها وتتريكها ومحاولات تقسيم سوريا، لكنهم مازالوا يتأملون الخير من تركيا وينظرون من عدستها للشعب الكردي وحقوقه، ويسكتون على إغتصاب المحتل التركي للتراب السوري أو ربما يتواطئون معها والبعض الآخر يشارك مع المحتل كمرتزق ، ربما بسبب فقدانهم أو ضعف الإرادة العربية والوطنية والسيادية والأخلاقية لديهم لتزايد التأثير الخارجي عليهم ، رغم البعض من النخب والأحزاب السياسية مازال يدفن رأسه بالرمال وينام نوم أهل الكهف ومازال يردد الشعارات الإقصائية والإلغائية والقوموية ويرفض حقيقة الحياة و المنطقة وثقافتها القائمة على التنوع والتعدد والأخوة والعيش المشترك واللامركزية الديمقراطية ويصر على صبغ دول المنطقة بصيغ عرقية وأثنية وطائفية.
من المهم أن نشير إلى التداعيات والتأثيرات الإيجابية لدفاع الشعب الكردي عن وجوده وفي مقاومة عمليات التطهير العرقي والتغير الديموغرافي للدولة الفاشية التركية وخصوصا هزيمة تركيا وجيشها في كارى على استقرار وأمن وسلامة المنطقة وتحجيم دور تركيا في دعم الإرهاب وإعادة إحياء داعش، و تمددها كدولة إستعمارية في المنطقة والدول العربية، حيث أن نضال الشعب الكردي في بعده الأخلاقي و الاستراتيجي والسياسي والأمني هو تقوية وتعزيز لإرادة شعوب المنطقة ودولها ومانع للتدخلات الإقليمية والخارجية في شؤونها و هو جبهة ضد الفوضى والتقسيم ودعم الإرهاب والقاعدة والأخوان من قبل الدولة التركية واستخباراتها ومشاريعها العثمانية الوهمية بإسم الإنسانية ودعم المحتاجين والإسلام.