الحدث – القاهرة
المجتمع الإيزيدي في شنكال في غرب العراق هو من أقدم المكونات الدينية الاساسية للشعب الكردي، حيث أن الديانة الكردية القديمة المترائية وثم بعدها الزرادشتية التي كانت تشكل الجانب المعنوي والأخلاقي لشعوب زاغروس وطوروس، ومع محاولات الشعوب الأصلية للمنطقة ومنها الشعب الكردي في الحفاظ على موروثه الروحي والمعنوي والديني الخاص ولو بأشكال مختلفة بعد قدوم الأديان الجديدة إلى كردستان والمنطقة، وأحياناً محاولات أصحاب السلطة والهيمنة في تجاوز أخلاقيات الأديان وجوهرها في فرض تخلي المجتمعات عن أديانهم السابقة وتطبيق الإبادة والصهر والذوبان وتغيير الديموغرافية و المعتقد حسب هوى السلاطين والملوك، أمام هذه الظروف كان الإيزيديون حالة من المقاومة المجتمعية من التشبث بالجانب المعنوي والديني والثقافي الكردي القديم والأصلي ولو بتغيير مسميات وإعطاء طابع مرن ومتفاهم مع الأديان والسلطات الجديدة دوماً للقدرة على العيش بسلام و بحالة توافقية بين القديم الأصلي والجديد القادم المفروض في أحياناً كثيرة.
لا شك أنه عندما نذكر الإيزيديين وشنكال يجب أن نقول أن هذا المجتمع الأصيل والمقاوم والأخلاقي بمجتمعيته وببنيته تعرض لحوالي 74 حالة إبادة وإنهاء وجوده أو فرمان وجنوسايد كما يسميه الإيزيديون وأغلب هذه الفرمانات كانت بيد وتوجيه وعسكر العثمانيين والأتراك منذ قدوم اسلاف الترك إلى المنطقة مع القرن الثامن وحتى اليوم والذئاب الرمادية وداعش والقاعدة والأخوان الأرهابيين.
من أوضح الأمثلة على أحدث جنوسايد في القرن الحالي كان ماتعرض له المجتمع الإيزيدي في شنكال بتاريخ 4 آب عام 2014، وتم هذا لاسباب عديدة منها:
1_دفع تركيا لإرهابيي داعش والمشاركة معهم بالهجوم على شنكال، لأنه مهما أختلف دينهم مع غالبية الكرد فهم في النهاية مجتمع من الشعب الكردي الذي تريد تركيا إبادته وإنهائه وخصوصاً القسم المحافظ على تقاليده و ديانته ومجتمعيته وروحانيته الاصيلة والقديمة.
2_ هروب الجيش العراقي والقوى الأمنية وكذلك هروب البيشمركة التابعة لإقليم كردستان وبالأخص من هم من تبعية حزب الديمقراطي الكردستاني أمام إرهابيي داعش إن لم يكن بالتواطؤ معهم. وعدم قيامهم بواجبهم الذي كانوا مفروض أن يقوم به في حماية المنطقة وأهلها. مما جعل أهل شنكال تحت سيف داعش الإرهابيين وتم البدء في إنهاء وإبادة المجتمع الإيزيدي وتهديم مزاراته التاريخية والمعالم الإيزيدية وتهجير شعبه.
3_عدم وجود قوة عسكرية وأمنية أو أي حالة تنظيمية مجتمعية من أهل المنطقة نفسها لتدافع عن نفسها لعدم السماح بذلك من قبل حاكمي شنكال حينها، حيث أن الجيش العراقي والبيشمركة لم يكونوا من أهل شنكال ولم يكلفوا أنفسهم حتى في إنقاذ المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السجن في تصرف غير اخلاقي وغير لائق بأي قوى عسكرية وامنية مكلفة بحماية المدنيين.
والذي حصل هو تسليم المجتمع الإيزيدي الذي يعتبره دواعش تركيا أنهم “أكراد كفار وملاحدة” ، و تعرض المجتمع الإيزيدي لخطف و سبي لأكثر من 5000 من النساء الإيزيديات مع عشرات الآلاف من الأطفال وقتل عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، دون أن يطلق الجيش العراقي والقوى الأمنية وكذلك البيشمركة الكردية اي طلقة، حتى أن بعض الإيزيديين قالوا للبشمركة وللقوى العراقية أعطونا الاسلحة وأنتم تهربون لندافع عن نسائنا وأطفالنا وأعراضنا ولنحمي أنفسهم دون أية نتيجة ودون أي شي.
وهكذا عندما بدأت الدواعش تدخل من القرى الجنوبية وقرية كوجو وغيرها قامت القيامة وتبددت كل الإنسانية ومفاهيمها وأصبح شنكال وبديانتها وبأرضها وشعبها أمام إبادة كاملة، عندها فقط أدرك الناس أن البشمركة والقوى العراقية هربت وتركت شنكال للجنوسايد والفرمان والإبادة ودخلت داعش وهرب الناس من كان لم يصل الدواعش إلى منازلهم وبدأ القتل وأخذ النساء وقتل الرجال وبدأ السواء يسيطر رويداً رويداً على شنكال، هنا تدخلت قوات الدفاع الشعبي الكردستاني (الكريلا) التابعة لحزب العمال الكردستاني والذين هم وحسب ميثاق عملهم وتوجياتهم الكردستانية مكلفون في حماية الشعب الكردي و منع حصول اي إبادة لاي قسم من الشعب الكردي ولأي جزء من كردستان كحقيقة تاريخية وحالة مجتمعية وأخلاقية التي تم تقسيمها مرات عديدة، والوصول بالشعب الكردي إلى الحصول على حريته وحقوقه في إدارة مناطقه ونفسه ضمن الدول المفروضة و الموجودة وذلك ضمن دساتير ديمقراطية تسمح له بممارسة حياته وحريته وإدارة مناطقه.
وعلى أثر تدخل قوات الدفاع الشعبي (الكريلا) لم يكتمل عملية الإبادة الكلية وتم إنقاذ مئات الألاف من الإيزيديين وسكان شنكال، أقلها حوالي 300 ألف بعد أن وصل طلائع قوات الكريلا إلى جبل شنكال وناحية سنوني وحوالي جبال شنكال وقد ساعدت قوات واحدات حماية الشعب والمرأة في روج آفا وشمالي سوريا في فتح الممر من شنكال وحتى جزعة وربيعة. وللحفاظ على ماتبقى من الإيزديين في جبل شنكال وبعض قراها وللتحضير من أجل تحرير شنكال وحماية المدنيين تم تدريب أبناء الشعب الإيزيدي ومعهم الكثير من مكونات شنكال من المسلمين الكرد وكذلك العرب لبناء قوة حماية لأهلي شنكال وتحريرها فكانت قوات مقاومة شنكال ووحدات نساء إيزيدخان من بعدها تم تشكيل قوات الأمن الداخلي الأسايش والعديد من المجالس والمؤسسات المدنية والخدمية حتى يستطيع العيش بامان وسلام، لكن بعد التحرير وقيام هذه القوات الشنكالية المحلية بلعب دور اساسي في تحرير شنكال وتقديمهم لحوالي 400 شهيد و1060 جريح والتواصل مع الحكومة والقوى العراقية وتحرير غالبية المناطق العراقية من داعش، عندها خرجت قوات الدفاع الشعبي لحزب العمال الكردستاني الإيزديين وبعلم الحكومة العراقية في شهر آذار عام 2018م، بعد أداء واجبهم العسكري والاخلاقي والمجتمعي والكردستاني في منع حصول الإبادة الكلية للمجتمع الإيزدي وتوفر قدرة القوات الشنكالية في حماية شنكال وأهلها.
ومنذ عام 2018 تقوم قوات مقاومة شنكال وقوات نساء إيزيديخان والاسايش المشكلة من أبناء شنكال في حماية شنكال وبالتوافق والمشاركة مع الجيش والقوى الأمنية العراقية، حتى بعض إنسحاب بعض البيشمركة الذين كانوا متواجديين باعداد قليلة، بعد أحداث الاستفتاء والحوادث التي جرت بعد 16 أكتوبر وأحداث كركوك، لكن ونتيجة ضعف الحكومات العراقية ومنها الحالية وأوضاع العراق المتأزمة والتدخل التركي السافر للسيادة العراقية وإقامتها للقواعد العسكرية التركية التي تتجاوز ال 40 والتواجد غير المشروع في العراق وفي إقليم كردستان العراق وبتوطؤ قوى محلية كردية وأخرى أخوانية عراقية وغيرها من القاعدة وداعش والذئاب الرمادية وبعض التركمان المرتبطين بها، وأيضاً نتيجة للعلاقات التي تنسجها تركيا وسلطىتها الأردوغانية_البهجلية مع إيران وروسيا وحكومة الكاظمي وأمريكا فرضت تركيا على الأطراف العراقية وبمساعدة حزب الديمقراطي الكردستاني، إتفاقية 9 تشرين الأول(أوكتوبر) أو إتفاقية بغداد_هولير_أنقرة، دون أي إعتبار لإرادة المجتمع الإيزيدي أو أخذ أراء من تعرض أبنائهم وأقربائهم للسبي والقتل والخطف ودون التشاور مع قوات شنكال ومجالسها ومجتمعها وفعاليتها ، حتى أن الشنكاليون يقولون أن هذه الإتفاقية هي تكملة لحملة الإبادة والجنوسايد التي بدأتها داعش وتريد تركيا تكملتها وبأيادي حكومة كاظمي وحزب الديمقراطي الكردستاني. في الوقت الذي كانت من الأجدى محاسبة من لم يقم بعمله وواجبه في حماية شنكال في 2014 إذا لم نقل أنه كان متوطؤ مع داعش في إبادة الإيزيديين وكان من الأفضل أخذ رأي الإيزيديين و إعتبار لإرادة شنكال وأهلها وقواتها المحلية في اي ترتيب تخصهم، التي هي فقط تستطيع أن تكون الضمان لعدم تكرار جنوسايد 3 آب 2014 أو فرمان جديد ثاني أو هجوم داعشي جديد.
لكن إتفاقية بغداد_هولير_أنقرة هي إرجاع شنكال إلى درجة و حالة بائسة لاتستطيع فيها الدفاع عن نفسها والقضاء على قواتها العسكرية والأمنية وكأنه ليس من حق الشنكاليين الذين تعرضوا للجنوسايد أن يدافعوا عن أنفسهم أو ينظموا ويديروا انفسهم ضمن الدولة العراقية الواحدة، رغم ان دستور العراق الإتحادي يعطي للإيزيديين الحق في بناء مؤسساتهم المدنية والعسكرية والأمنية في إطار القوانيين والدستور العراقي. لكن المشكلة تكمن في ان تركيا هي التي تتكلم وتنفذ ولو بأيادي وافواه عراقية وكردية متواطئة كون تركيا تعتبر حصول اي كردي على حقة وحريته وخروج أي كردي حر غير تابع لها تهديد وغير مقبول لها ويهدد الأمن القومي التركي حسب الإدعاء الكاذب التركي. حتى تستطيع إحتلال شنكال كبداية وثم الوصل إلى الموصل وكركوك مع الذهاب في المراحل اللاحقة لإحتلال شمالي سوريا من اللاذقية وحتى إدلب وحلب والرقة والحسكة، كتنفيذ للميثاق المللي الذي يريد أردوغان وحزبه تحقيقه وضمه لتركيا.
واليوم أعلن الشنكاليون بكافة مكوناتهم أنهم لن يقبلوا بتسليم اماكنهم المقدسة وجبلهم لاي كان كحق ديني ودنيوي لهم وهم يريدون الحفاظ على قواتهم العسكرية والأمنية ومؤسساتهم المدنية كضمانة لعدم تكرار الفرمانات والجنوسايدات بحقهم وهم منفتحون للتشاور والأتفاق مع الحكومة العراقية بما يضمن حقوقهم في إدارة وحماية مناطقهم ضمن منظومة الدولة العراقية العسكرية والامنية. لكن إن تم فرض أو اي هجوم على إرادة الشنكاليون ومؤسساتهم فهم سيكونون في موضع الدفاع عن النفس وممارسة حقهم المشروع في الحفاظ على وجودهم التاريخي ودينهم المعرض للإبادات الداعشية المختلفة وإن بعناوين مختلفة.
وعليه نجد أن التدخل التركي وفرض إرادته على القوى والدول المجاورة لها وفي المنطقة لها اثار وتداعيات سلبية كثيرة وكما أكدت الجامعة العربية في مناسبات عديدة ، أن التدخلات في شؤون الدول العربية مرفوضة وخصوصاً التركية والإيرانية. ويبقى الأفضل لشعوب المنطقة ودولها حل الأمور العالقة بالحوار والتفاهم ومراعاة إرادة المجتمعات والناس والقبول بأن يحمي ويدير وينظم المجتمع الإيزيدي نفسه ومناطقه وحسب دينه وثقافته في إطار التفاهم والحوار والدستور العراقي ومحاسبة من تسبب في جنوسايد الإيزيديين والعمل لتحديد مصير المفقودين والمخططفين من نساء شنكال وأهلها والعمل على إعادة إعمار شنكال والضغط على حكومة إقليم كردستان العراق لعدم منع الإيزيديين المتواجدين في بعض المخيمات لديها من العودة إلى بيوتهم وأرضهم وأرزاقهم في شنكال وعدم التلاعب بالمجتمع والديانة الإيزدية لمصالح سلطوية وإنتخابية أرضاءً لتركيا ولسلطتها الفاشية والمعادية لكل معارض ومختلف معها ولشعوب المنطقة ودولها.
أسبوعين مضت
4 أسابيع مضت