الحدث – القاهرة – بقلم الكاتب والباحث السياسي: أحمد شيخو
منذ أن تدخلت القوى المهيمنة الخارجية في منطقتنا وشعوبنا منذ حملة نابليون بونابرت عام ١٨٠١م وكذلك التدخل الألماني منذ عام١٩٣٠م في المنطقة التي كانت تحت الاحتلال العثماني، وصولاً لتدخلات القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى وخاصة بريطانيا وفرنسا وإلى اليوم ومع تشكليهم النظام الإقليمي والمشهد الدولي المناسب لمصالحهم وهيمنتهم ونهبهم، لم تكن المعايير والقوانين والإجراءات المتبعة واحدة في التعامل والاحتكاك مع شعوب ومجتمعات المنطقة . علاوة على أن الاغتراب وضياع المنطقة لذاتها وهويتها التكاملية وقيمها المجتمعية الأخلاقية حصل بدرجة كبيرة مع فشل محاولات التجديد الديني خطاباً وسلوكاً و معها فشل الثورة الاجتماعية و تزايد حالة السلطوية–الدولتية التي حجمت وضيقت ساحة الحرية والديمقراطية والتعبير الحر والعمل المنظم للمجتمعات والشعوب والشخصيات والتيارات الثقافية والفلسفية والفكرية المؤثرة، فأصبحت المبادئ والمعايير ودساتير الحياة وأغلب العقود الاجتماعية والقوانين الدولية والإقليمية وحتى الدساتير المحلية أو القومية وبفعل التدخلات المهيمنة والسلطوية المزروعة إقليماً ومحلياً تمتاز بالنفاق والازدواجيةوتطبيقها يكون وفق إرشادات وتوجيهات أجهزة السلطات ومموليهم التابعة فكرياً وسلوكياً ومصلحياً للقوى الهيمنة الخارجية وأدواتهم الإقليمية والمحلية من نظم حكم وسلطات وأجهزة وتيارات فكرية وأحزاب وشخصيات تحاول تضليل المجتمعات والشعوب واخفاء حقيقة الاستغلال والنهب والاستعباد عبر القوانين والدساتير التي يتم فرضها والتي من المفروض أن تحمي الأفراد والمجتمعات والشعوب كلها وليس فقط بعض الطبقات وأشخاص السلطة والدولة ومصالحهم.
ومن المهم الإشارة إلى أن ظاهرة التزييف والتزوير وكذلك عدم التطابق بين القول والفعل مضافة لها التفسيرات والشروح المختلفة والمتناقضة حسب كل مرجعية سياسية ودولتية وسلطوية ومصالحها والتي تتحكم بأغلب المسارات والسياقات والمؤسسات القانونية التي تقدم نفسها في غير حقيقتها والتي تجسد في سلوكها حالة أداتية وقوى مرنة للهيمنة الرأسمالية العالمية الاحتكارية و التي تشرعن نفسها بهذه الأدوات القانونية والمعايير المزدوجة وغيرها وفق المرادالتي يظن الكثير من الناس أنها فعلاً سياقات ومؤسسات قانونية وحقوقية.
ولو رصدنا ميثاق الأمم المتحدة وكذلك جملة القوانين الدولية والاتفاقات والمعاهدات الدولية والمؤسسات العالمية والإقليمية و كمها الهائل وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية وإلى الأن وفي كافة الاختصاصات ومنها ما يتعلق بالشرعية الدولية وبالمقاربة والتفاعل القانوني الدولي مع ملف حقوق الإنسانوقدسية الحياة البشرية والنزاعات المختلفة وأهمية تحقيق الاستقرار لرأينا كم ضخم و هائل من الترتيبات والتشكيلاتوالمؤسسات واللجان المختلفة في هذا الإطار. لكن هل القوانين والمعايير الدولية الموجودة حققت المراد وحافظت على استقرار وأمن المجتمعات والشعوب وأنجزت العدالة والحق أو ساهمت فيه ولو بنسب معقولة وخاصة في منطقتنا في الشرق الأوسط أما أنها كانت أداة للقوى الخارجية للتدخل في شؤون المنطقة وبالمثل للقوى السلطوية الدولتيةالتابعة للقوى المهيمنة في إخضاع المجتمعات والشعوب وتصفية قيمنا وثقافاتنا وتنوعنا الغني تحت يافطة المحافظة على الدولة المركزية المشكلة عبر القوانين والأجهزة المنبثقة لتطبيق هذه القوانين المكرسة لحفظ السلطات والأنظمة و البعيدة عن روح العدالة والحق المساواة والتشارك والأخوة في الحياة الإنسانية ومجالاتها المختلفة.
ولنأخذ عدد من الأمثلة لتبيان وفهم المقاربة القانونية الدولتية أو النفاق القانوني الدولي في التعامل والتفاعل مع قضايا شعوب المنطقة ومنها :
وكما نستطيع القول أن المقاربة القانونية المرسومة والمحددة وفق مصالح الهيمنة العالمية على المنطقة من الشعب الكردي وحريته وحقوقه هي تجسيد وواقع فعلي وانعكاس للمقاربة التركية والدولية من القائد أوجلان. فالتجريد والعزلة والتضيق وسد الطريق أمام نضال وكفاح الشعب الكردي لأجل حقوقه وبل ووصم هذا النضال والجهد المبارك والمسموح به وفق كل القوانين الوضعية والسماوية بالإرهاب والتهم الباطلة لشيطنته وإضعافه، يأتي من تطبيق القوانين والمعايير وفق ازدواجية وكيفية ونسبية كبيرة تتوافق ومصالح النظام العالمي الرأسمالي وبحثه الدائم عن الاستمرار في الهيمنة ومنع كل السياقات والنضالات التي لا تتوافق مع مصالحهم وهيمنتهم ونهبهم.
والمفارقة أن عدد من المؤسسات القانونية الدولية ومنها عدد من المحاكم التي هي أيضاً حالة تنظير قانوني وهياكل مؤسساتية وأجهزة للدولتية الرأسمالية والسلطوية العالمية وأدواتهم الإقليميون حيث يقولون عن الجرائم المرتبكة ومنها استخدام تركيا للأسلحة الكيميائية ضد الشعب الكردي وقوى حريته بأن هذه تحتاج لمسارات قانونية يجب أن تقوم بها الدول وليسالشعوب والمجتمعات رغم كل الوثائق والأدلة وكأن من ليس له دولة أو لاترعاه دولة عليه الموت والإنتهاء فهو ما أفرزته القوانين الدولتية التي لا يهمها سوى هيكل القانون وجسده وملامحه المخادعة وليس روحه العادلةوالحقة وتطبيقه لأجل الإنسان والمجتمع أينما كان.
وهنا من الهام القول أن أي قانون وحقوق، إذا لم يخدم المجتمع فهو لأجل السلطة وأجهزة وشبكات الدولة وهو مفتقد لسبب وجودة ولجوهره ولأهميته، مع التأكيد أنه متى انخفضت وتضاءلت البعد والكيانية الأخلاقية للإنسان والمجتمعات والشعوب كان القانون بارزاً و مزاحماً لصدقية الإنسان وأخلاقه ونبله الذي يرشده للحق والعدل والحياة المستقرة.
ولو نظرنا للشرق الأوسط وحالة التخبط والفوضى الموجودة وحالة عدم الاستقرار و كم الحروب الأهلية والمصائبوانعدام الحلول وتفشي الفوضى، سندرك أن كل القوانين التي تم سنها في هذه الدول وكل التدخل القانوني الخارجي ومن ما يسمى الشرعية الدولية لم تكفي لتحقيق العدالة والحق والاستقرار في أي بقعة من هذه الدول، بل أن القانونية والشرعياتية الدولية والإقليمية أصبحت السبب لحد كبير وفي أحيان كثيرة في فرض الظلم واستمراره عبرتسويف حلول الأزمات وإدارة الأزمة بدل حلها و استوعاب ومراعاة الدول الهائجة والباحثة عن التمدد كتركيا وإيران و تمكين التدخلات الإقليمية والدولية نظراً للمصلحية والاعتبارية التي تعطيها هذه الدول لممارسي ومنفذي هذه القانونية والشرعية الازدواجية، فمثلاً كل قوانين العالم والشرعية الدولية والدولتية تعطي الحق لأي شعب في العالم في التكلم بلغته والعيش بخصوصيته وثقافته وحقه في تقرير مصيره بالشكل الذي يريده ويتوافق فيه مع جيرانه وشركائه،ولكن حتى الأن الشعب الكردي في تركيا وإيران وسوريا محروم قانونياً ووفق القوانين الموجودة في هذه البلدان من تعليم أبناءه بلغته ومن إدارة نفسه ومجتمعه وإدارة ثرواته.
وموضوع السيادة الوطنية في دول المنطقة أصبحت أيضاً من المؤشرات على الازدواجية وحالة النسبية الكيفية حتى في القوانين والتعامل بين الدول وفق رغبة السلطات وليس وفق حقيقة هذه المفاهيم ومصالح المجتمعات والشعوب، فمثلا عندما يتدخل دولة في سيادة دولة أو شعب أخر ويتم انتهاك الحقوق ووحدة هذه البلدان والشعوب، فإن هذا التعبير القانوني أو إبداء الموقف يتوقف على مصلحة السلطة وعلاقاتها الإقليمية والتدخل الدولي فيها، ولعل حال العديد من دول المنطقة شاهد على حالة اللاسيادة أو السيادة الناقصة والقانون الكيفي والمقاربة الازدواجية، وكل محافل ومؤسسات القانون الدولي وتفرعاتها ومحاكمها ومنظماتها غير كافي لمعاقبة دولة أو سلطة على تجاوزاتها ولها نفوذ وقوة مؤثرة حتى لو كانت باغية وغازية و ومعتدية أو أنه يتم التغاضي عند سلوكياتها الإجرامية لكونها إحدى الأدوات المهمة لتنفيذ الأعمال اللاقانونية للهيمنة العالمية الاحتكارية كحالة تركيا وكونها أحد أدوات الهيمنة العالمية في المنطقة.
يمكننا القول أن السياقات القانونية والحقوقية وكيفية التطبيق وأدواتها وروحها العادلة التي من الواجب أن تكونهي السائدة، تحتاج إلى العودة مجدداً إلى ذات الإنسان والمجتمع وكيفية خدمتهم ومدى توافقهم مع الأبعاد الأخلاقية والقيم الاجتماعية والمصلحة العامة تطبيقاً وليس تنظيراً ونفاقاً. أما إذا بقيت القوانين وكذلك تطبيقها والمؤسسات المعنية تابعة للسلوكيات والذهنيات الأحادية ولخدمة السلطوية الدولتية والهيمنة العالمية، فحينها لن تكون إلا أدوات للنهب والهيمنة والإخضاع والإستغلال وشرعنتها كما هي الأن مع استمرار الفوضى وعدم الاستقرار والأمن. ولكي نتخلص من النفاق وازدواجية المعايير لا تكفيالسياقات النظرية والسياسية والفلسفية وجود العديد من المؤسسات القانونية والحقوقية، بل يجب أن يكون للمجتمع قوة تطبيق القانون و القانون الخاص لكل مجتمع وشعبوآلية للدفاع الذاتية مترسخة في المجتمع و الذي يحمي بهالمجتمع نفسه وأبناءه وتكون عبره قادر على تطبيق قوانينه والعيش بخصوصيته وثقافته مع القوانين العالمية والدولتيةوالشرعيات المختلفة التي عندها لابد أن تحترم ذات الإنسان والمجتمع وقيمه الأخلاقية والمعنوية، وهنا لابد أن تكونالحرية والديمقراطية موجودة ومترسخة في المجتمع والشعب الذي يمتلك قواه الذاتية وفي مختلف المجالات من الاقتصاد والتنظيم والسياسة والدفاعية الذاتية، علاوة على القوى الفكرية والفلسفية، وعندها لا يستطيع أحد بأن ينافق عليه قانونياً أو يفرض عليه قوانينه الخاصة التي لاتحترم قيم ومقدسات هذه المجتمعات والشعوب. والقائد أوجلان والشعب الكردي ولأنهم يقدمون نموذج للحياة المجتمعية الأخلاقية وللإنسان الحر والمجتمع الديمقراطي وللمرأة الحرة مستنديين لحق الدفاع الذاتي وللسياسة الديمقراطية والتوافق الدستوري والحل القانوني الصحيح الذي يحترم المجتمع وخصوصياته ولذلك يتعرضون لكل هذه الهجمات والاعتداءات لطرحهم البديل للنفاقية والازدواجيةالقانونية الدولية والإقليمية بالأخلاقية المجتمعية والمؤسسات الديمقراطية القادرة على بناء العدالة والحق وإرادة الفرد والمجتمع معاً بما يحقق للشخص وجوده واعتباره وإرادتهالحر وللمجتمع رفاهيته وجوده المستقر والمؤثر والحامي والحاضن لكل أبنائه وبناته وفي كل الظروف مهما كانت صعبة محققاً بذلك للجميع عدالة ذاتية وجمعية وحقوق مصانة يكون كل شخص مسؤول عن تطبيقه وحمايته وليس فقط جهة تنفيذية أو جهاز احتكاري.