الحدث – القاهرة
باتت معالم انهيار الاقتصاد السوري يلوح في الأفق مع انهيار الليرة السورية ووصولها إلى مستويات تاريخية أمام الدولار، مما جعل النظام يصدر عملة جديدة من فئة 5000 ليرة و إمكانية إصدار فئة 10000 ليرة في المستقبل بهدف جني أكبر قدر ممكن من العملة الصعبة، إلا أن هذه الخطوة وبحسب الكثيرين من الخبراء الاقتصاديين جعلت ثقة المواطن تنعدم بالليرة السورية ويتوجه نحو ادخار العملة الأجنبية، خاصة مع انتشار الفساد وتحكم طبقة صغيرة “الدائر الضيقة والمقربة من رأس النظام التي تملك مئات المليارات من الدولارات في حساباتها الخارجية” بمقدرات البلاد، وقيام حكومة النظام بالبحث عن حلول اسعافية للحيلولة دون حدوث انهيار سريع لليرة السورية ، حيث تمثلت الحلول في رفع الضرائب وإلغاء الدعم عن المواد وفرض أتاوات على العائدين إلى وطنهم وزيادة البدل عن الخدمة العسكرية ” بالدولار”، بهدف ملء الخزينة كل ذلك على حساب المواطن السوري الذي لم يعد قادراً على تأمين أبسط احتياجاته اليومية، فقد حذر برنامج الغذاء العالمي من أن 60% من السوريين، أي 12.4 مليون شخص، باتوا معرضين لخطر المجاعة. وبحسب بيانات موقع “World By Map” العالمي، تصدّرت سوريا قائمة الدول الأكثر فقرًا بالعالم، بنسبة بلغت 82.5%.
قد تكون العقوبات الأمريكية “قانون قيصر “لعبت دوراً في انهيار الليرة السورية إلا أن السبب الرئيسي للانهيار يعود إلى سياسة النظام في التعامل مع الأزمة والتي فضلت المصلحة الخاصة على المصلحة العامة ودفع تكاليف فاتورة التدخل الروسي والتي سمحت لروسيا بوضع يدها على كامل الثروات والموارد الواقعة تحت سيطرتها بعقود طويلة الأمد وحرمان الشعب السوري من الاستفادة منها وخسر النظام أهم مصادر إيرادات العملة الصعبة للموازنة العامة من موارد النفط والغاز والسياحة والصادرات والاستثمارات، وبالتالي فقَّدَ النظام موارد دخله وحول سوريا إلى مستعمرة روسية. كما أن إيران الداعم المالي الأكبر للنظام باتت غير قادرة على ضخ الأموال للنظام في ظل العقوبات المفروضة عليها.
لذا فإن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها سوريا متعلقة بسياسة النظام، وبروسيا في سيطرتها على الموارد السورية مع عدم رغبتها في تقديم الدعم للنظام وهي حتى الآن لم تجن ثمار تدخلها العسكري بسبب العقوبات الأمريكية، كما أن النظام لم يعد يملك الحلول لوقف تدهور الليرة السورية، فقد كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، عن اللقاء السري الذي عقد قبل شهر تقريبا عن طريق أحد الصحفيين الذي سرب تفاصيل ما جرى فيه، فقد التقى “الأسد” في 26 يناير/ كانون الثاني الماضي، بعدد من الإعلاميين الموالين له دون نشر اللقاء بشكل رسمي إلا أن عدداً من الإعلاميين نشروا صورا عبر حساباتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي تجمعهم معه وأوضحت الصحيفة أن الأسد أكد إدراكه للأزمة الاقتصادية عندما سئل عن انهيار العملة الذي أضر بالرواتب، والارتفاع الهائل لأسعار السلع الأساسية والنقص الحاد في الوقود والخبز. بيد أنه لم يقدم خطوات ملموسة لمعالجة الأزمة، وإنما اكتفى بالقول إن على القنوات التلفزيونية إلغاء البرامج المتعلقة ” بالطهي حتى لا تعذب السوريين بتصوير وجبات بعيدة عن متناولهم.” .
وفي ظل عدم وجود حلول لدى النظام وعدم رغبة روسيا والدول الحليفة في تقديم الدعم للنظام فإن سوريا ستشهد انهياراً اقتصادياً وفي المحصلة تزداد الضغوط المعيشية ودخول فئات أكثر في حالة الفقر المدقع وانتشار المجاعة والتفكك الاجتماعي، مما قد ينعكس سلباً على الوضع الأمني في البلاد. وأخيراً لن يكون هناك مخرجٌ من الوضع الاقتصادي المنهار في البلاد، إلا من خلال حل سياسي يحقق العدالة ويسمح بإعادة إعمار ما دمرته سنوات من سياسات العنف التي انتهجها النظام للبقاء في السلطة.