الإثنين 25 نوفمبر 2024
القاهرة °C

الأمة وشروط النهضة

قراءة مؤجزة في كتاب [ شروط النهضة ]

الجزء الأول

مير عقراوي

يتضح إن المفكر الجزائري مالك بن نبي ( 1905 – 1973 ) قد ألف كتابه المعروف ( شروط النهضة ) بعد الحرب العالمية الثانية ( 1939 – 1945 )، طبعا باستثناء موضوع ( الفكرة الدينية ) الذي أضافه عليه في مقدمة الطبعة العربية المترجمة التي كتبها عام ( 1960 ) من القرن العشرين المنصرم.

في مقدمته الهامة للطبعة الفرنسية على كتاب ( شروط النهضة ) ذكر الدكتور عبدالعزيز الخالدي عبارة قيمة في غاية الأهمية، هي: [ إن الإستعمار ليس مجرَّد عارض، بل هو نتيجة حتمية لإنحطاطنا ]، وهذا ما يدور عليه كتاب ( شروط النهضة).

في الباب الأول من كتاب ( شروط النهضة ) لمالك بن نبي تحدث في موضوع ( الحاضر والتاريخ )، حيث بدء كلامه بأنشودة رمزية، قائلا لصديقه: ( لقد حانت الساعة التي ينساب فيها شعاع الفجر الشاحب بين نجوم الشرق )، ويختمها بأن ( شمس المثالية ستتابع سيرها دون تراجع، وستعلن قريبا إنتصار الفكرة وانهيار الأصنام ) ! ، ينظر كتاب ( شروط النهضة )، ص 20، مع تأكيده بأن الأساس لجميع الحضارات، هو الفكرة والثقافة الدينية.

ثم يأتي بعدها إبن نبي الى ( دور الأبطال ) ليبدء خلاله تحليله في نضالات الشعوب المسلمة ذات الطابع البطولي أمام الزحف الاستعماري، واصفا إياها بأنها كانت – أي النضالات المذكورة – ذا بعد بطولي محض، لأنه لم يكن بإمكان تلكم النضالات البطولية من تقديم الحلول للمشاكل ( التي مهدت للاستعمار وتغلغله داخل البلاد ) المصدر المذكور، ص 21 . فمالك بن نبي يعتقد بأن الدور البطولي والعسكري والميداني ليس كافيا أبدا ما لم تكن هناك عملية وعي وفهم لبناء أسس النهضة.

يعتقد مالك بن نبي إن أيَّ مشكلة كانت، هي في أصلها وجوهرها مشكلة حضارية، ( هي مشكلة حضارته )، إذ ليس بوسع شعب أن يستوعب، أو يقدِّم الحلول لمشكلته ( ما لم يرتفع بفكرته الى الأحداث الانسانية )، ثم ( ما لم يتعمَّق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها ) نفس المصدر، ص 21.

بعدها يتحدث إبن نبي عن فلسفة التاريخ التي لا تلتفت ولا تبالي بأمم قد غطت في نوم عميق، فيقول ( ومن عادة التاريخ ألاّ يلتفت للأمم التي تغط في نومها، وإنما يتركها لأحلامها التي تطربها حينا وتزعجها حينا آخر: تطربها إذ ترى في منامها أبطالها الخالدين وقد أدوا رسالتهم، وتزعجها حينما تدخل صاغرة في سلطة جبار عنيد ) نفس المصدر، ص 22.

في كتابه هذا يركز مالك بن نبي على على دور الفكرة الكبير أولاً، لا السياسة في عملية النهضة، وفي إيجاد النهضة، في ذلك يستشهد بجمال الدين الأفغاني ( 1838 – 1897 )، كما يشير الى زعماء الإصلاح وقادته الجزائريين، مثل صالح بن مهنا ( 1840 – 1910 )، وعبدالقادر المجاوي ( 1848 – 1914 ) ، وعبدالحميد بن باديس ( 1889 – 1940 ) وأدوارهم وفعالياتهم القيمة في عملية النهضة والنضال بالجزائرضد الاحتلال الفرنسي لها يومها، بعدها يصل الى نتيجة مفادها: ( كانت حركة الاصلاح التي قام بها العلماء الجزائريون أقرب هذه الحركات الى النفوس وأدخلها في القلوب؛ إذ كان أساس منهاجهم الأكمل قوله تعالى { إن الله لا يُغيِّر ُ ما بقوم حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم } الرعد / 11، نفس المصدر، ص 27.

هذه الحركة النهضوية – العلمائية للاصلاحيين الجزائريين كانت الأساس والمنطلق في تكوين النهضة والنضال بالجزائر لا المذاهب والحركات الوهابية، أو الكمالية، أو المتصوفة، أو المغتربين، أو الإنتهازيين.

كما ينتقد مالك بن نبي الصوفية والمتصوفة في الجزائر وأدوارهم السلبية يومذاك على المستوى الديني والاجتماعي والسياسي، وكيف إن الاحتلال الفرنسي استغل الصوفية في الاستمرار في إحتلاله، وفي تخدير الشعب الجزائري وبث روح العزلة والانهزامية بينه.

على رغم ذلك يرى إبن نبي بأن الحركة الاصلاحية أيضا في عام (1936) قد حادت عن مسيرتها، يقول في هذا الشأن: ( وهنا يظهر السبب الذي دعا العلماء الى أن يسيروا عام 1936 في القافلة السياسية التي ذهبت الى باريس، كأكبر سبب جَر َّ الحركة الاصلاحية الجزائرية الى أول إنحرافها، فبأي ِّ غنيمة أرادوا أن يرجعوا من هناك، وهم يعلمون أن مفتاح القضية في روح الأمة لا في مكان آخر ؟ ) نفس المصدر، ص 29،

ثم يختم موضوعه بن نبي بقوله ( ومن المحزن حقا أن العالم الاسلامي – إبان هذه الحقبة – قد استسلم لرقاد طويل، فلم يفطن لساعات التاريخ الفاصلة، ولم يحاول إنتهاز فرصتها السانحة ليتخلص من الاستعمار ) نفس المصدر والصفحة.

في موضوع ( دور الوثنية ) ينتقد ثانية مالك بن نبي المتصوفة وزواياها، وذلك لأدوارهم السلبية والتخديرية والانحرافية بالجزائر، حتى إنه شبهها بمثابة الأوثان بالجزائر وقتذاك، يقول: ( ومن سنن الله في خلقه أنه عندما تغرب الفكرة يبزغ الصنم، والعكس صحيح أحيانا ) نفس المصدر، ص 30، لكن بإزاء ذلك ينبغي القول أيضا بأنه كان للمتصوفة دورا إيجابيا في حركات المقاومة والنضال، مثل ثورة الشيخ الكردي سعيد بيران (1865– 1925 ) في كوردستان ضد الطاغية كمال أتاتورك عام ( 1925 )، بحيث كان الشيخ الشهيد سعيد بيران رائد الطريقة الصوفية النقشبندية في كوردستان وقتها، هكذا نرى مثل هذه الحالة الإيجابية في تاريخ السودان الحديث أيضا.

ثم يسترسل بن نبي في توضيح معادلة هامة، هي إن ( الشرط الجوهري لكل تحول إجتماعي رشيد ) هو إجراء التغيير من الداخل، من الذات، من النفس، ينظر نفس المصدر، ص 32، يقول بن نبي بتوضيح أكثر في هذا الصدد: ( وليس ينجو شعب من الاستعمار وأجناده، إلاّ اذا نجت نفسه من أن تتبع لذل مستعمر، وتخلصت من تلك الروح التي تؤهله للاستعمار.

ولا يذهب كابوسه عن الشعب – كما يتصور بعضهم – بكلمات أدبية، أو خطابية وإنما بتحول نفسي، يصبح معه الفرد شيئا قادرا على القيام بوظيفته الاجتماعية، جديرا بأن تُحترم كرامته؛ وحينذاك يرتفع عنه طابع < القابلية للإستعمار > وبالتالي لن يقبل حكومة إستعمارية تنهب ماله وتمتص دمه، فكأنه بتغيير نفسه قد غير وضع حاكميه تلقائيا الى الوضع الذي يرتضيه ) نفس المصدر، ص 33، ثم يصدع إبن نبي بعبارة إجتماعية قيمة وهامة للغاية، هي ( وإنها لشِرْعة السماء؛ غيِّر ْ نفسك تُغيِّر التاريخ ) !.

في موضوع ( من التكديس الى البناء )، يقول إبن نبي ( لقد ظل العالم الاسلامي خارج التاريخ دهرا طويلا كأن لم يكن له هدف، إستسلم المريض للمرض، وفقد شعوره بالألم حتى كأنه يؤلف جزءا من كيانه، وقبيل ميلاد هذا القرن سمع من يُذكِّره بمرضه، ومن يحدثه عن العناية الإلهية التي آستقرت على وسادته؛ فلم يلبث بأن خرج من سباته العميق ولديه الشعور بالألم، وبهذه الصحوة الخافتة تبدأ بالنسبة للعالم الاسلامي حقبة تاريخية جديدة يطلق عليها: النهضة، ولكن ما مدلول هذه الصحوة ؟ إن من الواجب أن نضع نصب أعيننا [ المرض ] بالمصطلح الطبي لكي تكون لدينا عنه فكرة سليمة، فإن الحديث عن المرض أو الشعور به لا يعني بداهة [ الدواء ] . نفس المصدر، ص 44.

بعدها يضيف مالك بن نبي بأن: ( نقطة الإنطلاق هي أن الخمسين عاماً الماضية تفسر لنا الحالة الراهنة التي يوجد فيها العالم الإسلامي اليوم، والتي يمكن أن تفسر بطريقتين متعارضتين: فهي من ناحية؛ النتيجة الموافقة للجهود المبذولة طوال نصف قرن من الزمان من أجل النهضة، وهي من ناحية أخرى؛ النتيجة الخائبة لتطور استمر خلال هذه الحقبة، دون أن تشترك الآراء في تحديد أهدافه أو إتجاهاته ) ينظر نفس المصدر والمؤلف والصفحة.

to top