الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

الإرث المجتمعي!

حنان عثمان

ما أجمل الاحتفال بيوم اللغة الكردية، وما أجمل أن تقوم الشعوب كافةً وعلى رأسها الشعب الكردي بإحياء يوم لغة الأم نظراً لأهمية لغة الأم على مر التاريخ، وباعتبار أن اللغة من أهم أجزاء الثقافة، والثقافة هي التي تحدد هوية الشعوب.

أي أن اللغة تعني هوية المجتمعات، وهي وسيلة للتواصل بين أفراد المجتمع. وإذا حرمت المجتمعات من اللغة فإنها تحرم من وسيلة التواصل والتعبير.

فالمجتمعات تتواصل عبرها، حيث أثبتت الدراسات أنه للتحدث والتعلم باللغة الأم أهمية بالغة من الجوانب السيكولوجية والثقافية والفكرية، بالإضافة إلى أنها تحفز على انتهاج حصيلة علمية وعملية كبيرة للأفراد داخل مجتمعاتهم.

ويظهر في التاريخ أمثلة جلية عن نهوض أمم وحضارات ووصولها لمرحلة متطورة في مجالات كثيرة، ومن المؤكد أنه ما كان بمقدورها الوصول إلى ذلك المستوى من دون تمسكها بلغتها الأم. وحتى أن الذين استسلموا في الحرب العالمية الثانية ودمرت بلادهم ونهبت أملاكهم وقتلوا وشردوا، إلا أن كل ذلك لم يدفعهم إلى التخلي عن لغتهم الأم لصالح المنتصرين.

ومن أحد أهم أسباب الحروب والصراعات هو التنافس على بسط النفوذ أو الريادة في اللغة والثقافة، حيث كانت مقاومة اليابانيين والألمان كبيرة في مجال الحفاظ على لغتهم في وجه الاستعمار الذهني والثقافي الإنكليزي. كما أن الشعب السويدي أبدى مقاومة كبيرة في عدم التخلي عن لغته على الرغم من قلة عددهم وهيمنة وقوة لغة خصمهم الإنكليزي.

عندما نرجع إلى تاريخنا الأليم وخاصةً بعد فترة الحرب العالمية الثانية حين تم تقسيم كردستان إلى أربعة أجزاء، نجد أن الشعب الكردي تعرض إلى أبشع أساليب القمع والاضطهاد والانصهار، وهكذا عانت اللغة الكردية من الطس والتهميش وتعرضت للإبادة في سبيل محوها وإنكارها.

إلا أن هذه اللغة موجودة تاريخياً وتفرض وجودها في يومنا هذا عبر النضال التحرري الفكري والثقافي، لأن اللغة الكردية وعلى الرغم من محاولات التشويه والإنكار، إلا إنها تفرض ذاتها وتثبت أنها من اللغات الآرية القديمة والعريقة التي انتشرت من منبع الانفجار الاجتماعي الأول في جبال طوروس وزاغروس، حيث كانت اللغة الكردية لغة الثورة الزراعية والقروية منذ أكثر من خمسة عشرة ألف سنة.

وبمناسبة مرور الخامس عشر من أيار، يوم اللغة الكردية، لابد لنا من إدراك أهمية التحدث باللغة الكردية التي لا تعد فقط نبض المجتمع الكردي، بل ونمط حياته ومسيرته الثقافية والتاريخية، فهي الذاكرة الشعبية الحقيقية لكل أبناء الشعب الكردي أينما كانوا على وجه الأرض. ومن الرائع والملفت، أننا نرى اليوم انتشار التعليم باللغة الكردية في روج آفا، بين كافة فئات المجتمع وخاصةً بين جيل المستقبل.

ونحن ككُرد لبنان، علينا جميعاً أن نحافظ على لغتنا الكردية وأن نعلمها لأولادنا، لأن هذه الخطوة تعتبر مسؤولية قومية ووطنية وأخلاقية تجاه النضال التحرري للهوية الكردية. ولكن وللأسف الشديد نجد أن العديد من عائلاتنا من كُرد لبنان لا يملكون الرغبة في معرفة لغتهم واستعمالها في كل الميادين والتعمق فيها وإبداء الاهتمام اتجاهها، رغم الجهود الحثيثة التي تبذل في هذا السياق، لأن السبيل الوحيد لسد الطريق أمام سياسة الانصهار القومي المطبق على ثقافتنا ولغتنا هو التحرر والتشبث بلغتنا الأم، لأنه كلما ناضل الإنسان الكردي من أجل الحرية كلما ابتعد عن تأثيرات ثقافة الأنظمة الحاكمة والتخلص من نفسية الإنسان المضطهد.

وأخيراً، من الرائع أن نجد اللغة الكردية وهي تشهد في يومنا الحاضر نهضة من جوانب عدة، حيث بات الأدب الكردي ينتشر وتتطور اللغة والثقافة الكردية مع ازدياد المؤسسات التي ترعى إحياءها، ليس فقط في كردستان بل وفي كل مكان يتواجد فيه الكرد.

to top