معرفة الإنسان لانتمائه الذاتي، سواء الحضاري أو الثقافي أو حتى الديني ومدى إيمانه بالعقيدة الدينية، تجعله دائماً بحاجة للتعرف على جوهر حقيقة هذا الانتماء، الإيمان بالبحث عن الحقيقة يجلب المعرفة والبهجة والقوة، بالتزامن مع إيجاد جوهر الحقيقة لبعض الشعوب، تكمن نقمة السلطات وتتسلسل الأحزان والتعاسة والصدمة في أغلب الأحيان لكون تلك الحقيقة تتناقض مع قوة مصالحهم وتهدف لضرب مكتسباتهم غير الإنسانية، لذا يبدؤون بحياكة الخطط والمؤامرات وتمويل الإعلام بالمليارات للنيل من حقيقتنا التي نود من خلالها النهوض بالشعب للتعرف على حقيقته وحقيقة بلاده.
معرفة الحقيقة وحدها ليست كافية، والأجدر بنا بعد اكتشاف تلك الحقيقة أن نستمر في مطالبة الحقوق المنتهكة والمغتصبة لتصحيح المسار وإعطاء كل ذي حق حقه، الاكتفاء بالسكوت لا يقدم ولا يؤخر، المسارات الخاطئة تجعل من البناء حطاماً ومن التطور والتقدم تراجعاً وجهلاً، لذا لا بد لنا ككرد ذوي حقوق مشروعة الإصغاء جيداً لما يقوله المفكر عبدالله أوجلان في تحليل مقولته: (معرفة حقيقة الذات بحد ذاتها هو العشق) إذ لا يمكننا الوصول إلى معلومات الأزمة وإنشاء عالمنا الاجتماعي والقوة الريادية الجديدة له ما لم نتعقب الحياة الحرة بعشق وهيام، وما يلزم لذلك هو معرفة القيمة العلمية للطريق المسلوك والتحلي بالقوة والإرادة الحرة.
إن اطلاعنا على واقعنا والتغيرات المحيطة بنا وتحليلها والنظر فيما يصرح به كل الأطراف المتصارعة ومحاولة كل طرف منهم إثبات الحقيقة التي يراها من منظوره، خاصة من الناحية الدينية التي أصبحت مادة أساسية لنُظم بعض الدول وستاراً لسياساتهم الشوفينية القومية المذهبية؛ فإن جميع الأديان السماوية ــ المسيحية واليهودية والإسلامية ــ تتمتع بخصوصيات أيديولوجية وثقافية واجتماعية لكنها انحرفت عن مسارها الحقيقي والجوهري الذي اُنزلت تلك الديانات من أجله.
الدين الإسلامي فيما سبق كان يهدف إلى بناء المجتمع الخالي من العبودية، لكن بعد وفاة الرسول محمد (ص) ذهبت معه تلك المبادئ والأخلاق والقيم، حيث أدى لظهور الأفكار التي تميل إلى السلطة في الحكم، وإثبات ذلك التأثر بالسلطة والعبودية لها يظهر من خلال تصفية الخلفاء كما هو مذكور بالتاريخ الإسلامي، من هنا خرج الإسلام من حقيقته، ومن حالته الاجتماعية المناهضة للجهل والتطرف ومن القيمة الأخلاقية السامية الداعية للسلام والمحبة، وبدأت مرحلة إخفاء الحقيقة والدخول في حالة الانحراف عن المسار، تحول فيه الدين الإسلامي من ناشر للمحبة والتسامح وزرع الإنسانية إلى سلطة واستغلال الدين وجعله دين سياسي، أو بمعنى آخر دين الدولة الذي بدأ مع مرحلة العباسية والعثمانية، وإلى يومنا هذا تستمر الذهنية الإسلاموية التي تلعب دورها في السلطة الآن.
تركيا وإيران جعلتا من الإسلام شماعة وسلاحاً يحاربان به المجتمع بجميع فئاته، حوَّلتا الدين الإسلامي إلى دين قتل الهوية، وإنهاء الحضارات وتحريف تاريخ الأمم، كأكبر مثال إخفاء الحقائق التاريخية عن شعوب المنطقة، كان الشرق الأوسط هو الضحية الأكثر تأثراً، حيث يجمع كافة الأعراق، زادت الأمور تعقيداً بإخراج مفاهيم ومصطلحات جديدة للإسلام وتسميتها “الإسلام المعتدل” هذا المفهوم الذي أخرجه الغرب ومثّلته تركيا باسم “حزب العدالة والتنمية” الذي يخفي حقيقته الإجرامية خلف الستار الإسلامي، الحزب الذي يستند إلى المذهب السني التركي واختراع طرق مختلفة في الإسلام الحقيقي.
هنا علينا أن نعرف جيداً حقيقة الإسلام التي تمارسه وتتبناها تركيا “الإسلام السياسي القومي التركي” ولم يعد خافياً على أحد شعاراته في أنه يمثل الإسلام الديمقراطي وتضامنه مع قضايا المجتمع الإسلامي مثل القضية الفلسطينية وقضايا أخرى، لكن في حقيقة الأمر هي محاولة لقلب الحقيقة الإسلامية وإخراجها عن جوهرها الذي قام عليه وصولاً إلى النموذج الأردوغاني ليرضي طموحاته وغاياته العثمانية، بِرضى وصمت أمريكي – أوروبي من خلال دعمهم للنموذج الإسلامي المتمثل بداعش وأخواته وإجرام الدولة التركية والإيرانية بحق الشعب الكردي وشعوب المنطقة (ليبيا، العراق، سوريا، لبنان، مصر، السودان، أرمينيا).
الآن يتطلب أن نعلم الحقيقة، وألا ننصاع للخدع والأكاذيب والبحث عن الحقيقة ومعرفة الدين الإسلامي الذي يقف ضد الظلم والعبودية، وألا نفسح المجال للدول التي باتت مكشوفة ومعروفة لدى الشعوب بمتاجرتها بالدين والمذهب لدمار منطقة الشرق الأوسط، وألا ننخدع بها فنصيرَ طرفاً للدعاية السوداء التي روجتها الدول القومية، تلك الدول التي تسعى بالعمل ما بوسعها لاستغلال الدين وتحقيق مصالحها من خلاله.