الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

الإعلام ودوره في استئصال الشائعات

 سوزان علي –

أثبتت جذورها في بينة الفكر، وتغلغلت في ثنايا المجتمع، وتأصلت في نفوس أبنائها؛ فباتت مرضاً متفشياً في جسد المجتمع ينبغي استئصاله… إنها الشائعات وما تترك من آثار في كل من يحيط بها…

تترك الشائعات أثراً سلبياً في حياتنا، تحدّ من طاقاتنا، كما تترك آثاراً مماثلة في نفوس كل من يحيط بنا من خلال استحضاره بالغيب، ونقل الأحاديث على لسانه، بل وتحريفها بشكل أو بآخر؛ مما يسيء إلى سمعته وبالتالي يتناقلها الآخرون، وتصبح حديث الساعة…

ليس لتناقل الأحاديث والشائعات أيّة أسباب موضوعية، وإنما هي نتاج نقص في النفس وعدم الثقة به، مما يجد لدى الآخرين ما يفتقره في نفسه، إلا أن الحقيقة مغايرة لما يعتقدون، فلكل فرد خصوصية في شخصيته تميزه بها عن غيره، فما يملك أحدهم ليس بالضرورة أن يملكه آخر والعكس صحيح..

ومن الآثار السلبية أيضاً هدر الوقت في ما لا ينفع، واستحضار الآخرين بالغيب، والإساءة إليه، وامتلاء القلب بالغلّ والحسد.. فالمرء الذي يلتهي بالحديث عن الآخرين يهمل نفسه ولا يفكر في كيفية السمو به، وإنما ينشغل بغيره مراقباً تحركاته وأقواله، ماذا لبس، وماذا قال، وإلى أين توجه، وبمن التقى، وماذا حدث معه؟!، كم هو ثري، كم هو محظوظ، وكم هو محبوب!!.. متناسياً ذاته، غارقاً في الحسد والغيرة، متمنياً زوال النعمة عن غيره، في حين يتجاهل ما في شخصيته من مواهب وقدرات، وتميز…

وتحولت هذه الظاهرة إلى آفة في المجتمع ينبغي علاجها، ولا تخلو مناطق شمال سوريا أيضاً من مثل هذه الآفة؛ حيث يبدو التفكير في مثل هذه الأمور أكثر من التفكير المهني ولا سيما للعاملين وما يدور في العالم من أحداث وتطورات سياسية، ويصرفون وقتهم أكثر بانصرافه في كيفية إدارة الذات، والنهوض بعملهم والتخصص في مجالهم والاقتراب من الاحترافية، وتحليل الوقائع، فبات جلّ همهم نشر الشائعات وتناقل الأحاديث مع تزويره وتضليله للحقائق، أما أعمالهم فيمارسونها بشكل سطحي، دون تعمق في التحليل.

ويقع على عاتق الإعلام بالدرجة الأولى مهمة توعية المجتمع وتنبيههم إلى ضرورة الالتفاف حول الذات والتعمق فيه، أكثر من صرف الوقت في ما لا ينفع، فالإعلامي هو من ينير المجتمع بفكره ويسعى إلى توعيته وبنائه ونشر القيم فيه، وطرح مشكلاته ووضع الحلول لها، ويتميز عن المجتمع بتفكيره الذي لا يماثل تفكير الآخرين من خلال الرؤى والثقافة التي يتحلى بها؛ وبهذا يسمو الإعلام برسالته. كما ولا تقع هذه المهمة على عاتق الإعلام فقط، وإنما على جميع أبناء المجتمع بأن ينظروا إلى أخطائهم أولاً ويقدم نقدهم الذاتي بتقصيرهم في عملهم ومن ثم نقد الآخرين إن وجد خطاً في عملهم أو في سلوكهم الشخصي، وليكن نقده لأحدهم بناء ينهض به لا أن يكسر من إرادته ويحدّ من عزيمته، وأن يشغلوا أوقاتهم بالبحث والتحليل ومتابعة الأخبار ودراسة التاريخ وتحليل الواقع من خلال ربط الماضي بالحاضر ليستطيعوا الاستمرار في أعمالهم والارتقاء بها.. وكذلك استئصال الشائعات التي تخلو من الغايات النبيلة، وتوعية من يساهم في نقل الشائعات لا المشاركة معه والإساءة إلى غيره… الإعلام مهنة سامية ورسالة في بناء مجتمع سياسي وأخلاقي وديمقراطي حرّ. ولهذا؛ توعية المجتمع مسؤوليته بالدرجة الأولى..

-روناهي

to top