نحن على مسافة أقلّ من شهرين من الانتخابات التركية التي ستجري في 14مايو القادم وسط ترقب إقليمي ودولي لهذه الانتخابات، والتي تنذر بتغيّرات داخلية تركية وإقليمية وربّما دولية لما تلعبه السياسة التركية التي أظهرت الانقلاب والتراجع والتردّد في كثير من الملفّات خاصة فيما يتعلّق بالملف السوري والخليجي والعربي، ففي الملفّ السوري بعد القيام باحتلال الأراضي السورية في الشمال في إدلب وعفرين وتل أبيض ورأس العين، واستمرارها بالهجمات العنيفة على حدود الإدارة الذاتية بالمدفعية الثقيلة والمروحيات وبالمسيّرات والقيام بالاغتيالات في قامشلو وعين عيسى وكوباني تحوّل الموقف التركي إلى محاولة التقرّب من النظام السوري، وسعي أردوغان الحثيث إلى لقاء بشار الأسد وبرعاية وضغط روسي وربّما إيراني عبر اتفاقيات (أستانة وسوتشي)، وكلّما اقترب موعد الانتخابات التركية يدخل أردوغان في حمّى شديدة ليرفع رصيد مناصريه في الأصوات الانتخابية، خاصة وأنّه يواجه خصوماً في الطاولة السداسية وعلى رأسهم الحزب الجمهوري وزعيمه كليشدار أوغلو مع خمسة أحزاب أخرى والذي وضع مشروعًا لتركيا الجديدة، والعودة إلى النظام البرلماني وطرح متغيّرات دستورية وقانونية جديدة وسحب ورقة اللاجئين السورين في تركيا والذين يبلغ عددهم أكثر من ثلاثة ملايين ونصف، وحلّ المشاكل الاقتصادية والمعيشية التي تهمّ المواطن التركي ومعالجة مشكلة تدهور الليرة التركية أمام الدولار والقضاء على مشكلة التضخّم والتعامل برويّة مع صندوق النقد الدولي، كما أعلن كليشدارأوغلو في حال نجاح المعارضة في الطاولة السداسية أنّه سيجعل كلّ الأمور تشاورية مع الأحزاب الخمسة الأخرى ويضع منهم وزراء ونوّاب له، ويتجاوز ويصلح كلّ الأمور التي أفسدها أردوغان الذي ثبت أنّه يميل إلى الديكتاتورية والانفراد بالسلطة مع ذويه وأنصاره، وهو الذي يصادر قرار المحكمة الدستورية والقضاء برمّته، كما أنّه أي أردوغان يسيطر على الجيش والأركان وعلى معظم مفاصل الدولة والمؤسّسات، بما فيها الأكاديميين وأساتذة الجامعات والبلديات والبرلمان في الغالب هذا ما نسميه الثابت في السياسة التركية والواقع الذي تعيشه تركيا الأردوغانية وحزب العدالة والتنمية رغم محاولات أردوغان إصلاح علاقته العربية والخليجية، فقد أعاد العلاقات مع مصر ومع دولة الإمارات العربية المتّحدة ومع المملكة العربية السعودية إثر مقتل الصحفي السعودي الخاشقجي، كما حاول أردوغان كسب أصوات الطبقات الشعبية برفع وزيادة الرواتب مرّتين محاولاً تحسين مستوى المعيشة، وتطمين اللاجئين السوريين بإقامة مستوطنات ومدن كاملة لهم عبر الدعم القطري والخليجي عمومًا على حساب سكّان المنطقة الأصليين عبر تهجيرهم قسرًا من مناطقهم، أمّا الممكن والمتغيّر فتحمله المعارضة والطاولة السداسية في السياسة التركية، والتي بدورها غازلت بشار الأسد في حال فوزها بأنّها سوف تنسحب من كامل الأراضي السورية وترمّم كلّ العلاقات التركية الخارجية مع حلف شمال الأطلسي ومع دول الاتحاد الأوربي ومع الولايات المتّحدة الأمريكية، لما تتمتّع به تركيا من موقع جغرافي وجيوسياسي وسوف توافق على انضمام كلّ من السويد وفنلندا لحلف الشمال الاطلسي.
ومن جانبها الولايات المتّحدة تراقب الوضع بصمت وسوف تختار اللحظة المناسبة لإعلان موقفها والأمر ذاته بالنسبة للاتّحاد الأوربي، أمّا عن الموقف الروسي فيتّضح أنّه مع حزب العدالة والتنمية وفوز رجب طيب أردوغان في الانتخابات التركية لما بينهم من اتفاقيات مبرمة من الناحية العسكرية وصفقة الصواريخ الروسية (س 400 ) وصفقات القمح الأوكراني وخط انابيب النفط (نورد ستريم) وغيرها، أمّا الموقف الصيني فهو صامت كعادته وهو متّفق دوما مع الموقف الروسي ويميل إلى فوز أردوغان في الانتخابات التركية، ويبقى موقف الكرد الذين يعانون الأمرّين من سياسات حزب العدالة والتنمية وسياسة أردوغان الذي يعزف على الوتر الإسلامي والوعود المعسولة، فقد تمّ التضييق نشاط حزب الشعوب الديمقراطي من قبل الحكومة التركية كما أقصي السيد صلاح الدين ديمرتاش وأودع السجن، ومع اقتراب موعد الانتخابات التركية تم رفع الحظر عن حزب الشعوب الديمقراطي وإعادة كلّ حقوقه الدستورية، حتى لا تستغلّ المعارضة الورقة الكردية في الانتخابات القادمة التي تمثّل “بيضة القبّان” للجانبين حزب العدالة والتنمية والطاولة السداسية، والمرجّح أنّ حزب الشعوب يدرك اللعبة الانتخابية التركية وله فيها تجارب مهمّة، سيدخل الانتخابات التركية وربّما بمرشّح مستقل وهو يدرك تماماً أنّ مرشّحه لن يفوز بالانتخابات التركية، ولكنّه بذلك يفتح الطريق للمحادثات مع الجانبين بهدف كسب بعض الحقوق القومية والديمقراطية للكرد والعرب والعلويين وغيرهم، أمّا موقف أردوغان من الإدارة الذاتية فهو ثابت ومعروف وربّما تحدث بعض التغيّرات الطفيفة في حال نجاحه، أمّا المعارضة والطاولة السداسية فيمكن في حال انسحابها من جميع الأراضي السورية كما وعدت، فسيلقي ذلك بظلاله على تحسين أوضاع الإدارة الذاتية أقلّه ستتخلّص من التهديدات والهجمات التركية، ويخفّفوا العزلة عن السيد عبد الله أوجلان، وهذا سوف يدخل في محادثات حزب الشعوب مع الطرفين التركيين المتنافسين على كرسي الرئاسة التركية، وإنّ غداً لناظره لقريب.