الجمعة 22 نوفمبر 2024
القاهرة °C

الباحث السياسي أحمد شيخو يكتب : الاستقرار والأمن.. قضية تكاملية وثقافية وأسسها الحرية والديمقراطية

الحدث – القاهرة

مع تزايد التحديات المختلفة في منطقة الشرق الأوسط نتيجة لعوامل عديدة منها غياب الديمقراطية في دول المنطقة واستمرار التدخلات الخارجية الإقليمية والعالمية، ومنها التحديات الاقتصادية والأمنية والثقافة والسياسيةوالاجتماعية وغيرها، يعتقد البعض أنه يمكن أن يكون هناك حالة من الاستقرار والأمن في منطقة ودولة دون الأخرى على المدى المتوسط والطويل، وبل أن الكثيرين من القوى المركزية والسلطات الحاكمة في دول المنطقة، تحاول خلق وجهة نظر وتصور بأن بعض الوقائع المرحلية ووجودها في سدة الحكم بآليات سلطوية ومنهجية احتكارية، هي الطريق الصحيح  والحل الأنسب لتحقيق الاستقرار والأمان دون أخذ رؤية وأولويات المجتمعات والشعوب ومصالحهم في الاعتبار.

لا يمكن أن تتحقق حالة الاستقرار والأمان في أي بقعة جغرافية، إلا إذا كانت ترتكز لمفهومي الحرية والديمقراطية اللتان تعبران عن إمكانية ضمان مصالح كل التكوينات الاجتماعية والخصوصيات المتعددة في أي دولة أي أن يكون هناك مجال لتحقيق توافق بين مختلف القوى المجتمعية والدولتية ليكون المجتمع قادراً على أن يكون صاحب النقاش والقرار والمراقبة للآليات التنفيذية لحل القضايا الإشكالية ومواجهة التحديات عبر نموذج الديمقراطية المباشرة أو التشاركية وليس الديمقراطية التمثيلية التي تتخذها القوى السلطوية والدولتية لخداع المجتمعات والشعوب باسم الصندوق والعملية الديمقراطية.

العقلية الدولتية يشكل تحدياً للاستقرار والأمن

يمكننا القول إن الدويلات الوظيفية والأنظمة المركزية والثقافية السياسية والاجتماعية والفنية البعيدة عن القيم التشاركية والأخلاقية المجتمعية والجغرافيات الطبيعية، والمشكلة للحالة الأداتية والمجسدة للذهنيات والسلوكيات التي تجسد حداثة النظام النيوليبرالي العالمي، كالقومويةالعلمانية والإسلامية والذكورية، بغرض تحقيق الاحتكار والتحكم بالمنطقة وقدراتها ومواردها ومجتمعاتها، تمثل أكبر تحديات الاستقرار والأمن، إضافة للعقلية الدولتية والأنا المتضخمة، التي ترى نفسها ولونها وقوميتها الدولتيةأفضل وأعلى من الجميع. وعليه فالحالة المرضية القسرية والأزمة الموجودة هي حالة عامة، وهي ليست خاصة بمجتمع أو دولة دون سواها في الشرق الأوسط، وكما علينا النظر لها كتحد مشترك لشعوب ودول المنطقة جميعا، تستوجب البحث عن آليات تشاركية وتكاملية للعمل وتحقيق الاستقرار والأمان.

الاستقرار له بعد ثقافي واجتماعي وليس فقط أمني واقتصادي وسياسي

نعتقد أن البعد الاجتماعي والثقافي والفكري عند تناول أي موضوع أو أزمة أو تحد أمني أو اقتصادي أو سياسي، يشكل بوصلة وبداية صحيحة للنقاش والفهم، وتشخيص المشكلة وكذلك البحث عن الحلول المناسبة. وفي القضايا العامة والظواهر الاجتماعية ومعالجة تداعياتها، لابد من أن تكون النظرة والرؤية شاملة ومن كافة الجوانب وليس وفق ما نحمله من انحيازاتعقائدية قالبية أو دوغمائية أو رغباتية فوقية، ولا بد من أن تكون الحلول ديمقراطية ووفق إرادة ومصلحة مجتمعية وليس وفق مصالح فئة ضيقة أو طبقة سياسية فاسدة تريد استغلال الموقف لتمرير أجندتها مصالحها،فالاستقرار والأمان هي قضية ثقافية وفكرية واجتماعية وليست فقط قضية تتعلق بالأمن والاقتصاد والسياسية، ومن يعيش الفوضى والضياع في فكرهوذهنه لا يستطيع أن يكون عنصر مستقراً ومساهماً في الاستقرار المجتمعي بتفاعله السلوكي ورؤيته. وكذلك الدولة والسلطة التي ترى وجودها وبقائها ووحدتها في إبادة التنوع والتعدد الاثني والديني ومنع الآخرين من حقوقهم الطبيعية والعيش بثقافتهم، لا يمكن أن يسودها الاستقرار والأمن، بل ستكون لاهثة هي وسلطاتها وراء تبعية القوى العالمية وانفاق الموارد في حروبها وتسلطتها، بدل تحقيق التنمية والرفاه والاستقرار لشعبها، كحالة معظم دول الشرق الأوسط، بعد الحرب العالمية وحتى اليوم.

لا يوجد استقرار دون حل القضية الكردية

في تركيا لا يمكن أن يكون هناك استقرار وأمان، دون حل ديمقراطي لأهم قضية فيها وهي قضية الشعب الكردي وحقوقه الطبيعة في إدارة وحماية نفسه ضمن جمهورية ديمقراطية، أما الادعاء أنه ليس هناك قضية أو مشكلة كردية واستمرار اعتقال السياسيين والصحفيين والبرلمانيين الكرد والقادة كالمفكر والقائد عبدالله أوجلان وفرض عزلة شديدة مطلقة عليه، والإصرار على الحرب والقتل واستخدام الأسلحة المحظورة والكيميائية والقنابل النووية التكتيكية والمسيرات ضد المدنيين ومقاتلي قوات الدفاع الشعبي ووحدات المرأة الحرة-ستار، لا يمكن أن يجلب الاستقرار والأمان أبداً، ومن المؤكد أن الأزمة الاقتصادية الكبيرة في تركيا هي إحدى نتائج وتداعيات هذه الحرب، ولا يمكن لأحد دعم مالي خارجي حل الأزمة الاقتصادية التركية، لأن الحل يكمن في وقف حرب الإبادة الشاملة المكلفة والتي تشنها دولة الاحتلال التركية ضد الشعب الكردي في شمال كردستان(جنوب شرق تركيا) وفي شمال وشرق سوريا وفي العراق في شنكال/سنجار ومخمور ومناطق الدفاع المشروع في باشور كردستان (إقليم كردستان العراق)، ووقف تدخل تركيا في الدول العربية والعالم والانسحاب منها مع مرتزقتها مباشرة كما أشار الكثير من القادة والدول العربية وقرارات الجامعة العربية. كما أن الأمان في تركيا ومحيطها وفي دول المنطقة، لا يمكن أن تتحقق وهي تدعم داعشوالقاعدة والنصرة وتنشأ منهم ما تسمي الجيش الوطني السوري المرتزق الإنكشاري الذي ينال ويهاجم الكرد والعرب ومعظم شعوب المنطقة.

وفي سوريا، كذلك الأمر ، فالأمان والاستقرار بعيد المنال، طالما ليس هناك تجسيداً وتحقيقاً للحرية والديمقراطية اللتين  شكلتا أهم مطلبين للشعب السوري، والمحقق غالباً في نموذج الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وقوات سوريا الديمقراطية، وهذا الهدف أو حل الأزمة السورية لا يمكن إلا باللجوء إلى السياق والمعايير الوطنية السورية وعلى رأسها حل القضية الكردية في سوريا كأساس ومدخل لدمقرطة سوريا وحل الأزمة السورية، أما الإصرار على الرجوع إلى قبل ٢٠١١ وإعادة إنتاج وتكرار النظام السابق المركزي بنفس العقلية والمنهية  التي فشلت في إدارة الأزمة، فإنه لن يجب الاستقرار والأمان، كما أن الطرف المقابل فقد البوصلة والانتماء الوطني وأصبح بيدق بيد دولة الاحتلال التركية.

وكذلك الأمر في إيران، وقد رأينا أن ثورة المرأة، الحياة، الحرية بعد مقتل الفتاة الكردية جينا أميني، هي بسبب استمرار عقلية الدولة القومية الأحادية الاحتكارية بلبوسها الديني والخادمة للنظام الرأسمالي العالمي برغم تشدقهم بالعكس، ولكن مقاربتهم من الشعوب والمجتمعات المتعددة داخل إيران تجسد نفس العقلية والسلوكية التي زرعها النظام المهيمن العالمي لاستمرار مصالحه وهيمنته في المنطقة.

وفي إسرائيل التي تشكل ديمقراطيتها إحدى نقاط قوتها بالإضافة لعوامل أخرى معروفة، نرى سعي نتنياهو ومعه الأحزاب والتيارات اليمينية الى محاولة تعزيز سلطتهم الدولتية وسلطتهم على حساب بعض السلطة القضائية، وهي ستجرها لمزيد من الاصطفافات والتكتلات التي ستسبب مزيداً من التوتر وعدم الاستقرار، رغم تحقيق إسرائيل اختراق كبير في ناحية الإدماج مع المحيط العربي بعقدها اتفاقات أبراهام وسعيها لتوسيع ولعقد الاتفاقية مع السعودية صاحبة أكبر اقتصاد وربما صاحبت أكبر دور في المنطقة والاقليم مسقبلاً.

ونستطيع القول إن ما يقوله البعض وتحاول أن تقوم به من دول وسلطات المنطقة مما يسمى بتصفير المشاكل أو عودة العلاقات وتحسينها لتحقيق الاستقرار والأمن، ما هي إلا تجميد وتبريد للصراعات والتناقضات لمرحلة مؤقتة استشعرت بها خوفها وقلقها على مصالحها ونفوذها ووجودها على سدة الحكم وليس حل القضايا وإيجاد الحلول الديمقراطية التي تؤدي فعلاً لصفير المشاكل، كما تفعلها تركيا وعدد من دول المنطقة.

الاستقرار والأمان قضية تفاعلية وتكاملية

ما نقصده أن الاستقرار والأمان ليس موضوعاً جزئياً أو محلياً أو خاصةبمجال حياتي دون أخر. أو أنه مختص بدولة واحدة فقط أو بمجتمع أو شعب أو جغرافي محددة، بل أن الموضوع أشمل وهي قضية تفاعلية وتكاملية وله أبعاد مختلفة لا بد أن تتوفر بالعمل عليها، ولابد أن يكون أسس الاستقرار والأمان متينة وقائمة على السلام الحقيقي المبني على الحلول الديمقراطية للقضايا والمشاكل وليس الهدن أو الاتفاقيات المرحلية التي يلجئ لها القوى السلطوية الدولتية لتجاوز مدة معينة وثم التخلي عنها والعودة لما قبل الأزمة دون حلها. ولا يمكن أن تكون أي دولة أو مجتمع في حالة استقرار وأمن ومحيطها في حالة غليان وتوتر وحروب فلابد أن تكون التداعيات والتأثيرات موجودة.

يتحقق الاستقرار والأمن عبر إنجاز التحول الديمقراطي

كما أن الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط، لا يمكن أن يتحقق، دون حل القضايا الأساسية التي وضعتها قوى الهيمنة الغربية لتحقيق هيمنتهم وسيطرتهم علي الشعوب ودول الشرق الأوسط كالقضية الكردية وقضية الشعب الفلسطيني وغيرهم، وكذلك قضية غياب الديمقراطية وتحكم النظم الاستبدادية القمعية التي عمقت قضايا الشعبين ومجمل القضايا في المنطقة، وكذلك للوصول لاستقرار والأمن لابد من تجاوز الثقافة السياسية والاجتماعية والإجراءات الاقتصادية التي تم ترسيخها في الشرق الأوسط،لخلق التوتر والفوضى والثنائيات المتقاتلة ومنها حالة السلطوية والعقلية الدولتية التي لم تستطع إدارة التنوع في دول المنطقة المفروضة والتي لا تقبل بالتشارك والتعاون والتكامل واللامركزية وتصر على تكرار نفسها وتصر على الأحادية والإقصاء والمركزية الشديدة والاحتكار، وبالتالي الابتعاد عن الشعوب والمجتمعات والتبعية لنظام الهيمنة العالمي. ولكن إن تم العمل بشكل مشترك وبتحالفات ديمقراطية بين مجتمعات وشعوب المنطقة لتحقيق الحرية والديمقراطية لمنطقة الشرق الأوسط وإنجاز التحول الديمقراطي في دول المنطقة، عندها يمكننا القول إننا قريبون من الاستقرار والأمان والأمن وعلى الطريق الصحيح.

to top