الأحد 22 ديسمبر 2024
القاهرة °C

الباحث السياسي أحمد شيخو يكتب : بريكس والاستقطاب العالمي في ظل النظام العالمي الواحد

الحدث – القاهرة

لا يعبر توسع بريكس عن بديل، بل هي حالة من الاستقطابالدولي، والدخول في صراعات الهيمنة لمراكز القوى للنظام الرأسمالي العالمي الواحد، وعلى شعوب ومجتمعات ودول المنطقة أن تبحث عن حداثة بديلة، ربما تكون في مقرحات الكونفدرالية الديمقراطية لشعوب الأقاليم والعالم.

تزايدت النقاشات والتحليلات والأراء بعد الاجتماع الأخير لمجموعة دول بريكس في جنوب أفريقيا، ودعوتها لعدد من الدول حول العالم ومنها الشرق الأوسط بالانضمام لها، وخاصة أن بعض الدول مازالت ضمن مجموعة العشرين( (G20. ويأتي هذه الدعوة في الانضمام مع زيادة حدة الاستقطاب الإقليمي والعالمي، وخاصة بعد الحرب أو الأزمة الأوكرانية وتداعياتها الدولية على أمن الطاقة وأمن الغذاء العالمي ومجمل عملية الاستقرار والأمن في العالم، من المفارقة أن نذكر أن جيم أونيلالخبير الاقتصادي البريطاني والذي كان يعمل قبل عقدين في بنك غولدمان ساكس، عندما أوجد صيغة “بريك” من أسماء الدول(البرازيل وروسيا والهند والصين)، وحينها كان يهتم باقتصادات الدول الناشئة ويكتب عن فرص الاستثمار في الدول التي توشك أن تصبح من بين أكبر الأسواق الناشئة في العالم. نعتقد أنه حينها لم يكن يتوقع الخبير البريطاني أن تصيح المجموعة اليوم أحد مرتكزات المنافسة وتحدي الهيمنة والنظام الاقتصادي والسياسي والأمني للنظام العالمي الغربيالنيوليبرالي(الحداثة الرأسمالية).

إحدى أدوات الصين

يمكننا القول إن مجموعة “البريكس” إضافة لمنظمة شنغهاي للتعاون تمثل إحدى الأدوات التنفيذية من أجل الهيمنة والتنافس والتوسع التي تمتلكها الصين أو التي تنفذ أجندتها في الاقتصاد و التجارة وصولاً للسياسة والأمن، لأنها القائدة في هذه المجموعة، وصاحبة الاقتصاد الأقوى، وتدور الدول الأخرى حولها، كما هي أمريكا في مجموعة السبع ((G7، ومهما تم إضافة مصطلحات براقة أو تضليلية كخدمة الشعوب والدول والتخلص من الهيمنة والأحادية الغربية، إلا أننا نعتقد أنها لن تختلف كثيراً لعدة أسباب منها أنها تستعمل نفس الأدوات التنفيذية وتمتلك العقليات والذهنيات والسلوكيات نفسها التي تتواجد في المنظومة المقابلة أثناء التفاعل، أي أن لبريكس و مجموعة السبع نفس الحداثة رغم الاختلافات الشكلية والتكتيكية الظاهرة.

انضام دول الشرق الأوسط لبريكس

صحيح إن توسع بريكس وانضمام دول جديدة، سيغير من المشهد الإقليمي والعالمي مع الوقت إن حصل، وخاصة في الجنوب العالمي، ولكن لانضمام دول الشرق الأوسط وغيرهاأسبابها الخاصة والإقليمية والتي ربما يتم تداركها من قبل القوى الغربية ومنها:

1- عدم التزام المجموعة الغربية بقيادة أمريكا والاتحاد الأوربي، بمخاوف بعض دول الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا في المجالات الأمنية والاقتصادية، إضافة لمشهد انسحابها من أفغانستان وتعاملها الباهت والانتقائي مع قضايا الشرق الأوسط والعالم، ولذلك ترى بعض الدول أن انضمامها اقتصادياً ومالياً وتجارياً لبريكس، سيعطيها فيما بعد ثقل ونفوذ وعلاقات سياسية وعسكرية تراكميةيحقق لها وجودها في السلطة ودوام وجودها واستمرار مصالحها السلطوية الطبقية والنخبوية.

سهولة الشروط والتعامل الذي يقدمه بنك التنمية التابع لـ”بريكس” والمقام منذ ٢٠١٥، بالمقارنة بشروط التي تفرضهاوتقدمها البنك وصندوق النقد الدوليين والمنظومة الغربية، ليس فقط من الناحية الاقتصادية بل من النواحي الاجتماعية والسياسية والأمنية، علماً أن القوة المالية والرصيد المالي للاقتراض والاستثمار، مازال متواضعاً في بنك التنمية التابع لبريكس بالمقارنة مع البنوك الغربية وصندوق النقد الدولي، وحتى أنه من بين نحو 33 مليار دولار من القروض التي وافق عليها بنك التنمية الجديد كان ثلثا القروض بالدولار.

التحديات أمام بريكس

مع رغبة بريكس في التوسع، لأسباب تتعلق برغبة الصين في التوسع وتغير المعادلات الدولية لصالحها، وأخذها التدابير لحرب باردة قادمة مع أمريكا، ورغبة روسيا في كسر عزلتها وجدار العقوبات بعد الأزمة الأوكرانية، لكن الهند يراودها مخاوف من طموحات جارتها وهم الذين بينهم عدد من التناقضات، أقلها مشاكل الحدود والهيمنة الإقليمية لكل واحد على حساب الأخر، أما جنوب أفريقيا والبرازيل، فهم يرغبون بالتوسع ولكن ليس على حسابهم أو الذهاب لخلق تحديات مباشرة مع المنظومة الرأسمالية الدولية، وهم يعلمون أنه مازالت الهيمنة الاقتصادية والأمنية حول العالم لأمريكا، وإن بدت ليست بالهيبة والقوى قبل عشرة سنوات.

وعليه ورغم التوافق الموجود إلى حد كبير لمحاولة خلق نظام تعددي عالمي أقله على المستوى الاقتصادي في المرحلة الأولى ولكن هذا لايكفي لوحده، وهناك جملة من التحديات أمام بريكس والتوسع فيها وهي:

1- الاختلافات الموجودة بين دولها وأقطابها، فالصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا لاتنظر للحرب الأوكرانية من منظور ورؤية واحدة، وهم على اختلاف فيما بينهم. كما أن موقف الدول الرئيسية من التوسع ليس بالتوافق المرغوب، وهناك دول توافق وأخرى تعترض على انضمام بعض الدول وفق رؤية كل دولة وليس وفق معايير مشتركة.

كما أن ومن تصويب هذه الدول في مجلس الأمن الدولي نرى كمية الاختلاف بينهم في الكثير من الشؤون الدولية والإقليمية.

2- بنية الدول في هذه المجموعة وهي المركزية الشديدة والاستبدادية الملحوظة وضعف النظام القضائي في دول هذه المجموعة، فلو حصل خلاف أو تنازع ما، فماهي المرجعية القانونية الخاصة بهم، وأغلب هذه الدول يحكمها أنظمة شمولية، والقضاء فيها غير نزيه ولا يملك صلاحيات كافية للفصل في الأمور، وخاصة إذا كانت شؤون سيادية وفق التعبير القانوني في هذه الدول، فعندها القضاء ليس لهم كلمة بل السياسة والسلطةوالرئيس هي التي تحكم وتقول الكلمة الفصل، وليس المؤسسات.
3- آلية التوسع ومبادئه وآلية اتخاذ القرار، فالتوافق والاجماع ومع التوسع المراد، سيكون هناك مشاكل والآلية الحالية، نعتدها غير كافيةو ربما لا بد  من أن تتعرض لتغيير حتى تساير التوسع الجديد.

عملة بريكس

ورغم رغبة دول مجموعة بريكس في كسر هيمنة الدولار، والتعامل بالعملات المحلية وإيجاد عملة مشتركة وخاصة من قبل روسيا، إلا أن هذا الموضوع والخطوات التي تم السير فيها، ليست واعدة بالشكل المتصور والمراد، فمازالت غالبية التعامل حتى من بنك التنمية بالدولار الأمريكي، ونتيجة اختلافات كفاءة الاقتصادات بين هذه الدول واختلاف قيمة العملات بين دول بريكس، تظل إيجاد عملة خاصة بدول البريكس قضية صعبة إن لم تكن مستحيلة في الوقت الراهن.

النظام الصيني إحدى مرتكزات النظام الرأسمالي العالمي وأحجد ومراكز الأساسية ولن يكون البديل يوماً

ونعتقد أن من المهم للمحللين والباحثين في شأن النظام العالمي والإقليمي والنظام الصيني وبريكس، أن يعلموا أن النظام الصيني هو الذي استمر في بث الروح في النظام الرأسمالي العالمي لسنوات وعقود طويلة حتى اليوم، وهو أحد مرتكزاته ومراكزه الأساسية، ولو دققنا في هيكلية وبنية النظام الاقتصادي والتجاري والسياسي الصيني، سنجد مفهوم السلطة والدولة القومية المركزية وهما أهم أداتين للنظام الرأسمالي العالمي، لدوام الهيمنة ونهب الشعوب والمجتمعات والأمم.

كونفدرالية الشعوب والأمم الديمقراطية والاقتصاد الديمقراطي الإقليمي والعالمي، تستطيع أن تكون البديل

وعليه، نعتقد أن دول الشرق الأوسط وشعوبها ومجتمعاتها، وكذلك على الباحثين والسياسيين والاقتصاديين، أن لا يذهبوا بعيداً في تصوراتهم، وكأن الصين تستطيع أن تقدم البديل أو أن تكون البديل للنظام العالمي أو تستطيع بناء نظام متعدد الأقطاب. يمكن أن تدخل بعض دول الجنوب لمجموعة البريكس ويمكن أن يتوسع أكثر، ولكنه سيبقى جزء من المنظومة الاقتصادية العالمية الغربيةالرأسمالية وليس بديل لها أو عنها، لأن البديل يحتاج الى ذهنية وعقلية وسلوكية مختلفة في مجالات الحياة كافة في الاقتصاد والسياسة والثقافة والفن والتعليم وعلاقة الرجل بالمرأة وبمجمل إدارة الحياة، والأهم أن أي نظام بديل يحتاج لحداثة بديلة غير متوفرة في بريكس ومنظومتها ودولها ذات النزعة الأحادية السلطوية المركزية.

ولو تسألنا كيف تنظر مجموعة بريكس أو قائدتها الصين إلى الموروث الثقافي الشرق أوسطي التعددي وقيمه الأخلاقية والثقافية والروحية وكيف ستتعايش معها أو كيف ستطورها وتأخذها كرافد لمشروعها الشامل إن وجد؟

وكذلك ما هو موقفها من أهم القضايا والمشاكل العالقة في الشرق الأوسط والناتجة عن التدخلات الدولية  وفرضهم لدول مصطنعة ونظم استبدادية، كالقضية الكردية والقضية الفلسطينية وقضية حرية المرأة وريادتها للعمل المجتمعي، فإننا لن نجد أجوبة شافية وكافية ولا نجد بدائل أو مقاربات مختلفة عن الليبرالية الغربية أو أية مشاريع للحل الديمقراطي للقضايا المصيرية لشعوب الشرق الأوسط، ويمكننا القول أن البعد الاقتصادي أو العسكري أو الأمني أو السياسي لوحدة لا يكفيلبناء بدائل أو إيجاد ظروف للتعددية القطبية، بل يجب توفر الأبعاد الثقافية والاجتماعية والفكرية والإنسانية للتفاعل مع شعوب ومجتمعات الشرق الأوسط وأفريقيا مع الجوانب الاقتصادية، وهذا ما لا نجده عند الصين أو دول البريكس، التي جل همهم تأمين اسعافات أولية لمشاكلهم الاقتصادية الناتجة عن غياب الديمقراطية واستمرار التدخلات الخارجية، وهنا لابد أن نشير أنه يمكن لمجتمعات وشعوب الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا أن تبحث وتجد البدائل من بين مجتمعاتها وشعوبها وليس الانتظار من الخارج سواءً غرباً أو شرقاً، وكذلك بناء البعد الاجتماعي الأساسي وبناء الإنسان والمجتمع والاقتصاد الذاتي الديمقراطي لهذه البدائل والذي يمكن أن يطور أية تفاعلات ناجحة على الصعب الإقليمية والعالمية من خلال بناء كونفدراليات ديمقراطية بين شعوب المنطقة والعالم وأممها الديمقراطية ووضع مصالح المجتمعات والشعوب في الاعتبار الأول لأي تحرك أو تكتل إقليمي أو عالمي، أما السير تحت مظلات دول سلطوية واستبدادية وقوموية وأحادية،  لا يقدم جديد، سوى بدخول دول وشعوب المنطقة في مرحلة جديدة من الصراعات بين مراكز النظام العالمي الرأسمالي، كما يحصل الآن بين بريكس و الدول السبع(G7) وبين روسيا والغرب في أوكرانيا وربما غداً في النيجر أو  في أية دولة حول العالم، ونعتقد أن المكان المناسب للبديل هو الشرق الأوسط وفي المركز منها كردستان وشعبها ومشروعهم الديمقراطي  بأبعاده المختلفة.

to top