الإثنين 25 نوفمبر 2024
القاهرة °C

البناء المشترك بين أمريكا وتركيا في ليبيا

د. جهاد عودة

طرأ تطور نوعي جديد  على استراتيجية الأفريكوم  ( قوات البينتاجون  فى افريقيا) منذ أواخر عهد أوباما وتبلور بشكل واضح مع انتخاب ترامب.  تمثل فى ان الناخب الأمريكي وصناع القرار في أمريكا لا يريدان  دفع المزيد من الأموال والأرواح خارج الولايات المتحدة من أجل الدفاع عن مفهوم الأمن القومي القديم. ان استراتيجية الأفريكوم تتجه الآن نحو الوقاية الأمنية ، لذلك لا نراها تتدخل مباشرة في ليبيا ، ولكن تراقب فقط الحدود والسواحل لمحاولة الحد من تسلل الأسلحة والإرهابيين .  بالتالى الانسحاب الامريكى هذه المره ليس انسحابًا على مراحل مثلما وقع سابقًا في أفغانستان والعراق، ويقع حاليا في عدة دول، وإنما إعادة انتشار.

وهذه الاستراتيجية  الجديدة التي تتبعها الولايات المتحدة منذ عهد أوباما و تتواصل حاليا مع ترامب حيث  يتوقع أن يبقى جزءً منها في بعض القواعد الأمريكية.  المشكله الحقيقيه لا تكمن  في خفض القوات الامريكيه فى المنطقه ، شمال افريقيا والساحل والصحراء، او اعتبار الساحل مجالا استراتيجيا فرنسيا ام لا ، بل تكمن المشكله فى عدم الاتساق الاستراتيجى بين ما يريده البيت الابيض وما يريده البنتاجون وما تريده  الخارجيه الامريكيه.

المعضلة الحقيقية تتمثل انه ليس هناك  فاعل واحد مسيطر فى واشنطن  يدير المشهد فى هذه المنطقه من العالم ويخلق سياسه متماسكه. هذا بالاضافه الى ما يثيره احتمال سحب القوات الأمريكية من الساحل الإفريقي.  ومبعث القلق الفرنسى يأتى من فرنسا  التي تعتمد على المعلومات المخابراتية والتسهيلات اللوجيستية الأمريكية لقواتها التي يبلغ قوامها 4500 فرد في الساحل.  وكانت فرنسا قد طالبت في وقت سابق الولايات المتحدة الأمريكية بإبقاء دعمها العسكري في غرب إفريقيا. من جانبه قال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر  إن الولايات المتحدة لن تسحب كل قواتها من أفريقيا ” لن نسحب القوات بالكامل من أفريقيا… أعلم أن هذا يشكل مصدر قلق للكثيرين.. لكن أقول مجددًا إننا لم نتخذ قرارات بعد”.

وعلى الرغم من أن بعض المستشارين العسكريين يقولون إن عملية إعادة تمركز للقوات فات وقتها، فإن كثيرًا من المسؤولين الأمريكيين يشاركون فرنسا مخاوفها من تخفيف الضغط على المتشددين في أفريقيا.  في الأساس، سواء أراد الأمريكيون الانسحاب أو أرادوا خفض قواتهم، كما يحدث الآن، يزيد من  الاندفاع  للحرب بسبب احتياج الفرنسيين إلى الأمريكيين أكثر مما احتاجوا إليهم في أوقات أخرى.  لكن هناك من يرى أنه لا يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة  طوال الوقت.  فى ضوء هذه المعضله الاستراتيجيه يكون التصور الاستراتيجى للرد التركى .

الدخل العسكرى  التركى  يستبدل و يخفف الضغط اللوجستى والمخابراتى  على الامريكان من ناحيه ويسمح لفرنسا والمانيا والاتحاد الاوروبى  بالتقاط الانفاس  والتركيز على معالجة المشاكل الاوروبيه بسبب فيروس كرورنا. فى قول  محدد، نجحت تركيا فى خلق احتياج استراتيجى او ارض مشتركه بين الاوروبيين والامريكان.  وتمثل هذا فى أنه أحيانًا قد توجد فوارق بين التصريحات الرسمية وما يجري على الأرض :   حيث اصبح باستطاعة فرنسا و باقي الدول الأوروبية تعويض الحضور الأمريكي في المنطقة، خاصة أن القوات الأمريكية أفريكوم  التى لا تقوم بتدخلات مباشرة ، من خلال الدور التركى .  ان المهمه الاساسيه للامريكان هى  حماية المصالح الأمريكية والتى من المرجح ان تجرى على النحو التالى :

1-  وجود فرنسا القوى  فى شمال افريقيا  لن يكون مهددًا  وان فرنسا لديها موالون وأصدقاء وقوات بالقرب من الحدود الليبية الجنوبية والغربية  سيكون من صالحها الوجود التركى  .  2-  سيكون هناك فرصه  لتنظيم  التنافس الفرنسي الامريكي الاوروبى  من خلال تركيا  وثروات افريقيا والشرق الاوسط  ضد الصين ربما روسيا.

تدخلت فرنسا عام 2013 لطرد متشددين استولوا على شمال مالي.  ومنذ ذلك الوقت صعد المتشددون الهجمات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.  واعلنت فرنسا إنها ستنشر 220 عسكريا إضافيا في المنطقة على الرغم من تصاعد المشاعر المناوئة لباريس في بعض الدول والانتقاد في الداخل الفرنسي القائل إن القوات الفرنسية سقطت في مستنقع.  وحسب محللين ومراقبين فالتواجد الأمريكي في الساحل الإفريقي يحافظ على توازن الاستقرار في ملفات مثل الإرهاب والهجرة غير الشرعية في المنطقة، كما هناك تخوفات من انعكاسات هذا الانسحاب المحتمل بشأن استفحال الإرهاب وتزايد موجات الهجرة على منطقة شمال إفريقيا، التي تعد معبرًا للهجرة  نحو أوروبا، ونحو فرنسا بالأخص.   هذه الانعكاسات يمكن تفاديها في حالة واحدة فقط وهي حين توفر “التنسيق الجيد”  وفق التصور  التصور التركى الجديد مع دول شمال إفريقيا ودول الساحل علما  أنه إلى جانب خطر استفحال الإرهاب في المنطقة، هناك مخاطر أخرى تتمثل في تهريب الأسلحة والمخدرات.

إن دول شمال إفريقيا مهددة إلى جانب الإرهاب بأنواع أخرى من المخاطر، ومنها تهريب الأسلحة و المخدرات والأموال الساخنه.   التصور الامريكى ينبع من قدرة المنظم التركى فى تخفيض  تضارب مصالح بين فرنسا وبعض الدول الأوروبية التي لديها حضور قوي في إفريقيا خاصة في مالي وموريتانيا.

فى اطار هذه  المباريات المعقده  قال الرئيس رجب طيب أردوغان بعد مكالمة هاتفية مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب ، إن تركيا والولايات المتحدة قد يشرعان في عهد جديد في علاقتهما بشأن الصراع في ليبيا ، مضيفا أن خليفة حفتر قد يتم تهميشه قريبا دبلوماسيا.   هذا وناقش الزعيمان الاحتجاجات ضد عنف الشرطة في أعقاب مقتل الأمريكي الأفريقي جورج فلويد في مينيابوليس الشهر مايو 2020  والتي انتشرت عبر الولايات المتحدة ودول أخرى .  وحذر أردوغان ترامب من أن المسلحين الأكراد يدعمون المتظاهرين في الولايات المتحدة.  قال أردوغان إن ترامب اعترف بنجاح تركيا في إعادة تشكيل الصراع في ليبيا ، حيث أدى دخول عضو حلف شمال الأطلسي لدعم حكومة فايز السراج المعترف بها دوليًا إلى تغيير الحرب لصالحه بشكل كبير.

وأكد أردوغان دون أن يخوض في تفاصيل: “قد تبدأ فترة جديدة بين الولايات المتحدة وتركيا فيما يتعلق بعملية [ليبيا] ، وصار لدينا بعض الاتفاقات خلال محادثتنا ،  والتى على  اساسها تم اتخاذ مثل هذه الخطوة”.  وقال بيان صادر عن البيت الأبيض إن الزعيمين ناقشا الصراع الليبي وسوريا ومنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط ، لكنهما لم يقدما تفاصيل أخرى.  ظلت الولايات المتحدة إلى حد كبير خارج نطاق النزاع  الليبى منذ أن شن الجيش الوطني الليبي هجوما العام الماضي للسيطرة على العاصمة طرابلس. وقد دمر العنف الدولة الغنية بالطاقة منذ عام 2011 ، عندما أطيح بالقائد السابق معمر القذافي بدعم من الناتو.  الآن ، تتصاعد وتيرة الجهود الدولية لحل القتال بين قوات حكومة الوفاق الوطني التابعة لحكومة السراج والجيش الوطني الليبي ، التي تتلقى الدعم من الإمارات العربية المتحدة ومصر وروسيا.

التقى أردوغان بالسراج في تركيا فى يونيو 2020 ، في حين أجرى مسؤولو الجيش الوطني الليبي محادثات في مصر أسفرت عن دعوة لوقف إطلاق النار. رفضت القوات السراج الهدنة المقترحة.  قال اوردغان  “لقد تم استعادة المناطق الأكثر حيوية … والتقدم مستمر..  واشار الى هذه التطورات   من شأنها طرد حفتر من العملية في أي وقت.”  واكد أردوغان أن حفتر يستمد “كل قوته” من روسيا ولكنه الآن في حالة تراجع. وقال إن تركيا ترى أن الاستيلاء على المناطق التي تحتوي على الغاز الطبيعي ورواسب النفط أمر حاسم و “وهذا يزعج روسيا” ، مضيفًا أنه يخطط للتحدث قريبًا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.  وأشاد بوتين بجهود مصر للتوسط في وقف لإطلاق النار ، بينما اتفق وزير  الخارجيه الروسى مع نظيره التركي هذا الأسبوع على التعاون في عملية السلام .

قال أردوغان إن ترامب على علم بمزاعم تركيا بأن حركة أنتيفا ، وهي حركة غير رسمية مشتقة من “مناهضة الفاشية” ، لها صلات بمنظمات يسارية أجنبية وستقيم المعلومات التي قدمتها تركيا للولايات المتحدة بشأن النشطاء. تزعم تركيا أن أنتيفا لها صلات بحزب العمال الكردستاني المسلح (PKK) ، الذي وصفته الولايات المتحدة بأنها منظمة إرهابية لتمردها الذي استمر ثلاثة عقود في تركيا ، ووحدات حماية الشعب السوري (YPG)، وهي ميليشيا كردية تسلحها الولايات المتحدة في محاربة تنظيم داعش. زعم أردوغان أن أنتيفا شارك في “عمليات خطيرة” في سوريا.  وقال أردوغان ” أخبرت  ترامب  أن مجموعات مثل وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني قد اجتمعت في الولايات المتحدة مع منظمة إرهابية تسمى أنتيفا” ، مضيفًا أنه حذر ترامب من أن دعم الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب “سيأتي يومًا ما لضربك “.   وكان ترامب قد صنف أنتيفا كجماعة إرهابية ويلوم الحركة على العنف الذي رافق الاحتجاجات السلمية إلى حد كبير في الولايات المتحدة. هذا فى الوقت الذى صرح فيه مكتب التحقيقات الفدرالي إنه لا يوجد دليل على أن أنتيفا كانت وراء العنف. أثار اندلاع الغضب من مقتل فلويد والحملة التي تلت ذلك مقارنات في تركيا بين الرئيسين ، بما في ذلك “محاولة ترامب لبدء حرب ثقافية بسبب الاضطرابات الحالية” مع أردوغان ، الذي “دبر رد فعل عنيفًا محافظًا” ضد الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

to top