مير عقراوي
القرآن الكريم هو نص إلهي رباني معصوم المتعبد بتلاوته والمنقول بالتواتر الينا ، أي هو كلام الله سبحانه المنزل منجما ومفرقا ، وذلك بحسب الأحوال والأحداث والوقائع في ثلاث وعشرين سنة على نبيه محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء والرسل – عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام – .
كما ذكرنا فإن القرآن الكريم هو النص الوحيد المعصوم في الإسلام الذي تكفَّل الله تعالى بحفظه مثلما جاء في قوله سبحانه : { إنا نحن نزلنا الذِكْرَ وإنا له لحافظون } الحِجْر / 9
فالقرآن الحكيم يشتمل على جملة من العلوم والمعارف ، وعلى محاور كثيرة متعددة ومختلفة كالتعاليم والأحكام التعبدية والايمانية والفردية والعائلية والاجتماعية والتاريخية والقصص والأمثال وغيرها . لذا فإن كل هذه المحاور والعلوم القرآنية بحاجة الى التفسير من قبل علماء يلمون بأصول التفسير وقواعده وضوابطه .
تعريف التفسير من حيث اللغة : لقد عرَّف العلماء بأن التفسير هو التوضيح والإيضاح ، البيان والتبيين ، الإبانة والكشف .
أما التفسير على الصعيد الإصطلاحي فهو علم يُعرف به فهم ومعرفة كتاب الله تعالى المنزل على رسوله محمد – عليه وآله الصلاة والسلام – وبيان معانيه ومعرفة غاياته ومقاصده واستخراج أحكامه .
ثم إن التفسير – كما قال العلماء – هو القطع على إن المراد والغاية من اللفظ هذا ، والشهادة على أنه عُني باللفظ هذا .
تعريف التأويل من حيث المصطلح : التأويل هو تفسير باطن الألفاظ والمفردات . يقول الأستاذ السيد رشيد رضا عن التأويل : [ التأويل هو بيان معناه بعد إزالة ظاهره ] ينظر كتاب ( تفسير القرآن الكريم ) لمؤلفه الأستاذ السيد رشيد رضا ، ج 3 ، ص 179
يقول القرآن الكريم : { هو الذي أنزل عليك الكتاب : منه آيات مُحكمات هُن َّ أُم ُّ الكتاب ، وأُخَر َ متشابهات ، فأما الذين في قلوبهم زَيْغ ٌ فيتَّبعون ماتشابه منه ُ آبتغاء الفتنة وآبتغاء تأويله ، ومايعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم يقولون : آمنا به كل من عند ربنا وما يذَّكَّر ُ إلاّ أولوا الألباب } آل عمران / 7
التفسير : إن خطاب الآيات كلها هو موجه لرسول الله محمد – عليه وآله الصلاة والسلام – ، وذلك بمعنى إن الله تعالى أنزل عليه القرآن الحكيم ، حيث فيه آيات محكمات واضحات بينات جليات لا لبس فيها ولاغموض ، مثل الآيات المتعلقة بالحلال والحرام وأصول الدين والإيمان وأركانه وقواعده وغيرها ، حيث تلكم الآيات المُحكمات هُن َّ أم الكتاب وقواعده وأسسه ، وفيه أيضا آيات أخرى متشابهات لاتتضح الأمور والمواضيع إلاّ بالنظر الدقيق العميق والثاقب ، وبالتأمل والتدبر فيها مليَّا ، مثل آيات الحروف المقطعة في أوائل مجموعة من السور ، ومثل آيات : { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون } التوبة / 105 ، واللفظ المتشابه في الآية ، هو { فسيرى الله } ، و{ مامنعك أن تسجد لما خقلت بيديَّ } ص ، 75 ، واللفظ المتشابه في الآية ، هو { بيديَّ } ، و{ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه } الزُمَر / 67 ، واللفظ أن المتشابهان في الآية ، هو { قبضته } و { بيمينه } ، { وجاء ربك والملك صفا صفا } الفجر / 89 ، واللفظ المتشابه في الأية ، هو { وجاء ربك } ، و{ يد الله فوق أيديهم } الفتح / 10 ، واللفظ المتشابه في الآية هو { يد الله } ، و{ يبقى وجه ربك } الرحمن / 27 ، واللفظ المتشابه في الآية ، هو { وجه ربك } ، و { الرحمن على العرش آستوى } طه / 5 ، و { وتجري بأعيننا } القمر / 14 ، واللفظ المتشابه في الآية ، هو { بأعيننا } ! وغيرها من الأيات المتشابه في القرآن الكريم .
أما الذين في قلوبهم جحود عن الحق وعدول عن الإستقامة والعدل وآتباع الهوى والإنحراف فإنه يتعلق بالمتشابه من الآيات ويتشبَّث بها ، وذلك سعيا لفتنة الناس عن دينهم ، أو بهدف تفسيرها بما يوافق ويتفق مع هواهم المذهبي ، أو الطائفي وماشابه ، لأنه بالحقيقة لايعلم تأويلها ، أي تفسيرها الدقيق الذي هو يكمن في بواطن الآيات المتشابهات إلاّ الله سبحانه والراسخون في العلم ، أي المتمكنون علمياً ومعرفياً وثقافياً يقولون : آمنا به ، حيث كل من عند الله تعالى ؛ المحكم والمتشابه من الآيات ، ثم لايتأمل ولايتدبر في الآيات المحكمات والمتشابهات إلاّ أصحاب العقول النيرة والسليمة .
ويتضح من سياق مقطع الآية { والراسخون في العلم …} يمكن إضافة الفهم التفسيري – التأويلي التالي اليها أيضا ، وهو : علاوة إن الراسخين والمتمكنين في العلم والتفكير يؤمنون بأن جميع الآيات الكريمات سواءا كانت محكمة ، أو متشابهة هي من لدن الله تعالى ، لكنهم كذلك بعد الله تعالى بوسعهم كشف تأويل الآيات المتشابهات وكشف ماخفي منها . عليه لاشك بأن الراسخين في العلم والمعرفة والثقافة لهم إطلاع على التأويل ويعرفونه ويعلمونه . في هذا الصدد نستند على مارواه البخاري في صحيحه عن عبدالله بن عباس – رضي الله عنهما – بأن رسول الله محمد – عليه وآله الصلاة والسلام – دعا له ، فقال : { اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل } .
ثم يمكن فهم التأويل بمعنى إيجاد الحلول لبعض آيات الأحكام ، أو الحدود أيضا ، مثل حدود السرقة وشرب الخمر ، وذلك بآستبدالها بالسجن ، أو الغرامة المالية بدلاً من قطع اليد والجلد ، لأن المهم لدى الشارع هو تنفيذ الأحكام لا الآلية التي يتم بها تنفيذها ، والسبب هو إن الأعراف اليوم بأبعادها الثلاثة : المحلية والإقليمية والعالمية ، بخاصة العالمية منها في هذا العصرلاتستقبل وحسب ، بل ترفض مثل تلكم الحدود والآليات التنفيذية لها . والعرف مهم جدا في التشريع الاسلامي ، بل هو أحد مصارده . في هذا الصدد يأمر الله تعالى نبيه محمد – عليه وآله الصلاة والسلام – الأخذ بالعفو والتسامح والرفق ، ثم بالعرف أيضا كما نقرأ في قوله تعالى : { خذ العفو وأمر بالعُرْفِ وآعرض عن الجاهلين } الأعراف / 199
أصول التفسير : يقول الدكتور فهد الرومي في تعريفه لأصول التفسير بأنها : ( القواعد والأسس التي يقوم عليها علم التفسير ، أو هي العلم الذي يتوصل به الى الفهم الصحيح للقرآن ويكشف الطرق المنحرفة ، أو الضالة في التفسير ) ينظر كتاب ( بحوث في أصول التفسير ) لمؤلفه الدكتور فهد الرومي ، ص 11
إن العدديد من الفِرَق والمذاهب تذهب مذاهب لاتتفق وأصول التفسير ولامع روح القرآن الكريم ولا سياق آياته إطلاقاً ، مثل التفسيرات الباطنية ، أو تفسيرات بعض الصوفية ، أو تفسيرات عدد غير قليل من الشيعة ، فمثلا يعتقد القسم الأخير منهم بأن الآية الأولى من سورة التين ، وهي : { والتين والزيتون …} معناها : الحسن والحسين سبطا النبي الأكرم محمد – عليه الصلاة والسلام – ، وهذا خطأ كبير وغلط واضح وفهم متعثربالكامل لهذه الآية خصوصا وسائر الأيات في القرآن بشكل عام . اذا ألقينا نظرة عميقة ومتأملة ودقيقة للآيات الواردة في سورة التين نرى مدى إنحراف التأويل الباطل المذكور عن سياقها . فالآيات تتحدث صراحة وبوضوح تام عن مواقع جغرافية وأماكن مشرفة محددة ومعينة ظهر فيها ثلاثة من الأنبياء الكرام ، وهم : موسى وعيسى ومحمد – عليهم الصلاة والسلام – . إذن فما دخل وعلاقة الحسنان الكريمان بالأيات ، وبتلكم المواقع والأماكن ؟ . تقول الآيات : { والتين والزيتون (1) وطور سينين (2) وهذا البلد الأمين (3) } ، ف: { التين والزيتون } هما للدلاله على فلسطين التي تكثر فيها التين والزيتون ، حيث نبي الله عيسى المسيح ، و{ وطور سينين } للدلالة على جبل طور في سيناء ، حيث نبي الله موسى ، و { وهذا البلد الأمين } للدلالة على مكة المكرمة ، حيث خاتم الأنبياء والرسل ، وهو محمد بن عبدالله .
إننا اذا تماشينا على سبيل الإفتراض والجدل مع الفهم الخاطيء ، بل المحرف المذكور لفهمنا ولقرأنا الآيات المذكورة من سورة التين بالشكل التالي :
( الحسن والحسين ، وطور سينين ، وهذا البلد الأمين ) !!! ، فهل حينها تكون للآيات أيَّ معنى ومغزى ومفهوم وحكمة ، ثم ما علاقة الحسنان بطور سيناء ؟ ، ومثل هذا التأويل والتفسير الخاطيء كثير جدا عند هؤلاء القسم من المسلمين للأسف الشديد . لهذا فإنهم بالغوا في الأئمة مبالغة عجيبة وغريبة تتناقض جملة وتفصيلا مع الكتاب والسنة ، منها إن الأئمة كانوا يتقنون ويعرفون جميع لغات الشعوب والقوميات والقبائل في العالم ، ومنا أيضا ان الأئمة هم أفضل درجات من جميع الأنبياء بآستثناء الخاتم الكريم المكرم الأكرم ، وهو سيدي رسول الله محمد – عليه وآله الصلاة والسلام – ، ومنها كذلك إن الأئمة كانوا يعلمون الغيب ، بل وصلت المبالغة عندهم الى تأليه رجالات البيت النبوي الكريم!.