الثورة السورية ومِقصَلة الدِّين
بدران الحُسيني
لا تحتاج الثورة السورية إلى قواميس سياسية لفكِّ طلاسمها وألغازها وفهم الحيثيات التي أودت بها إلى هذا الدَّركِ المنحطِّ أخلاقياً ودينياً والسقوط والفشل الذريع لها، وانحرافها عن مسارها الثوري إلى منحى اللصوصية والدُّونية الإنسانية، واتجاهها نحو التوحش؛ حتى باتت خيارات الحل مستعصية على كل دول العالم المتدخلة في الشأن السوري لتراكم المتناقضات والأضداد بين مصالح هذه الدول.
فمنذ أن تحولت الثورة من السِّلميةِ إلى مسلّحة بحجة حماية المتظاهرين؛ سارع شيوخ العهر والنِّفاق كالعرعور وغيره من رموز الإخوان المسلمين لقيادة الرُّعاع وإدارة مركبتهم من الخارج ناهيك بالفتاوي التي لا تمتُّ إلى الإسلام بشيء معتمدين بذلك على تفاسيرٍ تشبه الهلوسات والخزعبلات منذ أكثر من ألفٍ وأربعمئة عام؛ فحلَّلوا القتلَ والسَّبْيَ ومنهم مَنْ أجاز ذبح الإنسان، ولكن ليس من (حنجرته بل من قفاه)، وهو المسار والمنحى الذي رسم له النظام السوري وشبكة استخباراته وسعى فيه وإليه ليتمكن من إعلان أن ما يجري في سوريا هي حرب كونية على الشعب السوري لا عليه، ولأنه المؤتمن على الدستور السوري يتوجب عليه حماية هذا الشعب من موجة الإرهاب الذي يضرب سوريا ليصبح مادة للاستهلاك في تبرير التدمير والقتل والسطو والنهب والأحلام المريضة التي يتقاسمانها كلا الطرفين.
وما عمَّق هذا الشرخ والتصدع والانزلاق نحو الهاوية لِمَا كانت تسمى الثورة السورية هي سياسة سلطان المواخير ـ أردوغان ــ ومساهمته في توفير الدعم للكادر الإرهابي الإخواني المنخرط في هذا المسار الدموي؛ إذ شرَّعَ أبواب حدوده الجنوبية لقوى الشر الظلامية من ما وراء الحدود، والعصابات الراديكالية الإسلامية وكل حثالة البشرية وهَمَجِهَا للتدفق نحو الميدان السوري وهو ما أكد أكثر مزاعم النظام واتكأ عليها في حربه وتفرعاتها ومشتقاتها وأدواتها التي لا تخفى على أحد ضد المدنيين السوريين.
في هذا المشهد المليء بالتخمينات وردود الأفعال لم تكن إسرائيل ربيبة الدول الكبرى والوتد الإمبراطوري في الشرق الأوسط بعيدة عن الأحداث بأدق تفاصيلها لحظة بلحظة وتحديداً بعدما أعلن أحد أقطاب النظام وداعميه الرئيسيين بأن أمن إسرائيل من أمن سوريا الراهنة (الأسد)؛ في الوقت الذي كان جُهلاء وزعران شيوخ المعارضة ينعتون النظام بالجُبن لأنه لم يُطلِق صاروخاً واحداً على إسرائيل منذ أربعين عاماً وما شابه من تلك الاتهامات الخرندعية التي لا تفي بغرض التحول الديمقراطي والعيش بسلام.
من المؤكد آنذاك أن إسرائيل كانت تقارن بين مطرقة الحالة الإرهابية الإخوانية المعادية لها حديثاً، وبين السندان القديم للمقاومة والصمود، ومن البديهي أن هذه التصريحات من شيوخ العهر في الخارج وأذنابهم المسلحين في الداخل؛ كانت محل دراسة وتدقيق وتمحيص من قِبَلِ الحكومات الإسرائيلية رغم محاولاتها العديدة التقرب منهم ومعالجة جرحى المسلحين في مستشفياتها، وهذه المقاربات وغيرها من المعادلات شكّلت رادعاً ومانعاً لإسرائيل والقوى الكبرى وخصوصاً أمريكا من التدخل الفعلي في الصراع وحسمه حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود رغم بعض تصريحات هذه القوى ومساعداتها لحفظ ماءِ وجهِها؛ ما أدى إلى حصول كارثة إنسانية في سوريا وتدميرها على كل المستويات واستحالة الحل فيها.
وأمام هذا الواقع المرير بمفرداته وتشعباته وإيقاعاته، والرهان على الإرهاب والإرهاب المضاد هناك سؤال يطرح نفسه على ممن يسمون اليوم بالمعارضة، ويقتضي الإجابة عليه دون مراوغة وتسويف: أليس المشروع الديمقراطي المُطبَّقُ في الشمال السوري ــ الذي كان ثمنه تضحيات عشرات الآلاف من خيرة الشباب والشابات لردع إرهاب كلا الطرفين المتصارعين ــ هو حبل النجاة للسفينة السورية التي توشك على الغرق؟؟ أليس هذا المشروع هو خيار من الخيارات التي يمكن البناء عليه لإنقاذ الدولة السورية الموحدة بعيداً عن تغوُّلِ الدينِ العرعوري والقرضاوي في الدولة؛ لأن الدين لله والوطن للجميع؟؟.
-روناهي