الحدث – القاهرة – بقلم الباحث السياسي: أحمد شيخو
رغم كل التحدياتالأمنية والسياسية والاقتصادية والظروف الصعبة، من استمرار هجمات خلايا داعش واستهدافات دول مسار آستانة وحصارهم وتحركاتهم المشتركة لوأد التجربة الديمقراطية وعلى رأسهم دولة الاحتلال التركية، علاوة على انشغال العالم والمجتمع الدولي والإقليمي بالأزمة الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية والسياسية والأمنية، إلا أن شعوب شمال وشرق سوريا وإدارتهم الذاتية أثبتوا أنهم من أهم التجارب الديمقراطية والمجتمعية الصامدة والقادرة على أن تكون نموذج لشعوب سوريا ومنطقة الشرق الأوسط، لما تحملها من معاني وأبعاد ديمقراطية وثقافية واجتماعية تكاملية وقيم أخلاقية وإنسانية نابعة من ثقافة المنطقة وتنوعها الغني.
إن ثورة ١٩ تموز رافعة الإدارة الذاتية ومحققتها، كانت ولازالت مجتمعية وشعبية بالدرجة الأولى لأن أي ثورة لا بد أن تزيل المعوقات والتحديات أمام تفعيل المجتمع لأنسجته الأخلاقية والسياسية، وقد كان للمفكر والقائد عبدالله أوجلان الفضل الأول فيها، كونه أسهم وبشكل كبير في بناء مجتمع كردي ديمقراطي في الأجزاء الأربعة من كردستان وخاصة في سوريا، أصبح هذا المجتمع المنظم والديمقراطي فيما بعد أحداث سوريا في ١٥ آذار الحاضة و الأساس في انطلاقة ثورة ١٩ تموز وثم في بناء الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا و التي طرحها القائد أوجلان لحل القضية الكردية وقضايا شعوب المنطقة قاطبة.
الإدارة الذاتية إرادة وذهنية مشتركة وعلاقة استراتيجية بين العرب والكرد
تجسد منظومة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية علاقة استراتيجيةوتحالف ديمقراطي بين الشعبين الكردي والعربي و كذلك مختلف التكوينات الاجتماعية الأخرى، ونستطيع القول أنه بعد الناصر صلاح الدين الأيوبي واسهامات الكرد في الحضارة الإسلامية و كذلك بعد الدور الكردي في تشكيل الدول العربية بعد انهيار الامبراطورية العثمانية، فإن شمال وشرق سوريا تعد أهم بناء حقيقي للعلاقة الكردية العربية وبتوجيهات وإرادة ورؤية أصح حتى من الفترات السابقة المذكورة، لأنها تعبر عن إرادة وذهنية مشتركة في حياة حرة و حالة تكاملية ووحدة طوعية وذلك في مفهوم الأمة الديمقراطية التي تتجاوز الأحادية بكافة أنواعها القومية والدينية والمناطقيةوالمركزية.
ثورة ١٩ تموز هي ثورة المرأة
حققت ثورة ١٩ تموز أهم بعد من أبعاد التحول الديمقراطي المجتمعي والحقيقي وهو نموذج المرأة الحرة وأخذها دورها الكامل في مختلف مجالات الحياة يتصدرها العمل الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي والعسكري، وهنا لابد أن نشير لنظام الرئاسة المشتركة والعمل بين الرجل والمرأة في كافة مؤسسات الإدارة الذاتية، وكذلك علينا التأكيد أن المرأة في شمال وشرق سوريا تكون حاضرة في المشهد بكامل زخمها وقوتها وبتجسيدها لذاتها وإرادتها الحرة وليس كتابع أو تقليد للرجل أو كحالة ثانوية مزهرية، وهذا ما تطلب من المرأة بناء أكاديماتها وتنظيمها وتوعيتها الخاصة، لتكون صاحبة تأثير وتمتلك قرارها وتقود المجتمع بكل جدارة، ولسان حال الإدارة الذاتية وثورة ١٩ تموز يقول أنه لا يمكن أن يكون هناك ثورة وبناء وحرية وديمقراطية من دون تنظيم المرأة وريادتها، فثورة ١٩ تموز هي ثورة المرأة والشباب.
ثورة ١٩ تموز والإدارة الذاتية تمثل إرادة حرة وحامية ومدافعة عن وحدة سوريا وسيادتها ومجسدة للخط الثالث
ولو دققنا في ثورة ١٩ تموز ونموذج الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، لابد أن نلاحظ استقلالية ارادتها وذهنيتها الحرة، رغم علاقاتهم مع دول المنطقة والعالم و تعاونهم مع التحالف الدولي لمحاربة داعش، فشعوب شمال وشرق سوريا وبجهودهم وتضحيات أبنائهم وبناتهم الذين تتجاوز أعدادهم ١٢ ألف شهيد وأكثر من ٢٥ ألف جريح أمام إرهاب داعش والاحتلال التركي الذي تواطئ معه عدد من الدول الإقليمية والعالمية لتحجيم ثورة ١٩ تموز والتحكم بها، ولكن الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية كانوا المدافعين والحامين للتماسك المجتمعي السوري وللسيادة السورية ولوحدة الأراضي السورية، رغم كل المزاودات والاتهامات الغير صحيحة التي تصدر من هنا وهناك لتشويه التجربة الديمقراطية الوطنية السورية في شمال وشرق سوريا، بينما حقيقة ثورة ١٩ تموز والإدارة الذاتية هي أنها تعبر عن الطريق الثالث وهو الحل و التحول الديمقراطي لحل القضايا وبناء الحياة المشتركة لشعوب ومجتمعات الموجودة وهي لا تجسد الانفصال أو الحكم الذاتي أو الفيدرالي السلطوي إطلاقاً، لأنها تريد الحل وليس تعقيد الأزمات وزيادة الأزمات.
الإدارة الذاتية نموذج الحل في سوريا والمنطقة.
مع عدم وضوح أية آفاق للحل السياسي في سوريا واستمرار الأزمة بكل تداعياتها والتدخلات الخارجية والاحتلال التركي ومحاولة سلطة دمشق إعادة انتاج نفسها والعودة لقبل (٢٠١١) وفشل المقاربات الدولية كمسار جنيف ومسار آستانا واللجنة السورية التي أبعدت القوى الديمقراطية السورية كمجلس سوريا الديمقراطية، وكذلك عدم وجود مرتكزات نجاح للمبادرة العربية “خطوة مقابل خطوة” نتيجة التأثير الإقليمي والخارجي على سلطة دمشق وعقليتها البعثية القمعية والمتعالية، فإنه يمكننا القول أن الإدارة الذاتية باتت تشكل أهم الحلول الوطنية السورية الباقية والممكنة والتي يمكن تطويرها ودعمها لتكون مدخل وطريق ونموذج لحل الأزمة السورية وفق مبدأ الحوار السوري-السوري والقرار الأممي الخاص بسوريا(٢٢٥٤) وكذلك سياق وطني لتحرير الأراضي السورية من الاحتلال التركي في شمال سوريا ومواجهة ومكافحة الإرهاب وخلاياه، وعندها يمكننا القول أننا على الطريق الصحيح لتحقيق اهداف ثورة الشعب السوري لبناء سوريا ديمقراطية لامركزية. وكما نستطيع القول أن شعوب و دول المنطقة و خاصة التي مازالت تبحث عن حلول لمشاكلها وتتخبط في براثن الاستبداد والإرهاب والتدخلات الخارجية، بأن بإمكانها الاستفادة من تجربة ثورة ١٩ تموز والإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية لبناء مجتمعاتها وتنظيمها وتفعيل طاقاتها الكامنة والاعتماد على ذاتها أولاً والتفاعل الإيجابي الحر مع المحيط، لتكون قادرة على بناء الحياة الحرة والديمقراطية وبالتالي الوصول للأمان والاستقرار المنشود.