الدولة القومية و ديالكتيك المجتمع و السلطة .. تكامل أم تصارع
114
4 سنوات مضت
أحمد شيخو
مع مايعيشه الكثير من المجتمعات والشعوب في منطقتنا من حالات الضعف والوهن والذل، وخصوصاً في القرنين الأخيرين مع تشكل السلطات ونظم احتكارها على مختلف ميادين الحياة الإجتماعية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية ، تلك السلطات والاحتكارات التي تشكلت لتكون في حالة تضاد و إقصاء وصراع مع مجتمعاتها كأحد شروط لنظام الهيمنة التي فرضتها وفرضت نفسها على المنطقة، يتسأل البعض أليس المجتمعات هي أسس كل التجمعات و الأمم والشعوب والدول؟ أوليس المجتمع كان قبل مختلف أنواع السلطات متواجداً بملايين السنيين وكان الضمان لحفظ حياة وكرامة الإنسان؟ هل العلاقة بين المجتمعات والسلطات والتي تتحدد بالعقد الإجتماعي أو الدستور هي صحيحة وتكون دائمة لصيانة حقوق المجتمع ولأفراده والناظمة للعلاقة؟ وهل يملك المجتمعات القوة والأدواة اللازمة لتأمين حقوقها في الدساتير؟ أو كيف ستجبر المجتمعات السلطات على إحترام إرادتها أو حتى تطبيق مضامين الدساتير التي توافق السلطات عليها ولكن تطبيقها يكون غالباً على هوى ومصلحة السلطات وإحتياجاتها ودوام وجودها في الحكم فقط؟.
لكن كيف أصبحت المجتمعات في هذه الحالة وما السبيل حتى يضمن المجتمع مصالحه ومصالح أبنائه وخصوصاً في ظل الفردية والأنانية والحياة الافتراضية المرصودة التي تحاول منظومة الهيمنة العالمية فرضها وإضعاف المجتمعات وتشتيت قواها عبر تعظيم الحرية الفردية على حساب حرية مجتمعاتها وتماسك مكوناتها، أي في ظل نظام التكنو_رأسمالية، وكيف يمكننا الوصول إلى المجتمع الحيّ المتجدد القادر على الحياة بحرية وكرامة ودمقراطية.
لعلنا نستطيع القول أن أهم عنصرين لازمين للمجتمع هما السياسة والأمن مضافاً لهم الذهنية المشتركة والاقتصاد المجتمعي أو الأصح أن نقول السياسة الديمقراطية والدفاع الذاتي المشروع، مع التأكيد أن مفهوم المجتمع هو بالأصل له أبعاد سياسية كونه يجسد حالة من رقي التفاعل والروابط بين الأفراد للوصل إلى الرفاه وتأمين الإحتياجات. و الدفاع الذاتي هو أحد الوظائف الأساسية الثلاث لأي كائن حي من المأكل والتزايد والحماية.
1_السياسة الديمقراطية: هدفها الرئيسي بناء المجتمع الديمقراطي كما العمل السياسي، هذا المجتمع الديمقراطي الذي يتحقق فيه العدالة والتنمية و كرامة الإنسان وحريته، ويقصد بها الأرضية والأجواء والمناخ الديمقراطي والبنية السياسية للمجتمع السياسي. فالسياسة الديمقراطية ليست مجرد نمط أو نهج. بل هي تعبير عن توفر وتكامل مؤسساتي أيضاً. حيث لايمكن مزاولة السياسة الديمقراطية في حال عدم وجود المؤسسات والأنشطة والمحافل، كالأحزاب والمجموعات والمجالس والجمعيات والكومينات والإعلام ومنظمات المجتمع المدني والنشاطات الدائمة للدعاية وتدريب المجتمع وتوعيته وتنظيمه وكافة أطر تنظيم طاقات المجتمع والتعبير عن إرادته. والدور الأساسي لهذه المؤسسات والأطر هي النقاش والبت في الشؤون المشتركة، للوصول إلى سير حياة منظمة وحرة مع المداولات وإتخاذ القرارات، للإبتعاد عن تحرك المجتمع وترنحه بين الفوضى والإستبداد والفاشية.
لاشك أن هدف السياسة عندما تبتعد عن وظيفتها الأساسية في خدمة المجتمع وبنائه تصبح الوصول إلى السلطة في المقام الأول ، وعادة تتواجد هذا النوع في مؤسسات الديمقراطية البرجوازية. والسلطة هنا هي إنتزاع حصة من الاحتكار و التحكم.
وعلى المجتمعات وقواها الديمقراطية معرفة أنه عندما تحتل السياسة الديمقراطية مكانها ضمن مؤسسات السلطة أو الحكومة أو الدولة مثلاً عليها العمل على إتخاذ القرارات الصحيحة ومتابعة تنفيذها في سبيل المصالح الحياتية المشتركة للمجتمع. وليس لإنتزاع حصة من الاحتكاروالسلطة.
ويبقى الأهمية في توفر الخصائص الضرورية والخصوصيات اللازمة لممارسة السياسة الديمقراطية والتي نذكرها في:
• السلوكيات والمقاربات التي تحترم جميع إختلافات المجتمع وتباينات أفراده وخصوصيات مكوناته وجنسه.
• اعتماد التوافق والمساواة ضمن الاختلاف أساساً في الوحدة الكلية.
• لاعتناء جيداً بمضمون النقاش والحوار بألا يكون اسلوبه منفراً وباهتاً وغير مفهوماً.
• الجرأة السياسية، والألولوية الأخلاقية.
• الحاكمية على المواضيع، الاطلاع الحسن والكافي على التاريخ والجغرافية والمجريات الراهنة لحظة بلحظة.
• اتباع الموقف العلمي المتكامل وليس المجزء وتحقيق ريادة المرأة والشباب في كل المجالات.
2_ الدفاع الذاتي الطبيعي والذكي والمشروع: وهي سياسة الأمن والحماية للمجتمع الديمقراطي، ويمكننا القول أن المجتمع الذي يعجز عن حماية نفسه، إنما يخسر صفاته الأخلاقية والسياسية أي الديمقراطية. وعندها إما أن يكون قد استعمر، فينصهر ويتفسخ، أو أنه يقاوم لاسترداد ماهيته و صفاته الأخلاقية والسياسية، وتفعيل وظائفه.و الاصح أن نسمي هذه المرحلة باسم الدفاع المشروع ( الذاتي أو المجتمعي أو الجوهري).
فالمجتمع الذي يصر على كينونته وحقيقته، ويرفض الاستعمار وشتى إرغامات التبعية والصهر والإبادة المختلفة من طرف واحد ، لايمكن تبني موقفه هذا إلا بإمكانياته ومؤسساته المعنية بالدفاع الذاتي. مع التأكيد أن الدفاع الذاتي ضد المخاطر الخارجية فحسب، فالتناقضات والتوترات وحتى الصراعات واردة في كل وقت ضمن البنى الداخلية للمجتمع أيضاً، حيث ينبغي عدم النسيان أن المجتمعات التاريخية ظلت طبقية وسلطوية لمدة طويلة من الزمن وتعمقت الفساد والرغبة السلطوية فيه، وأنها ستسعى إلى إطالة عمر خاصياتها هذه. وستقاوم تلك القوى بكل طاقاتها من أجل صون وجودها وكياناتها ومكتسباتها اللاشرعية. وعليه فسيكون للدفاع الذاتي مكاناً مهماً في أجندة المجتمع ولمدة طويلة من الزمن كمطلب إجتماعي ملح وضروري. وليس من السهل أن تدخل القرارات حيز التنفيذ، دون تعزيزها بقوة الدفاع الذاتي، الذكي والمشروع.
وعلينا الانتباه إلى الحقيقة التالية، أن السلطة تسربت وتغلغلت حتى لأوعية و مسامات المجتمع كافة فإن بناء وتكوين مجموعات الدفاع الذاتي المشروعة المتشابهة داخل جميع مسامات المجتمع المناسبة أمر ضروري ومصيري. حيث أن المجتمعات المفتقدة للدفاع الذاتي هي مجتمعات مستعَمرة يفرض عليها الإستسلام من قبل احتكارات رأس المال والسلطة ويحكم من قبلها وليس من قبل أبنائها المعبرين عن حقيقتها ومصالحها وقيمها وتراكمها التاريخي المتجدد.
إن تشكيل كيانات الدفاع الذاتي وممارسته، والحفاظ عليه جاهزاً وفعالاً هو شرط لابد منه في كينونة المجتمع الديمقراطي وماهيته والاستمرار بوجوده وبوظيفته، حتى ولو بما يكفي للحد من اعتداءات وإبادات واستغلالات احتكارات نظام الهيمنة وأدواتها من السلطة والدول القوموية النمطية الفاشية كحد أدنى.
ومن المهم الإشارة إلى أمرين أو خطئين كبيرين وقاتلين، نظراً لأنه سيتم العيش مع أجهزة السلطة والدولة ونظام الاحتكار لأمد طويل وبشكل متداخل وفي أغلب المراحل فعلينا:
1_ يجب عدم تسليم المجتمع لأمنه الذاتي للنظام الاحتكاري السلطوي أو لأين جهة خارجية كانت كان وتحت أية تسميات ومسميات وحتى بنصوص دستورية ولكن يجب تأكيد وضمان المجتمع لأمنه الذاتي عبر ضمانات ومواد دستورية تؤمن للمجتمع ديمقراطيته المباشرة وليس التعامل معها بمنطق الأغلبية والأكثرية والديمقراطية التمثيلية الليبرالية التي تخدم أجهزة السلطة والدولة والنهب دون المجتمع.
2_ يجب عدم القبول بالتحول الفوري إلى جهاز سلطة مقابلة للدولة وأن لا تكون كالدولة. لأن عندها لن يختلف من يقوم بدور السلطة والدولة وستكون بالضد من نفسها وفي صراع مع باقي فئات المجتمع،بالإضافة إلى صراعها مع الدولة والسلطات المقابلة، وستكون مضاعفة لأجهزة القمع والإستغلال والتحكم في خدمة نظام الهيمنة والاحتكار.
وهكذا يكون ديالكتيك(جدلية) الصراع بين المجتمع والسلطة مستمراً وهو قادم من أغوار التاريخ ومتجدد ومكرر وإن بأشكال مختلفة منذ أن كانت تشكيل الإدارات و تنظيم الحياة وأمور الناس حاجة ومطلب للمجتمعات، لكن إرادة الشر الكامنة ومع رغبة الإنسان في الهيمنة والسيطرة والنهب جعلت تشكل السلطة التي تخادع و تناور وتخفي نفسها و توازيها بالإدارات المجتمعية الشرعية، لكن احتفاظ المجتمعات بأنسجته وبماهيته الأخلاقية والسياسية وبطبيعتها التفاعلية بين أبنائها، رغم حال الضعف والوهن جعلت هذه المجتمعات غير قادرة على ترك ساحة حريتها والمغادرة أو القبول بتضيق الخناق عليها، بل كانت دائماً وعلى مختلف المراحل تخوض صراعاً وتقاوم شتى أنواع السلطات وحتى في يومنا في ظل امتلاك نظام السلطة المهيمنة أدواة التكنو_الرأسمالية المختلفة، وفي ظل فرضها نظام الدولة القوموية التي تعتبر أكبر منتقم من المجتمع وأعظم مفتت ومقسم لكل المجتمعات، لم يشهد مثيل له عبر مختلف أنواع أشكال السلطات.