الروائية هيفا: مهمة الأديب الكردي في الثورة هو عدم ترك البطولات عرضة للنسيان
267
4 سنوات مضت
أشارت الروائية والكاتبة هيفا حيدر حسن،بأن الأدب الكردي زاخر بنتاجات أدبية نسوية، فالمرأة شاركت الرجل في تقديم أعمال أدبية تخدم القضايا الأجتماعية عامة، والقضية الثورية بشكل خاص، واستطاعت أن تثبت بالفعل،وخاصة في الفترة الأخيرة – بأنها جديرة بمهنة الكتابة.
حول روايتها التي صدرت مؤخراً تحت عنوان(ورود من قمم آرارات) والتي وصفتها بنقش على حجر الزمن، وأسطرة تاريخ من الصعب حذفه ، وتقول الروائية والكاتبة المتخصصة في مجال الرواية والقصة القصيرة، والقصة القصيرة جداً،بأن روايتها تتناول قصة كاوا ومحمد، وهما أخواها اللذان زهدا في حياتهما، وسارا في درب الجبال،طلبا لحرية وطن مهدور دمه على طرقات الظلم،وتشير بأنها جعلت من رسائلهما المختبئة في ركن من أركان بيتهم، وفي أعماق أرواحهم، دستوراً مدوناً بدمائهما الطاهرة،فجاءت الرواية بحسب تعبيرها،مثالا حيّا يوثق المعاناة والشقاء، والتحمّل في سبيل الحرية.
كما وتنوه الكاتبة بأنها أرادت أن تجعل من صورتهما غلافا لروايتها، فهما نموذج حيّ يمثل حياة البساطة والزهد في الجبل، ورغبة منها في جعل الرواية ألبومَ صورٍ تعكس حياة الكريلا، بكل خصائصها وميزاتها.
والى نص الحوار:
– قمتِ مؤخرا بتأليف رواية تحت عنوان “ورود من قمم آرارات”، ما الذي يخبئه كتابك بين طياته، وعمّ يتحدث؟
حياتنا زاخرة بالقصص، إذا جمعناها فإنها تتحول إلى روايات عظيمة، تحكي أيامنا وآلامنا وآمالنا، هي سرد لسيرة حياة شعب عانى الويلات على مرّ الزمان، لذلك فإن محاولتي في كتابة هذه الرواية هي نقش على حجر الزمن، هي أسطرة تاريخ من الصعب حذفه من عقولنا المرهقة بفعل تراكم الذكريات، وهي بثّ الروح في صور لطالما خبأناها تحت وسائدنا المبللة بدموع الفقد.
– قبل تأليفك لهذه الرواية، كنتِ قد نشرتِ روايتين سابقتين، إحداهما بعنوان “هناك.. حيث كنا بانتظار الفجر”، والأخرى بعنوان “احتضنا التراب معاً”، فهل كانت تلك الروايات هي أيضا تتناول حياة المقاتلين في جبال كردستان وبطولاتهم؟ أم إنها سرد لحياة مقاتلين آخرين؟ وحول ماذا تركزت فكرة تلك المؤلفات؟
ليس من السهل أن أحصر تاريخ المقاتلين ببضعة أسطر، أو في كتاب يحمل جزءا من حياتهم وتضحياتهم، لذلك كل ما عملته، أنني كتبت جانبا من جوانب حياة هؤلاء الأبطال، الذين حاربوا عناصر “داعش” حتى نالوا الشهادة، لقد كتبت ما تمليه عليّ الأحداث من مجريات لأوثّق معاناتهم الممزوجة بضحكاتهم وأحلامهم، التي قدموا أرواحهم ثمنا لتحقيقها، وقربانا لحرية وطنهم.
الرواية الأولى (هناك.. حيث كنا بانتظار الفجر)؛ تبدأ الرواية من لحظة استيقاظ المقاتلة في المشفى بعد وصولها الآمن إلى هناك برفقة مقاتل آخر, فتعود بذاكرتها للوراء, وتستذكر لنا الحالة الاجتماعية لعائلتها, مرورا بوصف التحاق أخيها بصفوف الكريلا, وصولا لمرحلة انضمامه لثورة روج آفا, واستشهاده في إحدى معاركها ضد الجماعات المتطرفة, وتَعدُ فيما بعد بإكمال طريق أخيها الشهيد, وتعلن انضمامها لصفوف وحدات حماية المرأة في عفرين, مبرزةً نشاطها الإعلامي, وتتسلسل الأحداث وتتواتر، بعدها لتدخل في الحادث الرئيس؛ فعندما تقصف الطائرات التركية السيارةَ التي كانت تقلّها مع عدد من المقاتلين والصحفيين، لتغطية الأحداث العسكرية الميدانية أثناء الهجوم التركي الغاشم على عفرين وقراها, وقصفها للمدنيين, تبدأ رحلتها لتستمر مدةَ 26 يوما مع رفيقها المصاب, يتنقّلان معا مصابَين بين الوديان, في حياة كلها ضنك وتعب ومعاناة وصبر, وكان الفجر عزاءها الأخير, فيمنحها الشفق كل يوم روحاً متجددة, لتكمل يومها حتى تغيب الشمس.
وفي الرواية الثانية (احتضنا التراب معا)؛ أتحدث فيها عن حياة مقاتلَين كردييَن حاربا تنظيم داعش حتى استشهدا، وللمصادفة فقد كانا أخويَن، تزوجا في ليلة واحدة وكان استشهادهما أيضا في ليلة واحدة، ولم يكن أحد يعلم بأنهما أخوين إلا بعد أن ارتقت روحاهما للسماء في حملة تحرير رقة.
وهذا ما يدل على أن خط الثورة لا يقتصر على بقعة جغرافية محددة كالجبال، بل تعدّت ذلك، وفق فلسفة غرست شتلاتها في أرض روج آفا، فأينعت ونمت، حتى كبرت كأشجار الحور الباسقة، لا تنكسر أمام العواصف.
-هنالك جدلية حول علاقة الكرد بالجبال على مرّ العصور، ما الذي تناولته روايتك “ورود من قمم آرارات” حول هذه الجدلية؟ وما الذي حاولتِ إظهاره حول هذه العلاقة؟
دائما نحن الكرد نجد في الجبال سنداً لنا، حينما يحيط بنا الخطر من كل حدب وصوب، إنه ذلك التهديد الذي يلازم وجودنا، ويدفع بأعدائنا إلى محاربتنا، لذلك لا بد لنا من أن نحتمي بالجبال التي طالما لم تتخلّ عنا، وهذا ما دفعني لأسرد حياة بطلين شهيدين من شهداء الثورة في الجبال ضد الفاشية التركية، رغبة مني في طرق أبواب التاريخ بحرمة دمائهم، وأدوّن في سجلاته رواية حياة كل مقاتل رافض للظلم، وطامح للعيش في حياة كريمة.
إن تلك الجدلية التي تتحدث عنها روايتي لم تنته، ولن تتوقف ما دام الظلم قائما، وما زال الدم الكردي يجري في سواقي العنجهية، العنجهية التي سلبت من الشعب الكردي حتى حقه في الحياة، لذلك أعمل جاهدة في تخليد ذكراهم مع الجبال، وكما يقولون لا أصدقاء لنا سوى الجبال.
– تحدثتِ في روايتك عن حياة مقاتلين من قوات الكريلا (كاوا، محمد) وكفاحهما ومقاومتهما العدو التركي، وتناولتِ من خلال سردك للحظات كانت أقل ما يمكننا وصفها بالبطولية, أو ربما بالتصوف في سبيل الحرية. فمن هما كاوا ومحمد؟ وهل هما تلك الصورة التي تتجسد في صورة كل مقاتل من مقاتلي ومقاتلات الكريلا؟ وهل نستطيع القول إنهما اختصار لحياة كل مقاتل ومقاتلة في صفوف الكريلا؟
كاوا ومحمد، هما أخواي اللذين زهدا في حياتهما، وسارا في درب الجبال؛ طلبا لحرية وطن مهدور دمه على طرقات الظلم، لقد جعلت من رسائلهما المختبئة في ركن من أركان بيتنا، وفي أعماق أرواحنا، دستوراً مدوناً بدمائهما الطاهرة، فسطّرا بذلك سيرة حياتهما، ومهّدا السبيل لأبطال آخرين للمضي في هذا الدرب المروي بدماء الشهداء، فجاءت الرواية مثالا حيّا يوثق المعاناة والشقاء، والتحمّل في سبيل الحرية.
كما أنني أردت أن أجعل من صورتهما غلافا لروايتي، فهما نموذج حيّ يمثل حياة البساطة والزهد في الجبل، ورغبة مني في جعل الرواية ألبومَ صورٍ تعكس حياة الكريلا، بكل خصائصها وميزاتها، فهي تمسّ حياة الشقاء التي عاشها كل الذين ضحوا بالنفيس في سبيل قضيتهم، وتخاطب عقول الإنسانية ومشاعرها، لبثّ الأمل في الخلاص، حيث ذكرت فيها وصفا دقيقا لمعاناتهم اليومية، سواء مع الصعوبات والتحديات التي عايشوها في مواجهة الطبيعة، والتي تفوق قدرة الإنسان على تحملها غالبا، أو مع مواجهة عدوّ شرس يملك أحدث الأسلحة الفتاكة.
-ما الذي أردتِ إيصاله للمجتمع الكردي من خلال روايتك؟
قبل كل شيء أردت أن أخلّد بطولات المقاتلين، وما ابدوه من تحمّل للصعاب في ظل الأوضاع والظروف القاهرة التي عاشوها، والتي لم تثنهم عن المقاومة في سبيل قضيتهم، فجميع الشخصيات التي ذكرتها في الرواية هي شخصيات واقعية؛ لذا رأيت تدوين مقاومتهم مهمة أخلاقية، قبل كل شيء، وليست مجرد اصطفاف كلمات، والزجّ بها على أوراق صماء.
– ما هي أهمية نشر هكذا كتب ومؤلفات؟ وإلى أي مدى تعتقدين بأن أرشفة بطولات الكريلا هي مهمة بحدّ ذاتها؟ وهل مثلا يمكن اعتبارها واجبا وطنيا؛ أم هي مهمة كل مثقف لإظهار ما يحدث في تلك الجبال من مقاومة بطولية أمام العدوان التركي؟
إن مهمة الأديب الكردي في هذه الثورة هو عدم ترك البطولات عرضة للنسيان، وكما كانت ثورتهم حمراء، فإن ثورة الأديب هي بيضاء بقلمه، فهو يسعى دائما لتدوين الحقائق والأحداث كما هي، ولا ينتظر ثناء من أحد، بل يجعل من نفسه المدافع الأول عن تاريخ شعب، كان وما زال تاريخا شفهيا، لذلك حان الوقت كي نسجّل ما حدث على صفحاتٍ تبقى للزمن نبراسا يشعشع في سماء الوطن، مهما بلغ الزمن مداه، بعيدا عن التشويه.
لقد عاش الكرد حياة مليئة بالأحداث، وقاموا بالكثير من الثورات، ليشهد التاريخ بأنهم تحمّلوا الكثير من المعاناة، وأثّر ذلك في كل مفصل من حياتنا كونها المفتاح لبوابات كثيرة.
– كيف تقيّمين دور المرأة الكردية في الكتابة في عموم كردستان؟
إن الأدب الكردي زاخر بنتاجات أدبية نسوية، فالمرأة شاركت الرجل في تقديم أعمال أدبية تخدم القضايا الأجتماعية عامة، والقضية الثورية بشكل خاص، واستطاعت أن تثبت بالفعل – وخاصة في الفترة الأخيرة – بأنها جديرة بمهنة الكتابة، وقادرة على أن تكتب، وتعبّر عن مكنونات نفسها، ومعاناتها، وتطلق صوتها في الحياة، لتؤكد على أنها لا تقل عن غيرها من أبناء المجتمع، وأن لها الإمكانية في طرق أبواب الإبداع كلها، وإنتاج أدب إنساني عادل، يعبر عن محنة الإنسان وآلامه، ويسعى إلى خلاصه من الظلم والاضطهاد.
نبذة عن الروائية والكاتبة هيفا حيدر حسن
هي من مواليد مقاطعة قامشلو،حاصلة على الإجازة في اللغة الفرنسية في جامعة حلب.
عملت مدّرسة للغة الفرنسية في مدارس قامشلو.
تكتبت في مجال الرواية والقصة القصيرة، والقصة القصيرة جداً، وتنشر في المواقع الإلكترونية وفي المجلات والصحف الورقية.
طُبعت لها دراسة بعنوان ( أيقونات الخلود في الثورات الكردية ) بالمشاركة مع الكاتبة ثناء حاجي.
لها ثلاث روايات:
– هناك .. حيث كنا بانتظار الفجر. رواية. الطبعة الأولى. دار شلير. قامشلو 2018
الطبعة الثانية . مصر . دار نفرتيتي 2020.
– احتضنا التراب معا. رواية. دار شلير. قامشلو. 2019 .
– ورود من قمم آرارات. رواية. دار شلير. قامشلو 2020.