الحدث – القاهرة
يوي يون تشيوان “باحث ورئيس معهد دراسات الصين المعاصرة والعالم”
يصادف هذا العام الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. وبالعودة إلى التاريخ، نجد أن تنمية الصين ضخت قوة محركة كبيرة في مجال تنمية العالم. ومع دخول النظام العالمي إلى مفترق طرق حاسم حظيت مخرجات الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني باهتمام عالمي كبير. وطرحت هذه الجلسة بوضوح فكرة: إكمال نظام وآلية تطوير قوى منتجة حديثة حسب الظروف المحلية. وهذا لا يضخ زخما جديدا للصين فحسب، وإنما أيضا يثير موجة قوية جديدة من الازدهار في العالم. لقد أثبتت الممارسات وما زالت تثبت أن القوى المنتجة الحديثة تجيب على أسئلة تنموية تتعلق بالنظام الاشتراكي ذي الخصائص الصينية وتعكس الحيوية القوية لنمط التحديث الصيني، وتجسد حلول الصين المتمثلة في تقاسم الفرص والمكاسب المشتركة للمجتمع الدولي.
القوى المنتجة الحديثة النوعية
منذ تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح، تمكنت الصين في غضون بضعة عقود فقط من إكمال مسار مائة عام من التصنيع الذي قطعته الدول المتقدمة. نجح نمط التحديث الصيني، الذي ينضوي على وجهة نظر فريدة حول العالم والحضارة في استكشاف مسار التنمية الاقتصادية الأكثر تناسيا مع ظروف الصين. إن التنمية عالية الجودة هي المطلب الأساسي لتنمية الصين والنقطة المهمة هي تطوير القوى المنتجة الحديثة. أجرى الاقتصاديون الغربيون مثل آدم سميث مناقشات وأبحاث حول «إنتاجية العمل، وفسر ماركس بشكل أعمق الدور الأساسي للقوى المنتجة في دفع تقدم المجتمع، ما أسس النظرية القوى المنتجة في الماركسية. ومع دخول مرحلة التنمية الجديدة، قدمت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ونواتها الرفيق شي جين بينغ. ابتكارات كبيرة في هذه النظرية. إن القوى المنتجة الحديثة، باعتبارها نوعا جديدا من القوى المنتجة الاجتماعية، تتميز بالتكنولوجيا الفائقة والكفاءة والجودة المالية، وتتوافق مع فلسفة التنمية الجديدة، حيث ترث نظرية القوى المنتجة الماركسية وتشتمل على متطلبات التنمية التي يقودها الابتكار في العصر الجديد، وتقود تنمية الاقتصاد العالمي من حيث الشكل والنوعية. أشار خالد عزب، رئيس تحرير حولية أبجديات التي يصدرها مركز دراسات الكتابات والخطوط التابع لمكتبة الإسكندرية المصرية، إن التجربة الصينية ليست مجرد نموذج للتنمية، بل تتجاوز فكر اقتصاد الهيمنة إلى حد كبير وتستهدف بناء سوق كبيرة عالمية تترابط فيها دول العالم. تتمسك الصين بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتقدم قروضا ميسرة. وتقوم ببناء مناطق صناعية في بعض الدول، ما يجعلها تحظى بشعبية واسعة. إن صمود القوة الجديدة من الشرق سيفتح فصلا جديدا في التاريخ.
من المتوقع أن تكون القوى المنتجة الحديثة أحد المناهج المهمة في تنمية الاقتصاد العالمي، ليس لعمق نظرياتها فحسب، وإنما أيضا استناداً إلى إنجازاتها الملموسة وثقتها القوية. ففي النصف الأول من عام 2024 ارتفعت القيمة المضافة لتسعة وثلاثين من الصناعات الكبرى الإحدى والأربعين في الصين على أساس سنوي، وزادت القيمة المضافة للتصنيع العالي التقنية فوق الحجم المحدد بنسبة 8.7 في المئة على أساس سنوي، أي أعلى بنحو 27 نقطة مئوية من القيمة المضافة لجميع الصناعات فوق المستوى المحدد.
أظهر تقرير (مؤشر الابتكار العالمي لعام 2023) الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية أن الصين تحتل المركز الثاني عشر عالميا في مؤشر الابتكار، وهو أعلى مركز بين الاقتصادات متوسطة الدخل. ويعتقد تشاندران ناير المؤسس والرئيس التنفيذي للمعهد العالمي للغد أن احتياجات السوق ومفهوم الحضارة الإيكولوجية وغيرهما من العناصر الأخرى تدفع الصينين باتجاه تحويل نمط التنمية بشكل عميق. وفي الوقت الحالي، وانتهت الصين من بناء نظام متكامل للابتكار التكنولوجي، الأمر الذي يرسي أساسا للقوى المنتجة الحديثة، ويمكنها من تلبية تطلعات الشعب إلى حياة افضل.
القوى المنتجة الحديثة والانفتاح العالي
تطوير القوى المنتجة الحديثة النوعية لا يتعلق بتحويل تنمية الصين والارتقاء بها فحسب وإنما أيضا يرتبط ارتباطا وثيقا بازدهار العالم. وقد أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ غير مرة على ضرورة توسيع الانفتاح المالي في سبيل خلق بيئة دولية جيدة لتطوير القوى المنتجة الحديثة. ولم يغير وضع العالم المضطرب من عزيمة الصين في بناء الاقتصاد المنفتح على مستوى أعلى. إن الصين كونها أكبر سوق للطاقات المتجددة ومصنع المعدات على مستوى العالم، قامت بتصدير منتجات توليد طاقة الرياح والخلايا الكهروضوئية الصينية إلى أكثر من مائتي دولة ومنطقة حول العالم. ذكر تقرير إحصائيات القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة 2024 الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، أنه في السنوات العشر الماضية انخفض متوسط التكلفة لكل كيلووات/ ساعة من الكهرباء في مشروعات توليد طاقة الرياح والخلايا الكهروضوئية عالميا بمعدل يزيد على 60 في المئة و80 في المئة على التوالي، حيث يلعب الابتكار الصيني والتصنيع الصيني والهندسة الصينية دوراً رئيساً في هذا الانخفاض.. وفي عام 2023 تجاوز إجمالي الصادرات الصينية من مركبات الطاقة الجديدة وبطاريات الليثيوم والخلايا الكهروضوئية تريليون يوان لأول مرة (الدولار الأميركي يساوي 7 يوانات تقريباً حالياً). ومن مرحلة تطوير ثمار التكنولوجيا إلى السلع الجاهزة المصدرة للخارج، لا تقتصر فوائد تنمية القوى المنتجة الحديثة على تمكين المزيد من الشعوب من الاستفادة والتمتع بتسهيلات منتجات طاقة صينية نظيفة وموثوق بها ومقبولة التكلفة فحسب. وإنما تضع أيضا قوة محركة جديدة للتنمية المستدامة العالمية عن طريق تبادل الصين تجارب ابتكارها مع دول العالم. ويعتقد إريك سولهايم، نائب الأمين العام السابق للأمم المتحدة، أن الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية المشرين للحزب الشيوعي الصيني عزرت تطوير القوى المنتجة الحديثة النوعية، وهذا هو ابتكار الصين في الدمج بين التكنولوجيا الخضراء والذكاء الاصطناعي. وهذا يمكن أن يعزز التعاون والتقاسم المشترك في بناء الصين الجميلة و الكوكب الجميل وأكد أن الصين سوف تكون من دون شك رائدة في هذا المجال.
ومع تعمق مسيرة العولمة ومواجهة الأوضاع الجديدة لتوزيع الموارد على مستوى العالم يخلق انفتاح الصين المالي المستوى بيئة جيدة لتطوير القوى المنتجة الحديثة النوعية باستمرار. وتتمسك الصين بالاعتماد على الذات والتقوية الذاتية في التكنولوجيا الفائقة، وتسعي إلى خلق بيئة مبتكرة مفتوحة ذات قدرة تنافسية عالمية لضمان تطوير القوى المنتجة الحديثة سواء كان ذلك في تعاون التقنيات المبتكرة ضمن مبادرة الحزام والطريق، أو في عملية استكشاف الذكاء الاصطناعي والتقنيات الكمومية وغيرهما من التقنيات المتقدمة، وهذه هي الرغبة الأصلية الثابتة للصين. قال مدير نادي الخبراء الدولي “أوراسيا وأذربيجان” سيمور مامادوف إن الابتكار التكنولوجي هو جوهر تطوير الصين وتعزيز قوتها الوطنية، وإن عملية التحديث الصيني لها زخم قوي. الصين ترى أن التعاون والانفتاح والتسامح هي الطرق الصحيحة للتنمية، وهذا يعني أن الصين تمتاز برؤية أوسع.
التعاون الدولي العميق
من خلال قرارات الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني نجد أن نظام وآلية القوى المنتجة الحديثة يدعم نمط التحديث الصيني، كما يخلق فرصا للتعاون لجميع دول العالم، وهو الأمر الذي أصبح مطلبا ملحا للمجتمع الدولي. وتدفع الصين تحقيق الازدهار المشترك للعالم من خلال تعزيز ثقتها الذاتية بالتنمية عالية الجودة لقوى منتجة حديثة والمحافظة على تعميق التعاون والانفتاح والتواصل والتناسق محليا وعالميا باستمرار.
في مواجهة الجولة الجديدة من الثورة التكنولوجية تهتم الاقتصادات الرئيسة في العالم بتطوير الصناعات المستقبلية وزيادة قوة التنمية والقوى المنتجة الحديثة وليدة الثورة التكنولوجية والثورة الصناعية، وأقرت الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني تحسين سياسات وانظمة الحوكمة لدعم تطوير الصناعات الاستراتيجية التي تشمل تكنولوجيا المعلومات من الجيل الجديد والذكاء الاصطناعي والطيران والفضاء والطاقة الجديدة والمواد الجديدة والمعدات المتطورة والطب الحيوي والعلوم والتقنيات الكمومية. وجذب نمط تنمية الصين عالي الجودة لنماذج صناعية جديدة اهتمام دول العالم، وبات من الضروري القيام بالتواصل العالمي بشكل جيد وتحقيق اندماج القوى المنتجة العالمية. قالت رانيا إيفان الباحثة في معهد الدراسات الاستراتيجية في إسلام أباد بباكستان إن الصين تقود التطور في مجالات تكنولوجيا الجيل الخامس وبحوث الذكاء الاصطناعي وأمن الشبكات واستكشاف الفضاء وغيرها من مجالات التكنولوجيا وأصبحت رائدة عالمية في هذه المجالات.
وحظي شعار “صنع في الصين” الذي انطلق من الصين ويفيد العالم بتقدير من المجتمع الدولي على مدى طويل. وأظهرت دراسة (الممارسات الديمقراطية والتحديث في الصين دراسة استقصائية عالمية 2023) الصادرة عن معهد دراسات الصين المعاصرة والعالم أن المشاركين من 23 دولة أشادوا بالإنجازات المبتكرة للصناعات والتقنيات الصينية، ويعتقدون أن تقنيات الأرز الفائق وتقنيات القطار فائق السرعة والجيل الخامس من الاتصالات والبنية التحتية كلها ذات مستويات عالمية رائدة. وتؤكد الصين دائما على تقاسم إنجازات التنمية مع شعوب العالم. وتدعو إلى أن يتمتع الجميع بثمار التنمية. ومن “صنع في الصين” إلى “الابتكار في الصين”، تأمل الصين في المساهمة بشكل أكبر في التنمية المشتركة العالمية من خلال براعتها في التصنيع. على الرغم من اختلاف أنماط التنمية في الدول والمناطق المختلفة، يظل عدم التوازن البيئي ونقص الموارد وتباطؤ النمو الاقتصادي مشكلات مشتركة تواجه الدول النامية. لذلك، أصبح استخدام الموارد بكفاءة حسب الظروف المحلية والاهتمام بالتطور المتناسق بين الصناعات المختلفة، ودفع لتدفق عناصر الإنتاج عالي الجودة إلى القوى المنتجة الحديثة النوعية، اتجاها لا بد منه. ويجب على المجتمع الدولي بذل الجهود المشتركة والتخلي عن فكرة “فك ارتباط وقطع سلاسل التوريد”، وتعزيز تداول الأكفاء والتعاون الإستراتيجي، وتحويل “مناطق التنمية الضعيفة”، إلى مراكز ازدهار لكتابة فصل جديد من التحديث العالمي المتسم بالسلام والتنمية والمنفعة المتبادلة والتعاون وال
ازدهار المشترك.