من المؤكد أن من يتابع ويراقب الأحداث وتطورات المنطقة( الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، يجد أن الحدث والتحدي الذي أصبح يتصدر أغلب المجتمعات والشعوب والدول في المنطقة هو مايشبه إلى حد كبير إتفاقية ” الرمح الثلاثي” التي كانت بين تركيا وإسرائيل وإيران عام 1958. والذي إنضم إليها أثيوبيا فيما بعد، وقد كانت تستهدف العالم العربي وتماسكه ودوره الاقليمي، ولوجود تركيا فيها فهي كانت تستهدف بناء كيانات ومنظومة علاقات وبنى تضمن لها متابعة ونجاح سياسة الأبادة والإمحاء بحق الشعب الكردي منذ إتفاقية لوزان 1923 وقانون “إصلاح الشرق” الذي تم تمرير من قبل السلطة في البرلمان التركي للتطهير العرقي والتغيير الديموغرافي بحق الكرد في شمال كردستان(جنوب شرق تركيا) .
لقد قال أردوغان قبل أيام : “إن التطورات في ليبيا وسوريا والعراق تظهر قوة أدائنا …. وحدتنا وتضامننا سيجعل العالم ينظر بإعجاب إلى تركيا ويعززان وضعنا داخل حلف شمال الأطلسي (ناتو)…. التضامن الذي أظهرناه مع الأخوة في ليبيا” ما ردده أردوغان إنما يعكس جزءمن سياسته و مشروعه التمددي الأقليمي وذهيته وسلوكه وإجراءاته التي تتجاوز كل الأعراف والقوانيين الإنسانية والدولية، لكن لو تمعنا أكثر سنرى يمكننا ملاحظة عدة أمور منها :
1_العراق : بعد تشكيل العراق حسب إتفاقة القاهرة عام 1921 وحسب مصالح القوى الكبرى. يعتبر أردوغان الأن حوالي نصف العراق وخاصة ولاية الموصل (حسب التقسيم الإداري العثماني) التي تشمل كل أراضي إقليم كردستان أراضي تركية حسب “الميثاق الملي” الذي وقع في مؤتمري أرضروم وسيواس عام 1919م، والذي أضطرت تركيا أيام كمال أتاتورك التخلي عنها للبريطانيين نتيجة المصالح المتبادلة على حساب الشعب الكردي وشعوب المنطقة وبتوافق فرنسي وروسي حينها. ولذالك كل الحكومات التركية كانت تركز على مدينة الموصل والمنطقة الشمالية، حتى قيل قبل أيام سقوط الموصل بيد داعش ان تأثير تركيا فيها كان يفوق تأثير الحكومة العراقية ولذالك دخلها داعش والقنصل التركي مطمئن إلى الوضع الجديد ومنسق لها. وكما لا يخفى على احد أن تركيا ومنذ 1983 نفذ جيشها أول دخول إلى الاراضي العراقية وكان وقتها لضرب القوى الكردية من كرد العراق القربين من الحدود. ومضت الأيام وبعد حرب الخليج الثانية إستغلت تركيا وضع المنطقة حينها وبتواطؤ قوى محلية وإقليمية ودولية بنت 29 قاعدة في شمال العراق وإقليم كردستان وأتخذتها معسكرات وقواعد لممارسة الإحتلال العسكري والاقتصادي ولزيادة نفوذها في مستقبل الاقليم والعراق والمنطقة ولضرب التماسك والوحدة بين أبناء العراق وبين إبناء الشعب الكردي وحتى انها إستغلت وضع إنشغال العراقيين بمحاربة داعش وأقامت قاعدة بعشيقة للتواصل ولتدريب الأرهابين و الأخوان المسلمين في العراق والكثير من مرتزقتها العراقيين والسوريين التابعيين للمتواطئين معها في شمال العراق وإقليم كردستان. بالإضافة إلى ممارساتها الحثيثة للسيطرة على مدينة كركوك وزيادة الطابع التركماني لها. ومن الملفت أن مسؤولي المجلس والحزب التركماني في العراق الذي تم وضعهم من قبل تركيا هم أشخاص من قضاء تلعفر وهم من أقرباء متزعم داعش الجديد “أمير محمد عبد الرحمن المولى” أو ابو إبراهيم القرشي. وتقوم تركيا منذ التسعينات بإستعمال الطائرات الحربية بالإضافة إلى جيشها وأختراق السيادة العراقية بعد أن إشترط مساعدتها وإطلاق يدها في ضرب الكرد وقواهم مقابل مساعدتها للقوى الهيمنة الغربية في التدخل في المنطقة قبل سقوط الاتحاد السوفيتي وبعدها ، وهي من التسعينات وبمساعدة التقنيات والمساعدات الأستخباراتية الإسرائيلية تهاجم الشعب الكردي وقواه الفاعلة ضمن الحدود العراقية الدولية في تجاوز لكل القوانيين الدولية و”إتفاقية فيينا” لعام 1961 الناظمة للعلاقات بين الدول.
2_سوريا : تنازل الفرنسيون عن لواء إسكندرون مقابل ان ينضم كوباني والجزيرة إلى سوريا المشكلة بحدودها الحالية حسب إتفاقية أنقرة لعام 1921وحسب إتفاقية بروكسل وخطوطها عام 1924. وكانت تركيا تعتبر أيضًا نصف سوريا الممتد من اللاذقية مرورًا بحلب والرقة والحسكة أراضي ضمن الميثاق الملي كما في حالة العراق . ولكن حزب البعث في سوريا وكعادته تنازل حسب “إتفاقية أضنة” لعام 1998 اللاشرعية عن لواء إسكندرون أيضًا، و سمح للجيش التركي بالتوغل ضمن الأراضي السورية تحت حجج واهية لضرب الكرد السوريين مقابل أن تساعد البعث في مواقفها ضد إسرائيل حسب كلام البعث، وتأسست بعدها مايسمى الحكومة المشتركة بين البعث وأردوغان ضمن ما سمي الاتفاق الإستراتيجي المشترك وتم أزالت التأشيرات بين البلدين، لكن كان لتركيا أهداف تتجاوزحجة البعد الكردي في سوريا والغباء والوهم البعثي وهي السيطرة على كل سوريا ووضع حكومة من الأخوان تابعة لها وظهر هذا جليًا بعد أحداث 2011 في سوريا. وعندما دخلت روسيا عام 2015 إلى سوريا، أدرك أردوغان حينها صعوبة السيطرة على كل سوريا فإنه تحول إلى الخطة ب وهي القضاء على الوجود الكردي السوري وإزالته ولذالك تخلى عن مرتزقتها في حلب الشرقية مقابل دخولها لمدينة جرابلس والباب وبموافقة روسية وإيرانية وبعثية ومن ثم دخل الروس والإيرانيين والنظام الغوطة وتم إخراج كل المقاتلين من حوالي دمشق مقابل أن تدخل تركيا ومرتزقتها إلى عفرين في ظل قرار أتخذ في الأستانات وبغض النظر من أمريكيا والإتحاد الأوربي خصوصًا بعد أن حررت قوات سوريا الديمقراطية مدينة الرقة وتيقنت تركيا وأمريكيا أن المشروع الديمقراطي والوطني السوري لمجلس سوريا الديمقراطية سيكون البديل الوطني لكل سوريا ومنازع لخططهم التقسيمية وحالة اللاحل المرادة من قبلهم. ولا يخفى على كل العالم إدخال تركيا 62 ألف داعشي من كل العالم إلى الأراضي السورية وحتى أن تجارة النفط والأسلحة بين عائلة أردوغان ومخابراته وداعش كانت واضحة وبشهادة روسيا وأمريكا أحيانا حيث قال بريت ماكورك قبل تحريركرى سبي (تل أبيض) من داعش ” لا يمكننا إضعاف داعش طالما هناك حدود مشتركة بين داعش وتركيا” ومازالت تركيا هي التي أدخلت المتزعم الداعشي الجديد “المولى” إلى العراق في الايام الأخيرة بعد أن قتل البغدادي في مناطق الأحتلال والنفوذ التركي في إدلب .
3_ليبيا : بعد تدخل تدخل الناتو ودعم التركي والقطري تم قتل الرئيس الليبي معمر القذافي بدعم إستخباراتي ألماني وفرنسي لطي الملفات المتعدة، وتم تحويل ليبيا وبشكل فعلي إلى بؤرة للإرهاب مما إستدعى من الشعب الليبي وجيشها الوطني التحرك لإنقاذ البلد من براثن الأرهاب المدعموم من تركيا وقطر لأستهداف البلدان والشعوب في شمال أفريقيا حينها أدرك أردوغان أن الوضع يعصب على أدواته كما في سوريا عندما لم يستطيع أن يفرض أجندته عبر وكلائه وتدخل بشكل مباشر بتاريخ 24 أب 2016 وفي الحالة الليبية تكرر التدخل المباشر وذالك بعد هجوم الجيش الليبي وتقهقر أدواته حول طرابلس عبر أتفاقية أردوغان_السراج، ما يحصل في ليبيا الأن هو شبيه لحد كبير ما حصل في مقاطعة عفرين في شمالي سوريا من وجود طرف يدافع عن أرضه وشعبه هو مسد وقسد وطرف متواطئ وإنكشاري مرتزق هو ما يسمى “الأئتلاف الوطني السوري” ، و في ليبيا هو المدافع هوالشعب الليبي و الجيش الوطني الليبي ضد الأرهاب والتدخل الأردوغاني العثماني المغولي ومرتزقته وأداته ما يسمى “حكومة الوفاق” مع وجود تواطؤ إقليمي ودولي مع التدخل التركي وجلب المرتزقة والدواعش ، رغم وجود القرار 1970 لعام 2011 الخاص بحظر توريد السلاح إلى ليبيا. ومع الإشارة إلى الموقف العربي الغير كافي لرد وإيقاف أردوغان حتى الأن ومنقسم إلى موقف وطني وقومي رافض للتدخل التركي وموقف متماهي وداعم للتدخل التركي نابع من الخلفية الأخوانية الأرهابية التي تعتبر أردوغان خليفة المسلمين وسلطانها المغوار .
4_ لبنان، اليمن، قطر، الصومال، السودان، تونس : يمتلك أردوغان أدوات ودعم لكثير من الجمعيات والمنظمات والأحزاب في هذه الدول ويعمل عليهم ويتم تحضيرهم للتلاقي مع مشروعه “العثمانية الجديدة” ويقال أن تركيا فقط في لبنان تمول وتدعم أكثر من 200 منظمة وجمعية وكما مازالت بواخرها تبيع الكهرباء لمدينة بيروت . ولايخى على أحد علاقة أردوغان بأخوان اليمن وتواجدهم في إسطنبول التي أصبحت المقر العالمي للأخوان بالإضافة إلى بريطانيا وإرساله العديد من مخابراته إلى اليمن عبر الإيرانيين والحوثيين الذين فيما يبدو أكدو أنه من الممكن والمفيد لهم إرسال المرتزقة الأردوغانيين السوريين أليها أيضًا في ظل إستمرار النزاع اليمني وتدخل الإيرانيين وتبعية حزب الأصلاح الأخواني. كما علينا ملاحظة وجود حركة النهضة والغنوشي الذي ربما سيحاول السيطرة على مفاصل الدول التونسية بعد أن يصبح جاره أردوغان والسراج والقواعد التركية. وفي القرن الأفريقي يتواجد القاعدة الكبرى التركية في مقديشو التي تمول وتنظم الجماعة الإسلام السياسي وتسلحهم، وعينها على ميناء جيبوتي، كما تؤكد الأنباء الواردة من إقليم جمهورية أرض الصومال الشبه مستقل عن الحكومة المركزية في مقديشو منذ 1990م أما قطر فآل حمد أصبح وكأنه أحفاد العثمانيين وأحد جابيي السلطان وداعميه يمولون مغامرات السلطان ومرتزقته من الإنكشاريين السوريين وغيرهم .
بالإضافة إلى ماسبق أن قتل الفاشيين الترك لشاب كردي بارش جاكان فقط لأنه سمع موسيقى كردية في أنقرة وكذالك إسقاط عضوية نائبين كرديين في البرلمان التركي وسجنهم ووضع أوصياء من حزب العدالة والتنمية على البلديات في المدن الكردية وسجن رؤسائها، بالإضافة إلى ظهور عدد من النساء وهن معتقلات وعاريات في أحد سجون إنكشاري تركي من مجموعات الحمزات الأرهابية المستوطنة في عفرين المحتلة وقتل الفتاة ملك نبي خليل جمعة من قرية درويش ذات ال 16 عامًا في أعزاز بعد ٨ خطفها من قبل مرتزقة أنقرة وأردوغان ما يسمى فصيل النخبة التابع للسلطان مراد، وقصف طائرات تركيا لقرية سفر بقضاء ماوت في السليمانية على الحدود العراقية الإيرانية وقتلها لعدد من كرد إيران والعراق إنما يعكس جزء من الممارسات والسلوك الناتج عن ذهنية و تربية وتوجيه السلطة الفاشية التركية من العدالة والتنمية والحركة القومية التركية.
ماذا بعد غرب ليبيا والسيطرة على حدود ليبيا_تونس وربما ليبيا_الجزائر ؟ …!
على دول المنطقة وشعوبها وخصوصًا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن تعرف ان قبرص مازالت منذ عام 1974 ولم تخرج تركيا منها وتركيا تتواجد ب 29 قاعدة في شمال العراق ولم تخرج وهي تتواجد في شمال سوريا وإدلب، وأوجدت أكثر من 40 قاعدة وموقع فيها وهي تقول للروس أن تواجدها مؤقت ولكنها حتى الأن لم تخرج حتى من المواقع التي تجاوزها الجيش السوري وهي باقية، وفي ليبيا ومساحتها الواسعة من المرجح أنها بنت وستبني الكثير من القواعد وعندها ستمتلك أوراق ووسائل ضغط ونفوذ على دول جوار ليبيا و على قارتي أوربا وأفريقيا ولن تخرج وربما يتكرر المشهد السوري والعراقي والصومالي في دول الجوار اللليبي، وقتل فرنسا لعبد المالك دروكدال مسؤول ما يسمى “القاعدة في بلاد المغرب” وهو جزائري الأصل ينبأ بالقادم بعض الشيئ وربما هو لتتمة وجود أردوغان في غرب ليبيا وذالك لجعل القاعدة تتعدد وتنتشر وفق القيادات المحلية في دول الساحل ودول شمال افريقيا . ومن يراهن على تقديم التنازلات لأردوغان من مبدأ درء خطره وإقناعه بالتوقف عن التمدد أكثرهو واهم ويخدع نفسه، فالتاريخ وسنن وسلوك المشترك لكل الدكتاتوريين تقول كلما تنازلت للطغاة إستبدوا وتجبروا أكثر، و لعل مثال تنازل بريطانيا وفرنسا لهتلر عن إقليم” السوديت التابعة لتشيكوسلوفاكيا في إتفاقية ميونخ لعام 1939 لم تضيف إلا رغبة لهتلر في غزو كل أوربا وما يحصل في ليبيا أو سوريا والعراق والبلدان العربية يشبه ذالك إلى حدى كبير ولن يقف أردوغان عن التمدد إلا إذا كُسر وسُحق عسكريًا في مكان ما ، ربما يكون هذا المكان في عفرين أو طرابلس أو آمد(ديابكر) أو منطقة برادوست في إقليم كردستان العراق أو في قطر أو الصومال وربما في أنقرة وأسطنبول أو قونية نفسها مركز البرجوازية التجارية الدينية هذا يتوقف على تحالف القوى المتضررة من أردوغان وطغيانه .
إن القوى المركزية في النظام العالمي لاتنظر إلى سوريا أو العراق أو ليبيا أو أي دولة ومنطقة بحد ذاتها بل تنظر و تتعامل معه كجزء من ملفات أكثر شمولية وكجزء من إستراتيجية كلية للمنطقة والعالم وضمن مصالحها العامة والكلية وهي تحاول دائمًا التمسك بالكثير من الأوراق في يدها ولذالك تراها تعطي المجال للقوى الإقليمية مثل تركيا وإيران للتمدد وبذالك هي من تستفيد من تمددهم في الكثير من سياساتها التي من الممكن أن لا تتوافق مع مصالح شعوبنا ومجتمعاتنا ودولنا والرهان بذالك على مواقفهم في بعض الأحيان لن يجلب سوى الخيبة والحسرة. ولذالك سينتصر في هذه الحرب المشتعلة في مناطقنا وسيخرج بنتائج جيدة من يعتمد ويستند في إستراتيجيته وسياسته إلى تنظيم قوى شعوبه و مجتمعاته الجوهرية والذاتية مع تحقيق التكامل والتحالف بين شعوب المنطقة والعالم وقواها الحية المجتمعية التي تؤمن بالقيم التاريخية والحضارية لشعوب المنطقة وبأخوة الشعوب والعيش المشترك وبالديمقراطية وبالتحالفات الديمقراطية كأهم ركائز الأنتصار للخط الثالث المجتمعي الذي يضم كافة القوى اللاسلطوية والديمقراطية والتي ستنتصر على المشروع الأردوغاني العثماني المغولي من كل بد. بالإضافة إلى قرب إنتهاء دورتركيا و أردوغان الوظيفي من قبل النظام العالمي المهيمن و ربما بإتفاقية شبيه ب “إتفاقية هدنة موندروس” التي قضت على الامبراطورية العثمانية وجعلتها في خبر كان.