الحدث – القاهرة
بعد صدور نتائج انتخابات أكتوبر\تشرين الأول لعام 2021 وفوز التيار الصدري أمام الإطار التنسيقي كمجموعتين شيعيتين أساسيتين ومتنافستين، وعلاوة على تدني نسبة المشاركة في الانتخابات التي قالت مفوضية الانتخابات أنها كانت 43% في حين أكد بعض الجهات الأخرى غير الرسمية أنها لم تتجاوز 20% في بعض المحافظات لعدم ثقة الشعب العراقي بالانتخابات والطبقة السياسية الموجودة التي تكرر نفسها وسلوكها وتوافقاتها السلطوية منذ 2003، ظهر مرة أخرى التنافس على السلطة وتشكيل الحكومة وتقاسم المناصب والكراسي والمنافع المادية في الوقت الذي مازال الشعب العراقي يعاني من أزمات حادة في تأمين الخدمات الأساسية والاقتصاد و انتشار البطالة وغياب الديمقراطية والتدخل والاعتداء الخارجي على وحدة وسيادة الأراضي العراقية رغم الإمكانات والقدرات الكبيرة في مختلف المجالات والثروات العراقية الهائلة.
ومع اعتصام أنصار الصدر في البرلمان واحتجاج معارضيه في الشوارع، أدى الخلاف حول تشكيل حكومة جديدة إلى فرض مزيد من الضغوط على نظام سياسي تعصف به الأزمات ويتدخل فيه العديد من القوى الإقليمية والخارجية، منذ أن أطاحت قوات تقودها الولايات المتحدة بصدام حسين قبل عقدين.
وتُفاقم الأزمة من التوتر والقلق في حزام يضم دولاً متشابة النسيج والتكوينات الاجتماعية وهشة الأوضاع والترابط الداخلي بين الهند والبحر الأبيض المتوسط، وهي باكستان وأفغانستان وإيران و العراق وسوريا ولبنان، وكلها تقع في دائرة نفوذ وتدخلات إقليمية ودولية كإيران وتركيا وإسرائيل و أمريكا وروسيا والصين وهذا الحزام من الدول القومية والإسلاموية عانت من ويلات الصراعات أو الأزمات الكبرى على مدى عقود مضت ومازالت، من بينها الحروب و المعارك الدامية مع تنظيم داعش الإرهابي وخلاياها المستمرة مضافة للأزمات الاقتصادية والسياسية فيها.
يمكن القول أن الأزمة في العراق واحتمال انزلاقها إلى حروب أهلية، وكذلك أي ترتيب جديد فيها من حيث شكل النظام السياسي أو بنية الحكم فيها أو تغير الدستور والتوافق الموجود، سيكون لها تأثير على محيطها وعلى الشرق الأوسط بكامله، حيث أن العراق وسوريا وعند تشكيلهما بالحدود الحالية مع تركيا من قبل بريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الاولى كان الحجر الأساس والنموذج في ترتيب وتشكيل المنطقة ودولها والتقسيمات المختلفة التي تم فرضها على مجتمعات وشعوب المنطقة. وكذلك هي الآن فشكل المنطقة وترتيبها وفق أولويات النظام العالمي الجديدة من الوارد أنها ستبدأ من العراق وسوريا وشكل التوافق بين الشيعة والسنة والكرد كثلاث مكونات بنيوية وأسياسية في التكوين العراقي المجتمعي والدولتي وكذلك في سوريا .
وحتى الآن، لا يبدو أن أيا من الجانبين المتناقضين من الإطار والتيار و داعميهم الإقليميين والدوليين مستعد للتراجع قيد أنملة في المواجهة المستمرة منذ عشرة أشهر لتشكيل حكومة وفق لشروط كل طرف، بيد أن كلا الطرفين عرقلوا مساعي الطرف الأخر حتى الآن والقادم أيضاً سيكون صعباً إن لم يتحول لصراع مفتوح بين القوتين اللتين يمتلكان بالإضافة للخلافات والتوجهات السياسية تناقض أيدولوجي وديني بسبب تواجد المرجعيتين الشيعيتين القم والنجف التي تريدان قيادة وسيادة العالم الشيعي والعلوي والتيارات والمجتمعات الإسلامية المحسوبة على أهل البيت على أثر الخلاف والشقاق الذي حصل بعد مقتل عثمان بن عفان (رضي الله عنه) وعلي (كرم الله وجهه) والحوادث المعروفة في التاريخ الإسلامي .
وفي الوقت الحالي، يبدو أن الطرفين المدججين بالسلاح يعملان على تجنب العنف انطلاقاً من إدراكهما تأثير ذلك على البلاد وعلى الأغلبية الشيعية التي صعدت إلى السلطة في إطار نظام سياسي أسسته الولايات المتحدة وتوغلت فيه إيران واحتلت شماله تركيا بعد الإطاحة بالصدام السني ونظامه وفق بعض التسميات والتوصيفات. .
لكن في ظل الأحداث الدرامية التي تشهدها بغداد مع اجتياح أنصار الصدر المنطقة الخضراء شديدة التحصين والتي تضم العديد من مقرات الدولة والسفارات مطلع هذا الأسبوع، يشعر العديد من العراقيين بالقلق من احتمال وقوع أعمال عنف أو قيام طرف ثالث بإحداث فتنة بينهم، مع ملاحظة مرونة تعامل الجهات والأجهزة الأمنية مع جماهير التيار الصدري بعكس التعامل القاسي من الجهات والأجهزة ذاتها مع جماهير الإطار التنسيقي وهذا يخلق علامات استفهام ربما حاول البعض فهمها و تداركها وأخذها بعين الإعتبار مع حالة من الترقب والرصد من القوى الإقليمية والدولية المتدخلة في الشأن العراقي وعدم إعطاء أي تصريح واضح من شأنه أن يفسر محسوبية وتبعية أي لجهة لطرف إقليمي أو عالمي معين مع معرفة الكل بتبعية وميول كل الجهات العراقية الإقليمية والدولية.
ولاشك أن القوى الإقليمية والعالمية ومن تصريحات بعضهم يمكن ملاحظة الشعور بالقلق وهم يراقبون التوترات الحاصلة وأزمة تشكيل الحكومة ونزول الطرفين للشارع الذي من الصعب التحكم به إذا كان بعض القوى الإقليمية والعالمية تريده أداة وجزئية في ظل التنافسات والتدخلات المختلفة في العراق وعلى موارده المختلفة والغنية كمصادر الطاقة والغاز وغيرها و كذلك في ظل الاصطفافات وتشكيل الكتل الدولية والإقليمية المرافقة للحرب والأزمة الأوكرانية بين روسيا وحلفائها والناتو وحلفائه وتزايد التصعيد واحتمال بروز ساحات ساخنة جديدة بين روسيا وأمريكا.
غياب الديمقراطية:
على صعيد الداخلي تكمن الأزمة العراقية في غياب الديمقراطية، حيث أن الشعب العراقي وبمختلف مكوناته ظل يعاني من نظام صدام الدكتاتوري الفاشي فترة طويلة ولم تكن الظروف فيها مناسبة ومساعدة لتكون مسارات اجتماعية وسياسية واقتصادية ديمقراطية، ومع سقوط صدام وقدوم الطبقة السياسية الجديدة مع ولاءاتها وتبعياتهم المختلفة لم يحصل أي تركيز وجهود كافية لبناء الذهنية والسلوك الديمقراطي و الثقافة والمؤسسات اللازمة لتحقيق التحول الديمقراطي في المجتمع العراقي وبناء الديمقراطية كنظام للحياة، بل أن هذه الطبقة التي تحكمت بالعراق من شماله إلى جنوبه وبعد حوالي 20 سنة ظهرت أنها غير قادرة على حل أزمات و قضايا الشعب العراقي واحتياجاته الأساسية وتحولت هي نفسها إلى عالة وأزمة للشعب العراقي، كما ظهر مع تحركات تشرين والعديد من حالات الانتفاض والرفض الشعبي والشبابي لحالات الفساد والنهب والسرقة من قبل الطبقة الحاكمة وأدواتهم سواء في بغداد أو الإقليم.
ومن الطبيعي عندما يغيب الديمقراطية والإرادة المجتمعية الحرة لن تكون الإدارة الموجودة لها علاقة بالشعب ومصالحه بل أن كل مسؤول سيكون همه كيفية سرقت أموال الشعب وتوديعه في البنوك الغربية كما ظهر مع الحسابات المختلفة للمسؤولين العراقيين في البنوك الأجنبية في الوقت الذي يحتاج العراق والعراقيين لهذه الأموال لمواجهة البطالة والفقر وبناء وأعمار العراق وتأمين حاجات الشعب الأساسية الخدمية.
ومع غياب الديمقراطية وحالة السلطوية والذكورية السائدة وتيارات الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي البعيد عن جوهر الإسلام وقيمه الأخلاقية، لم تجد المرأة العراقية مكانتها التي تليق بها في مجالات الحياة المختلفة من الاقتصادية والسياسية والأمنية والثقافية وغيرها رغم تواجدها الشكلي والمزهري في بعض التيارات السياسية والوظائف الحكومية وبذلك تم عرقلة مساهمة مؤثرة و استبعاد أهم فاعل أساسي وقوة كامنة ورائدة للحياة الديمقراطية والتوازن الاجتماعي والسياسي المطلوب لتحقيق النظام الديمقراطي الذي يحتاجه العراق، مع وجود الكثير من القامات الوطنية العراقية من الرجال والنساء الذين تم استبعادهم واقصائهم من قبل الأحزاب والطبقات الحاكمة سواء في بغداد أو أربيل.
التدخلات الخارجية:
من المؤكد أن أحد مصائب العراق كما سوريا وليبيا واليمن والعديد من دول المنطقة هو التدخل الخارجي وفي حالة العراق يمكننا القول أن أخطر تدخل فيه هو التدخل التركي، رغم أن البعض يحاول تسويق وإظهار خطورة باقي التدخلات الإقليمية والعالمية، وخطورة التدخل التركي يأتي أن تركيا تريد تقسيم العراق و إعادة دمج وضم ولاية موصل التاريخية وكذلك كركوك الغنية بالنفط إلى تركيا أي أنها تريد احتلال كل الشمال العراقي وضمنها إقليم كردستان العراق(باشور كردستان) الحالي لتركيا وذلك ضمن مشروع السلطة التركية الحالية المكونة من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية التركية بما يعرف بـ “الميثاق الملي” الذي يشمل شمالي سوريا وشمال العراق وقبرص وجزر اليونان وأرمينيا وبعض الأراضي من محيط تركيا ، في ظل صمت و تواطؤ إقليمي ودولي مع تركيا لوجودها في حلف الناتو وموقعها الاستراتيجي ولمصالح الدول معها ولقيامها بالأدوار الوظيفية المطلوبة منها في المنطقة كمتعهد لنظام الهيمنة العالمي مستغلة لبوسها السني الإسلامي للتسلل والتدخلات في المجتمعات العربية والمسلمة في دول المنطقة.
كما أن الممارسات والإجراءات التركية والتي تتم وبالتشارك مع حزب الديمقراطي الكردستاني المتواطئ و المحسوب على تركيا من بناء القواعد والمراكز التركية ضمن العراق وخاصة مناطق سيطرة حزب الديمقراطي الكردستاني التي تجاوزت 100 قاعدة وموقع ومركز لجيش الاحتلال التركي والذي يبلغ عدده الحالي 30 ألف ضمن العراق ومن مختلف التشكيلات إضافة إلى التواجد الاستخباراتي القوي والتحرك الحر والقيام بمختلف الأنشطة الإجرامية من الاغتيالات وتجهيز مرتزقة ونقل الاحداثيات وتجهيز بعض الكتائب المسلحة التركمانية وبمساعدة أعضاء ومؤسسات حكومية في الإقليم وخاصة المحسوبة على حزب الديمقراطي الكردستاني ، مع تواصل تركيا ودعمها لخلايا داعش في غرب وشمال العراق وكذلك في سوريا، حيث أن تركيا مازالت تؤمن أماكن قيادة وتدريب ومخابئ أمنة لقيادات داعش من الصف الأول في مناطق الاحتلال التركي في شمالي سوريا كما ظهر مع تواجد و قتل أبو بكر البغدادي وعبدالله قرداش والعقال وغيرهم في هذه المناطق من قبل التحالف الدولي لمحاربة وبمساعدة قوات سوريا الديمقراطية التي لها الفضل في هزيمة داعش في سوريا وفي عاصمتها المزعومة مدينة الرقة السورية .
من المؤكد والوارد أن تركيا لا تريد الاستقرار و الازدهار والأمن للعراق وشعبها وبالتأكيد أنها تسعى أن يكون هناك حرب أهلية بين الأطراف والمكونات العراقية ولا تريد أن يكون هناك عراق قوي وقادر يمنع ويردع التدخلات الخارجية و منهم الاحتلال التركي، و منذ عام 1983 تتدخل تركيا وتتجاوز السيادة العراقية وبحجج كاذبة وأوهام وخزعبلات تحت أسم محاربة الإرهاب والمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة مع العلم الدولة التركية هي أكثر من تمارس الإرهاب وتدعم الإرهابيين وتهدد جيرانها وتتجاوز سيادتهم ووحدة وسلامة أراضيهم، والمجزرة التي تمت قبل أسبوعين في منتجع برخ السياحي في زاخو بمحافظة دهوك بحق المدنيين هي إحدى جرائم تركيا وتدخلاتها ورغبتها في إخلاء المنطقة من سكانها ومحاولة تطويق زاخو واحتلالها وثم الدخول في العمق وربط مناطق احتلالها ببعضها من مثلث الحدود السورية العراقية التركية ومثلث الحدود التركية الإيرانية العراقية وصولاً إلى قاعدة زليكان في بعشيقة واستعمال الكتائب التي أنشأتها في كركوك وتلعفر وأربيل مع خلايا داعش والقاعدة للإقضاض على شنكال\سنجار والموصل وكركوك واحتلالها والسيطرة على نفطها وغازها ومحاصرة شمالي سوريا والبدء باحتلالها أيضاً كخطوة وطريق بداية لتطبيق العثمانية الجديدة في المنطقة ودولها التي يحلم ويخطط لها أردوغان مع حالة الضعف التي حصلت للمنطقة منذ قيام الربيع أو الخريف العربي. مع العلم لوكان هناك مواقف سابقاً كالتي ظهرت من الشعب والحكومة العراقية مع ارتكاب تركيا لمجزرة منتجع برخ في قضاء زاخو بمحافظة دهوك لما قامت تركيا بكل هذا الإجرام والاحتلال ضد العراق وسوريا ، حيث سابقاً كانت المواقف الخجولة والمترددة وكذلك المتواطئة والمشرعنة للاحتلال التركي هي السائدة ضمن النظام السياسي العرقي الذي ربما يمتد حتى الأن إن لم يظهر مواقف رادعة وتعاون مع القوات التي تقاوم الاحتلال والتمدد التركي في شمالي سوريا وشمالي العراق وما أعلنه رئيس ديوان مجلس وزراء حكومة إقليم كردستان البارحة من العمل لزيادة حجم التبادل التجاري مع تركيا بتوصية من مسرور البرزاني والدم العراقي مازال جارياً وساخناً على الأرض في المنتجع في زاخو يبين حجم العلاقة و التبعية لتركيا وللخارج.
إن حالة الاستقطاب التي تحصل في الشرق الأوسط والعالم مع الحرب الأوكرانية لها صداها وتأثيراتها ومؤشراتها في العراق، ولعل عدم تشكيل الحكومة العراقية حتى الآن لها علاقة بالفاعليين الدوليين وأدواتهم الإقليمية والمحلية وكذلك بالخلافات الإيرانية الأمريكية حول الاتفاق النووي وبالصراع العربي الإسرائيلي والعربي الإيراني إن صح التسمية. حيث أن المواقف والحلقة الدولية والإقليمية لها تأثير مباشر على الحلقة الداخلية العراقية وتفاعلاتها. وبالرغم من زعم البعض أن النفوذ الإيراني أو الأمريكي تغير في إطار المشهد الانتخابي والتوترات والتسريبات لكن مازال الأثنين حاضرين وبقوة وفعالية وبوسائل وأدوات وتقنيات مختلفة ومتعددة.
إن ما يحصل في العراق وضمن الطبقة السياسية والقوى الفصائلية العسكرية التابعة لها وحتى ضمن الحكومة العراقية وتفاعلها مع المحيط في جزء كبير منه إن لم يكن كله هو صراع لأجل السلطة والتحكم رغم أن الشعب العراقي مازال يعاني وليس لديه أمل وثقة بالحلول التي يمكن أن تجلبه الطبقة السياسية الفاسدة وبعض المتصدرين للمشهد السياسي والمظاهراتي من الطرفين، فالقضية هي في الثقافة والذهنية والسلوك الذي ساد بعد سقوط صدام حسين واثناء حكمه والذي يبتعد عن المبادئ الديمقراطية والقيم المجتمعية والعمل المؤسساتي إلى التفرد والسلطوية والتبعية وبالتالي إلى النهب والفساد وضياع حق العراقيين واستمرار الأزمات الاقتصادية والأمنية والسياسية والاجتماعية وانتشار داعش والإرهاب وفقدان الخدمات الأساسية. وبالتالي فتح الطريق أمام كل أنواع التدخلات الخارجية الذي يستفيد و يتغذى على المشاكل والقضايا الداخلية للمجتمع العراقي.
وكما من المفيد الإشارة أن المشكلة هي ليست فقط في القوانين والعقوبات والدستور أو الأطر النظرية والرسمية العراقية أو إعادة الانتخابات وتغير بعض الأشخاص في بعض المؤسسات القضائية أو في مفوضية الانتخابات بل أن المشكلة أعمق بكثير ولها جذور تاريخية، فالتعدد والتنوع القومي والإثني والمذهبي الغني الموجود في العراق إن لم يجمعه ويضمه ويستوعبه نظام ديمقراطي لامركزي سوف يستمر بجعل وصف العراق بأرض العراك والنفاق كذباً ونفاقاً مستمراً ولخدمة المتسلطين والدكتاتوريين والسارقين، لكن الحقيقة أن العراق هي أرض الخير والعطاء وأرض الحضارات والأبجديات وأرض أخوة الشعوب وتلاقي وتلاقح الثقافات فبابل المعروفة بـ 72 لغة وشعب ليس حدثاً عادياً وعابراً و كما أن العراق هو مهد اللقاءات والتحالفات العربية الكردية منذ أن تلاقي الساميين والأريين وحضارتي تل حلف الأرية وحضارة آل العبيد ذات المشارب السامية حيث كانت الإنسانية وبداية التطور والإبداع والاكتشافات والاختراع المثمرة وبناء المدن ونشوء أنظمة الإدارة والدولة و الفلسفات والعلوم المختلفة بعد أن استفاد وطور السومريين من انجازات الثورة النيوليتية التي وصلت لهم من ميزوبوتاميا العليا كردستان.
وعليه لكي يستطيع العراق من تجاوز أزماته وقضاياها القادمة في غالبيتها من غياب الديمقراطية والتدخل الخارجي والفراغ الفلسفي والثقافي والسياسي المرافق والموجود في العراق وفي المنطقة لابد له من بناء الذهنية الديمقراطية التشاركية وسلوكها الاجتماعي المقارب وبناء الإنسان والمجتمع الديمقراطي ذات الإرادة الحرة والديمقراطية حتى يكون هناك إمكانية لبدء مسار وسياق لتحقيق التحول الديمقراطي وبناء الديمقراطية كنظام للحياة والإدارة وقادر على استوعاب وفهم كافة الشعوب والمجتمعات والخصوصيات الموجودة ضمن نظام ديمقراطي لامركزي وهو المسار الطبيعي للمنطقة والعراق كالأمة الديمقراطية التي تبحث عن الحلول ضمن المجتمعات والشعوب الذين يعانون حقيقة من الأزمات والقضايا الأساسية وليست في البنى والهياكل والقوى السلطوية والدولتية الذين لا يهمهم سوى مصالحهم الخاصة والوصول إلى سدة الحكم واستلام السلطة عبر ديمقراطيات تمثيلية برلمانية ومسرحيات هزلية لا يؤمن ولا يثق بها الشعب العراقي وهنا تظهر أهمية الديمقراطية المباشرة عبر بناء التشاركيات والكومينات والمجالس والجمعيات المجتمعية والاتحادات الديمقراطية وكافة الأطر والبنى التنظيمية المجتمعية الديمقراطية التي يستطيع به الشعب ممارسة حقه في السياسة الديمقراطية والإدارة وبناء الحياة الديمقراطية وليس التعويل على الدولة والسلطة بل العمل لتحقيق التحول الديمقراطي في العراق وفي البعدين الاقتصادي والسياسي الهامين ومواجهة التحديات وهذا يتطلب مساحة كافية من الحرية والتعبير والتنظيم للمجتمع وأبنائه وكذلك العمل لبناء تركيب مجتمعي إسلامي ديمقراطي يأخذ بشيعية سيدنا حسين وسنية الناصر والسلطان صلاح الدين الأيوبي بعين الاعتبار وكذلك بناء ومراعاة الخصوصية والإدارة الذاتية أو الفدرالية الديمقراطية الجغرافية والمجتمعية وليست الطائفية والعرقية للتكوينات المجتمعية والأقاليم المختلفة ضمن عراق اتحادي ديمقراطي و قوي وموحد وبريادة المرأة والشباب العراقي وقادر على حل أزماته الداخلية ومواجهة التحديات المختلفة الداخلية والخارجية وكذلك ردع التدخلات الإقليمية والخارجية ومنع احتلال تركيا وتقسيمه للعراق وضم الشمال لتركيا ووقف التدخل الإيراني وغيره، وهذه ممكنة بالتشارك والتعاون والتحالف بين الشعبين العربي والكردي وخاصة بين الجيش والحكومة والمقاومين العراقيين مع كافة القوى الكردية الديمقراطية والمقاومة وعلى رأسهم حزب العمال الكردستاني و قوات الدفاع الشعبي (الكريلا )الوحيدين الذين يقاومون احتلال تركيا للعراق منذ عشرات السنوات ويحمونها بذلك أرض وشعب العراق، و من المهم ايضاً ممارسة الضغوط الكافية على حزب الديمقراطي الكردستاني لتراجعه عن تواطؤه وعمالته لدولة الاحتلال التركي وغيرها، حيث أن تركيا وخاصة سلطتها الحالية صاحبة مشروع العثمانية الجديدة لا تفهم سوى بلغة واحدة هي لغة القوى الصلبة التي تستخدمها هي في تعاملها وتفاعلها مع العراق وشعوب المنطقة من القوى العسكرية و القوى والعقوبات الاقتصادية التي تستطيع إن تم استخدامها بفعالية وبالشكل المناسب من إيقاف تركيا والعثمانية الجديدة عن تدخلاتها وجرائمها ووضع حد لها وإجبارها على الإنسحاب.