صرحت المحامية سلمى رمزي أن جريمة خطف واعتقال القائد عبد الله أوجلان تمثل خرقا فاضح للقوانين الإنسانية والأعراف، مطالبة كل القوى المعنية بحقوق الانسان بالتحرك بقوة من أجل كسر العزلة المفروضة على القائد وتحقيق حريته الجسدية.
صرحت المحامية سلمى رمزي أن جريمة خطف واعتقال القائد عبد الله أوجلان تمثل خرقا فاضح للقوانين الإنسانية والأعراف، مطالبة كل القوى المعنية بحقوق الانسان بالتحرك بقوة من أجل كسر العزلة المفروضة على القائد وتحقيق حريته الجسدية.
كتبت المحامية سلمى رمزي مقالاً بعنوان “خطف واعتقال أوجلان.. بين الخرق للقوانين الإنسانية والعمل على إطلاق حريته الجسدية” حول المؤامرة التي نسجت خيوطها لخطف واعتقال القائد عبد الله أوجلان ومواصلة السلطات التركية السياسة العدائية تجاهه نيابة عن النظام الامبريالي العالمي.
في الخامس عشر من فبراير/ شباط من العام 1999 تم خطف المناضل السياسي عبد الله اوجلان من العاصمة الكينية نيروبي بتعاون بين أجهزة المخابرات الكينية والأمريكية والاسرائيلية لصالح السلطات الأمنية التركية التي قامت بنقله بطائرة خاصة جهزت لهذا الغرض وتم وضعه في سجن خاص مشدد في جزيرة إمرالي التركية، و في 31 مايو/ أيار 1999 بدأت محاكمته في جزيرة إمرالي الذي تم حبسه فيها بعدة تهم من بينها تأسيسه لحزب العمال الكردستاني وإدارته وقيادتها للحزب وهذا ما لم ينكره، بل على العكس أكده، وكيف ينكر مشاركته في النضال من أجل نيل شعبه الحقوق المشروعة .
وقد تمت الموافقة على قرار الإعدام الذي أصدرته المحكمة من قبل ديوان المحاكمات محكمة النقض في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 1999م، ولم تنفذه السلطات التركية لسببين أولهما رغبتها في الانضمام للاتحاد الأوربي الذي رفض المحاكمة وما صدر عنها من عقوبات، وثانيهما خشيتها من ردود فعل الجماهير الكردية التي كانت تتظاهر في العديد من المدن في تركيا وأوروبا دعما لقائدها الأكثر حضوراُ وتأثيراُ لدى الكرد، لكونه يناضل بكل قدراته من أجل قضاياهم العادلة.
طبقا لما أورده المناضل عبد الله أوجلان في الكتاب الخامس الذي كتبه في السجن، فإن خروجه الاضطراري من سوريا مرتبطٌ بالتمشيط الذي أجرَته شبكةُ غلاديو التابعةُ للناتو.
ووصل أوجلان إلى إن كلُّ أحداثِ المؤامرات والاغتيال التي جرت في تركيا لَم تَكُنْ في مضمونِها سوى انعكاساً لحروبِ الهيمنةِ المُسَلَّطةِ على شعوب الشرقِ الأوسط، وبالأخصِّ على شعوبِ الأناضول وميزوبوتاميا. ومن بينِها هناك سياقُ حربِ الغلاديو ذو المراحلِ الأربع مما طالَ المقاومةَ الكرديةَ التي يَرودُها، والذي عرضتُه في الفصول السابقة على شكلِ مسودة. إذ إنّ حربَ الهيمنةِ للقوى الرأسماليةِ كانت تستمرُّ متقمصةً قناعَ الفاشيةِ التركيةِ البيضاء. ولَطالما تواجدَ فريقٌ مستاءٌ من ذلك داخل الجيشِ منذ عهدِ مصطفى كمال. وهؤلاء وطنيون وغَيارى على الأناضول، ومنذ انقلابِ 27 أيار 1960 وحتى مرحلةِ الاستعداداتِ الانقلابيةِ لِما بعد عامِ الألفين، كان وضعُ هذا الفريقِ الذي بمستطاعِنا تسميتُه بالوطنيين ومُناصِري السلام، مختلفاً عن وضعِ الانقلابين والمتآمرين الذين كانوا يحظَون بدعمِ شبكةِ غلاديو الناتو أساساً. زِدْ على ذلك أنّ الامتداداتِ المنيعةَ والبؤرَ الحصينةَ لكِلا الطرفَين كانت موجودةً بين صفوفِ المجتمعِ المدنيِّ أيضاً، والتي كانت تشهدُ تجاذباتٍ وتنافراتٍ دائمةً فيما بينها. فكانت تتفوقُ إحداهما على الأخرى وفقاً للمرحلةِ السائدة. كما وكانت طبقياً تمثلُ البورجوازيين القومويين والمتواطئين بالضرورة.
وقبلَ خروج أوجلان من سوريا، كان التنافسُ بين هذَين الفريقَين قد طفا على السطحِ ثانيةً. هكذا، انتهى التنافسُ بين الموالين والمعارضين بشأنِ الحوارِ معه لصالحِ جناحِ غلاديو الناتو، أي لصالحِ الفريقِ المُناصرِ للحربِ والإبادة، وبدعمٍ من إسرائيل وأمريكا. وعشيةَ الخروج، أصرَّت الاستخباراتُ الإسرائيليةُ على الإيماءِ بنحوٍ غيرِ مباشرٍ بضرورةِ خروجه من سوريا. لَم يرى أوجلان ذلك مناسباً، تجنباً لتَكَبُّد خسائر فادحة في سوريا. كما لَم يَكُنْ يصادقُ على ذلك استراتيجياً وأيديولوجياً. لكنّ الحربَ كانت ستسيرُ في مجراها الطبيعيّ، وكان سيعيشون ما خبّأَه لهم القدَر. لَم يكُنْ قَدَرياً. إلا إنّ تغييرَ المسارِ والتخلي على حينِ غرّةٍ عن النهجِ الأيديولوجيِّ والسياسيِّ والعسكريِّ السائدِ قُرابةَ ثلاثةِ عقود، ما كان لِيَكُونَ عصياناً ذا معنى على القدرِ المحتوم. كان يتعينُ الالتزامُ بالصدق. وما كان له أنْ بعملَ أساساً لإنقاذِ نفسه، وبعد الإنذارِ الأخيرِ الذي أطلقَه “أتيللا أتيش” باسمِ غلاديو الناتو، لَم يَكُنْ بإمكانهم تصعيدُ الحربِ إلا في حالِ مساندةِ سوريا وروسيا لهم بثَبات. ولكن، لَم يُؤَمَّنْ هكذا دعمٌ أو مساندة. بل ولَم تَكُنْ لدى كِلا البلدَين القدرةُ ولا حتى النيةُ على تَحَمُّلِ وجوده شخصياً على أراضيهما. لقد كان هذا مستحيلاً فعلاً بالنسبةِ إلى سوريا. إذ كان من الواردِ أنْ تُحتَلَّ بين ليلةٍ وضحاها من طرفِ الجيشَين التركيِّ شمالاً والإسرائيليِّ جنوباً. ولو أنهم (سوريا) لَم يتوتروا، لَكان بوسعِهم خلقُ إمكانياتِ تَموقُعٍ أفضل بالنسبةِ له. إلا إنهم لَم يستطيعوا المُجازفةَ في ذلك. أما موقفُ روسيا، فكان ذليلاً أكثر. حيث أرغمَته على الخروجِ من موسكو، مقابل مشروعِ التيارِ الأزرقِ وقرضٍ من صندوقِ النقدِ الدوليِّ مقدارُه عشرةُ ملياراتٍ من الدولارات.
وكشف أوجلان عن إنّ سيناريو احتلالِ العراقِ أيضاً مرتبطٌ بعُرى وثيقةٍ بمسألةِ تسليمه. وفي الحقيقة، فقد بدأَ الاحتلالُ مع التمشيطِ الذي استَهدَفَه. والأمرُ عينُه يَسري على احتلالِ أفغانستان أيضاً. أو بالأصح، كان ذاك التمشيط الذي استهدفَه أحدَ وأولَ الخطواتِ المفتاحِ لتطبيقِ “مشروعِ الشرق الأوسط الكبير”. فقولُ أجاويد: “لَم أفهمْ بأيِّ حالٍ من الأحوالِ سببَ تسليمِ أوجلان لنا” لَم يَكُن عن عبث.
وانتقل المناضل والمفكر عبد الله أوجلان للحديث عن مرحلة معتقل جزيرة إمرالي، فذكر أن المساعي دارت لتطبيقِ أهمِّ قسمٍ من مؤامرةِ الغلاديو الكبرى في جزيرةِ إمرالي. فوظيفةُ الجنرال أنكين آلان، رئيس الوحدةِ التي جلبَته إلى الجزيرة، تكفي وحدَها لتسليطِ الضوءِ على هذه الحقيقة. إذ كان قائدَ القواتِ الخاصةِ آنذاك. أي بمثابةِ الرئيسِ الرسميِّ للغلاديو التركيّ. أما مقاربةُ مسؤولِ المفوضيةِ الأوروبيّة، والذي استقبَلَه في الجزيرة؛ فكانت تكشفُ النقابَ أكثر عن بُعدِ المؤامرةِ المتعلقِ بالاتحادِ الأوروبيّ. وهكذا كانت قد تجلَّت المعاهدةُ المُبرَمةُ بين أمريكا والاتحادِ الأوروبيِّ والإدارةِ التركية. وعليه، ما من برهانٍ قاطعٍ ومُنَوِّرٍ على أنّ التمشيطَ سُيِّرَ على يدِ غلاديو الناتو وبرعايةٍ سياسيةٍ أمريكيةٍ وأوروبيّة، أكثرَ من هذه الدلائلِ الثلاثة (تصريحاتُ المستشارِ الخاصِّ للرئيسِ الأمريكيِّ كلينتون الجنرال جالتيري؛ ومقاربةُ الفتاةِ المسؤولةِ في المفوضيةِ السياسيةِ للاتحادِ الأوروبيّ؛ ودورُ رئيسِ أركانِ القواتِ الخاصة التركيةِ أنكين آلان). لَم يَكُنْ يساوره الشكّ، حتى قَبل ظهورِ هذه الحقائق، في أنّ مَن يشلُّ تأثيره ليس قواتِ الأمنِ في الحكومةِ التركية. إلا إنه كان عاجزاً عن إدراكِ آليةِ التمشيطِ بصورةٍ تامة. حيث كان السياقُ يُعكَسُ بنحوٍ مغايرٍ تماماً لِما هو عليه في الواقع. وكان ثمة إصرارٌ شديدٌ على خلقِ أجواءٍ تُومِئُ بأنّ الحكومةَ التركيةَ تسحقُهم وتجني ثمارَ قمعِها. فإقرارُ رئيسِ الوزراءِ بولنت أجاويد بجهلِه لأسبابِ اعتقالِهم له، وبعدمِ استيعابِه لأسبابِ رغبتِهم في إعادته إلى تركيا؛ هو بحَدِّ ذاتِه برهانٌ حاسمٌ يُثبِتُ مصداقيةَ ادعائه هذا. وسوف تُبَرهَنُ صحةُ ادعائه مع زيادةِ الغوصِ في تحليلِ الأحداثِ واتضاحِ المستجدات.
وكشف القائد أوجلان عن أن أولُ مَن استقبلَه في الجزيرةِ كان جندياً برتبةِ عقيد، ويرتدي البزةَ العسكريةَ الرسمية. وقد عرَّفَ نفسَه على أنه ممثلٌ عن هيئةِ الأركانِ العامة. وهو مَن قامَ بالمحادثاتِ المهمةِ التي وجدَ أنه من المفيدِ أنْ تَكُونَ ثنائيةً منحصرةً بكِلَيهم، وأنْ تبقى سرية. وكانت له أحاديثُه المهمةُ والمختلفة عندما بدأَ التحقيقُ رسمياً بعد ذلك أيضاً. حيث استمرَّ عشرةَ أيامٍ ذاك الاستجوابُ الذي أجرَته هيئةٌ مؤلَّفةٌ من أربعِ خلايا أمنية (هيئة الأركان العامة، قوات الدرك، مديرية الأمن، والمخابرات الوطنية). وقد تَخَلَّلَه حديثٌ مسجَّلٌ على الكاسيت وموجَّهٌ إلى قياداتِ تلك القوات. كما أُجرِيَت بعد ذلك أيضاً محادثاتٌ متبادَلةٌ بمثابةِ دردشةٍ دامت لشهور. وكانت تأتي شخصياتٌ أخرى أحياناً، وتأتي هيئاتٌ من أوروبا أيضاً في أحايين أُخَر.
إن المؤامرة الدولية التي نسجت خيوطها لخطف واعتقال المفكر عبد الله اوجلان تكشف عن الوجه البشع للإمبريالية المتوحشة والمعادية لحق الشعوب في الحرية والحياة في مناخ من العدل والعدالة الاجتماعية، وتجلى ذلك بوضوح من خلال ممارسات السلطات التركية القمعية تجاه المعتقل السياسي والقائد والمفكر عبد الله أوجلان، باعتبار أن السلطات التركية تقوم بتلك الممارسات نيابة عن النظام الامبريالي العالمي.
إن خطف واعتقال الناشط السياسي يُعدّ انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان الأساسية، وتُعارضه العديد من القوانين الدولية، أهمها:
المادة 9: “لا يجوز القبض على أحد أو حجزه أو إيقافه تعسفًا“.
المادة 10: “لكل شخص الحق في أن يُنظر في قضيته محاكمة عادلة وعلنية من قبل محكمة مختصة ومستقلة، وأن يُحاط بجميع الضمانات اللازمة لضرورة دفاعه.”
المادة 9: “لا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفًا. ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب محددة بموجب القانون وطبقاً للإجراءات المنصوص عليها فيه.”
المادة 14: “لكل شخص الحق في أن يُحاكم محاكمة عادلة علنية من قبل محكمة مختصة ومستقلة، وأن يُحاط بجميع الضمانات اللازمة لضرورة دفاعه.”
المادة 16: “تتعهد كل دولة طرف باتخاذ جميع التدابير التشريعية والإدارية وغيرها اللازمة لمنع جميع أعمال التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، سواء ارتكبت من قبل موظفين رسميين أو بأي صفة رسمية أخرى.
كذلك فإن السلطات التركية تمارس سياسة العزل على المناضل عبد الله اوجلان وتمنع عنه محاميه وأهله في تحد للقوانين ومبادئ الأمم المتحدة التي وضعتها الدول الأعضاء وأعلنت التزامها بتطبيقها ومبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن دور المحامين تتمثل في التالي:
المبدأ 16: “يجب أن يتمتع المحامون بحرية التنقل والتواصل مع موكليهم بحرية، دون أي تدخل أو مضايقة.”
المبدأ 17: “يجب أن يتمتع المحامون بحق الوصول إلى جميع المعلومات ذات الصلة بالقضية التي يترافعون فيها، بما في ذلك الوثائق والتقارير الرسمية.”
أيضا هناك إعلان الأمم المتحدة المتعلق بحقوق المدافعين عن حقوق الإنسان ويتضمن ما يلي:
المادة 6: “تُتخذ جميع التدابير اللازمة لمنع أي تمييز ضد أي شخص بسبب ممارسته المشروعة لحقوقه وحرياته المنصوص عليها في هذا الإعلان، بما في ذلك الحق في التمتع بجميع الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.”
بالإضافة إلى هذه القوانين الدولية، هناك العديد من القوانين الإقليمية والوطنية التي تحظر خطف واعتقال الناشط السياسي.
وبذلك يمكن القول بأن جريمة خطف واعتقال المناضل السياسي والمفكر عبد الله أوجلان تمثل خرقا فاضح للقوانين الانسانية والاعراف وتتطلب من كل القوى المعنية بحقوق الانسان وكذلك المعنية بحق الشعوب في الحرية أن تتحرك سريعا وبقوة للعمل على فك العزلة عن المفكر عبد الله أوجلان وإطلاق سراحه.