المال والبنون، والمرأة
منى زيدو
ولطالما اكتفينا بما تم ويتم سرده علينا من عادات وأعراف وتقاليد على أنها من الطابوات التي لا يمكن المساس بها، والأنكى من ذلك هو أنه ينبغي على الكل الايمان بها على أنها من المسلمات والبديهيات في حياتنا الاجتماعية والتي من دونها لا يمكن للحياة الاستمرار. هذه الأمور والتي تحولت مع مرور الزمن إلى معتقدات مجتمعية وكل من يخرج عنها تلصق له كلمة “عيب”، أو أنه تم إلباسها قناع الدين من قبل كهنوت العصر وشيوخ السلطان حتى وصل الأمر لقول “حرام”، لكل من يشك بها.
ما بين العيب والحرام تم تحويل المرأة لكرة يتم قذفها هنا تارة وهناك تارة أخرى ولكل فريق جمهوره الخاص الذي يصفق أحياناً إن كانت الكلمة أو الركلة وفق ما يريدها أو يلعن إن كانت العكس. وطبعاً هنا يكون للكهنة الذين اتخذوا دور الحكم ورفع البطاقة الحمراء والصفراء في وجه كل من يعارضهم إن هم لم يلتزموا بفتاويهم وسيرتهم. ووصل الصراع ذروته على المرأة ومكانتها في المجتمع ما بين فريقي الكهنوتيين اليمينيين والقوميين اليساريين، فإما أن تكون متنقبة ومحجبة أو سافرة وكل فريق يوجه المرأة وفق هواه هو بعيداً عمَّا تبحث عنه المرأة بحد ذاتها.
تراجيديا بحث المرأة عن ماهيتها وكينونتها وذاتها ما زالت مستمرة منذ وقت طويل وإلى الآن ما زالت هكذا لأن المرأة بحد ذاتها تصغي إلى ما يقوله الآخرون عنها ولم تصل بعد لمرحلة أن تبحث عن ذاتها هي بنفسها بعيداً عن إملاءات الرجل. كتب أفلاطون كثيراً وكذلك سقراط عن المرأة ولحقه كم هائل من فلاسفة العصور الوسطى وخاصة أثناء الثورة الصناعية وما رافقته من نهضة واصلاح في أوروبا وبدأت هذه الثورة بالمرأة، والتي نادت بحريتها لتتحول من مشعوذة وساحرة إلى رمزاً للحرية والليبرالية التي نادى بها الفيلسوف الانكليزي جون لوك على أساس أنه لا يمكن للدولة المساس بحرية الأفراد والآخرين ولهم مطلق الحرية فيما يفعلون من غير حساب أو رقيب.
أما في مشرق المتوسط منبت الأديان فكانت وما زالت المرأة تبحث عن حريتها ما بين كلام الله وبين طور كتبه السماوية، التي تم تفسيرها وفق ما فهمه المفسرون وأهل الجماعة. التفسير الذي ربما غلب عليه وفيه الكثير من التراث الجاهلي والذي أصبح جزءً من الدين أو في أيامنا بات الدين كله. إذ، تحولت المرأة من الجاهلية التي كانت توأد فيه إلى زينة حياة الدنيا وهي مساوية للمال بنفس القدر.
المال الذي تم اختراعه أو اكتشافه منذ آلاف السنين بدلاً عن عمليات المقايضة الصعبة التي كانت تجري فيما بين التجار ولتسهيل الأمر على التجارة تم ايجاد وسلة أخرى ومساوية للبضاعة وهي المال. أي أنها منذ البداية كانت وسيلة لا أكثر وهي مساوية في قيمتها لقيمة السلعة المراد شرائها أو بيعها.
تحول المال رويداً رويداً من وسيلة إلى غاية وهدف لكل انسان يجهد طوال اليوم من أجل الحصول على المال. المال الذي تحول منذ القرن العشرين وحتى راهننا إلى معبود وإله للكثير من الناس الذين يقيسون مستواهم بما يكتنزون من مال أو ذهب. “معاك جنيه تسوى تسوى جنيه، ممعكش حاجة انت ولا شي”، بات هذا المقياس والمعيار في حياتنا هو الذي يحدد قيمة ومستوى الانسان وتعامل الآخرين معه. لذلك نرى أن الكل يلهث لجمع أكبر كمية من المال لأنه سيكون بمقدوره أن يفعل ما يشاء متى ما شاء. وارتباط المال بالبنون على أنهما زينة الحياة الدينا، وهذا يعني أن المرأة هي زينة الحياة ومتاع الرجل في الحياة وكذلك في الآخرة.
ما بين مال الغرب وبنون المشرق تأرجحت المرأة ما بين المتعة في الغرب والانجاب في المشرق، وهكذا تحولت المرأة إلى سلعة بيد الرجل الذي يمتلك المال. وللخروج من هذه الاشكالية الكبيرة ينبغي أولاً اخراج المرأة من كونها سلعة وهذا لن يتم إلا إذا قررت المرأة ذلك دون سواها. حينها الثورة النسوية يجب أن تكون على كل العادات والتقاليد والميراث الجاهلي وكذلك المصطلحات والتعريفات البعيدة عن حقيقة المرأة.
الحقيقة عشق والعشق حياة حرة. ولإعطاء الحياة معنىً ينبغي العمل كثيراً على زيادة الوعي لدى الانسان وكذلك الإرادة. لأنه بهما فقط يمكن خلق حياة حرة تكون فيها المرأة تعيش ذاتها وتنبض بالحياة من أجل الآخرين.