غلبة العادات والتقاليد على تكوين شخصيتنا وأفكارنا هي التي تحدد من نكون ونحن أطفالاً لا نعي من الحياة سوى بساطتها وعفويتها. لكن بعد ذلك تنهال علينا كم هائل من القوانين الصارمة من الأم والأب اللذين هما من يحدد شخصيتنا بالإضافة إلى البيئة التي نتربى فيها وما تحمل بين طياتها من عادات وتقاليد طبعت الحياة بختمها الذي سيستمر لمرحلة لا يمكن معرفة نهايتها.
ما كان عليه آباءنا سنكون نحن أيضا نسخة قريبة منهما تقريباً مع بعض الفوارق الشكلية لا أكثر إن كانت متعلقة بالتعليم أو الزمن، وغير ذلك لا تنمية ولا تجديد في أي عادات وتقاليد متواجدة في المجتمع لأنها متوارثة عن الآباء والأجداد الذين حددوا شكل الحياة مسبقاً بالنسبة لنا. وهكذا نأتي للحياة ولا نعرف السبب ونعيش الحياة ولا نعرف لماذا وما هو المطلوب مننا فعله وعمله، ونتزوج ولا نعرف متى وأين ولماذا ومن؟ إلا أنها سنة الحياة كما تعلمناها من آبائنا ونخلف الأطفال أيضاً لا نعرف لماذا وهي أيضاً من سنن الحياة والعادات والتقاليد وإلا قيل الكثير وأفواه الناس لا يمكن كتمها. وطبعاً الله هو الكفيل بإطعامهم بما أن الرزق على الله فما المشكلة أن نخلف المزيد من الأطفال وبنفس الوقت اشباع رغبة الطرف الآخر.
حياة نكررها منذ قرون وعقود من الزمن ولم نعي المعنى من الحياة حتى راهننا ولماذا كل هذا التكرار والعيش بنفس الأسلوب والطريقة التي عاش فيها من قبلنا. لكن ماذا نفعل إنه القدر الذي علينا أن نؤمن به من دون نقاش ولا حتى التفكير بالخروج عنه بما أنه أحد أسباب الايمان.
حياة بليدة ونعيش نفس المسرحية والمسلسل يومياً منذ استيقاظنا صباحاً وحتى حينما نضع رؤوسنا على الفراش ونحن نودع يوماً آخر من حياتنا المكررة. نستيقظ ونرى نفس الشخوص ونعمل ما نعمله كل يوم ونردد ما رددناه أمس وسنردده غداً وبعده، وهكذا إلى أن يأخذ الله أمانته ونرتاح من همِّ هذه الدنيا التي سنودعها يوماً ما ونحن أيضاً لم ندرك معناها وماهيتها.
وصلنا لمرحلة من الخداع والنفاق نعيشها تحت اسم الحب والعشق والتعلق بالآخر، لكن الواقع عكس ذلك تماماً معظم الأحيان. كم ندعي برُّ الوالدين ولكن حينما نكبر ونتزوج أول عمل نقوم به هو التفكير في كيفية التخلص من الوالدين اللذين باتا عبئاً علينا وحتى يمكننا أن نرميهما في أقرب دور مسنين. وكذلك حينما نتزوج نعيش أوهام الحب والعشق والموت من أجل الآخر، وما أن تمضي شهور أو بضع سنين ليتحول ذاك الحب والعشق إلى كابوس على الطرفين ليصل مرحلة الانفصال.
كمية الوهم التي تجرعناها كانت كبيرة وأكبر من أن نتحملها بسبب تحولنا وإيماننا بأن المادة هي كل شيء في الحياة. تركنا المعنويات والأمور الروحية وصرنا نعبد المال والمادة والأمور الشكلية من شقة وعربية وشوبينك من أفخر المولات والسفر والأكل الجاهز، صارت هذه الأمور من أساسيات الحياة حتى تحولت إلى ثقافة لا يمكن الاستغناء عنها.
معظمنا بات أسير الثقافة المادية التي أعمتنا عن حقيقتنا وأبعدتنا عن ذاتنا حتى اغتربنا عن الواقع الذي نعيشه والذي بتنا نهرب منه ونبحث عن مكان آخر نعيش فيه لنخرج من الروتين الممل الذي بات يكبلنا ولم نعد نعرف السير في طرقاته المجهولة.
المرأة التي اغتربت عن ذاتها باتت أسيرة للعادات والتقاليد والثقافة المادية وأوهام حياة الخواجات التي تسللت إلينا، حتى ابتعدنا عن ثقافتنا وحضارتنا المعمرة آلاف السنين والتي كانت يوماً مهد ومركز للآخرين. تنقية العادات والتقاليد من غبار الزمن وتلقيحها بما هو جديد متناسب وثقافتنا وبيئتنا هو الكفيل في أن نستعيد ما افتقدناه من علاقات مجتمعية كانت سبباً في تطورنا وتقدمنا وحتى وجودنا.
المرأة حينما تكون هي نفسها وغير مقلدة للآخرين وتكون هي التي تبتكر وتنتج ما هو كل جديد حينها يمكن للمجتمع أن يتطور نحو الأفضل ويصون نفسه من أية ثقافة دخيلة على المجتمع تسعى لتفتيته. العودة إلى الذات هو الأساس في معرفة الكثير من الأسئلة التي كنا لم نعرف أجوبتها، وهي السبب بنفس الوقت لإعطاء الحياة معناها. وحينما يكون للحياة التي نعيشها معناها حينها فقط يكون للحب والعشق معناه أيضاً، لأنه ثمة روابط عضوية ما بين الحياة والحب والعشق والمعنى والمرأة ولا يمكن فصلهما عن بعض أبداً.