الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

المرأة محبة

منى زيدو

حينما نتابع ما نعيشه على أرض الواقع من معاملات ومواقف وسلوكيات مفردة أو مجتمعية، نرى أنَّ معظم ما يحيط بنا من أحداث ووقائع ترجع بالأساس إلى نقطة غاية في الأهمية والحساسية والتي ابتعد عنها معظمنا نتيجة الغفلة التي نعيشها من الناحية الثقافة المجتمعية. فالانسان منذ بداية التاريخ وحتى الآن لا يمكن أن يعيش لوحده ككائن حر ومنتج إلا إن كان يعيش ضمن جماعة يقاسمها المشاعر والحنان والأفراح وبنفس الوقت الهموم والأحزان.

وبتنا لا نقدر على العيش إلا باستشارة من طبيب أو موجه نفساني ليوضح لنا ما نعانيه من أمراض لا نعرف أسبابها. وعلينا أن نعترف أيضًا بأننا في عالم التطور التقني والتكنولوجي والرقمي الذي أثر على وعينا وإدراكنا بشكل مباشر، نركض لمعرفة كل شيء من هذا العالم الافتراضي الذي يتم تغذيته بآلاف المعلومات التي لا نعرف مصدرها أو حقيقتها من عدمه. وضمن هذا الكم الهائل من المعلومات التي تنهال على أدمغتنا بألف أسلوب وأسلوب تنتهجه الجهة المصدرة لها، بتنا نتمسك بقشة علّها تنجينا من حالة الغرق الفكري الذي نعيشه. وبين تصديق لهذه المعلومة وتكذيب لتلك والتي تتوقف درجتها على ذوقنا ومشاعرنا وما نريده من هذه الحياة، والتي أوصلتنا لحالة من اليأس والإحباط تحيط بنا من كل جانب.

وهنا ينبغي علينا أن تطرح السؤال المؤلم؛ ما الذي أوصلنا لهذه الحالة من التردي الأخلاقي والخُلقي والكراهية؟ والبحث عن أجوبة لهذه الأسئلة ربما تنقذنا من المصير المجهول الذي يحيط بنا منذ الآن والذي يمثل الحاضر. ربما نتوصل من خلال التحليل والمعطيات التي بحوزتنا للكثير من الاستنتاجات والتوقعات القريبة من الحقيقة التي نريدها، وخاصة فيما تقوم به القوى المهيمنة في نشر ثقافتها الهوليودية الامريكية والبوليودية الهندية وكذلك يشيل جام التركية، التي غزت المنطقة من خلال أفلامها ومسلسلاتها الدرامية التي لا تنتهي حلقاتها إلا بعد تسمرنا أمام شاشات التلفزة لشهور، لمعرفة مصير تلك الفتاة التي أحبت ذاك البطل أو ذام البطل الذي يقاتل الكل ولا يموت من أجل حبيبته. وفي نهاية كل فلم أو دراما وبعد تسمرنا وجلوسنا الطويل لمتابعة ما سيدور من أحداث، نكون نحن بالذات قد نسينا أنفسنا ودخلنا في تفاصيل الأحداث الدرامية التي تنقلنا إلى عالم الخيال والوهم الذي سنعيشه بعد مل فلم أو دراما.

نعيش حياتين مختلفتين عن بعضهما وربما لا تلتقيان إلا في مخيلتنا، ذاك الفضاء الرحب الذي يستوعب كم هائل من المعلومات والأحداث والسيناريوهات والعلاقات الغرامية التي لا نستطيع البوح بها، لكننا نعيش تفاصيلها في عالمنا الثاني. ولكن في عالمنا الواقعي نرى أنفسنا لا نستطيع أن نتعايش مع أقرب المقربين مننا، إن كان الأب أو الأم أو الزوج/ة أو الأخ/ت، ونتهرب من النقاش معهم لأنه في أحكامنا المسبقة أنه ليس هناك من يفهمنا.

المرأة، ذاك الكائن الذي لم تُحل ألغازه بعد على ما اعتقد أنها تمتلك الشيفرة التي من خلالها يمكن حل معظم القضايا والمشاكل التي يعانيها المجتمع من كافة النواحي. كانت المرأة هي الآلهة والأم المنتجة لألاف السنين من عمر الانسان، وكانت الحياة تنبض بحيويتها وعملها وكدها ومحبتها وفرحتها حينما كانت تلك الانسانة التي تعيش ذاتها وماهيتها. ولكن ما إن تم تحويلها لكائن يعيش من أجل الآخر الذكر حتى تحولت الحياة إلى لونها الرمادي الذي نعيشه. كلنا ندرك أن المرأة هي الحضن الدافئ والحنون الذي نلتجئ إليه في أحلك الظروف، حينما تقسو الحياة علينا. ولكن حينما تركت المرأة وظيفتها الأساسية حتى هي تغيرت وباتت مغتربة عن ذاتها ولا تعرف نفسها إلا من خلال الرجل الذي يمتلكها. فبات حلم المرأة الأول والأخير هو الانتظار كي يأتيها الرجل ممسكًا بلجام حصان أبيض ليحملها إلى عالم الخيال الذي تعيشه. ولتكتشف بعد فترة أن ما كانت تفكر به وهي منتظرة فارس الأحلام لم يكن سوى الخديعة الأولى التي كانت في اغتراب المرأة عن ذاتها. فمن مرحلة كانت فيه المرأة هي الآلهة تحولت إلى مجرد آلة لإشباع رغبات الذكر وسلعة تباع وتُشترى تحت مسمى مؤسسة الزواج. وكل ذلك مع الأسف يتم باسم الدين وتم إلباسه ألف قناع من عرف وتقاليد مجتمعية تبيح للذكر فعل ما يشاء بالمرأة وأنه عليها فقط الطاعة وإلا كان مصيرها جهنم ونار سعير.

العيب والحرام والكثير من المصطلحات التي ما زلنا نحن النسوة أسيرات لها ولا يمكننا أن التحرر من هذا الأسر ما دام تفكيرنا لم يتعدَ أفلام الهوليود ودراما البوليود. العودة للذات وإعطاء القرار لذلك يمكن اعتباره من أهم القرارات التي يمكن من خلالها العودة بالمجتمع إلى حالته الطبيعية البعيدة عن تأثير الثقافات الغربية الاستهلاكية والتي جعلت من الانسان قزمًا لا حول له ولا قوة تحت اسم الحرية والبهرجة الشكلية.

ثقافتنا المشرقية الضاربة في عمق التاريخ لها من القوة والإرادة نستطيع من خلالها إن بعثناها من جديد بروح العصر والمرحلة التي نعيشها/ يمكننا من خلالها إعادة المنطقة بأكملها إلى رونقها وجمالها وحيويتها. وهنا فقط يمكننا القول إن المرأة محبة واحترام وثورة.

to top